عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
سينما الشعب

سينما الشعب

كان صديقي الفلاح المصري المكافح ضد الإحباط على المستوى الخاص والعام 



د. سيد خطاب أستاذ الدراما والنقد بقسم الدراما بالمعهد العالي للفنون المسرحية يشاركني أحلامًا خاصة جدًا في الشأن الثقافي، لاشتراكنا في تجربة التعلم المبكر في الثقافة الجماهيرية، هو رحمه الله رحمة واسعة في مدينة الفيوم مسقط رأسه ونشأته، وكاتب هذه السطور الذي بدأ الاهتمام المبكر في مسقط رأسه ونشأته في مدينة أسيوط. 

ولذلك وبعد عودته من بعثته في إيطاليا، واهتمامه بالدور الثقافي في عدد من المواقع الثقافية المهمة، والتي تكللت برئاسته للهيئة العامة لقصور الثقافة الشهيرة باسمها الأصلي الثقافة الجماهيرية، لأنه الاسم الذي يعبر عن جوهر وظيفتها ودورها. 

ولأنه تربى داخلها منذ كان فتى صغيرا مسكونا بهواجس وأحلام فقد كان رائعًا في اهتمامه بمتابعة انتظام عملها اليومي في القرى والنجوع والمدن الإقليمية البعيدة عن المركز الثقافي في العاصمة القاهرة. 

وكان أن بدأ مشروعًا في قصور الثقافة، بالشراكة مع عدد من رجال الأعمال لإعادة دور العرض السينمائي في أقاليم مصر المختلفة. 

وكان ذلك الاهتمام هو الرد العملي على تلك الخطة الممنهجة لهدم دور العرض السينمائي التاريخية في أقاليم مصر، والتي كان بعضها مملوكًا لعائلات هاجرت أو غيرت أنشطتها، مثل عائلة مقار التي حازت أكبر عدد من دور العرض السينمائي الشتوية والصيفية في ربوع مصر. 

وكانت عدة عوامل قد اجتمعت وهي الاحتكار الجديد للإنتاج السينمائي وامتلاك دور عرض جديدة، والحصول على حقوق التوزيع الداخلي والخارجي وقانون تنظيم عرض الأفلام الأجنبية ونظام حق العرض للأفلام الجديدة في دور عرض الدرجة الأولى، قد جعل أصحاب دور العرض التاريخية غير قادرين على إدارتها بتلك الطريقة التي اعتادوا عليها، فقرر البعض إغلاقها أو إهمالها أو بيعها. 

كانت دور العرض السينمائي البسيطة التي تسمى دور العرض الشعبية، أو الدرجة الثالثة، هي المكان الذي يذهب إليه الناس البسطاء للتسلية وللمتعة ولمغادرة الواقع إلى عالم الخيال، عبرها يسافرون إلى الغرب والشرق، ومنها يأخذون ثقافة سلوكية ووجدانية. 

أصبحت تلك الدور المترامية في كل مصر بحكم القانون لا يجوز هدمها إلا بحكم القانون، إلا لإنشاء دار سينمائية جديدة. 

ولكن كان أن تم التحايل على القانون بعد شراء مستثمر كبير مصري لمعظمها أعاد تعديلها في معظمها، ثم باعها لمستثمر مصري ثان، وهذا المستثمر هو شريك لمستثمر أردني شهير، كان قد اشترى معظم الأفلام القديمة الأبيض والأسود وباعها لدول عربية ولقنوات غير مصرية، امتلكت حقوق عرضها، وأصبحت مشاهدتها رهن إرادة تلك القنوات.

ثم أكمل دوره بهدم تلك الأصول، ومعظمها في مواقع جغرافية مهمة ليبني عمارات سكنية، أو مجمعات تجارية، وينشئ في أحد الطوابق صالة عرض صغيرة لا تزيد على أربعين مقعدا، كي لا يخالف القانون.

واحدة من تلك الدور أعرفها جيدًا وهي أثر معماري تجاوز عمره المائة من السنين وبطراز فريد، وهي سينما أسيوط الشتوي التي كانت مملوكة لعائلة مقار، أصبحت كيانًا تجاريًا وبه صالة عرض صغيرة. 

تطور الأمر إلى أن عددًا من المدن الكبرى في الأقاليم المصرية لا يوجد بها دار واحدة للعروض السينمائية. 

ولذلك كان مشروع د. سيد خطاب المثقف المصري الوطني رحمه الله مشروعًا مهمًا، ألا وهو عودة دور العرض السينمائي إلى قصور الثقافة، وتعطل المشروع لأسباب مالية وبيروقراطية. 

لكن المخرج هشام عطوة بحسه المهني المخلص؛ أكمل هذا المشروع حتى تم إطلاقه مرحليا في عدد من قصور الثقافة في موسم عيد الفطر المبارك 2022، وهو موسم سينمائي مبشر منذ أزمة التباعد الاجتماعي التي تسبب في حدوثها وباء كوفيد 19. 

خاصة وأن السينما المصرية تستعيد عددًا من كبار نجومها، إذ تم طرح خمسة أفلام لكبار النجوم مما حقق رواجًا ملحوظًا. 

وقد كانت مساهمة الفنان هشام عطوة في الهيئة العامة لقصور الثقافة بتلك الدور، أحد الأسباب في تربع فيلم أحمد حلمي النجم المصري المختلف على عرش الإيراد الأعلى في هذا الموسم. 

جدير بالذكر أن الأفلام المطروحة لاقت رواجًا في الدول العربية وإقبالًا جماهيريًا ملحوظًا، مما يجعل الأمر استعادة لوهج المواسم السينمائية المصرية، ويطرح عددًا من الملاحظات وهي: 

أولًا: ضرورة دعم مشروع سينما الشعب الذي أطلقته الهيئة العامة لقصور الثقافة. 

وجدير بالذكر أن الفنان تامر عبد المنعم يبذل جهدًا واضحًا لاستكمال المشروع ليصل إلى خمس عشرة دارًا للعرض السينمائي تعمل في الهيئة العامة لقصور الثقافة. 

وإن كنت أتمنى أن تعود كافة مسارح الهيئة إلى تقديم تلك العروض السينمائية بالتدريج. 

وجدير بالذكر أن تلك المبادرة من د. إيناس عبد الدايم تستحق التقدير والدعم والاهتمام. 

ثانيًا: ملاحظة دور العرض السينمائي المعطلة، التي تنتظر الهدم، وإعادة الاهتمام بتفعيل القانون لإعادتها بذات السعة الاستيعابية للجمهور، في حالة هدمها وإعادة تجديدها، حرصًا على منع التحايل في تطبيق القانون. 

هذا مع الحفاظ على الدور القديمة ذات الطابع المعماري الفريد في وسط القاهرة، والإسكندرية وغير ذلك، بطريقة إحصائية تسجل الطراز والمكان والطاقة الاستيعابية لتلك الدور المهمة. 

ثالثًا: ملاحظة أن كل تلك المنصات الإلكترونية، والقنوات الفضائية ليست بديلًا لفكرة التجمع البشري والمشاهدة الجماعية، التي تحققها عادة الذهاب إلى دور العرض السينمائي. 

وإدراك أنه لا استمرار لصناعة السينما المصرية دون وجود حقيقي لتلك الدور السينمائية، والحفاظ عليها، والسعي لإنشاء الجديد منها في أقاليم مصر، وفي المدن الجديدة. 

رابعًا: ملاحظة أن تلك الدور المصرية التاريخية كانت تستخدم لجمال معمارها للحفلات الغنائية، وبعضها كان يصلح لتقديم الأعمال المسرحية، فقد كانت مراكز مشعة للإبداع وللثقافة وللتسلية والترفيه والتنزه والتجمع البشري، ولذلك يجب الحفاظ على ما بقي منها وفهم فكرتها عند إنشاء دور جديدة.

خامسًا: ضرورة النظر في حسن استخدام مسارح الهيئة العامة لقصور الثقافة، وبعض منها هي مبان فائقة الجودة، لتقديم المواسم المسرحية للعروض المسرحية المحترفة، وإتاحة ذلك بالشراكة مع القطاع الخاص لتشجيع عودة الجولات المسرحية الإقليمية للفرق المسرحية، والتي عرفتها مصر مع الفنان الكبير يوسف وهبي والفنان الكبير نجيب الريحاني. 

سادسًا: ضرورة السؤال الملح وضرورة إعادة طرحه على النجوم الكبار، الذين حصدوا ثروات هائلة من الفن دفعها لهم الجمهور، لماذا لا يقدمون على إنشاء دور جديدة للسينما والمسرح، وفي مسرح نجيب الريحاني أسوة حسنة في شارع عماد الدين، وهو المسرح الذي لا يزال يعمل مخلدا اسم صاحبه الفنان الكبير. 

سابعًا: ضرورة تأكيد أهمية عودة المواسم المسرحية والسينمائية المصرية، لأن ظاهرة المهرجانات المنتظمة والعروض بلا دعاية محترفة ظاهرة لا يمكن أن تصنع مجالًا مهنيًا محترفا ومستقرا، فهي ظاهرة تصلح للمجتمعات التي بدأت مؤخرًا في الاهتمام بالإنتاج الفني وما زالت ظاهرة المشاهدة الجماعية المنتظمة لديها ظاهرة ناشئة. 

بينما عرفت مصر تلك المواسم الفنية بشكل تاريخي، بل وامتلكت دورًا للعرض السينمائي في عواصم عربية مثل البحرين واليمن، وهو الأمر المهم لاستقرار الصناعات الإبداعية الجماهيرية. 

طاقة نور وأمل هذا الموسم السينمائي الذي يستعيد للفن المصري بعضًا من قواعده المهنية التاريخية الراسخة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز