عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د.عادل القليعي يكتب: من هو المفكر المستنير المعتدل؟ تصورات ورؤى

د. عادل القليعي
د. عادل القليعي

في البداية لا بد أن نعرف، من هو المفكر؟.. المفكر هو الذي يهتم بقضايا واقعه المُعاش، أيًا كان عصره ومكانه وزمانه، لماذا؟!، لأنه إذا لم يكن مهتمًا بقضايا مجتمعه فلا قيمة لفكره ويذهب بفكره حيث يشاء، ولن يكتب لفكره الاستمرار.



وإنما المفكر الحقيقي هو الذي يتسم فكره بالديناميكية والحركية والاستمرارية، وإلا سيكون شأنه شأن من يدرس ويبحث من أجل البحث فيصنف باحثا أو دارسا، أما المفكر فهو الذي ينتقل بفكره وما توصل له من نتائج إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع، حتى إذا لم تتوافر له الإمكانيات اللازمة، على الأقل يخاطب بفكره أو يوجه في توصيات معتبرة إلى الجهات المسؤولة لتنفيذ ما أملاه عليه فكره.

إذن هو إنسان مهموم بقضايا واقعه، لا ينفصل بحال من الأحوال عن هذا الواقع، بل وهو دأبه وديدنه الإجابة الشافية عن الأسئلة التي تتعلق بهذا الواقع وهذه القضايا، بل ويجتمع حوله القوم يتباحثون ويتدارسون من أجل إحداث صحوة فكرية معملين عقولهم مستغرقين بالكلية قلبا وقالبا، مجتهدين قدر استطاعتهم للوصول إلى حلول للمعضلات التي تواجه بنو جلدتهم.

إذن هؤلاء قوم ليسوا بمعزل عن المجتمع، بل يخالطون الناس ليس لهم هم اللهم إلا قضايا القوم على كل مستوياتهم وطبقاتهم وتوجهاتهم الفكرية، فالمجتمعات قديما وحديثا ووقتها المعاصر مختلفة الطبقات، فهناك الطبقة الاقتصادية الرأسمالية، تحتاج إلى مفكر من طراز فريد يكون مفكرا اقتصاديا وليس بالضرورة أن يكون أستاذا جامعيا، وإنما يكون على وعي ودراية بمشكلات مجتمعه الاقتصادية وكيفية التعامل بمنهج منضبط للخروج من الأزمات، إن وجدت، أو تكون له رؤية ثاقبة للنهوض بالاقتصاد الذي يرتقي ببلده ويضعه في مصاف الدول المتقدمة وسمعنا كثيرا عن دويلات أصبحت دولا بفضل نماء الاقتصاد لديهم بفضل مفكرين اقتصاديين، وضعوا خططا استراتيجية وأحدثوا صحوة تنموية اقتصادية فصنفت بلدانهم من الدول المتقدمة اقتصاديا يفضل من؟!، بفضل هؤلاء المفكرين.

قس على ذلك في مجال التعليم على كافة مستوياته سواء التعليم الإلزامي أو التعليم الجامعي، إذا أردنا صحوة تعليمية حقيقية فحاجة أي دولة إلى مفكرين، لا يتحدثون فقط، فما أكثر الحديث، وإنما يمسكون بخيوط الأزمة من أولها ولا يقدمون حلولا وقتية أو أنصاف حلول، وإنما يكون جل اهتمامهم منصبا على تحديد خارطة طريق مبنية على أسس وقواعد محددة لا تقبل شكا ولا جدلا، وقد تقبل التعديل وفقا لمتطلبات الحاجة، علاجا جذريا، بعد الوقوف على أسباب الداء، ومن ثم يكون الدواء، وهذا لن يتحقق إلا بجهود مضيئة من مفكرين لا يفكرون داخل الصندوق تفكيرا كلاسيكيا، وإنما يفكرون خارج الصندوق.

وكذلك في المجال الفكر الديني، فليس كل من هب ودب نلقبه بالمفكر الإسلامي إذا كان مسلما أو المسيحي إذا كان مسيحيا أو يهودي إذا كان يهوديا، فليس كل من قرأ كتابا أو مجموعة كتب في مجال الفكر لقب بهذا اللقب _ خصوصا في المجال الديني الذي بات مستباحا_ فالكل أصبح مفكرا إسلاميا، الكل أصبح منظرا، الكل أصبح مفتيا، الكل أصبح مدافعا، الكل نصب نفسه مفكرا، ويجلس على مواقع التواصل الاجتماعي إذا لم تكن له متصات ومنابر إعلامية، يجلس ويكتب ويفتي بغير علم ويلقب نفسه بالداعية أو بالفقيه أو بالمفكر، ولا يعلم هؤلاء أن تلك طامة كبرى قد تضر كثيرا بالدين، وقد يأتي بآراء وأفكار هدامة تشتت عقول وقلوب وأفئدة الناس، أو تكون لهم منابر إعلامية مسموعة ومرئية ولها جمهورها الكبير، فيجلسون ليلا ونهارا ليس لهم هم إلا تخريب العقول والتشكيك في الثوابت والطعن على الرموز الدينية وعلى معجزات الأنبياء جميعا ظانين أنهم يحسنون صنعا والنتيجة المؤكدة ضلال مبين، وحجتهم حرية الرأي وحرية التعبير، وحرية الفكر، أي حرية هذه، للأسف استغلوا الحرية أسوأ استغلال والحرية ورب الحرية وواهبها منهم براء.

فهل هذا فكر مستنير تتفتح معه العقول، هل هذا فكر صالح يقود إلى الهداية، أم إنه فكر عبثي طالح يقود العقول إلى الشك والتيه والضلال.

ثم ضوابط لمن يريد التفكير الديني المنضبط، على الأقل يكون على دراية بضوابط ومقررات الشرع من حفظ لكتاب الله وسنة وأحاديث النبي وعلى دراية بالإجماع والرأي والمذاهب الأربعة وأن يعلم فحوى ومدلولات الاجتهاد.

وكل ذلك لا يكون إلا من خلال دراسات مستنيرة في أماكنها المعتبرة من الكليات الشرعية وكليات الدعوة ومعاهد الدعوة على أيدي متخصصين، وبعد ذلك يقررون هل يتصدرون المشهد، إما يتراجعون خطوات إلي الخلف.

السيدات والسادة، ليس كل من قرأ ودرس يلقب بمفكر، وإنما المسألة تحتاج لروية وتؤدة وسكينة واطمئنان عقلي لكل ما يعرض على العقل من قضايا.

أتدرون عندما سئل سقراط هل أنت حكيم؟ قال أنا محب للحكمة ولا أدعيها لأن الحكمة لا يوصف بها إلا الإله، قس على ذلك ولله المثل الأعلى هل أنت مفكر، قل أحب الفكر والنظر والاستبصار والفهم والدراية، ساعتها سيلقبك القوم بهذا اللقب.

مجتمعاتنا العربية تحتاج إلى مفكرين أكفاء ولا أقول فلاسفة، حتى لا يتهمنا أحد بأننا نريد أن نتصدر المشهد أو نروج لفكرنا وإن كان جل الفلاسفة وشغلهم الشاغل منذ نشأة التفكير الفلسفي، بدءا من حضارات الشرق القديم وحتى عصرنا جل اهتماماتهم الإنسان الذي يحيا في واقع يعج بالازمات المتلاحقة عجا.

نحن نريد مفكرين حقيقيين مهمومين بقضايا المجتمع وقضايانا كثيرة وملحة ولكنها ليست عصية الحل، فلو أخذنا على سبيل المثال بلدنا الغالي مصر وطننا الحبيب، شأنه شأن كل البلدان به أزمات تحتاج إلى جهود مفكرين من طراز فريد، فلدينا المشكلة السكانية وكيفية توظيف هذه الثروة البشرية لخدمة البلد، نحتاج مفكرين اجتماعيين،لتهذيب هذه الثروة وترويضها بغية الاستفادة منها، لدينا مشكلات التسرب من التعليم، الوقوف على الأسباب ووضع الحلول، مشكلات أطفال الشوارع، مشكلات الزواج المبكر، مشكلات وقضايا المرأة، مشكلات البطالة التي تحتاج إلى مفكر يخاطب الشباب خطابا توعويا مفيدا منضبطا، يصحح لهم المفاهيم الخاطئة التي علقت بأذهانهم، وأن الدولة عليها توفير فرص عمل، نعم ولا ننكر ذلك لكن هل ننتظر أم نشمر سواعد الجد ونبحث عن العمل.

كثيرة هي مشكلاتنا التي تحتاج إلى وقفات ووقفات من مفكرين محبين لأوطانهم، يتخندقون في خندق واحد مع القيادة السياسية، التي لا تألو جهدا لمحاولة توظيف فكر كل مفكر مستنير لخدمة البلد وللوصول بها إلي تحقيق نهضة شاملة وتنمية مستدامة.

حفظ الله بلدنا وقيادتها ووفق الجميع لما فيه الخير، وحفظ جميع بلداننا العربية والإسلامية.

وحفظ كل مفكر أعمل عقله إعمالا صحيحا من أجل تحقيق الاطمئنان العقلي والقلبي للآخرين، أقصد أبناء أوطانهم.

 

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز