عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أم وأب ثلاثة أحرف.. قراءة في الأسرار والدلالات 

أم وأب ثلاثة أحرف.. قراءة في الأسرار والدلالات 

أم، أب، ثلاثة أحرف فقط، تختصر الحياة، معنى الوجود.. لقبان يُمنحان لشخصين، يمثلان نشأة البشرية، يعقبان علاقة مقدسة، أساسها المودة والرحمة.. نفسان تسكنان لبعضهما البعض، فيأتي منهما الامتداد.



لست من هؤلاء، الذين ينظرون للأشياء بظاهرها، كثيرًا ما أجهد نفسي في البحث عن العلل البعيدة، الدلالات والرمزيات، إيمانًا بأنه لا شيء في الكون تلده الصدفة، بل كل شيء بقدر، ما يخفيه باطنه أعظم بكثير مما يُبديه.

حتى الحرف، لم يُخلق هباءً، له من المعاني، ما جعل الله سبحانه، يضعه في ذلك الموضع، ليحمل بين طياته الأسرار، وما أكثرها الخفايا في كل ما حولنا، لكنه تقصيرنا في إعمال عقولنا ما يؤخر اكتشافاتنا لها.   لقد حثنا الله- في أكثر من 40 موضعًا بالقرآن الكريم- على التأمل والتفكر والتدبر، في كل شيء، حثنا الله على التأمل والتفكر في التاريخ، والأحياء، والفلك والجغرافيا، والجيولوجيا، قبل أن تتحول تلك المجالات إلى علوم تتدارسها جامعات العالم.

دعانا خالقنا إلى التأمل والتفكر، مع كل رسالة بعث بها، لتختتم الرسالات في بداية القرن السابع الميلادي بنزول القرآن الكريم 610 ميلادية على خاتم المرسلين سيدنا محمد، حين لم تكن بالعالم علوم، ولا جامعات، فعن التاريخ قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ".

وفي علم الأحياء، والفلك والجيولوجيا، "أَفَلَا يَنظُرُونَ إلى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ".. سورة الغاشية الآيات من "17-22".

إعمال العقل عبادة، التزام بأمر الله الخالق، يكافئ به عباده المجتهدين، بكشف أسرار جديدة لكل ما يُعملون به عقولهم، لذا تتقدم الأمم التي تعمل عقولها، وتبحث في أسرار الكون.

بالعودة للقب أم وأب والتفكر في دلالات الأحرف المكونة، لهما، انطلاقًا من قناعة أن كل شيء بقدر، لا شيء جاء الكون هباءً، حتى أحرف الأسماء والكلمات، نلاحظ الكثير من الدلالات:

١- لقب أم وأب، يشيران لشخصين يمثلان جنسي البشرية، الذكر والأنثى، رغم كونهما ثلاثة أحرف، إلا أن بينهما الألف "مشترك"، والمختلف اثنان، ولعل السر في ذلك يكمن، في أنهما شريكان في إيجاد الثالث المشترك.

٢- ذلك الثالث المشترك، هو الامتداد المولود الجديد ثمرة علاقتهما المقدسة، دون وجودهما لا وجود لتلك الثمرة، ودون تلك الثمرة لا وجود للقب أم أو أب، يبقى "زوج وزوجه"، أو "رجل وامرأة".

٣- العظيم في أسرار تلك الأحرف الثلاثة- وأدعو الله أن يكون ألهمني الصواب- هو أن حرف الألف الأول المشترك فيهما، هو الحرف الأول في لفظ الجلالة "الله"، فهل هذه دلالة ورمزية إلى أن الخالق "الله"، أراد تكريم السبب المُباشر في وجود البشر، الأبوين، حتى في أحرف اسميهما؟!

فقد قال تعالى في كتابه الحكيم: "وقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا".. سورة الإسراء، "آية 23".

وفي هذه الآية الكريمة دلالات بليغة، لمن يُمعن التفكير، فقد اختص الله الإحسان للوالدين مقرونًا بإفراد العبادة له، لا شريك له، وهنا الله حكم يقضي، وفي الحكم إلزام لمن طلب رضا الله بأن يُحسن لوالديه، بلا شرط ولا قيد، فلا مبرر لك للعقوق، مهما كان شيطانك يبرر لك إهمال حق الوالدين.

والدلالة الأكثر وضوحًا، في اختصاص مرحلة عمرية بعينها، وهي بلوغ مرحلة الكبر والشيخوخة، ففي تلك المرحلة يكون الأبوان أو كلاهما ممن مد الله في عمره، أشبه بالطفل وأولى بالرعاية، فالله الذي أمر بالإحسان على المطلق للأبوين في كل مراحل عمريهما، ينهى عن الإساءة إلى من بلغ الكبر، حتى بالتأفف، أو نهرهما بكلمة أو سلوك يكرهه أحدهما.

٤- حرف الألف هو الأول في حروف اللغة العربية، ومختلف اللغات الأساسية بالعالم، وبترتيبه يكون رقم واحد، وواحد في علم الرياضيات يقصد به الوحدة، المنشأة لما دونها، فالواحد، هو الوحدة الأساسية التي تتكون من مضاعفتها كل الأرقام، حتى التي لا قيمة لها مثل الصفر يكون لها قيمة عندما توضع إلى جواره، مثل رقم 10، ومضاعفاتها.   وكأن هذا الرقم وهذا الحرف يعني نشأة كل شيء.

٥- أب وأم، يعنيان الأصل، والاحتواء والشمول، سيدنا آدم "أب" البشر، وأمنا حواء "أم" البشر، وكل أم إشارة إلى أصل الشيء واحتوائه، تنعت بالأم، أم اللغات، أصلها ومنها تنبت جذورها، وأم القرى أعرقها وأصلها، وأم الدنيا أصل حضارتها، وكأن تلك الأحرف الثلاثة تعني الأصل والجذور والشمول.

وكذا الأم والأب، منهما تنبت بذور الإنسان، وأصله وجذوره الجينية، وصفاته الوراثية، برهما وطاعتهما والإحسان إليهما، طريق النجاح والنجاة، وكسب رضا الله وطاعته.

٦- لحظات التأمل تهدينا إلى أن الامتداد، ابن وابنة، لقبان يبدآن أيضًا بحرف الألف، الذي عطفنا على دلالاته السابقة، بذات الحرف المشترك بين الإخوة والأب والأم ولفظ الجلالة، لكن يا لها من أسرار، عندما ندقق التأمل نجد ابنة وابنًا، لم يكتفيا من لقب الأب بحرف الألف بل يشتركان في حرف الباء أيضًا، أي أخذا من الأب حرفيه "أب" فأضيف للابن النون فقط.

وما أدراك ما حرف النون وما به من أسرار جعلت الله- سبحانه- الذي يعلم ما لا نعلم وهو بكل شيء أعلم، يقسم به في كتابه الكريم في أول آية من سورة القلم: "ن والقلم وما يسطرون".. وما أدراك ما القلم، رمز تدوين كل العلوم التي هدى الله ويهدي البشرية إليها.

وهو حرف النون المضاف للابن بعد حرفي الأب، هو المضاف أيضًا إلى الابنة، بما يحمله من أسرار وبركات، مع تاء التأنيث، وكأن اللغة كما الجينات والبصمة الوراثية والصفات، جمعت من الأب حرفيه، ومن الابن والابنة كامل حروفها بفارق بسيط لتحديد النوع بحرف تاء التأنيث.

يا لها من عظمة، ويا لها من دلالات في كلمات نرددها يوميًا دون أن نُمعن التفكير فيها، فهؤلاء الأبناء والبنات، سرعان ما يتحررون من الأحرف الزائدة لمنحهم لقب البنوة، ليعودا أبًا وأمًا مع زوجهم لتبدأ من جديد "دورة حياة".

وهنا لعل السر في أن الله أوصى بالوالدين في مرحلة الكبر، لأنهما لن يكونا فقط بلغا من الكبر عتيًا، وباتا كالطفل الذي يحتاج إلى رعاية وعناية، بل سيكون الأبناء في منزلة آباء وأمهات ليس لأطفالهم فقط، بل لمن مدّ الله في عمره من والديهم.

٧- يا لها من عظمة الخالق، فالأب يتكون لقبه من الحرفين 1 و2 في ترتيب أحرف اللغة، والأم من الحرفين 1 و24 في ترتيب الأحرف، الرقم 1 أصل كل شيء، والرقم 24 عدد ساعات اليوم، وكأن الدلالة أن الأم حصن أمن ورعاية، على مدار ساعات اليوم، فهي لا يغيب عن خاطرها ابنها لحظة، ترعاه صغيرًا في حضنها، وتحمل همه كبيرًا، لا يفارق اهتمامها، حتى لو كان بعيدًا عنها جغرافيًا.

ويا لها من عظمة الأرقام والأحرف الألف 1+ الباء 2+ في لقب أب، والألف 1+ الميم 24 في اللقب أم، جمعهم يساوي 28، وهو الرقم الذي يعكس إجمالي عدد أحرف اللغة، المكونة لكل عباراتها ومكوناتها وجملها، بل وحروف بناء القرآن الكريم وكل نص لغوي، هل كل هذا صدفة؟ مستحيل.

٨- لحظات تأمل في الدلالات الرقمية للأحرف الأبجدية المكونة لـ"ابن- ابنة"، يفيض الله بمزيد من الدلالات والأسرار، ابن بترتيب الأحرف 1+2+25= 28، وهي إجمالي عدد الحروف أيضًا، لأنه امتداد وأصل لجيل جديد عندما يصبح "أبًا". ابنة دلالات أرقامها 1+2+25+3= 31 حاصل جمع 31+28= 59 تُرى ما دلالة هذا الرقم؟!  وما هو سر ترتيب الأحرف "م ن"، الميم المميز للأم، والنون المشترك بين الابن والابنة، "م"، و"ن" في ترتيبهما "من"، أي أنهما بعض من الأم،  هل كل هذا صدفة؟!

متى يبلغ الطفل؟ العلم أجمع على أنه سن 18 سنة، واللفظ القرآني قال "إمّا يَبلغنّ عنْدك الكبرَ"، إذًا هناك درجة سنية عندما يصلها الإنسان يبلغ الكبر، فما هو سن الكبر؟ العلماء يصفونها بتقدم العمر دون تحديد.

دلالات جمع أرقام أحرف "ابن وابنة".. المثلان للأبناء المخاطبين بالنهي عن نهر الآباء والأمهات في الكبر، يساوي 59، وهي السن التي لها عظيم الدلالة، فمع اليوم الأول التالي لسن الـ59، يبدأ الإنسان أول أيام عامه "الستين"، ذلك العام الذي تمنح فيه الدولة موظفيها حق التقاعد، وترعاهم بمنحهم المعاش. هل يمكن أن يأتي كل ذلك صدفة؟! أم أن دلالات الأرقام المرافقة للأحرف تحدد سن بلوغ الكبر، الذي ذكره الله في كتابه الكريم؟!

لكل "ابن وابنة".. لديكم كنوز البركة، أمهاتكم وآباؤكم، فلا يفوتكم برهم، أحياء أو بعد انتقالهم لدار البقاء، فعملهم متصل بدعائكم لهم، وما تبذلونه من حقوقهم، سيرده لكم أبناؤكم.

رب اجعل هذه الكلمات وما أفضت به من خير عليّ، في ميزان حسنات أمي وأبي- فهما الأصل- رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا، وارحم وطبطب على قلوب أمهات وآباء شهداء الوطن.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز