عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

محمد عليه الصلاة والسلام.. و"الحبشة"

أ.د. إبراهيم محمد مرجونة
أ.د. إبراهيم محمد مرجونة

إن الهجرة إلى داخل إفريقيا من أهم العوامل وأولها في نشر الإسلام في إفريقيا، فكان أول اتصال بين المسلمين وإفريقيا هجرة المسلمين إلى بلاد الحبشة، فقد أحدث ظهور الإسلام انقلابا خطيراً في مجتمع مكه الجاهلي.



فحينما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام، بدأ بدعوه أهل بيته وعشيرته ثم أمره الله تعالى لتبليغ رسالته، فقال في كتابه العزيز "وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل اني برئ مما تعملون".

 

وبعد أن أنذر عشيرته، كلفه تعالي بتبليغ رسالته للناس كافة، يقول تعالى في كتابه الكريم: "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين"

 

وقال أيضًا تبارك وتعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين".

 

وعند ذلك واجه الرسول صلى الله عليه وسلم، مصاعب كثيرة، وثورة كبار المشركين وأشراف مكه ضد الدين الإسلامي ورسول الإسلام، فقد أمر بالقضاء على دين الأباء المنحرف، والشرك والكفر الذي كانوا يعيشون فيه، كما أنه ساوى بين طبقات المجتمع، ولم يبقى أي تميز بين إنسان وأخر، سواء كان حراً أم عبداً إلا بالتقوى والعمل الصالح.

 

وكان معظم من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، عدا أهل بيته الطاهرين، من الضعفاء والعبيد في مكة، فنالهم أنواع التعذيب كافة من المشركين، وكان التعذيب بالضرب والجوع والعطش والحبس، كذلك طرحوا في رمضاء مكة حين يشتد الحر، ليفتنوهم عن دينهم، وبذلك تعدد البلاء عليهم، فمنهم من فتن من شدة البلاء ومنهم من صمد على دينه، وعصمه الله منهم.

 

ومن الصحابة الذين عذبوا بلال بن رباح، الذي كان لبعض من بني جمح، وكان عمير بن خلف الجمحي يطرحه على ظهره في بطحاء مكة عندما يشتد الحر، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ويقول له: "لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى"، فيقول سيدنا بلال: "أحدٌ أحد" وظل هكذا حتى اشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه".

 

كذلك كانت معاناة عمار بن ياسر وأبيه وأمه من بني مخزوم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يمر عليهم ويقول لهم: "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"، وكان أبو جهل يغري بهم في الرجال من قريش، فكان إذا سمع بالرجل أسلم وكان له شرف ومنع في قومه، انَّبهُ قائلاً: تركت دين أبيك وهو خير منك، لنسفهن حلمك، ولنفيلنَّ رأيك ولنضعن شرفك". وإن كان تاجرًا قال له: "والله لنكسدن تجارتك، ولنهلكن مالك" وإن كان ضعيفًا ضربه وأغرى به، فكانوا يضربون ضعفاء المسلمين ويجيعونهم ويعطشونهم حتى لا يقدر أحدهم أن يستوي من شدة ما نزل به".

 

ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب أصحابه من البلاء والعذاب، وما هو فيه من العافية لمكانه من الله عز وجل، ودفاع أبي طالب عنه، وأنه لا يقدر أن يمنعهم، قال لهم: تفرقوا في الأرض فإن الله سيجمعكم، قالوا: إلى أين نذهب؟ قال: ها هنا وأشار بيده إلى أرض الحبشة".

 

وقال أيضًا عليه الصلاه والسلام للصحابة: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملك لا يظلم أحدًا عنده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه"، "فتحرزوا عنده حتى يأتيكم الله بفرج منه".

 

يقول الحاكم في المستدرك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى أذى المشركين للمسلمين قال لهم: "تفرقوا وأشار إلى أرض الحبشة، وكانت ترحل إليها قريش رحلة الشتاء، فكانت أول هجرة في الإسلام".

 

وكان اسم النجاشي وقتئذ أصحمة بن أبجر، ومعنى أصحمة بالعربية عطية، والنجاشي اسم لكل ملك يلي الحبشة، وكان الأحباش مسيحيين نسطوريين، ويشير الطبري إلى عدل النجاشي وصلاحه قائلاً: "وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي لا يظلم أحد بأرضه، وكان يُثني عليه مع ذلك صلاح وكانت أرض الحبشة متجرًا لقريش يتجرون فيها رفاغًا من الرزق وأمنًا ومتجرًا حسنًا".

 

واختار الرسول صلى الله عليه وسلم الحبشة لأنها أرض صدق، وهي أقرب البلاد المسيحية التي يحكمها ملك مسيحي إلى الجزيرة العربية، والسفر إليها أهون أمرًا وأسلم عاقبة، إذ أنه لا يزيد عن كونه عبور البحر الأحمر، وهو مما لا شك أسلم من اختراق الجزيرة العربية شمالاً أو جنوبًا، خلال القبائل المعادية، ولم يكن اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم للحبشة للصلات التجارية القوية، وإنما كما قال صلى الله عليه وسلم: "فان بها ملك لا يظلم عنده أحد" بحيث يكون المسلمون في أمان من أن ينزل بهم ضر أو أن يسلمهم إلى من لا يرحمهم

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية   

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز