عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

الحبشة واللجوء السياسي

د. إبراهيم مرجونة
د. إبراهيم مرجونة

كانت الهجرة إلى الحبشة هجرتين، الأولى كانت في رجب سنة خمسة من البعثة (615م) وكان الذين خرجوا اثنى عشر رجلًا وأربع نسوة، حتى انتهوا إلى ميناء العيبة، ومنهم الراكب والماشي، ووفق الله المسلمين ساعة وصولهم الميناء سفينتين للتجار، فاستأجروهما بنصف دينار للحبشة، وهم عثمان بن عفان، ومعه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو حذيفة بن عتبة، ومعه امرأته سهلة بنت سهيل، ومصعب بن عمير، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد، ومعه امرأته أم سلمة، وعثمان بن مظغون، وعبد الله بن مسعود، وعامر بن ربيعة، ومعه امرأته، وليلى بنت أبي هيثمة، وأبو سبرة، وحاطب بن عمر، وسهيل بن بيضاء، وهو سهيل بن وهب.



وعندما استقر هؤلاء المهاجرون بالحبشة وجاوروا النجاشي، وأمنوا على دينهم، عبدوا الله لا يؤذون، ولا يسمعون شيئًا يكرهونه، وقد أحسن النجاشي جوارهم حين نزلوا به، وكان مما قيل من الشعر في الحبشة قول عبدالله ابن الحارث بن سهم:

يا راكبًا بلغن عنى مغلغلة .. من كان يرجو بلاغ الله والدين

كل امرئ من عباد الله مضطهد .. ببطن مكة مقهور ومفتون

أنَّا وجدنا بلاد الله واسعة .. تنجى من الذل والمخزاة والهون

فلا تقيموا على ذل الحياة وخزي .. في الممات وعيب غير مأمون

إنا تبعنا رسول الله واطرحوا .. قول النبي وعالوا في الموازين

فاجعل عذابك بالقوم الذين طغوا .. وعائذ بك أن يعلوا فيطغوني.

ثم وصلت أخبار إلى المهاجرين بالحبشة أن قريشًا أسلمت، فرجع بعضهم إلى مكة، ولكنهم وجدوا المسلمين بمكة على ما كانوا عليه من تعذيب قريش لهم ونفيهم، ودخل مكة بعضهم مختفيًا وبعضهم بالجوار.

 

يقول بن سعد: أن المهاجرين في الحبشة قالوا: "فمن بقى في مكة إذا أسلم هؤلاء؟ وقالوا عشائرنا أحب إلينا، فخرجوا راجعين حتى إذا كانوا دون مكة بساعة من نهار، لقوا ركبًا من كنانة فسألوه عن قريش وعن حالهم" فقال الركب: "ذكر محمد آلهتهم بخير فتبعه الملأ، ثم ارتد عنها فعاد لشتم آلهتهم وعادوا له بالشر، فتركناهم على ذلك" فأتمر القوم في الرجوع إلى أرض الحبشة، ثم قالوا: "قد بلغنا، ندخل فننظر ما فيه قريش ويحدث عهدًا من أراد بأهله ثم يرجع"، فدخلوا مكة ولم يدخل أحدهم إلا بجوار، إلا ابن مسعود فإنه مكث يسيرًا ثم رجع إلى الحبشة، والسبب الرئيسي لعودة المسلمين من الحبشة هو إسلام حمزة بن عبدالمطلب وعمر بن الخطاب، فإن إسلام حمزة رضي الله عنه قد كان بسبب العصبية القبلية ثم حسن إسلامه، أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو الذي دعى له الرسول صلى الله عليه وسلم بالإسلام حيث قال: اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب" وعندما أسلم كبر الرسول صلى الله عليه وسلم وبذلك عز الإسلام بحمزة أسد الله والفاروق عمر رضى الله عنهما، حتى أن المسلمون لم يستطيعوا أن يصلوا عند الكعبة إلا بعد إسلام عمر بن الخطاب حيث أصبحوا في قوة ومنعة من المشركين، ورجع المسلمون واستمرت الهجرة إلى الحبشة وتتابع المسلمون إليها فيما يطلقون عليها بالهجرة الثانية، وكان فيها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ومنهم من خرج بأهله معه، ومنهم من خرج بنفسه، فكان من لحق بأرض الحبشة ثلاثة وثمانون رجلًا عدا زوجاتهم وأبنائهم، وتزايدت الهجرة حتى بلغت ما يقارب الستمائة مسلم، وهؤلاء المهاجرون لم يهاجروا جميعًا من مكة، بل أن بعضًا منهم قد هاجر من اليمن برئاسة أبي موسى الأشعري.

 

قال السيوطي في هجرة أبي موسى الأشعري، أن أبا موسى كان باليمن وخرج مهاجرًا من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما علموا بهجرته إلى المدينة، فخرجوا في بضع وخمسين رجلًا في سفينة، فألقتهم السفينة نحو الحبشة حيث النجاشي والمهاجرون، فوافقوا جعفرًا وأصحابه، فأمرهم جعفر بالإقامة معهم حتى قدموا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر.

وذكر البخاري في صحيحه حديثًا رواه أبو بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: "بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فركبنا السفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا"، فوفقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتين.

 

واستمرت الحبشة طيلة هذه الفترة التاريخية أرض أمن وأمان وملجأ سياسي للمسلمين. 

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز