عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

إرهاصات الميثولوجيات في القارة الإفريقية

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

تشكل بصفة عامة فكرة أو مصطلح "الميثولوجيات" Mythologies (ومفردها: ميثولوجيا)، أو "الأساطير" ذات الطابع الشعبي، جانبًا مهمًا من الجوانب الحضارية والثقافية في حياة الإنسان، أو أي تجمع بشري بصفة عامة عبر الحقب التاريخية المتعاقبة. وربما يبدو ذلك التصور في أكثر المجتمعات الإفريقية، أو القبائل والشعوب التقليدية ذات الإرث والموروث الثقافي القديم. 



 

وتذكر الموسوعة الأمريكية أن لفظ "ميثولوجيا" يقصد بها القصص والحكايات التقليدية الشعبية لأي شعب من الشعوب، وتشكل تلك الحكايات بشكل إجمالي التاريخ الشعبي لهذا الشعب. 

 

وتصور "الميثولوجيا" أو "علم الأساطير" تلك التصورات الشعبية المحلية حول أبطال أي شعب من الشعوب، ومعبوداتهم، وكذلك عاداتهم، وطقوسهم، وأفكار هذا الشعب القديمة. وتتميز المجتمعات الإفريقية بأنها ذات حياة بسيطة في تلك القارة، وذلك على تنوعها ربما أكثر من غيرها من الشعوب الأخرى التي سكنت تلك الأرض منذ فجر التاريخ، وحتى يومنا هذا.

 

ومن اللافت، وبحسب بعض الموروثات الإفريقية القديمة تنسب نشأة الأساطير أو الميثولوجيات الإفريقية لأحد الجرذان الذي كان يتلصص، ويسمع الحكايات من بيوت الناس. ويشكل ذلك- فيما لا يدع مجالًا للشك- تفسيرًا في مدى البساطة وربما السذاجة التي قد تخلو من العمق حول نشأة الأساطير والموروثات الإفريقية القديمة، وهو يعبر عن بساطة الفكر الذي يحمل مثل تلك الموروثات الشعبية. 

 

وعن نشأة "الميثولوجيات"، أو ما يمكن أن توصف بأنها مرحلة "الإرهاصات الأولى" أو المبكرة، في إشكالية تكوين الموروث الإفريقي عبر التاريخ، تقول احدى الحكايات الإفريقية، أو الميثولوجيات المحلية: "كان الفأر يستطيع التسلل إلى كافة الأماكن، فكان بوسعه الذهاب إلى بيوت الأغنياء والفقراء على حد سواء، وكانت عيناه اللامعتان شاهدتين على الكثير من الأسرار والخبايا، كما كان الفأر يستطيع الولوج إلى أي مخبأ مهما كان مؤمنا وحصينا. وذات مرة قرر الفأر أن ينسج الأساطير والحكايات حول كل ما رآه، وعايشه في زمنه". 

 

وهو تصور في غاية البساطة، وربما نقول السذاجة، وهو ما يتفق مع طبيعة المجتمعات الإفريقية قبل مرحلة المدنية التي بلغتها مع قدوم المهاجرين العرب والمسلمين لبلادهم، ومن ثم ازدهار الممالك الإفريقية القديمة على غرار مملكة غانة، ومملكة مالي، ومملكة صنغي، وممالك الهوسا.. الخ. ومن ثم، فمن المؤكد أنه "الميثولوجيات" أو "الأساطير الشعبية" ارتبطت بالإنسان الإفريقي منذ أقدم العصور، وكذلك ارتبطت بالشعوب والقبائل الإفريقية بما يقال لها "الموروثات الشعبية"، والحكايات الأسطورية ذات الطابع الديني، أو "الصبغة الثيولوجية"، والتي تتوارثها الأجيال جيلا من بعد جيل. 

 

ولعبت "الميثولوجيات الدينية" و"الأُساطيرُ الشعبية" ذات الصبغة الدينية، دورًا مُهمًا وحيويا في تكوين البنية والتركيبة الأيديولوجية، وكذلك العقلية الخاصة بالعديد من الشُعوب، والمجتمعات الإفريقية القديمة عامة بكل ما فيها من التشابكات والتعقيدات عبر العصور، لا سيما تلك التي كانت تسكن الممالك الإفريقية القديمة جنوب الصحراء Sahara. وساهمت الميثولوجيات والموروثات القديمة في تكوين تُراثها المحلي، وكذا عاداتها، وتقاليدها المحلية عبر الحقب المتعاقبة. 

 

ومن الواضح أنه لا توجد جماعة بشرية مهما كانت بدائية لا يوجد لديها أفكار عن موجودات أو كيانات تعلو على الطبيعة. وعلى هذا فإنه يمكننا أن نتصور أن أكثر الشعوب البدائية كالشعوب الإفريقية والآسيوية، لا سيما تلك التي عاشت على الصيد، والقنص في صيرورة حياتها والحصول على ما تحتاج له من الطعام من أجل البقاء، وغير ذلك من الحرف البدائية منذ عصور ما قبل التاريخ كان لديها قدرة مكنتها من تكوين تصور فكري يمكن أن نصفه بأنها أفكار دينية أو ثيولوجية. وكانت تلك الأفكار يغلب عليها التصور الميثولوجي لحد بعيد. ويشير الباحثون إلى أن أكثر الميثولوجيات التي ذاعت في أي من المجتمعات القديمة كانت قد ظهرت في الأصل في المجتمعات البدائية التي لم يكن لها لغات مكتوبة، أو تاريخ مكتوب، أو تلك المجتمعات فيما قبل ظهور الكتابة بها، وتدوين تاريخها، ومن ثم ذاعت تلك المرويات القديمة بين الناس بشكل شفاهي. 

 

وتداخلت العديد من الروايات ذات الصبغة الميثولوجية في عقائد الشعوب بشكلٍ عميقٍ، وكونت تراثًا شفاهيًا ثريًا ومتنوعًا حتى صار من العسير أن نُحدد بشكل دقيق ما هو حقيقي ضمن العديد من الموروثات الميثولوجية في ممالك إفريقيا القديمة. ومن ناحية الأصل اللُغوي، اشُتق لفظ "الأُسطورة" (Myth) من اللفظ اليوناني: "ميزوس" (Mythos). 

 

ويعتقد أن فكرة الميثولوجيا أو الحكاية الأسطورية تكون الغاية منها مرتبط ببعض التصورات المحددة كالمعبودات، والعلاقات بين الإنسان والكائنات الأخرى التي تعيش معه، أو ترتبط الميثولوجيات في الأصل بما يرتبط بالتفسيرات أو التأويلات المعقدة للظواهر الطبيعية، كما أن الميثولوجيات تهتم بالحديث عن الأبطال أو الأسلاف. ويشير بعض الدارسين غلى أن الحكايات الخرافية ليست إلا لونا من ألوان الميثولوجيات أو الأساطير الشعبية، ولا ريب أن كلا المصطلحين يعبر عن شكل أدبي، وترتبط بكليهما ظاهرتان: الطبيعة الإنسانية وظاهرة الميل إلى الشيء العجيب أو الغريب، وظاهرة الميل للشيء الصادق والطبيعي  

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز