الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أزهريون: "الإسراء والمعراج" معجزة ومكافأة إلهية لرسولنا الكريم لصبره على الأذى فى "عام الحزن"

بوابة روز اليوسف

تعد معجزة الإسراء والمعراج، مكافأة للنبي صلي الله عليه وسلم، لصبره علي الابتلاء الذي اشتد من قومه، خاصة بعد وفاة عمه أبى طالب، وأيضاً زوجته السيدة خديجة بنت خويلد، وقد حزن النبي صلي الله عليه وسلم علي وفاتهما، وسمي العام "عام الحزن" فأراد الله عزو وجل أن يفرح قلب نبيه، ولنخرج بدرس مستفاد أنه بعد العسر يسر، وإنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب .

 

وما يظهر من افتراءات وأكاذيب بإنكار المعراج لاتصدر الا من جهلاء، يقصدون محو معالم الدين الإسلامي، والتشكيك في الوحي. 

"بوابة روز اليوسف" تفتح هذا الملف الشائك، للرد علي تلك الادعاءات المغرضة والشبهات.

في البداية أكدت الدكتورة أماني محمود عبد الصمد إبراهيم - أستاذ مساعد الشريعة والقانون، وعضو المكتب الفني لأمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف،  أن الإسراء والمعراج حادثة فريدة في تاريخ معجزات الأنبياء والمرسلين، وهي ثابتة بالنص القرآني الصريح الواضح الذي لا يقبل الجدل أو التأويل، إلى جانب ما جاء في السنة الصحيحة الثابتة عن نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. وإجماع الأمة، ولم ينازع في ثبوتها إلا من نازع في قضية الإيمان بالغيب في أصلها.

وأوضحت أن الإسراء والمعراج حدثان منفصلان في حدوثهما.

الحدث الأول وهو رحلة الإسراء التي تمت بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ليلاً إلى بيت المقدس، ثم عودته في ذات الليلة عن طريق البراق.

قال تعالى: (سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ) سورة الإسراء.

والحدث الثاني هو رحلة المعراج: وهي الرحلة الفريدة التي عُرِجَ فيها بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس  إلى سدرة المنتهى، حيث عرش الرحمن جل وعلا.

فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما واللفظ للبخاري: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: " بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ - وَرُبَّمَا قَالَ : فِي الْحِجْرِ - مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ - قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : فَشَقَّ - مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ - فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي : مَا يَعْنِي بِهِ ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ . وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ، وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ - فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ : هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ ؟ قَالَ أَنَسٌ : نَعَمْ - يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جِبْرِيلُ. قِيلَ : وَمَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ : مُحَمَّدٌ. قِيلَ : وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ. قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ : هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ : مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جِبْرِيلُ. قِيلَ : وَمَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ : مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ. قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى، وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ، قَالَ : هَذَا يَحْيَى، وَعِيسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا. فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّا، ثُمَّ قَالَا : مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جِبْرِيلُ. قِيلَ : وَمَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ : مُحَمَّدٌ. قِيلَ : وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ. قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ : مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جِبْرِيلُ. قِيلَ : وَمَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ : مُحَمَّدٌ. قِيلَ : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ : نَعَمْ. قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ، قَالَ : هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ : مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جِبْرِيلُ. قِيلَ : وَمَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ. قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ : هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ : مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ : وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ : مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ : مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ ؟ قَالَ : أَبْكِي ؛ لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جِبْرِيلُ. قِيلَ : وَمَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ : مُحَمَّدٌ. قِيلَ : وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ : مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ : هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ. قَالَ : مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ. قَالَ : هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ؛ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَقُلْتُ : مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ، وَالْفُرَاتُ. ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَال: هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ، فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ : بِمَا أُمِرْتَ ؟ قَالَ : أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ : إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ : بِمَ أُمِرْتَ ؟ قُلْتُ : أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ : إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ. قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ : أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي ".

رواه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج حديث رقم 3887.

مشددة علي أن هذا كلام رب العزة، وحديث نبينا الذي لا نملك أمامه إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا، وهذا منطق الإيمان، ولو كانت أمور الإيمان كلها أموراً محسوسة ما امتاز المؤمنون عن غيرهم.

وقالت الدكتورة أماني: إن التشكيك في الوحي السماوي، والطعن في المُسَلَّمات وما عرفته الأمة من دينها بالضرورة، إنما هو نوع من العبث المرفوض، لأنه يخدش أقدس ما يحيا الإنسان من أجله، وهو إيمانه الذي استقر في يقينه، كما أن العبث بالمقدسات يملأ نفوس أصحابها بالغيظ والحنق، وبكل ما هو سيئ، مما ينال من السلم الاجتماعي ويقوّض أركانه ويهدم بنيانه.

وأكد الدكتور وائل عبد الكريم، مدرس بقسم الثقافة الإسلامية، كلية الدعوة الإسلامية، أن معجزة الإسراء والمعراج من القضايا التي احتد النقاش حولها، حيث أنكَرها من أدركها من الكفَّار، وورث هذا الإنكارَ عنهم بنو ملَّتهم مِن دُعاة الشّبَه ومثيري الفِتن، حتى سرتِ العدوى إلى بعض المسلمين فأنكَروها، وادَّعوا أنها قصَّة أسطوريّة خرافيَّة، وردُّوها جملة وتفصيلًا، واختلقُوا معاذير لردِّها لم تخرج عن معاذير مَن قبلهم في أغلب أحوالها، إلا في جانبِ ظهور المغالَطة والجهل بالتعبير اللغويّ في القرآن والسنة.

ويشكك بعض المغالطين في ثبوت معجزة الإسراء والمعراج، ويرون أنها لا تخرج في مجملها ـ لما فيها من مجاوزة للعقل والواقع المألوف ـ عن أنها رؤية منامية مستدلين على ذلك بقوله عز وجل (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس).

والمقصود بالمعراج هو العروج بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى السماء الدنيا، ثم إلى السماوات العلى، ومنه إلى سدرة المنتهى، وفي ذلك عبّر القرآن الكريم في مفتتح سورة «النّجم» بقوله: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى".

وقد تأكد قبول صحة هذه الحادثة ثبوتًا وإيمانًا من خلال ما قرره القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وإجماع من يعتدّ بهم من علماء الأمة الإسلامية عبر العصور المتلاحقة.

وإنكار هذه الحادثة هو افتراءٌ على نصّ القرآن الكريم الذي أثبتها، ونسب الفعل بما اقتضاه من قوّةٍ وإعجازٍ إلى الإرادة الإلهية التي لا يعجزها شيء، حيث إن فاعل الإعجاز هو الله سبحان الذي أسرى بعبده، والعبد هو مجموع الروح والجسد.

ويضيف "عبد الكريم" بقوله: إنه لو كانت حادثتي الإسراء والمعراج مجرد رؤيا منامية لكان أمر التسبيح في قوله (سبحان الذي أسرى بعبده) لا قيمة له، فالتسبيح يكون عند الأمور العظيمة، وكونها رؤيا منامية يتعارض مع كونها أمرًا عظيمًا.

 ثالثا: لو كانت رؤيا منامية كذلك، فما كان لتكذيب قريش لها أي معنى، ولما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خبر الإسراء على جمع من قريش فصار بعضهم يصفق، وبعضهم يضع يده على رأسه تعجباً - ولو كان الإسراء رؤيا منامية لما كانت مستغربة، ولما أحدثت تلك الضجة، قال مطعم بن عدي: إن أمرك قبل اليوم كان أمراً يسيراً غير قولك اليوم، هو يشهد أنك كاذب، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعداً شهراً ومنحدراً شهراً، أتزعم أنك أتيته في ليلة واحدة؟ واللات والعزى لا أصدقك وما كان هذا الذي تقول قط، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا مطعم بئس ما قلت لابن أخيك جبهته وكذبته أنا أشهد أنه صادق، وفي رواية: فسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: أتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة وروحة، فقال مطعم: يا محمد صف لنا بيت المقدس، فقال أبو بكر رضي الله عنه: صف لي يا رسول الله فإني قد جئته، فجاءه جبريل بصورته ومثاله فجعل يقول باب منه في موضع كذا وباب منه في موضع كذا، وأبو بكر رضي الله عنه يقول: أشهد أنك رسول الله حتى أتى على أوصافه.

 وقال الدكتور وائل عبد الكريم، إن استنكار قريش لكلام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يؤيّد أن هذا السرى كان بالجسم لا بالروح، إذ أن الحلم لا يمكن أن يستنكره عاقل.

قال الإمام القرطبي: “ولو كان مناما لقال: بروح عبده، ولم يقل: بعبده. وقوله: {مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى} يدلّ على ذلك. ولو كان منامًا لما كانت فيه آية ولا معجزة، ولما قالت له أم هانئ: لا تحدِّثِ الناس فيكذِّبوك، ولا فُضِّل أبو بكر بالتَّصديق، ولما أمكن قريشًا التشنيع والتكذيب، وقد كذَّبه قريش فيما أخبر به حتى ارتد أقوام كانوا آمنوا، فلو كان بالرؤيا لم يستنكر وأما إنكار المشككين للمعراج بحجة مخالفته للعلم الحديث، وأن الأكسجين ينتهي عند مسافة معيَّنة من البعد عن الأرض، وعليه فإن إمكان الصعود إلى السماء السابعة ليس ممكنًا. فهذه شبهة لا تنهض أيضاً، فالمعجزة في أصلها مخالفة للعادة وخارقة للعادة، ولهذا سمِّيت معجزة، ومحاولة محاكمتها إلى العادَة والحسّ هي فرع إنكار المعجزة، وقد وُجِدت في الكون أحداثٌ خالفت العادَة؛ لأن قدرةَ الله سبحانه وتعالى لا تحكُمها العادة، ولا العقل، فممَّا خالف العادة معجزة ميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام، فقد وُلد من دون أبٍ كما قال الله: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون} [آل عمران: 47]. وكذلك إحياؤه للأموات وإبراؤه للأكمه والأربرص، كل هذه معجزاتٌ خالفت العادَةَ، قال تعالى: {إَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين} [آل عمران: 49].

ومن ناحية أخرى يؤكد المدرس بكلية الدعوة، أن مخالفةَ العادة مسألةٌ نسبيَّة تابعة لما يتمتَّع به الإنسان من قوى خارجيَّة وباطنية، وما يتوفَّر لديه من علوم، فلكلّ شخصٍ عادةٌ تعدّ مخالفتها ضربًا من الخيال، وذلك وفقًا لإمكانياته وعلومه المتوفرة لديه، فقد أنكر كفَّار قريش انطلاقًا من إمكانياتهم المعرفية وطاقتهم العقلية إمكانية الوصول إلى بيت المقدس والرجوع إلى مكة في وقتٍ وجيز، وكان هذا في ذلك الوقتِ مخالفًا للعادة، أما في عالم الطيران والسرعة اليوم فإنَّ مخالفة العقل ومكابرته هي في إنكارِ ذلك. ومما يعين على مخالفة العادة مخالفةً تبهر العقل وتعجِزه التوكلُ على الله والاعتماد عليه، فالنَّبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مؤيَّد بمعجزة وقدرة من الله، ولم يدَّع أن ذلك من صُنع نفسه وإنما هو من قدرة الله سبحانه وتعالى، فالمعجزة لا تكون من فعل الرسول، وإنما هي من فعل الله فقوانين الحياة والمادةِ لا تحدُّ قدرة الله عز وجل، ولا تلزمه بشيء؛ إذ هو خالق الحياة والمادة، وهو المتصرِّف في الكون لا شريكَ له، يؤيِّد من يشاء بما يشاء، فمحاولة إخضاع المعجزة لحدود العقل والعادة هو تحكُّم في قدرة الله سبحانه وتعالى، وتحديد لها بما لا يمكن أن يحدَّها وهو قوانين مخلوقاته ومملوكاته سبحانه وتعالى.

وأخيرًا أقول لهؤلاء الذين ضاقت عقولهم وقلوبهم عن تقبل وقوع وحدوث معجزة الإسراء والمعراج لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن قدرة الله تعالى التي حفظت إبراهيم عليه السلام من الحرق، وأنبعت الماء من بين أصابع إسماعيل عليه السلام، وشقت البحر لموسى عليه السلام وفلقت له الحجر، وأنزلت المائدة على عيسى عليه السلام، وتهيّأ له من الإنعام ما أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله، هي قدرة الله سبحان التي شقّت القمر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأسرت به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرجت به إلى السماوات العلى، ليرى من آيات ربه الكبرى ما رأى. وصل اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا ويقول الشيخ فوزي عباس القوصي، مدير أوقاف حجازة بقنا، إن الإسراء هو انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم ليلاً من المسجد الحرام بمكه المكرمة إلى المسجد الأقصى بالقدس الشريف، وأما المعراج فهو صعود رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السموات العلا، إلى حيث علم الله، ولقد ثبت الإسراء بقوله تعالى/ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير/ وهذه الآية حجة قاطعة فى كتاب الله على وقوع الإسراء، غير أن آيات سوره النجم من قوله تعالى/ ثم دنا فتدلى.. إلى قوله تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى/ حملها العلماء والمفسرون على معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السموات العلا، وأن الصلوات الخمس فرضت فى تلك الليلة.   وقال الشيخ القوصي  أنه أسرى به يقظه من مكه إلى بيت المقدس راكبا البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد ربط البراق عندالباب، ثم أتى المعراج وصعد فيه إلى السماء الدنيا، ثم إلى بقيه السموات السبع، ثم تجاوزها إلى سدره المنتهى، ورأى هناك جبريل على صورته، وفرض الله عليه هناك الصلوات الخمس، ثم هبط إلى بيت المقدس، ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق، وعاد إلى مكة فى ظلمة الليل المختلطة بنور الصباح.  

ويوضح  مدير أوقاف حجازة  أنه كان بالروح والجسد معا يقظة، ومن مكة إلى بيت المقدس إلى السموات العلا إلى سدره المنتهى، إلى حيث شاء العلى الأعلى، وهو قول الأكثرين، وهو الحق الذي دل عليه ظاهر القرآن، وصريح الأحاديث الصحيحة، ولوكان مناما لما كان معجزة، ولما استبعده الكفار حين أخبرهم الرسول به، ولا كذبوه.

وقد ذكر ابن القيم أنه أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده وروحه من المسجد الحرام إلى بيت المقدس راكبا على البراق بصحبه جبريل، فنزل هناك من بيت المقدس إلى السماء، وما زال يتدرج فى سموه حتى رفعت له سدره المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور ثم عرج به إلى العلى القدير جل جلاله وفرض عليه خمسين صلاه ومازال يراجع ربه سبحانه وتعالى حتى جعلها خمسا وكانت فى أم الكتاب خمسين وعليه وعلى أمته خمسا والحسنة بعشر أمثالها ولايبدل القول لدى الحق سبحانه وتعالى. 

ويذكر مدير أوقاف حجازة بقنا موقف صناديد قريش عندما أخبرهم صلى الله عليه وسلم بما أتاه الله من آياته الكبرى، حيث اشتد تكذيبهم له وأذاهم، ومر أبو جهل فقال له: هل كان من شيء، قال نعم أسرى بى الليلة إلى بيت المقدس، قال ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال نعم، قال: إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتنى به، قال نعم، فلما حدثهم كانوا بين مصدق ومستهزئ، وأبو بكر يقول صدقت، أشهد أنك رسول الله، فقال القوم: أما الوصف فوالله لقد أصاب، وقالوا لأبى بكر تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح، قال نعم إنى لأصدقه بماهو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء فى غدوه أو روحه، وبذلك سمى الصديق.

تم نسخ الرابط