عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المدرسة القابوسية وفن البروتوكول والإتيكيت 2

المدرسة القابوسية وفن البروتوكول والإتيكيت 2

الذوق الرفيع للمغفور له السلطان قابوس بن سعيد "طيب الله ثراه"، يحتاج مجلدات لبيان وشرح فن الدبلوماسية الراقي لباني السلطنة الحبيبة منذ سبعينات القرن الماضي، أنه مدرسة بكل معاني الكلمة، فهو ابن سلطانين ومن أصائل القبائل العربية المعروفة عبر التاريخ، بالإضافة إلى أنه خريج أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا في ستينات القرن الماضي، حيث كان من المتميزين والحريصين على تعلم كل شيء جديد من المدرسة الإنجليزية، وليس فنون وإدارة الحرب فقط، وهو من هواة القراءة والمطالعة بشكل مستمر لجميع العلوم، لأنه كان يعتبرها روح الحياة. 



 المغفور له كان وسيبقى سلطان القلوب، وضع اللبنة الأساسية للمدرسة  الدبلوماسية القابوسية، خلال الخمسين سنة الماضية، في كل تفاصيل البروتوكول والإتيكيت، وقد سميتها المدرسة القابوسية نسبة له، لتكون مرجعاً رصيناً للمختصين في فن البروتوكول والإتيكيت. 

 

مقال اليوم نتطرق بصورة عامة وبالتحليل، استنادا لمفاهيم البروتوكول والإتيكيت على ما تم عرضه على شاشات التلفاز، بخصوص مراسم استقبال كبار الشخصيات، والألوان التي كان يرتديها رحمه الله، وكذلك الزي الرسمي العماني في الأنشطة الرسمية داخل وخارج السلطنة، وممكن تقسيمها إلى مرحلتين، الأولى منذ توليه السلطة فى سبعينيات القرن الماضي حتى التسعينيات، والمرحلة الجديدة من تسعينيات القرن الماضي إلى وفاته رحمه الله.

 

كانت يرتدي العمامة البيضاء في الزيارات الرسمية الخارجية أول يوم وصوله، ليدلل على صفاء القلب والمحبة والسلام والنية الصادقة للزيارة، بعدها تبدأ العمامة الرسمية ذات الخامة البيضاء بنقاشات مختلفة الألون الرسمية وحسب وقت الفعالية، إن كانت نهارية أو ليلية، وكان يشدد ويدقق على جميع مرافقيه، ويعطي تعليماته إلى دائرة المراسم بخصوص ملابس بقية أعضاء الوفد، حرصاً منه على كمالية الظهور بالنسبة للدشداشة أو البشت. 

 

أما في داخل السلطنة، فكان يرتدي جميع الألوان التي يحبها في المخيمات الخارجية، وحتى في القصور، لأنها وقت الراحة والاسترخاء لجلالته، لكنه حين يلتقي بشيوخ القبائل يرجع إلى لبس الزي الرسمي، وهي الدشداشة البيضاء ومشتقاتها، وكذلك المِصر الأبيض بمختلف النقشات، ويحرص كل الحرص على أن يظهر جميع فريق الحماية ومن معه بنفس اللون، كأنه زي عسكري موحد، وإن كان مدنياً، وهذه قمة في فن الإتيكيت لكبار الشخصيات.

 

وفي الدعوات الرسمية الليلية في القصر بمختلف المناسبات، فقد أعطى الدرس البالغ في الأهمية بلبس الدشداشة الداكنة، سواء باللون الأزرق أو مشتقاته مع المِصر، ليكون رمزاً للاحتفالات الرسمية الليلية داخل المكان وليس خارجه.

 

أما في أوقات الصباح وأثناء زيارته التفقدية، دائماً ما نلاحظه في أداء مراسم صلاة العيد قمة في الأناقة البيضاء من حيث الدشداشة والمِصر والعصا مع جميع أفراد الحماية والمرافقين، كون المغفور له رحمه الله يدقق في كل مفردات القصر، وما يحتويه من أفراد على مختلف المستويات، خاصة المرافقين.

 

 أما في جولاته الأوربية فكان يميل إلى اللباس المدني (البدلة باللون الفضي أو الأزرق الداكن)، كونه اللون الرسمي الذي توصي به أغلب المدارس الدبلوماسية المتخصصة في فن وذوق الألوان والملابس، كان رحمه الله حريصاً كل الحرص على الظهور بأعلى درجات الأناقة والترتيب، وكان يرسل ضيافة القصر إلى دورات خارجية في جميع الاختصاصات لتعلم فنون الإتيكيت، خاصة ما يمس إدارة المراسم، فنون الضيافة، ولغة الجسد والألوان، بما يعكس النهضة الجديدة للسلطنة وهويتها الحديثة المتطورة مع أحدث مفاهيم البروتوكول والإتيكيت.

 

أما بخصوص مراسم الاستقبال لكبار الشخصيات، فكان المغفور له جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه، فى مقدمة المستقبلين إذا كان الضيف في نفس المستوى، وخلال العشر سنوات الماضية كان الضيف يستقبل فى المطار ممن ينوب عن جلالته باستقبال رسمي كبير يليق بالضيف، سواء كان رئيس جمهورية أو بنفس الدرجة، ثم ينتقل في موكب رسمي مهيب إلى مكان الاستقبال الرسمي قرب بوابة القصر، عند قصر العلم العامر، حيث يبدأ الاستقبال الرسمي المهيب عن طريق كوكبة من الخيالة من بوابة الاستقبال، وصولاً إلى القار الأحمر، وهذه دلالة كبيرة على حسن التنظيم الراقي والسيطرة على مفردات بروتوكول لكبار الشخصيات.  

 

وبدأت كثير من الدول تتغانم مع بروتوكول وتنسيق السلطنة الرائع، الذي يدل على كرم الضيافة العربية الأصلية، والتي جسدها "جلالته رحمه الله"،  عندما يرفع علم دولة الضيف على قصر العلم العامر، ليتحول المكان إلى قصر للضيف نفسه تكريماً لزيارته، وهذا لم يحدث كثيراً في الدول، وهو من أهم سمات جلالته في تكريم الضيف، حيث تتحول هذه البقعة من عمانية خالصة إلى دولة الضيف تكريماً واحتفاءً به، حتى أن أفراد الحماية وبقية الكادر العماني في الضيافة يستأذون من مرافقي الضيف في حالة دخولهم لنفس المكان احتراماً وتقديراً منهم لمكانة الضيف.

 

إن الخمسين سنة الماضية، كانت دروس مستنبطة نقشها المغفور له السلطان قابوس "طيب الله ثراه"، بكل مفرداتها بدقة وحرفية، معتمداً على أحدث المدارس الدبلوماسية، خاصة الغربية منها التي تهتم بفنون البروتوكول والإتيكيت تحت إطار الموروث العماني الأصيل، لتخرج المدرسة القابوسية بأحلى ما يكون من مظاهر ومفاهيم وقيم يُشار لها بالبنان، ومما نلاحظه أيضاً أن والدنا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم "حفظه الله ورعاه"، حريص كل الحرص على المحافظة وتطوير هذه المدرسة بثوب أنيق ومتجدد، ليحافظ بذلك على الهوية العمانية الأصيلة بتاريخها العريق، ضمن النظريات والمفاهيم الحديثة المعاصرة.  

 

دبلوماسي سابق 

كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز