عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ثورة 30 يونيو الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
البنك الاهلي
وطن بلا سجون.. إجازة 48 ساعة بلا حراسة  “2-2”

وطن بلا سجون.. إجازة 48 ساعة بلا حراسة “2-2”

تخيل أن نزيل مركز الإصلاح والتأهيل، يأخذ إجازة 48 ساعة يزور أسرته، أو يشارك في مناسبة أسرية، ثم يعود لاستكمال مدة عقوبته.



 

هذا ليس مشهدًا من فيلم "كلمة شرف"، للنجم الراحل فريد شوقي، الذي جسد شخصية "سالم أبو النجا"، المحامي الشهم، الذي أوقعته شهامته في تهمة انتهت به إلى خلف القضبان، ليعاني سنوات العذاب قبل أن تمرض زوجته مرض الموت، ويتعاطف معه مأمور السجن "أحمد مظهر"، ليسمح له بزيارتها على مسؤوليته، فيضع مستقبله رهن كلمة شرف من سالم؛ بأن يعود ولا يهرب.

 

بل هذا هدف من أهداف عدة تخص حقوق السجناء، أو للدقة نزلاء المؤسسة العقابية، تسعى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقتها مصر نهاية 2021 لتحقيقها، لمن يتمتع من السجناء بحسن السير والسلوك، يكون بإمكانه الحصول على إجازة من العقوبة لمدة 48 ساعة، لاعتبارات إنسانية وباحتياطات أمنية.

 

ويسألونك عن السجون، قل باختصار وإيجاز: "تقييد موقوت للحرية، للحماية المجتمعية، مع الحفاظ على الحقوق والكرامة الإنسانية".

 

كانت تلك المقدمة الاستهلالية في المقال السابق، الذي تناولت به فلسفة المنظومة العقابية في مصر، بين الواقع والمأمول، ومستهدفات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

 

فالسجين مُدان بحكم قضائي، لمخالفة القانون، ما استوجب تقييد حريته لفترة، وفق الأحكام الصادرة؛ لتقويم وإصلاح سلوكه وحماية المُجتمع من أي تمادٍ في خرق القانون.

 

بيد أن تلك الفترة المقيدة فيها حريته، ينبغي ألا يمتد العقاب لما دون ذلك من حق في رعاية صحية، وبيئة معيشية تحفظ سلامته وكرامته، وحقوقه الإنسانية والروحية.

 

في كل مجتمع نسبة من إجمالي عدد السكان تخترق القانون بأشكال متنوعة، تزداد تلك النسبة مع تزايد عدد السكان، وتزايد الخلل المجتمعي، أو الاقتصادي، أو التربوي، أو الأخلاقي، ويزداد عدد المدانين.

 

مع هذه الزيادة، التي لا يقابلها إتاحة لاستيعاب ذلك الاحتياج، تقل جودة الخدمات داخل تلك المؤسسات، بما يستوجب تطويرًا لتلك الكفاءة، لتحقيق معايير جودة عالمية، ومع عدم وضع استراتيجية إصلاحية، كانت ترى بعض الحكومات مواجهة القدرة الاستيعابية في بناء مزيد من السجون، بيد أنها كانت تفكر ألف مرة في تحقيق تلك الحلول، خشية اتهام المتاجرين لها بالقمعية، ومعاداة الحريات، فتزداد الأمور سوءًا وتتضخم جيوب تجار الشعارات المتاجرين بقضايا حقوق الإنسان.

 

ظل الأمر هكذا لسنوات، الكفاءة تتآكل، والتجار يربحون، وممولوهم بالخارج يحققون هدفين رئيسيين، تأليب الداخل، وتشويه صورة الدولة ومحاولة ابتزاز الأنظمة بهذا الملف، ومع عدم القابلية للابتزاز، تزداد محاولات إثارة الفوضى.

 

حتى جاءت الجمهورية الجديدة، دولة 30 يونيو، التي تصدت بمنهجية واستراتيجيات شاملة، لتقدم حلولًا جذرية علمية مدروسة، محددة الأهداف القصيرة والمتوسطة وبعيدة المدى، فكان الحل السحري، الذي يحفظ حقوق وكرامة الإنسان ويعظم من قدرة الوطن، ويعزز الحماية المجتمعية، برؤية شاملة على النحو التالي:

 

أولًا: تقليل عدد السجناء بقدر المستطاع.. ودون تهديد الأمن المجتمعي

١- إنقاذ من اضطرتهم الظروف أن يكونوا خلف القضبان، دون انحرافات سلوكية أو تعمد ارتكاب جرائم، أهم مثال لهؤلاء الغارمين والغرامات.

 

ويُقصد بالغارمات والغارمين، هؤلاء المواطنين البسطاء، الذين تضطرهم حاجاتهم، وضيق ذات اليد، لشراء مستلزمات حياتهم الضرورية، بالأجل، نظير تحرير إيصالات أمانة أو شيكات من دون رصيد، ثم يعجزون عن الإيفاء بالتزاماتهم تجاه من أمدهم بالسلع فيكون مصيرهم السجن بحكم القضاء الذي يلجأ إليه الدائنون.

 

من هؤلاء سيدات فضليات يعُلن أسرًا بعد وفاة الأب، تضطر الواحدة منهن لتجهيز بناتها للزواج، فلا تجد ملاذًا إلا الاقتراض، وتعجز عن السداد.. آباء وأمهات قُضي بحبسهم وتركوا أطفالًا، القصص الإنسانية أكثر من أن تُحصى.

 

لكن الطريف أن تجار شعارات حقوق الإنسان، الذين جنت دكاكينهم ملايين الدولارات، تمويلات خارجية، لم يفكروا في أن إنقاذ بعض هؤلاء الغارمين والغارمات جزء من حقوق الإنسان.

 

حتى جاءت مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ضمن استراتيجية حقوق الإنسان والحفاظ على لُحمة الأسرة المصرية، وحفاظًا على الكرامة الإنسانية، لتنهي تلك الأزمة وتسدد عنهم عبر صندوق "تحيا مصر"، ليعودوا لأسرهم وينعموا بالحرية.

 

ولأن الأرقام هي الأكثر دلالة، فلك أن تعلم أن مبادرة سجون بلا غارمات، أفرجت عن 6400 غارم وغارمة، سدد عنهم صندوق "تحيا مصر" 42 مليون جنيه، مستحقات من لاحقوهم قضائيًا، فيما تستثمر المبادرة 15 مليون جنيه في خلق فرص عمل دائمة لهم، من خلال مشروعات صغيرة تموَّل ويدربون على إدارتها.

 

وهنا إنقاذ 6400 نفس، استعادت حريتها، وحقها في حياة طبيعية، وإنقاذ لأبنائهم وأسرهم الذين ضحوا من أجلهم، كما أنها أنقذت دائنيهم، الذين استعادوا أموالهم، بعد أن ظنوا أنها ذهبت بلا عودة، فماذا كانوا سيستفيدون من حبسهم؟!

 

٢- التوسع في الإفراجات الشرطية والعفو الرئاسي.. لدرجة الإفراج في السبع سنوات الأخيرة عن 205 آلاف سجين

 

106 آلاف مفرج عنه بعفو رئاسي، و199 ألفًا تم الإفراج الشرطي عنهم، أي استوفوا أسباب حسن سير وسلوك أو مرضية أو غيرها من الأسباب القانونية، التي تجيز الإفراج قبل انقضاء كامل المدة.

 

وهذا يعكس الإرادة السياسية، في الحد من عدد السجناء، دعمًا لحقوق الإنسان، وتقليل عدد المتواجدين داخل السجون، بما يرفع من كفاءة رعاية من يحول القانون والاعتبارات الأمنية وطبيعة سلوكهم وجرائمهم دون خروجهم قبل استيفاء مدد العقوبات، الصادرة بأحكام فضائية.

 

ثانيًا: إصلاحات جذرية للمنظومة العقابية

 

١- البيئة: القضاء على السجون التقليدية، ذات الكفاءة المحدودة، وإنشاء مجموعة من مراكز الإصلاح والتأهيل ذات الكفاءة العالية والمعايير العالمية، التي تُراعي فلسفة الإصلاح والتأهيل، وتوافر البيئة الصحية الملائمة.

 

مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون، الذي دخل الخدمة الفعلية، يستوعب 25٪ من نزلاء السجون التقليدية، وبالتالي جارٍ إخلاء 12 من السجون العامة بالمحافظات.

 

مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون، الذي دخل الخدمة منذ 70 يومًا، مدينة كاملة الخدمات، والوحدات الإنتاجية، يمكن لنزلائها تحقيق اكتفاء ذاتي، بها مزارع خضر ودواجن وماشية، ومصانع أعلاف، وبها ورش ومدارس فنية، ومصانع لإنتاج الأثاث، بها مسجد ومصلى كنسي، بها مستشفى بأحدث تجهيزات وخبرات طبية.

 

والأهم مراعاة المعايير الصحية العالمية في بناء النزل، بما يحقق الإضاءة الطبيعية بساعات النهار، والتهوية، فضلًا على المطاعم والمخابز لتوفير التغذية السليمة وساحات ممارسة الرياضة، حق في الوقاية والسلامة وحق في العلاج، بل ودراسة سيكولوجية للنزلاء وعلاجات نفسية، ودعم نفسي وتقويمي، لتحقيق هدف الإصلاح والتأهيل للاندماج الإيجابي في المجتمع بعد انقضاء مدد العقوبة.

 

٢- تحويل النزيل من عبء على الدولة، إلى مُنتج، يؤدي عملًا خلال مدة العقوبة، يحقق له مدخرات يبدأ بها حياة كريمة بعد انقضاء المدة، وذلك من خلال إكسابه مهارات تخلق في قدراته قيمة مضافة، تلك المهارات كما رأيناها في مركز إصلاح "وادي النطرون"، ومن بعده مركز الإصلاح والتأهيل "بدر"، الذي افتتح تجريبيًا منذ عشرة أيام، تتراوح بين اكتساب حرفة يدوية، أو صنعة، إلى مواصلة التعليم والحصول على مؤهلات عليا، بل الماجستير والدكتوراه.

 

٣- الحد من المعرضين لارتكاب جرائم، يتحقق تلقائيًا من خلال استراتيجية القضاء على العشوائيات، والقضاء على التسرب من التعليم، و"حياة كريمة" التي تنهض بالريف والقرى الأكثر فقرًا، وكذا الإصلاحات الاقتصادية وخلق فرص العمل، مرورًا بالوعي ومكافحة الفساد، والتوعية والتثقيف والنهوض ببناء الإنسان صحيًا وثقافيًا واجتماعيًا، كل ذلك يُسهم في تقليل عدد المعرضين لانحرافات سلوكية إجرامية.

 

ومن ثم نحن، الآن، بحق أمام جمهورية يحكمها عقل، ورؤية استراتيجية، يمثل لها الإنسان أولوية، عازمة على منحه حقوقه وحفظ كرامته، تؤدي مهامها في إزالة مسببات الجريمة قدر المستطاع، وتقلل عدد مقيدي الحرية ما استطاعت لذلك سبيلًا وفق القانون واعتبارات أمن المجتمع، وبالتوازي تقضي على السجون التقليدية بما تحويه من إمكانيات ضعيفة، تنشئ مراكز إصلاح وتأهيل بها كل المعايير الضامنة لحقوق النزيل الصحية والنفسية والاجتماعية والروحية والحق في التأهيل واكتساب مهارات المساعدة على الاندماج وبدء حياة طبيعية.

 

أي إعطاء من قرر القانون تقييد حريته، باقي حقوقه الإنسانية كأفضل ما يكون بإرادة وطنية، بل وحقوق أسرته في تيسير زيارته عبر الحجز إلكترونيا وإخطارهم بالمواعيد واستقبالهم باحترام.

 

في تلك المراكز شاهدت، أيضًا، حماية لحقوق أطفال، أمهاتهم نزيلات، فهناك حضانات مجهزة، وغرف خاصة بالأمهات مجهز بها أسرة للأطفال.

 

٤- مما اشتملت عليه الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقتها مصر نهاية 2021، مراعاة الاعتبارات الإنسانية، كوفاة أحد الأقارب أو المناسبات السعيدة، أو التحفيز، بمنح السجين سابقًا، النزيل حاليًا- حسن السير والسلوك- الحق في إجازة من الإصلاحية يزور فيها أسرته، إذا تحقق، فإنه يمثل نقلة غير مسبوقة، تعزيزًا لحقوق الإنسان.

 

٥- مهم الإشارة إلى أن الإصلاحات الجذرية لن تحمّل الدولة أعباء اقتصادية بشكل ملحوظ، كون السجون التي يجرى إخلاؤها، في قلب عواصم المدن، تعد أصولًا يمكن استثمار مساحاتها، أو بيع تلك الأراضي لتدر عوائد مالية تغطي تكلفة، إن لم تكن نسبة كبيرة من تكلفة إنشاء مراكز الإصلاح والتأهيل الحديثة.

 

يبقى أن أقترح وضع استراتيجية خاصة بالوقاية من الجريمة، تشمل محاور تثقيفية وإعلامية كأهداف قصيرة المدى، وتربوية تحويها مناهج المراحل التعليمية المختلفة، لتقليص عدد المعرضين لارتكاب سلوك إجرامي.

 

وعن رؤيتي لهذه الاستراتيجية المقترحة للحديث مقال آخر- إن شاء الله- إن كان في العمر بقية.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز