عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

هجرة بني مخزوم إلى إفريقيا

د إبراهيم محمد مرجونة
د إبراهيم محمد مرجونة

أراد الخليفة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- نشر الدعوة الإسلامية في الحبشة، فوجه سرية من المسلمين في عام 20هـ/ 641م برئاسة علقمة بن محرز المدلجي، لكن الحملة لم توفق ونالها الأذى وعاد من بقي منها.



وأما أول هجرة للمسلمين إلى إفريقيا، خاصة شرقها، بعد هجرة صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهي هجرة بني مخزوم، حيث كان أول مسلم سمع عنه مهاجرًا، واستقر في بلاد الحبشة، هو وُدّ بن هشام المخزومي، وكان ذلك في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- حيث خرج مهاجرًا من الحجاز مع قبيلته.

 

وليس سبب هجرتهم ما ذكره ترمنجهام، من أنها إثر عزل عمر- رضي الله عنه- خالد بن الوليد المخزومي من قيادة جيوش المسلمين بالشام، لأن هذا العزل كانت له دوافعه، وليس منها عقاب بنى مخزوم عقابًا يدفع بعضهم إلى الهجرة من بلاد الإسلام، واللجوء إلى أرض غير إسلامية، لقد كان لهذا المهاجر المخزومي دوافعه التي دفعته للهجرة من بلاد الحجاز إلى بلاد الحبشة، ومنذ أن خرج يدعو إلى الإسلام ويعمل بالتجارة في هذه البلاد، التي كان العرب يعرفونها قبل ظهور الإسلام.

 

ويذكر أنه كانت لبني مخزوم- في القرن السادس الميلادي- علاقات تجارية مع اليمن والحبشة، وفي الحبشة كان تجار بني مخزوم في مقدمة تجار مكة، وقد أسس بنو مخزوم السلطنة المخزومية في شرق مقاطعة شوا، وهي أقدم مملكة إسلامية قامت بالحبشة سنة (283هـ/ 896م) في منطقة من أمتع المعاقل فوق مرتفعات الهضبة الحبشية، حيث تقع مدينة أديس أبابا الحالية.

 

واسم شوا يطلق من قديم على جزء من الهضبة الوسطى للحبشة في جنوب جبال دورسال، الذي يطلق عليه الآن اسم تارمابار، ونظرًا لخصوبة هذه البقعة واعتدال مناخها، وتوافر وسائل المعيشة بها أصبحت مهيأة لقيام هذه السلطنة الإسلامية التي قامت في هذا الجزء من الهضبة الحبشية، واتخذت من مدينة تسمى (ولله) عاصمة لها.

 

ولم تتعرض أسرة الأجوبيين في أكسوم لهؤلاء المهاجرين بسوء، نظرًا لضعفها في معظم فترات تاريخها، ومن ثم تمتع هؤلاء المهاجرون بحياة الاستقرار، وقامت بينهم وبين الأهالي علاقات الود والصداقة، لأن هؤلاء المهاجرين لم يطمعوا في شيء مما في أيديهم، ووجد الأهالي فيهم ما يساعدهم على صد غزوات تجار الرقيق، فازداد التقارب والاندماج بين الفريقين، ومن ثم أخذ عدد من المسلمين يكثر طورًا بالمهاجرين الذين يتوالون على القدوم إليهم، وطورًا بالأحباش الذين ارتبطوا معهم برباط المصاهرة، ووجدوا في اعتناق الإسلام حماية لهم، وجاء نتاج هذه المصاهرة جيل إسلامي جديد أخذ يكثر بتوالي الزمن، وينضم إليه من يعتنق الإسلام عن رضا واقتناع لما يبيحه لهم هذا الدين من الاحتفاظ ببعض عاداتهم الاجتماعية، مثل تعدد الزوجات على سبيل المثال، ومن ثم تكاثرت أعداد المسلمين بطريقة كبيرة، هيأت الفرصة لقيام سلطنة إسلامية على يد أسرة عربية.

 

ومن نتاج عرب الشوا أو بني مخزوم الذين انتقلوا إلى منطقة بحيرة تشاد شرق برنو، ومصاهرتهم الوطنيين الزنوج، نتاج شعب البولالا الذين أنشأوا سلطنة البولالا الإسلامية فيما بعد في وسط إفريقيا.

 

لقد اشتغل هؤلاء المهاجرون بالتجارة، حتى أصبحوا أثرياء القوم وأغنياءهم الكبار، ولما ارتفع شأنهم وارتفع قدرهم صاهروا أمراء شوا، ومن ثم انتقل الحكم إليهم وكونوا أسرة حاكمة كانت أولى الأسر العربية التي أنشأت دولة إسلامية في إفريقيا، واستمرت في الوجود أربعة قرون، تمتعت معظمها بالأمن والاستقرار، وازدهار العمران وكثرة المدن والقرى.

 

ولعبت زوجات السلاطين في هذه المملكة دورًا مهمًا في مجريات أمورها وتصريف شؤونها، حتى إنهن لم يكن محرومات من حق اعتلاء العرش، وكان في هذه المملكة حياة علمية ودينية مزدهرة، وبنيت المساجد والمدارس، ووجد بها العلماء والفقهاء وطلاب العلم، حيث عاشت عصرًا زاهرًا كبيرًا، ومستقلة عن جيرانها سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين.

 

وقد نشر المستشرق الإيطالي (أزيكو تشيرولي) وثيقة تاريخية عن تاريخ إمارة بني مخزوم، تتحدث عن سلطنة بني مخزوم في أواخر أيامها، وقد فرقتها الفتن الداخلية وأنهكتها الحروب مع إمارة أوفات الإسلامية المجاورة لها، التي تحالفت ضدها مع ملك أمحرة (أيكونوا أملاك) وقضى عليها الأحباش في عام (705هـ /1402م).

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية 

ورئيس قسم التاريخ- كلية الآداب

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز