

د. حسني الخولي
مصر .. واقتصاديات "الميتافيرس"
تغيرات كبيرة ومتلاحقة عايشناها خلال العقدين الأخرين، وتطورات أثرت بدون شك على الإنسان والأعمال، سواء بالايجاب أو السلب، ويتمثل أهم تلك التغيرات الواضحة بشكل جلي في وسائل التواصل الاجتماعي.. فتبادل رسالة واحدة كان يستغرق أياماً وأسابيع، وإجراء مكالمة هاتفية كانت تتكلف مبالغ كبيرة، بالإضافة إلى مشقة الانتقال، واليوم ها نحن نتبادل الرسائل من خلال وسائل التواصل الحديثة، مثل البريد الإلكتروني أو برامج الفيس بوك، وتويتر، وغيرها بدون جهد وبتكلفة لا تذكر.
كل تلك التغيرات أوصلتنا إلى العمل والتعليم عن بعد، باستخدام برامج كان أثرها واضحاً بعد انتشار فيروس كورونا Covid-19، وكانت مصر متزامنة مع الحدث بجهود أبنائها والبنية الأساسية في مجال الحاسب والبرمجيات، فسرعان ما اكتشفنا أننا من الممكن أن نتعلم بدون الذهاب للمدارس والجامعات، ونعمل عن بعد بدون الذهاب للمكاتب، ومن المناسب الإشارة إلى أن أصل كلمة ميتافيرس يتكون من شقين: الأولmeta والثاني:Verse ، تعبيراً عن وصف الإصدارات المستقبلية للإنترنت، المكون من مساحة ثلاثية الأبعاد ثابتة، ومشتركة، ومرتبطة بشكل افتراضي.
"ميتافيرس".. هي الثورة المقبلة في تطور استخدامات الإنترنت، وللتبسيط يمكن تعريفه بأنه عالم ما بعد الإنترنت، من خلاله سيستخدم الأشخاص والمؤسسات والحكومات أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة للتعامل مع العالم الافتراضي، وذلك بعد إضافة بعض الأدوات عليها، مثل استخدام نظارات الواقع الافتراضي "Oculus VR"، حقاً تلك النظارات مرتفعة الثمن الآن، لكن سرعان ما تنخفض قيمتها مثل أى تقنية.
ولن تقتصر تطبيقات الميتافيرس على الألعاب والترفيه، بل سيكون لها أثر على العديد من الأنشطة والأعمال والتفاعلات، وسيكون لها الأثر الكبير على التسويق الإلكتروني، فالمستهلك سيتمكن من مشاهدة ومعاينة السلع في المتاجر الإلكترونية قبل طلبها، أو سداد قيمتها وهو مسترخياً في عمله أو منزله، وقد يعقد الاجتماعات الافتراضية مع قارات العالم بدون مشقة.
شركة فيسبوك كان لها السبق والمبادأة في الإعلان عن هذا التطور، لكن كان هناك محاولات أخرى من شركات أخرى، وسيتبعها محاولات، ولا يتبقى إلا أن تكشف الأيام المقبلة عن جديد التكنولوجيا، وبالتالي ظهور شركات جديدة ومنتجات أكثر، ومبيعات ضخمة، وأرباحاً هائلة..
ويجدر الإشارة إلى أن إعلان شركة فيسبوك عن تغيير اسمها إلى ميتافيرس كان بداية لعالم افتراضي جديد، ليس هذا فحسب، بل تقوم الشركة حالياً بتوظيف نحو 10 آلاف موظف في دول أوروبا، ومن المتوقع أن يتم ضخ استثمارات تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات فى المشروع.
وسيشهد العالم تقريباً تحقيق ما كان يعرض في أفلام الخيال العلمي، والذي كنا لا نصدقه، بل إن الواقع سيوصلنا إلى مستويات غير مسبوقة من التقنية، وما لا يمكن التنبؤ بحدوده، وبالتالي هذا المولود الجديد سينشىء فرص عمل جديدة، ويلغى فرص عمل قائمة، ستنشأ شركات وستخرج شركات من السوق.
فهل نحن في مصر جاهزين للاستفادة من اقتصاديات هذه الخطوة، وأيضاً هل نحن جاهزين لإدارة مخاطرها وتحدياتها الاجتماعية أو الاقتصادية؟ هذا ما ستظهره الأيام.
ويبقى الأمل.. أن نكون مصر جاهزة لهذا الحدث الكبير الذي سيمثل ثورة صناعية جديدة، وسيكون لها تداعيات اجتماعية واقتصادية كبيرة.
خبير اقتصادي