أيمن عبد المجيد
سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم بشهادة رب العالمين
عندما يمدحك صديق، لا شك تشعر بالرضا، وإذا مدحك أستاذك، تشعر بالسعادة، فما بالك عندما يمدحك وزير التربية والتعليم إذا كنت طالبًا، قطعًا ستكون فخورًا وسعادتك أكثر بكثير.
وإذا كنت باحثًا أو مُتسابقًا، وحصلت على جائزة محلية، ستثلج الجائزة صدرك، وسيتضاعف فخرك، وسعادتك إذا حصلت على جائزة عالمية، يتنافس فيها المتميزون من أرجاء الكرة الأرضية كافة، ويحكم فيها قامات عالمية.
لعل المديح تزداد قيمته في المثال الأول، بازدياد قيمة من يَمدح، والجائزة العالمية أقوى قيمة وتأثيرًا، كون ساحة التنافس فيها تشمل المؤهلين كافة للتنافس من دول العالم كافة، والأهم هو قيمة وقوة المُحكمين، كلما زاد قدرهم زادت قيمة الجائزة، والفخر بالفوز بها، أليس كذلك؟
فما بالك عندما يكون الحكم الذي منحك شهادة التميز، هو الله سبحانه وتعالى، أعدل الحاكمين، رب العالمين، خالق السماوات والأرض، وما فيهما، المُطلع على السر وأخفى، فالق الحب والنوى، الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، خالقنا والذي إليه مرجعنا ومصيرنا.
نعم، الله هنا هو الحكم العدل، الذي يمدح ويشهد، ويصدر حكمه على أخلاق نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فسبحانه وتعالى أرسله رحمةً للعالمين، ليتمم مكارم الأخلاق، يهدي البشرية إلى الصراط المستقيم.
فقال الله سبحانه وتعالى، في كتابه الحكيم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾ سورة القلم، آية "4"، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- صاحب الخُلق العظيم، بتقييم الله العظيم، فما أجمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خلقةً وخُلقًا.
وعن خُلق الرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول فضيلة الإمام محمد متولي الشعراوي- رحمه الله: الخلق العظيم، درجة الكمال، بميزان رب العالمين.
الصادق الأمين
وما أحوجنا الآن لاتباع أخلاق رسول الله، وتطبيقها عمليًا في حياتنا اليومية، فقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صادقًا أمينًا، يشهد له بهذه الصفة من الخُلق العظيم أعداؤه قبل أنصاره، فقد عُرف في مكة المكرمة بالصادق الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي ويكلف بالرسالة.
نحتاج اليوم لأن نقتدي برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليكون الصدق والأمانة من أخلاقنا، صدق مع النفس والآخرين، صدق في المعاملات، فكيف لمن يدعون الإسلام أن ينشروا الأكاذيب والشائعات والفتن لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية؟!
كيف لمن يدعي السير على خطى النبي، أن يختصر السنة في جلباب ولحية، ويحتكر الفهم الصحيح للدين، ويضلل شبابًا يلقي بهم للتهلكة، وهو يسعى لمآرب سياسية دنيوية، كيف لهؤلاء الكذب على النبي؟! يبثون الكراهية للآخر بينما كان النبي رحمة للعالمين، للعالمين لا المسلمين وحدهم.
كان رسولنا- صلى الله عليه وسلم- أمينًا، فعندما أمره الله بالهجرة، طلب من سيدنا علي- رضي الله عنه- أن يرد أمانات أهل مكة- ومنهم من كفر برسالته، وحارب دعوته، ومن دبر له المكائد- إليهم فقد كان مؤتمنًا لديهم يودعون أماناتهم لديه.
لم يعتبر الرسول الأمانات غنيمة من الكفار، ولا أحل دماء مخالفيه، رسول الله، الصادق الأمين، لا يتخلى عن صدقه وأمانته تحت أي مبرر، بينما نجد اليوم من يتاجرون بالدين يأخذون بالمظاهر، ويخالفون الجوهر، من يخون أمانة العمل، بدعوى أن الأجر قليل، فتجد مدرسًا يخون أمانته، فلا يؤدي دوره تجاه الطلاب بالمدرسة الحكومية، ليوفر جهده للدروس الخصوصية، وفي الوقت ذاته يشغل وظيفة هناك غيره أحق بها منه.
وآخر طبيب، تجده عبوسًا في وجه البسطاء من المرضى في المستشفيات الحكومية، يشخصهم بالنظر، دون أدنى أمانة في العمل، ليسرع لجمع المال في عيادته الخاصة أو المستشفى الخاص، ويخلق لنفسه الأعذار لتبرير خيانته أمانة العمل، نعم الأجور بسيطة وفي حاجة لتحسين حقيقي لكن ذلك لا يبرر الإهمال، فإذا لم تكن تستطيع العمل بأمانة بهذا الأجر فاستقِل وتفرغ لعيادتك، وادفع الضرائب ليتحسن أجر زميلك الذي يعمل ويتفرغ لمهام وظيفته.
قس على ذلك الكثير، حتى إمام المسجد الذي تقع على عاتقه مسؤولية الدعوة لصحيح الدين، عندما يترك دوره في مسجده، ويُهمل في الاطلاع الدائم والاستزادة من العلم، يخون أمانته، لأنه لن يكون على قدر المسؤولية في الدعوة إلى الله كما ينبغي، وبإهمال المهملين تُترك مساحات يشغلها المتاجرون المتطرفون.
نبي الرحمة
قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" صدق الله العظيم، سورة الأنبياء، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رحمة مهداة للبشرية، رحيمًا بالأطفال والنساء والشيوخ، بل والأعداء، داعيًا للعلم ومكارم الأخلاق، فكان رحيمًا بأسرى غزوة بدر، أطلق سراحهم نظير أن يعلم كل أسير يجيد القراءة والكتابة عشرة من المسلمين.
كان يوصي النبي في الحروب بالرحمة بالأطفال والكبار والنساء، والامتناع عن قطع الأشجار، واحترام دور عبادة الآخر، وحرية عقيدته، في حين أن المتاجرين بالدين اليوم، المضللين للشباب، يقتلون ويفجرون الكنائس والمساجد يهلكون الأنفس والزرع والنسل، بزعم أنهم يسعون لتطبيق شرع الله؟!
داعيًا إلى بر الوالدين
وقد كان خلق رسول الله القرآن الكريم، والله سبحانه وتعالى قال في كتابه الحكيم: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" صدق الله العظيم.
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يُقدم بر الوالدين وخدمتهما على الجهاد، وهنا نتحدث عن الجهاد الحقيقي في عهد الرسول، دفاعًا عن حق الرسول في نشر الدعوة، في مواجهة عدوان الكافرين، وليس الإرهاب الذي يَرتكب المتطرفون جرائمه الآن ويسمونه زورًا "جهادًا".
فعن عبد الله بن عَمرو- رضيَ اللهُ عَنْهمُا- قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَاستأذنَهُ فِي الجِهَادِ، فَقالَ: «أحَيٌّ وَالِدَاكَ؟». قالَ: نَعَمْ، قالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». وهو حديث متفق عليه من أئمة رواة الحديث.
تعالَ لنرى الآن تفشي ظاهرة العقوق، والله في دور المسنين مآسي تدمى لها القلوب، أبناء في مواقع اجتماعية مرموقة ويملكون من المال ما يعينهم على كسب رضا الله ببر والديهم، ومع ذلك تجد منهم العاق الذي يترك أحد والديه أو كليهما للمصير المجهول، يعيش بمفرده في سكن في عمر لا يقوى فيه على أن يحضر لنفسه كوب ماء، أو يلقون بهم في دور مسنين ولا يُسأل عنه أحد.
كنت في مهمة خير بحالة بلا عائل في دار مسنين، صاحبها رجل خير، قصته إنسانية، فقد كان لديه ولد وبنت فقط، الابن رحمه الله كان ضابطًا استشهد، فأقامت شقيقته دار مسنين صدقة جارية له، وبعد ستة أشهر توفيت الفتاة، فقام الوالد الصابر المحتسب، على شأن الدار صدقة على روح فلذتي كبده، يروي لي أنه يستقبل فقط في الدار من بلا عائل، وفي يوم جاءته طبيبة بسيارة فاخرة، لإيداع سيدة قالت إنها عثرت عليها تسكن الشارع، فأخذها وتعهد برعايتها بشكل كامل.
يضيف بعد أن رحلت الطبيبة، نادت السيدة عليها، وظلت تردد: سبتيني ورحتي فين يا بنتي؟ وعندما سألتها هل هي بنتك فعلًا؟ أجابت: بنتي، فحررت محضرًا بالشرطة، وثبت بالفعل من التحقيق أنها ابنتها وطبيبة وتعيش مع زوجها في فيلا بحي راقٍ، وبررت موقفها بأن زوجها لا يتحمل استضافة أمها معهما، وأنهما مشغولان في أعمالهما!
ترى أين أخلاق النبي من هؤلاء، وأين الدعاة والخطاب الديني من مواجهة هذه الظاهرة، التي بلغت ببعض العاقين للاعتداء على الأبوين لدرجة القتل! أن هؤلاء يحتاجون لقانون لمواجهة العقوق يغلظ العقوبات، وعن هذا سيكون لنا مقال خاص إن شاء الله.
جانب آخر من العقوق، برعاية الجماعات الإرهابية التكفيرية، والسلفية المتطرفة، هؤلاء الذين يحرضون الأبناء على الآباء، يكفرونهم، وآخرون يغررون بهم لاستقطابهم، وتسفيرهم إلى معسكرات التجنيد في دول مثل سوريا وغيرها، يتركون الآباء والأمهات تحترق قلوبهم، لا يعلمون مصير أبنائهم، في حين يمارس المتاجرون بالدين الكذب على الأهالي وغيرهم، يحرضون ضد الدولة بادعاء الاختفاء القسري، ليضاعفوا جرائمهم، وآثامهم.
التنمية
كان رسول الله يحث على العمل والتعمير والبناء، لا التخريب والتدمير، فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإن استطاعَ ألا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها"، صدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
فرسولنا الكريم، يدعونا إلى البناء والتعمير، حتى إن كانت الدنيا جميعها إلى زوال، فإذا كان الغرس حتى وإن أيقنا أن الساعة قائمة، فالأولى أن نعمل ونعمر ونغرس في الأرض ليحصد غيرنا الثمار، وإن كنا في خريف الحياة.
دين البناء والتعمير، دين العمل كأنك تعيش أبدًا والعمل للآخرة كأنك تموت غدًا، توازن بين العمل الجاد للدارين: الدنيا ودار البقاء، فالعمل في الدنيا والإصلاح بها، طريق إلى جنات النعيم، لا تناقض، "إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ"، صدق الله العظيم.
إن أخلاق الرسول- صلى الله عليه وسلم- يُكتب فيها مجلدات، فخلقه صلى الله عليه وسلم القرآن، نسأل الله أن يهدينا للسير على صحيح دربه، وسنته، وأن يرزقنا شفاعته، وأن يرزقنا رفقته في جنات النعيم مع النبيين والشهداء والصديقين، وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمدًا عدد ما تلاطمت الأمواج وطاف بالبيت العتيق المعتمرون والحجاج منذ أن خلقت الأرض ومن عليها وإلى قيام الساعة.