عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ذكرى انتصارات أكتوبر
البنك الاهلي

السيد نجم: حرب أكتوبر غيَّرت حياتي وكتاباتي كلها عن أدب المقاومة (مقاتلون أدباء) "3"

السيد نجم
السيد نجم

"حرب أكتوبر 1973 غيَّرت حياتي، وجعلت أهم قيمة في الحياة هي المقاومة، فخصصت كتاباتي كلها من قصة ورواية ودراسات لأدب المقاومة".



هكذا يتحدث د. السيد نجم عن حرب أكتوبر بعد مرور 48 عامًا، الحرب التي غرست في نفوسنا ثقافة الانتصار على الصعب، وفن تحقيق المستحيل، ونصر أكتوبر الذي أصبح معنى للخير ومعنى القدرة الأسمى.

 

عمل السيد نجم رقيبًا طبيًا، وشهد المعارك الحربية فقد كان يعمل في مستشفى جراحي رقم 9 تحت الأرض قريبًا من منطقة "كبريت" فالتقى الجنود المصابين، الذين خاضوا تجربة الحرب، كما عمل في مستشفى جراحي رقم 5 بطريق السويس وقد كتب السيد نجم العديد من الأعمال الأدبية عن حرب أكتوبر منها "أوراق مقاتل قديم" وهي مجموعة قصصية ضمت القصص التي كتبها قبل معارك 1973، وبعد المعارك بخمس سنوات و"عودة العجوز إلى البحر" وهي قصص كتبها بمناسبة مرور 25 عامًا على حرب أكتوبر و"يا بهية وخبريني" وتضم ثلاث روايات قصيرة من أدب الحرب، والذي يسميه التجربة الحربية، ويراه جزءًا من أدب المقاومة.

 

سألته عن تأثير حرب أكتوبر التي شارك فيها كرقيب طبي يتعامل مع جرحى الحرب وقد رأى بطولاتهم وشجاعتهم في القتال.

 

قال: "هذه التجربة أثرت في كل أعمالي الأدبية، وهناك بعض الشخصيات لها امتداد في أعمالي منذ زمن أكتوبر ولم تنفصل عني ولا عن عالمي الإبداعي، فقد تحولت الحرب إلى مفهوم للمقاومة، فالجندي في الحرب لا يخشى الموت وإنما يدافع عن الحياة، حياته وحياة الآخرين، فهو يواجه مواقف خطرة ومهمات باسلة فيتقدم لتنفيذها بقلب غير هياب، كان هناك جنود دخلوا مزاغل الدشم الإسرائيلية الحصينة، وأوقفوا فوهات المدافع بأجسادهم، فكان الجندي يلقي بنفسه على فوهة المدفع ليعبر زملاؤه الجنود ولا يتعرضون للقصف.

 

لقد خصصت كتاباتي لأدب المقاومة، ومنها دراسات عن أدب الحرب منها: "الحرب- الفكرة- التجربة- الإبداع" ونشره لي جمال الغيطاني في سلسلة "أدب الحرب" في دار "أخبار اليوم" عام 1995.

 

وكتاب آخر بعنوان: "المقاومة والحرب في الرواية العربية"، و"أدب المقاومة في الفكر والإبداع"، و"أطياف إبداعية في مواجهة العنف".

 

 

أدب المقاومة

قلت: ما أبرز الأعمال الأدبية التي شكلت التجربة الحربية أهم ملامحها الفنية وتناولت فكرة المقاومة، ونصر أكتوبر؟ قال: "إن التجربة الحربية هي جزء من أدب المقاومة، وهو أدب الجماعة الواعية لهويتها، الساعية لحريتها في مواجهة الآخر العدواني من أجل الخلاص الجمعي، وهذا التعريف يطبق على كل الروايات التي تقوم بإذكاء الهوية والانتماء وليس التجربة الحربية فقط، مثل رواية "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي، فهي رواية من أدب المقاومة، فيها إعلاء للهوية، ووقوف ضد الآخر المستبد.

 

ومن أهم الكتابات التي تناولت حرب أكتوبر روايات الغيطاني، وسمير الفيل، وفؤاد حجازي، ومن الروايات المهمة أيضا رواية "مراعي القتل" لفتحي إمبابي، وقصص حسين عيد، وروايتي "السمان يهاجر شرقًا" وتناولت فيها فك حصار "كبريت" بعد حصار دام ثلاثة شهور.

 

و"كبريت" موقع على الضفة الشرقية للقناة، اقتحمته كتيبة مصرية وسيطرت عليه، إلا أن العدو حاصرها وضربها بالقنابل والطيران والمدفعية يوميًا، ومع الحصار لم يتوافر الطعام وقلت الذخيرة، لكن صمد الجنود المصريون حتى تم فك الحصار، ولا بد أن أذكر لك هنا قصصًا حقيقية لبطولات الجنود، فهناك العقيد إبراهيم عبد التواب الذي كان يقاتل في موقع متقدم من أرض الكتيبة، وأخبر رئيس أركان الكتيبة بأنه سوف يستشهد هنا، وإذا استشهد فعليهم أن يدفنوه في هذا الموقع "كبريت"، وبالفعل قبل وقف إطلاق النار بساعات قليلة ضرب العدو الموقع واستشهد العقيد إبراهيم عبد التواب، وتم دفنه في المنطقة التي أشار إليها.

 

ويستطرد السيد نجم قائلا: "كنا أول وحدة طبية بعد خط القناة، ويصل إلينا أي مصاب من سينا أو خط القناة، وكنت رقيبا طبيًا مسؤولًا عن دشمة طبية، عبارة عن عنبرين وغرفة استقبال للمصابين، لتقديم الإسعافات الأولية، ثم إرسالهم إلى العمليات داخل المستشفى أو إلى مستشفيات القاهرة".

 

ويتذكر أنه في يوم السادس من أكتوبر كانت الأمور عادية، لم يكن هناك مصابون ولا غارات لكن بعد 72 ساعة- من الساعة الثانية ظهرا يوم 6 أكتوبر- كانت المعارك واستقبلنا المصابين بعد معارك الدبابات كانت الإصابات كثيرة، وبدأت الصورة الفعلية للمعارك وأصداؤها تصل إلينا مع المصابين.

 

سار 36 كيلو وهو مكسور القدم

ومن المقاتلين الذين تركوا أثرًا في نفس السيد نجم وأدبه المقاتل الذي كانت إصابته خطيرة في قدمه، فقال له: نعمل لك "جبيرة" وتنزل القاهرة؟

 

فقال المقاتل: لا، سأرجع إلى زملائي، هناك بعد خط القناة بعشرة كيلو، فقلت له: "لن تستطيع المشي" فقال "لن أتركهم" فعملت له إسعاف بدون جبس، "جبيرة" عادية، وتركته للعنبر الآخر دقائق، وأخبرني مساعدي أن الجندي المصاب اتجه إلى طريق السويس ليعود للقتال مع زملائه وهذا معناه أنه سيمشى 36 كيلو وهو مكسور القدم.

 

 

التحدي والصمود

ويضيف السيد نجم: "الروح القتالية والإصرار على المقاومة هي من السمات الأصلية للجندي المصري، أذكر عندما حدثت "الثغرة" وتمركزت قوات العدو أمام الوحدة التي أعمل بها- وهي نفسها- المنطقة التي تم فيها فض الاشتباك الأول والثاني، سمحوا لنا بالانسحاب عن طريق جبل "عتاقة" قبل المفاوضات، فذهبت لأحضر كتبي من الموقع وكان منها بعض كتب من تأليف سلامة موسى، ورواية "آنا كارنينا" لتولستوي، فإذ بي أرى طلقات رشاش خردة أمامي وأنا ذاهب إلى التبة، بيني وبينها متر، وكان هناك حفر برميلية فقفزت إلى إحداها فإذا بي أسقط فوق كتف جندي داخل هذه الحفرة.

 

قلت: "لقد صوَّرت هذا المشهد في مجموعتك "يا بهية وخبريني" فقال: نعم، وأذكر هذا المقاتل الشجاع الذي سحبني إلى داخل الحفرة وقال لي: "متخافش يا أخويا.. متخافش يا أخويا" واستسلمت لذراعي الجندي، وبكل طاقته حفر جدار الحفرة بكتفيه فالحفرة كانت تكفي واحدًا فقط، وقال لي: "حاولوا قتلي من قبلك، لا تخرج من هنا، أنا هنا منذ الصباح، قادم من كتيبة النقل المجاورة"، وكانت من الوحدات التي سيطرت عليها القوات المعادية، فقلت له: أنت الآن بالقرب من المستشفى الخامس، وصدرت الأوامر لنا بالمغادرة في الفجر عن طريق جبل "عتاقة"، فقال لي: "لا"، سأنتظر هنا، كنت في وحدتي وظللت لمدة 48 ساعة في ملجأ مقفول وسامع دباباتهم على بابه لكنهم جبناء، عندما يجدون مكانا مغلقًا لا يدخلونه، لكنه استشهد في حفرته، كان يحمل في عينيه إصرارًا على التحدي والصمود".

 

 

نجونا جميعًا من القصف

ويستطرد السيد نجم فيقول: "كنا سنغادر في الفجر، وناداني الطبيب ملازم أول نبيل، كان يقول: تعال ندفن الشهداء".

 

أربعة كنا أنا ود. نبيل، ود. بطرس طبيب الأسنان، والجندي أحمد وذهبت معهم عند الدشمة الأولى وكان هناك ثمانية شهداء، وبعد أن دفنا أول شهيد في الحفرة البرميلية لم نكن نعرف ديانة الشهيد فهو شهيد الوطن، فقرأت أنا وأحمد له سورة "الفاتحة" وقرأ نبيل وبطرس "أبانا الذي في السماوات"، ثم قال نبيل.. هنا الشهيد يرتاح، وتكرر هذا الموقف مع الثمانية شهداء.

 

 

ومن المواقف الصعبة في هذا اليوم أننا حملنا أربعين مصابًا لكي نترك الوحدة، فدبرنا "زل" من وحدة بجوارنا، وحملنا المصابين وبعدها بقليل إذا بطيارة من طائرات العدو تعبر فوق سماء الوحدة، ونتيجة للخبرات القتالية للجنود المصابين، وحب الحياة قفز الأربعون مصابًا من السيارة رغم إصاباتهم الخطرة، ونجونا جميعا من القصف.

 

 

قلت: ترى أن أدب التجربة الحربية لم يحظ بدراسات نقدية تضيء هذه التجربة الأدبية والإنسانية؟

قال: "بالفعل، أدب الحرب أدب إنساني أولا وأخيرًا، فمن أهم الروايات التي تناولت الحرب في الأدب العالمي رواية "كل شيء هادئ في الحي الغربي" للروائي الألماني إريك ماريا، والرواية كلها مواقف إنسانية وتدور أحداثها أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي رأيي أن الكتابات الأدبية عن حرب أكتوبر لم تحظ بدراسات نقدية متعمقة لأن البعض حصر أدب التجربة الحربية في حمل السلاح، وطلقات الرصاص وتصوير المعارك مع أن هناك الجانب الإنساني المهم في حياة الجنود (الأسرة: الأم والأب والزوجة والأبناء) وهناك تجارب كثيرة مثل عودة الجندي إلى بيته بعد الحرب، تجارب كثيرة جدًا تستحق أن يتم تناولها إبداعيًا ونقديًا داخل التجربة الحربية لذا أدعو لقراءة ما كُتب عن أدب أكتوبر في إطار هذا المفهوم، فأدب التجربة الحربية ينقسم إلى ثلاث مراحل هي (ما قبل المعارك، وأثناء المعارك، وما بعدها)، ولكل مرحلة خصائصها التي تنعكس على العمل الأدبي".

 

ستظل حرب أكتوبر مصدرًا ثريًا للإبداع لتعبر عن الروح المقدامة للشخصية المصرية العاشقة للوطن والحياة، وعن الجندي المصري الباسل الذي صنع البطولات في السلم والحرب.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز