
أسرار من حياة القائد الإنسان

احمد العطار
كيف خطط المشير أحمد إسماعيل لحرب أكتوبر.. ودمر أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" في 365 يوم؟
- أسس الجيش الثاني والثالث.. وأسهم في بناء القوات المسلحة بعد يونيو ٦٧
- صاحب خطة "جرانيت-٢" التي أقرها السادات لتنفيذ حرب شاملة ضد العدو
- استعان بالمخابرات العامة لدراسة سيكولوجية العدو وأزماته الداخلية وطور خطته وفق هذه الدراسات
- حرص على بث روح الفريق في القيادة المصرية ومشاركة جنوده حياتهم العسكرية
- تولى مسؤولية التنسيق للخطط الهجومية على المستوى العربي.. وأختير قائدا عاما للجيوش العربية
- يحكي في مذكراته تفاصيل ما فعله صباح يوم النصر.. وكيف خدع الصهاينة حتى اللحظة الأخيرة
كلما عادت للبزوغ شمس السادس من أكتوبر، تبزغ بجوارها شموس أخرى، كان لها الفضل في تحقيق أهم وأعظم نصر في تاريخ مصر والعرب، عندما حطم الجيش المصري الأساطير المزعومة، والغرور غير المبرر، ولقن العدو الإسرائيلي درسًا لن ينساه أبدًا، بعبوره مانع خط برليف، وإنهائه الاحتلال الصهيوني لسيناء المصرية، وتحقيقه ما اعتبره المختصون في العلوم العسكرية إنجازاً عظيماً بمعايير التكتيك العسكري والتنفيذ المتقن.
من بين هذه الشموس الساطعة، شمس القائد والمقاتل والإنسان العظيم أيضًا، المشير أحمد إسماعيل علي، وزير حربية "النصر"، وأحد ألمع وأبرز قادة العسكرية المصرية على مر تاريخها.
المشير أحمد إسماعيل، أو العجوز الصامت، كما أطلقت عليه وسائل إعلام أمريكية إبان حرب أكتوبر ١٩٧٣، كان له بصمة كبيرة جدًا في التخطيط والإعداد والتدريب والتجهيز لمعركة أكتوبر، وهو من وضع خطة الحرب الاستراتيجية للدولة، وكان له بصمات واضحة في القوات المسلحة لا يمكن أن ينكرها أحد، واستطاع أن يجمع بين صفات القائد القوي الذي يؤمن بضرورة الحرب وأهميتها، ودراسة العدو ونفسيته جيدًا، والعمل بكل ما أوتي من قوة لتحقيق النصر وتكبيد العدو أعظم الخسائر، وبين القائد الإنسان، الذي يعمل على بث روح الفريق بين ضباطه، ويحرص على أن يشارك جنوده في حياتهم العسكرية؛ ويزور معسكراتهم ومناطق تجمعهم بشكل دوري، حتى في المواقع الأمامية والخنادق والملاجئ تحت الأرض، وكان يصر على أن يشارك الجنود طعامهم الذي يأكلونه في الميدان دون تمييز وكان يبدي اهتماماً كبيراً بملابس الجنود ومهماتهم، ويتأكد من وصولها لهم في الأوقات المحددة ويوصي بزيادتها وتطويرها عند الحاجة.

ولد أحمد إسماعيل علي في "حي شبرا" بالقاهرة في 14 أكتوبر1917، وكان والده ضابط شرطة وترقى حتى وصل إلى درجة مأمور ضواحي القاهرة.
التحق إسماعيل بالمدرسة، وعقب حصوله على الثانوية العامة من مدرسة شبرا الثانوية، حاول الالتحاق بالكلية الحربية في عهد الملك فؤاد، لكنه فشل لأنه من أبناء الفقراء، فالتحق بكلية التجارة سنة 1934، وفي السنة الثانية تقدم للكلية الحربية مع أنور السادات وتم رفض طلبهما لأنهما من عامة الشعب، لكنه أصر على التقديم للمرة الثالثة وتم قبوله وكان زميلاً لأنور السادات وجمال عبد الناصر وأحمد مظهر وعبد المنعم رياض، حيث تخرج معهم فى الكلية في سنة 1938.
بعد تخرجه برتبة ملازم ثان التحق بسلاح المشاة، وتم إرساله إلى "منقباد" ومنها إلى السودان، ثم سافر في بعثة تدريبية مع بعض الضباط المصريين والإنجليز إلى "دير سفير" بفلسطين عام 1945 وكان ترتيبه الأول، واشترك في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) كضابط مخابرات في الصحراء الغربية، وشارك في حرب فلسطين 1948 كقائد سرية.
حصل أحمد إسماعيل في سنة 1950 على درجة الماجيستير في العلوم العسكرية، وعين مدرساً بالكلية الحربية في الفترة ما بين (1950-1953)، ورقى لرتبة لواء، وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر، تصدى للمعتدين بصفته قائد للواء الثالث في رفح، وكان أول من تسلم بور سعيد من بعد العدوان.
في سنة 1957 التحق بكلية “مزونزا السوفيتية”، وعمل بعدها كبير معلمين بالكلية الحربية عام 1959، ثم تولى قيادة الفرقة الثانية مشاة التي أعاد تشكيلها ليكون أول تشكيل مقاتل في القوات المسلحة المصرية.
بعد حرب 1967 اختاره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليكون رئيساً لهيئة العمليات ثم قائداً عاماً للجبهة. أعاد أحمد إسماعيل تنظيم القوات المسلحة بعد 1967، وأنشأ الجيش الثاني والثالث الميدانيين، ثم عين "رئيسًا لأركان الجيش المصري" في مارس 1969، وأعفاه الرئيس عبد الناصر من منصبه بعد حادثة الزعفرانة الشهيرة، وظل بعيدًا عن الخدمة العسكرية لمدة سنة ونصف، حتى أعاده الرئيس السادات إلي الخدمة رئيسًا لجهاز المخابرات العامة في مايو 1971.

في أكتوبر 1972، كانت مصر وشعبها وقواتها المسلحة يستعدون للحرب ضد العدو الصهيوني، وقتها كان الفريق محمد أحمد صادق، وزيرًا للحربية، وطلب منه الرئيس السادات تجهيز خطة للحرب، فعرض عليه صادق خطة العملية "جرانيت-1"، وهي خطة لحرب محدودة، لكن الرئيس لم يرتح لتفاصيل هذه الخطة، وكان يريد خطة حرب شاملة وليست محدودة.
لهذا السبب ولغيره، قويت عند الرئيس السادات مبَرّرات عزل الفريق صادق.
في ذلك التوقيت، استدعى الرئيس الفريق أحمد إسماعيل في منزله، وأثناء سيرهما في حديقة القصر، سأله السادات عن الصفات التي يراها واجبة فيمن يتولى وزارة الحربية.
أخذ المشير يسرد هذه الصفات معبرا عن رأيه، فلما انتهى من حديثه قال له الرئيس نصًا: "إن هذه الصفات تتوفر في شخصك، ولذلك اخترتك لهذا المنصب، استعد للمعركة وعلى بركة الله". وطلب منه الرئيس أن يبقى الآمر سرًا عسكريًا حتى يذيعه الرئيس بنفسه.
في السادس والعشرين من أكتوبر سنة 1972 صدر قرار الرئيس بتعيين الفريق أول أحمد إسماعيل وزيرًا للحربية وقائدًا عامًا للقوات المسلحة، وأدى المشير اليمين الدستورية، وبدأ مهامه في إعداد القوات المسلحة للحرب.
بعد أسابع قليلة من توليه المسؤولية، قدم أحمد إسماعيل إلى السادات خطة عبور شاملة، تحت مسمى العملية "جرانيت-2"، التي من شأنها أن تحقق نتائج أفضل بكثير من الحرب المحدودة، ووافق السادات على التخطيط لعملية عبور واسعة النطاق، على مواجهة قناة السويس بالكامل، وكان يتابع تطوير الخطة "جرانيت -2" بنفسه مع الفريق أول "احمد اسماعيل".
منذ اليوم الأول في منصبه، ركز أحمد إسماعيل على تعميق مفهوم "العسكرية" عند ضباطه وجنوده، وكان لا يتوانى عن أن يكرر أنّ على القوات المسلحة واجبًا واحدًا فقط، هو القتال حينما تؤمر به.
وكرر أحمد إسماعيل على مسامع جنوده في كل موقع، أن السلاح بالجندي، وليس الجندي بالسلاح، ولم يكن غريبًا إذن ما أبداه هؤلاء الجنود في حرب أكتوبر سنة 1973 حين وقفوا وجها لوجه أمام الدبابات ودمروها بالصواريخ.
واجهت أحمد إسماعيل في البداية مشكلة السلاح، فلم يهتم لها، وسعى لاستغلال السلاح الموجود أقصى ما يكون الاستغلال، ووطن في نفوس مقاتليه الاعتماد على السلاح المتوفر من دون أن يبنوا خططهم على أسلحة تم التعاقد عليها ولم تأت بعد، وهكذا استطاع إسماعيل أن يفلت بالجيش من أن يكون تحت رحمة الاتحاد السوفييتي.
يقول الاستاذ مصطفى أمين أن أحمد إسماعيل آمن بنظرية أنور السادات، بأن شجاعة الجندي المصري يمكن أن تعوّض مصر عمًا ينقصها من الأسلحة؛ وأنَّ كل أسلحة الدنيا لا تنصر الارواح الضائعة، فكان نداء (اللّه أكبر) سلاحًا له قوة الدبابات والطائرات والصواريخ.

ورغم أن أحمد إسماعيل كان مؤمنًا بضرورة قيام حرب يقاتل فيها الجندي المصري قتالاً حقيقيا ضد العدو ليسترد كرامته، ويرفع بها الشعب المصري رأسه عاليا، إلا أنه لم يندفع إلى المخاطرة في أية لحظة من لحظات الإعداد أو الحرب، فقد كان حريصًا كل الحرص على سلامة قواته، وقد عبر عن ذلك بقوله: "كنت أعرف جيدًا معنى أن تفقد مصر جيشها إن مصر لا تحتمل نكسة ثانية مثل نكسة يونيو، وإذا فقدت مصر جيشها فعليها الاستسلام لفترة طويلة؛ وهو ملا لن نقبل به".
بدأ أحمد إسماعيل يطلب إجراء الدراسات العلمية المتصلة بالحرب وأشرف عليها بنفسه، فدرست قواتنا المسلحة قبل الحرب عوامل مثل المد والجزر، وطول الليل والنهار، وكل عوامل الطبيعة التي لها دخل مباشر أو غير مباشر في عملية العبور والحرب، وعلى ضوء هذه الدراسات حدد إسماعيل أنسب الأوقات لتنفيذ خطة الحرب.
وجه أحمد إسماعيل اهتمامًا خاصا إلى دراسة نفسية المقاتل الإسرائيلي، واستعان على ذلك بجهود المخابرات العامة وأجهزتها، وتوصل إلى نتائج مهمة ومعلومات خطيرة، أفادته وأفادت الجيش بشدة في الإعداد للحرب وتحقيق نصر أكتوبر فيما بعد، مثل مدى الظلم الذي يحسه اليهود الشرقيون حين يجدون أن 85 بالمائة منهم يشغلون الرتب الصغيرة في جيش العدو الإسرائيلي، ومثل المعلومات التي أكدت أن 80 بالمائة من الجيش الإسرائيلي، قادة وجنودًا، من الاحتياط، وتمكن إسماعيل من توظيف هذه المعلومات خلال خطته بشأن الحرب، مستغلًا عدم خبرة هؤلاء الجنود والضباط الاحتياط في جيش العدو، فاستخدم عنصر المفاجأة بأروع ما يكون الاستخدام.
وضعت هذه الدراسات إسرائيل أمام قواتنا المسلحة في حجمها الحقيقي، وكشفت مشكلاتها الداخلية، وطوائفها المتناقضة، وأحزابها المتناحرة، واقتصادها المتضخم، وعندئذ عرف جيشنا إلى أي مَدَى ينتشر الضعف والانحلال في هذه الدولة التي تدعي أن جيشها لا يقهر.
لم يقيد أحمد إسماعيل نفسه بمفهوم من مفاهيم الحرب التقليدية، ويسعى لتطوير وابتكار مفاهيم جديدة، وكان يضع في ذهنه واعتباره باستمرار عاملاً خطيرًا، وهو عامل الزمن؛ وشارك الرئيس أنور السادات في تقديره لعامل الزمن، وفهمه العميق لكل أبعاد المعركة والموقف مع إسرائيل وأمام العالم.
كان الرجلان- في تقديرهما لعامل الزمن- ينظران بثاقب نظريهما إلى الحالة المتجمدة التي وصل إليها الموقفٌ العربي؛ وهي الحالة التي سَمَيت بالـ لا حرب والـ لا سلم؛ ولم تكن خطورة هذه الحالة تكمن في عملية الاستنزاف المستمرة الناشئة عنها ولا في حالة القلق المترتبة عليها فحسب وإنما كان الأمر الأهم والأخطر في هذه المشكلة، هو احتمال استمرار هذه الحالة على ما هي عليه، وعندئذ تتجمد القضية العربية، ويضيع الحق العربي تحت وطأة الآمر الواقع، ويأخذ الاحتلال الإسرائيلي شكلًا طبيعيًا.
كان لا بد إذن من كسر حالة الجمود هذه ولم يكن هذا ليتأتى من دون حرب ولم يكن هناك خلاف على هذه الفكرة؛ ولكن الخلاف كان حول إمكانية قيامنا بهذه الحرب، هل نستطيع أم لا؟ وكان المشير أحمد إسماعيل وقبله الرئيس السادات لديهما إيمانًا كبيرًا بأننا نستطيع.

فيما قبل الحرب، حرص أحمد إسماعيل على تعيين القادة والرؤساء من الضباط الممتازين علمًا وخلقًا الذين تمرسوا في القيادات والوظائف حتى وصلوا إلى مراكزهم عن طريق العمل الجاد والخبرة المكتسبة.
ولم يكتف الرجل- في اختياره للقادة - بذلك فحسب؛ وَإنما حرص على بث روح الفريق في القيادة المصرية وعملها كطاقم واحد مترابط يكمل بعضه بعضًا من دون حساسية ولا تناحر بين القادة بعضهم البعض، فكان هذا الترابط الكامل بين القيادات المشتركة دعامة أساسية في نجاح خطط العمليات وكفاءة تنفيذها بدقة في توقيتاتها المحددة.
وكان إسماعيل من أكثر المؤمنين بأن العرق يوفر الدم، ولهذا كان ميالاً باستمرار إلى التدريب، مهتمًا- إلى أقصى مدى- بالتربية الميدانية للأفراد وبلياقتهم للقتال، وكان حَفيا بإجراء المناورات العسكرية من آن لآخر وتجهيز مسرح العمليات والتدريب عليه، وتجربة كل خطة قبل تنفيذها مهما كلفت من وقت وجهد.
على المستوى العربي، قام المشير ببعض الجولات العربية، التي استطاع من خلالها تنسيق الجهود العسكرية العربية المشتركة، وتنمية روح التضامن السياسي، وزرع الثقة في نفوس القادة العرب وقادة الجيوش في جيش مصر ومعركتها المقبلة.
وكان المشير أحمد إسماعيل في مباحثاته، يُصر على أن تحدّد كل حكومة من الحكومات العربية ما تستطيع تقديمه إلى المعركة على وجه دقيق، ولم يفقد إيمانه برسالته ولا ثقته بنفسه كقائد يوم من الأيام، وكان يعلن بإصرار أنه حتى لو بقيت مصر وحدها فلا بد أن تخوض المعركة وأن تحقق النصر.
في الحادي والعشرين من يناير سنة 1972 اختير إسماعيل قائدًا عاما للقوات المسلحة لاتحاد الجمهوريات العربية، والذي كان يضم مصر وسوريا وليبيا، وبعدها بأسبوع واحد في الثامن والعشرين من يناير أسند إلى الرجل منصب القائد العام للجبهات الثلاث (الشرقية والشمالية والجنوبية)، بقرار من مجلس الدفاع العربي بالجامعة العربية.
في الثامن والعشرين من ديسمبر سنة 1972، أعلن الرئيس السادات عن تشكيل اللجنة العليا للإعداد للمعركة برئاسته، وكان أحمد إسماعيل عضوًا في هذه اللجنة، وتوالت بعد ذلك اجتماعات مجلس الأمن القومي، واجتماعات أخرى على مستوّى عال كان الرئيس يرتب فيها جميعا للنواحي المتعلقة بالمعركة.
نجحت تحركات إسماعيل الخارجية، التي كانت معظمها من وراء الكواليس، وأهلته فيما بعد لأن يكون المنسق الرئيس للخطط الهجومية على المستوى العربي، وطوال الفترة التي سبقت المعركة في سنة 1973، كان إسماعيل يختفي من مصر ليظهر في سوريا ويختفي من سوريا ليظهر في موسكو وهكذا دواليك، وفي الثاني من إبريل 1973، وصل إلى دمشق، للتفاهم بشأن الخطط الهجومية للجيشين، وبعد زيارة استغرقت ثلاثة أيام في هيئة الأركان السورية، عاد إلى مصر، وفي السادس من مايو، توجه إلى بغداد، لمدة يومين، ثم زار بعدها دمشق.
وحضر مع السادات والرئيس حافظ الأسد اجتماعهما التاريخي في برج العرب في إبريل سنة 1973؛ ورأس اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة السورية والمصرية الذي عقدَ سراً في أغسطس سنة 1973.
وبفضل خطة الخداع الاستراتيجي، التي رسمها السادات وإسماعيل قبل الحرب، كان تعليق القيادات العسكرية الإسرائيلية، على هذه الزيارات المتكررة، إنها مجرد مقابلات تنسيق عادية، ونجحت خطة الخداع في تمويه العدو وإبعاده عن الأسباب والنتائج الحقيقية لتلك الزيارات.

في الأيام الأخيرة التي سبقت الحرب كان أحمد إسماعيل يكثر من زيارة المواقع المتقدمة، وكان حريصًا على أن يطمئن بنفسه على الابتكارات التي توصل إليها جنوده، وعلى استحكامات الأمن.
وفي نهاية الاجتماع التاريخي الذي عقده المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، قبيل الحرب بأسبوع، كان لإسماعيل موقفًا شهيرًا، يكشف مدى قوته وإيمانه بقواته المسلحة، حيث عبر الرئيس السادات عن مسؤوليته التامة عن قرار الحرب، وكأنه أراد أن يبث الثقة والاطمئنان في نفوس قواده إلى أبعد حد، ولكن أحمد إسماعيل قال للرئيس نصًا: "إننا نشترك معك يا سيادة الرئيس في المسؤولية، فجميعنا مسؤولون عن بلدنا".
قبل أيام قليلة من الحرب، التزم أحمد إسماعيل ومعاونوه؛ بخطة التمويه والخداع بشكل كبير، ليضمن امتلاك القوات المسلحة لعنصر المفاجأة، ووفق المعاهد العسكرية الدولية، استخدم الجيش المصري تحت إدارة إسماعيل عمليات الخداع والتمويه في أكثر من خمسين عملية، أبرزها تجهيز مسرح العمليات تحت ستار تحسين الدفاعات الموجودة، بينما كان الجيش يجهز من الداخل لعملية الهجوم الحقيقية، كما أن المشير أعلن أنه سيسافر إلى رومانيا يوم الثامن من أكتوبر وهو يعلم أنه لن يسافر ذلك اليوم.
وكان أحمد إسماعيل من مؤيدي فكرة بناء الأهرام والمصاطب العالية على الضفة الغربية للقناة حتى تكون ساترًا يحيط تحركاتنا بسياح من السرية، كما أنه أمر بتدريب قواتنا المسلحة على الهجوم ليلًا، لتستعد لكل السيناريوهات، حتى اعتقد الجميع، بما فيهم أفراد الجيش أنفسهم، أن الهجوم سيكون ليلًا، أو في آخر ضوء للنهار، أو بعد آخر ضوء، ثم هجمنا نهارًا.
عندما بزغ فجر السادس من أكتوبر استيقظ أحمد إسماعيل من نومه فجرًا، فصلّى الفجر ثم صلّى ركعتين أخريين لله، ثم ذهب إلى مكتبه في وزارة الحربية، كعادته، لصرف الأمور الروتينية اليومية، وكأنما كان هذا اليوم كغيره من الأيام.
وفي الحادية عشرة توجه مع اللواء حسن الجريدلى، سكرتير عام الوزارة، إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة؛ فاتصل بقادة الفرق والجيوش والأسلحة جميعًا واطمأنْ من كل واحد منهم على أحوال قواته ومهماته وأسلحته.

وفي الواحدة والربع بعد الظهر دخل الرئيس السادات القائد الأعلى للقوات المسلحة بصحبة قائدها العام أحمد إسماعيل، إلى غرفة قيادة العمليات، لإدارة الحرب، حتى بلغنا النصر والعبور، وبقي أحمد إسماعيل في غرفة العمليات حتى السادس عشر من أكتوبر، ثم خرج ليستقل مع الرئيس السادات السيارة المكشوفة التي أقلتهما إلى مجلس الشعب حيث ألقى الرئيس خطاب النصر التاريخي.
كان لإسماعيل دور معنوي كبير في باقي معارك حرب أكتوبر، وأنقذ الجبهة المصرية من الانهيار، بعد قرار السادات بتطوير الهجوم شرقًا، وبعد الخلاف الشهير بين السادات ورئيس هيئة الأركان سعد الدين الشاذلي، قرر السادات إعفاء الأخير من منصبه بشكل مؤقت، وتولي إسماعيل قيادة هيئة الأركان بنفسه، وعاونه المشير محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، الذي جري تصعيده إلي المنصب رسميًا مع انتهاء الحرب.
ونجح أحمد إسماعيل خلال هذه المرحلة الحرجة والحساسة، في الحفاظ علي وحدة الصف بين القادة، وانصاع في الوقت نفسه إلي تعليمات القائد الأعلى للقوات المسلحة.
في التاسع عشر من فبراير سنة 1974 عقد مجلس الشعب المصري جلسة لتكريم قادة القوات المسلحة، وحضرها الرئيس السادات وأعلن فيها منح رتبة المشير للقائد البطل أحمد إسماعيل علي، اعتبارًا من السادس من أكتوبر 1973.
ظل المشير أحمد إسماعيل يعطى لمصرنا الحبيبة الكثير من خبراته، حتى وافته المنية في 25 ديسمبر 1974.