عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
الكتاب الذهبي
البنك الاهلي

قصة لى وحدى

رسم: سوزى شكرى
رسم: سوزى شكرى

 ما هذا المكان؟



من أين تأتى هذه النيران، أنا خائفة، أحاول الهروب منها لكن من هؤلاء أشعر أنى أعرفه، لكن لماذا يبدون بهذا الشكل؟

 كيف جئت إلى هنا، لا أتذكر شيئًا، ما هذه الأبواب، أين أنا؟

نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021
نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021

 

أستيقظ فزعًا ككل يوم أشعر بالبرودة تخترق جسدى أمسح حبيبات العرَق من على جبينى، أحاول التقاط أنفاسى المتسارعة، بعد مرور بعض الوقت أعود إلى هدوئى وأستلقى على السرير، أنظر إلى الوقت فى هاتفى، إنها الثالثة بعد منتصف الليل بتاريخ الثانى من أغسطس، لا أصدّق أنه كابوس كل يوم بنفس الوقت، لم يعد الدواء حلاً ليعود يومى كما كان. 

أحاول العودة إلى النوم لبدء يومى المعتاد لعملى بإحدى المدارس والعودة لأخذ حمّامى الدافئ ثم أعود لاستكمال قصتى الجديدة بعنوان (قصة لى وحدى) وأعود لنوم، أتجنب النظر للمرآة الكبيرة فى منتصف الغرفة أعرف أنها ما زالت جالسة تنتظرنى منذ ما حدث يومها، كانت الأمور جيدة إلى أن تغير كل شىء منذ عام.

السنة النهائية بالدراسة ألوح لأصدقائى هشام صديق الطفولة وقريبًا سنعلن موعد خطبتنا، وندى صديقتى بالثانوية، نتحدث ثم نذهب لحضور المحاضرات، كل شىء كان جيدًا إلى يوم حادث توفى به أخى الوحيد المتبقى لى بعد وفاة أبى وأمى فى سن صغيرة، حاولت النوم والاستيقاظ مرّة أخرى كنت أشك أنه كابوس لكن لم يكن.

انتهى اليوم، حاولت النوم، حاولت البكاء، لم أقدر على فعل شىء، وقفت أمام المرآة لأتحدث إلى الفتاة ذات الشعر والعينين والملابس السوداء، لم أصدق أنها أنا، جلست على الأرض أمامها كنت أشعر أنها تنصت لى وتفهم ماذا أقصد رُغم عدم فهمى لكلامى إلى أن انقطعت الكهرباء لم أستطع النهوض، غفوت فى مكانى لكن لم ألحظ أنها ما زالت جالسة تنظر لى بينما أنا مستلقية، مرّت الأيام والأسابيع وأنا أحاول التعايش مع الأمر، كنت أعرف جيدًا أن لا أحدَ سيعرف ما أمُرّ به غيرى، غير الموجودة بالمرآة تستمع لى وتعرفنى حق المعرفة، أصبحت أتحدّث معها عن يومى وعن أفكارى وعن كل شىء مررت به حتى هشام وندى أقرب الناس لى، كانت الكهرباء تنقطع بشكل متكرر باليوم لم أعد أحتاج لها فأشعل شمعة وأضعها أمامى وأبدأ حديثى إلى يوم رأيت مَن تشبهنى أمامى فى أحد أحلامى، كنت أعرف أنى أحلم لكن عند استيقاظى وجدتها فى غرفتى أمامى.

من هول الموقف لم أقدر على الحركة زادت دقات قلبى مع ظهور بضع حبيبات العرَق وخمول بجميع أطرافى، اكتفينا بالنظر فقط كانت دقائق معدودة لكنها كانت كافية لظهور بعض الشعر الأبيض وغيابى عن الوعى.

استيقظت لأجد نفسى بمكان يشبه المتاهة به الكثير من الأبواب المغلقة ليشتعل المكان فجأة ثم تظهر فتاة المرآة من وسط النيران تكتفى بالنظرات الصامتة، استيقظت فزعًا أشعر بالبرودة بالكاد أستطيع التقاط أنفاسى المتسارعة، أحاول التماسك، أحاول العودة لهدوئى لا أصدق أنه كابوس، أنا لا أتذكر أحلامى السابقة لكن هذا أشعر بأنه لم يكن شعرت بأنى هناك، حاولت النوم لكن لم أستطع، ذهبت لأستعد لبدء يومى لأجد كدمة زرقاء اللون على معصمى، لا أتذكر أنى أصبت مؤخرًا، لم أهتم بالأمر، أكملت يومى المعتاد لأعود إلى النوم.

واستمر الوضع على هذا النحو لم تتوقف الكوابيس عند النوم فقط؛ فبدأت أراها وأنا مستيقظة، اتصلت بـ هشام واتفقنا على ميعاد لنلتقى.

هشام: أأنتِ بخير سارة؟

سارة: لم أعد أستطيع النوم أو ممارسة يومى مثل الماضى أصبحت أرى النيران والأبواب والمتاهات المتداخلة أشاهد أحب الناس إلى قلبى بأنى أقتلهم بأبشع الطرُق إلى أن وصل الوضع لظهور علامات من الكابوس فى واقعى، حتى ندى تركتنى أجزم، لا أعرف لماذا، حاولت الاتصال بها أكثر من مرّة دون فائدة، أتعتقد أن من الطبيعى استيقاظى فزعًا يوميًا بنفس الوقت لأجد علامات حروق وخدوش وكدمات وتخلى صديقتى الوحيدة عنّى فى أكثر الأوقات احتياجًا لها، لا أعتقد.

هشام: سارة، أنا أحبك، لن أبتعد مَهما حدث، أرى أنك تحتاجين إلى زيارة طبيب حتى لا يصير الوضع أسوأ، أحد أصدقاء أبى طبيب نفسى ما رأيك بالذهاب.

وافقتُ لا حل أمامى آخر، اتفقنا على الذهاب بعد عمل الغد.

هشام: دكتور محمود، هذه سارة التي تحدثت عنها.

قصصتُ ما حدث كما طلب الطبيب وأتممت باحتياجى الشديد للبكاء لا أعلم ربما كل هذا يهدئ ولو قليلًا، أصبحت الآن أدوية الاكتئاب ومساعد النوم بجوارى لا نفترق.

مع مرور الأيام شعرت بأنى أفضل قليلاً على الأقل أستطيع النوم.

 بأحد الأيام اتصلت بـ هشام لأعرف متى سيتقدم بشكل رسمي بعد كل هذا الوقت، كانت طريقته غريبة يتهرب من الإجابة على سؤالى وعند سؤاله عن السبب أجاب.

هشام: اا...سارة، لا أعرف ماذا أقول ولكن زفافى سيكون بنهاية الشهر القادم، أ..أنا أحبك لكن لا أعتقد أننى الشخص المناسب، أنا آسف لا أستطيع.

لمْ أنطق بحرف واحد أغلقت الهاتف، أحيانًا يكون البكاء فى مثل هذه المواقف لطيفًا كهواء الصيف البارد لكنى لم أستطع.

مرت الأسابيع أهملت بأخذ علاجى أصبحت الكوابيس أسوأ مما مضى، تغيرت ملامحى، فصلت من عملى لكثرة تغيبى، صرت بمفردى، أظن أننى أحتاج لتحدث معها.

جلست أمام المرآة بعد كل ما حدث أحتاج للتحدث معها مَهما كانت حقيقتها التي أعرفها، أطفأت أنوار الشقة وأشعلت شمعة وضعتها أمام المرآة، بدأت بتكرار اسمها (سارة) لا أعرف لها اسمًا غيره، إنها أنا، وبعد وقت قصير صارت أمامى.

سارة (تبكى): أعلم تغيبت كثيرًا عنك الآن لم أعد أخاف منك، فنحن واحد لكن من عالمين مختلفين، صرت وحيدة تخلى عنّى كل شخص الآن فقط أشعر لأول مرة بالفراغ لم أعد أشعر بشىء، صديقتى تخلت عنّى لا أعرف للآن السبب، وقد مر عام دون مبرر لما فعلت، تزوج هشام من جارته لِمَ كذب علىّ، أأنا أستحق هذا؟!، كيف أمكنه بعد كل هذا أن يبتعد؟، ماذا عن كلماته بأنه لن يتركنى وأنه بجانبى؟، كيف أستطاع أن يخدعنى كل هذا الوقت؟، أصبحت أحدثهم بخيالى أعاتبهم أريد سببًا لما حدث، أشعر بالغضب عند التحدث معهم بخيالى لأجدنى قمت بتكسير شىء ويدى غارقة بالدماء، لماذا نبتعد دون سبب ودون توضيح، أنستحق هذا؟ أنحن سيئون لهذه الدرجة كى يبتعد الجميع عنا هكذا لنغرق بالكثير من الأسئلة غير المفهومة فارغة الإجابات كيف نرمم ما هدم، أسأبقى هكذا دائمًا، كنت دائمًا أخاف من شعور الوحدة أخاف أن أعيش فيه حتى أكلت الوحدة قلبى ومشاعرى وملامحى، ألا نعرف العيش بشكل مسالم دون جروح ودون هدم لأروحنا، أأستحق هذا برايك؟

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز