عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
الكتاب الذهبي
البنك الاهلي

المرحومة

رسم: سوزى شكرى
رسم: سوزى شكرى

تمر الأيام كصورة فى مرآة متشابهة ومعكوسة، كتلك المرآة التي تنظفها كل يوم ولا تكاد تلمح طيفها فيها، فهى تسابق الزمن كالفأر فرانسيسكو العجيب الذي كان يدور فى حلقة مفرغة وكلما كان أسرع أدهش العالم أكثر ويعلو التصفيق.



لفت انتباهها ذلك الدّرج المؤصد الذي لم تفتحه منذ سنين، أخرجت ما فيه بصعوبة كأنها تخرج إحدى المومياوات، إنه ألبوم صور الخطوبة والزفاف.... نظرت إليه نظرة عابرة ولكن ظلت الذكريات تلوح فى أفقها وتدغدغها برقة ثم نظرت إلى نفسها فى المرآة وأخذت تنظر إلى وجهها الذي غيرته السنون وتتحسَّس جسدَها البالى وكأنها تتساءل... مَن هذه المرأة المحبوسة فى ذلك الجسد؟

نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021
نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021

 

فكت شعرَها المعقود بعقد الهاء وأخذت تنقب فى خزانتها عن فستان يعلنها أنثى، ثم ظلت ترسم وجهها فى المرآة بمساحيق التجميل وترش العطور الدافئة حتى أحسّت أن الأنثى التي بداخلها أُعيدت للحياة من جديد.  

ظلت تستنشق نسمات الهواء العليل وتستمتع بأشعة الشمس الحارّة ولم تعِ أنها تطل من النافذة نصف عارية وكأنها جزء من ذلك الكون البديع.

أحسّت بيد تجتذبها بقوة، وتلصق جسدها فى الحائط، خفق قلبها بشدة، تجمدت عروقها كمَن هوى فجأة من السماء على الأرض، ظلت تتلعثم وهى تراه أمامها قاطب الجبين وتقول: ءأأ.. أنا آسفة ..لقد عدت مسرعًا ...أأ يبدو أنك جائع... لقد أعددت طعامًا شهيًا جدًا …

فأسكتها قائلا: هشششش. 

وظل ينظر إليها بعينيه البندقيتين وقال لها بشىء من الصرامة: أغار عليك ... لا تفعليها ثانية.

  ابتلعت ريقها وهى تحمد الله سرًا أن الأمر مَرّ بسلام.

تنهد متبسمًا وهو يداعب خصلات شعرها وقال: أنت جميلة فى كل شىء، أحبك فى كل حالاتك وفى كل الأوقات، أنت نصفى النابض بالحياة أنت سر الوجود.

فسألته وعيناها تترقرقان بالدموع: أمازلت تحبنى رغم ما تبدل بى من حال؟!

فاحتضنها وأجابها بصوت يفيض بالحنان: أعشقك بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ليست تلك الألوان والأقمشة هى التي ستغير ما فى تلك المضغة. 

(قالها مشيرًا إلى قلبه) ثم قال لها بحرارة وهو يقبلها: أحب بعضَك... أحب كلّك...  أحبكِ إلى الأبد.

كانت تنظر إليه بلهفة وهو يقرأ قصتها، رُغم جمود وجهه وابتسامته الصفراء..

إلا أنها كانت تنتظر منه أن يلقى على مسامعها تلك الكلمات الأخيرة بصوت مرتفع، لكنه قال ساخرًا: ها... أحب بعضكِ أحب كرشكِ... أحبك إلى الأبد.

- ما هذا الهراء؟ إنك متأثرة كثيرًا بالمسلسلات والحب المزيف والتلاعب بالكلمات، إنها الغريزة يا سيدتى.. غرزة البقاء.... ألم تدرسى ذلك فى الجامعة يا بقرتى الحلوب.... هاهاهاها.

-  علىّ الذهاب الآن إلى العمل.

-  طارت الورقة من يده فلم يدرك أنه لم يضعها بشكل صحيح... فوقعت على الأرض. 

أخذ مفاتيحه وهاتفه وقال لها: إن أمى ستتناول الغداء معنا اليوم لا تنسى.

وخرج مسرعًا وقد داس بقدمه على الورقة وهو لا يدرى.

أمسكت قصتها البالية والدموع تتدفق من عينيها ثم احتضنتها كمن يضم جنينه المَيّت إلى صدره لآخر مرّة.

ثم تجمدت دموعها فجأة، أحضرت الولاعة ودخلت إلى غرفتها، أخرجت الصور من الدرج ثم أشعلت النار فى الورقة والصور وجلست فى إحدى زوايا الغرفة وهى تحدق فى النار وهى تأكل الورقة... ثم الصور ثم تأكل كل شىء.

إمضاء: الكاتبة فجر (المرحومة). 

ظل يحدق فى صورتها وفى الكلمات...  ثم أسقط الجريدة من يده وقال فى ذهول: 

غير معقول.. إنها هى...الشبه كبير... ولكن كيف؟ 

بعد كل هذه السنوات؟! 

لا لا... غير معقول... 

الجميع كان يعرف الحادث، لكن نفس القصة بحذافيرها؟! 

وإن كانت هى حقًا فمن التي دفنت؟ 

و…

مَن هى المرحومة؟! 

أخذ يُحدّث نفسَه وهو سائر هائمًا على وجهه غير مدرك إلى أين تأخذه قدماه.

ألقت على مسامعه قصتها الأولى ثم سألته: ها... ما رأيك؟

فأجابها متبسمًا: أنت تعلمين رأيى جيدًا فأنا مؤمن بك حتى النخاع.

إذن ما سر تلك الضحكة الساخرة المختبئة فى عينيك؟ 

هاهاهاها... فى الحقيقة أحببت لقب المرحومة عليك... يا له من اسم ساحر... 

يا لوقاحتك!

- لا حقًا إنى عاتب على ذلك الرجل أعذرينى إنه أحمق، النساء يذبن فى الكلام المعسول... 

- نظرت إليه باندهاش وغيظ قائلة: حقًا!  

- نعم، أتعلمين لو كان قبّل يدها ووجنتيها وقال لها سأشتاق إليك، كان انتهى الأمر.

- أمممم... حقًا؟ 

- بالتأكيد.

- أنت بارع ورأيك هذا مهم جدًا سيجعلنى أنظر فى الأمر.

- أمر ماذا؟ 

- أمر زواجنا.

- لا لا أرجوك أحبك حقًا أنت تعلمين صدق مشاعرى، لا تخلطين الأمور. 

- أحبكِ حقًا... حتى وأنت مرحومة. 

- لكزَته بخفة ثم قالت وهى تبتسم: وقح.

- فقبّل يدها قائلا:  "أحبكِ إلى الأبد".  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز