عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

خليل الذوادي يكتب: صنْ النفس واحملها على ما يزينُها

خليل الذوادي
خليل الذوادي

كان الأجداد والآباء في مثل هذه الأيام، يودعون أشهر الصيف في أماكن المقيض عائدين إلى مساكنهم الشتوية استعدادًا للقادم من الخير، آخذين من الزاد ما يعينهم على تقلبات الأجواء، خصوصًا أنهم كانوا يعتمدون على صيد البحر من الأسماك، وما تجود به الزراعة الموسمية من خيرات، فقد فطنوا إلى خاصية تجفيف الأسماك وتمليحها فيما يسمى بلهجتنا الخليجية "المالح"، وفي بعض القرى يطلقون عليه "الأحلى".



كما يتم تخزين التمور والاستفادة من "الدبس" الذي هو "عسل التمر" فى استخدامات متعددة، مثل الرز المحمر والحلويات الشعبية المنزلية.

 

العربي يستبشر بالمطر خصوصًا "الوسمي" الذي يبدأ مبكرًا فيروي البر، ويخلق مجالاً للنباتات البرية المتعددة، وكذلك "الفقع" و"الكمأة" التي هي من الثمار التي يستبشر بها الناس ويفرحوا بالبحث عنها فى المناطق البرية التي لا تطأها المركبات، وبدائل "الكمأة" من المعلبات باتت تملأ رفوف البرادات والسوبر ماركت  Super Market  .

 

كانت العبارة التي يكررها الأوائل فتدخل السرور إلى النفس ويطمئن لها الخاطر تقول: "كل وقت ما يستحي من وقته"، فقد نتذمر من شدة الحرارة والرطوبة في الصيف، ونعتمد على المكيفات اعتمادًا كليًا، وننسى أننا نمر بنفس الظروف سنويًا، وعندما يأتي الشتاء نتذمر من البرودة وشدة المطر وتقييد حركتنا، غير أننا في ظل جائحة كورونا كوفيد-19 بتنا أكثر تذمرًا صيفًا وشتاء، جنبنا الله هذه الجائحة وأمدنا بعونه وتوفيقه، سبحانه وتعالى، وأزاح الغمة، وحفظنا من كل سوء ومكروه.

 

عندما يتبنى الأوائل عبارات ومعاني حياتية، فإنهم يفعلون ذلك عن تجربة وخبرة معاشة، فيقنعون أنفسهم ومستمعيهم بأن علينا قبول ما يطرأ على من متغيرات بحكم الطبيعة وبحكم ما قدر الله أن يكون، وشعور المرء بالرضا والقبول يجعله يؤمن بأن الأيام دول، وهي في تقلبها وتغيرها تستدعي منا جميعًا أن نتعايش مع الأوضاع بمختلف متغيراتها، ونعمل جاهدين لتطويع النفس وقبولها بما قد يطرأ عليها، قال الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وكرّم الله وجهه، من ضمن شعر الحكمة:

 

صُنِ النَفسَ وَاِحمِلها عَلى ما يزيِنُها

تَعِش سالِمًا وَالقَولُ فيكَ جَميلُ

وَلا تُرِينَّ الناسَ إِلّا تَجَمُّلاً

نَبا بِكَ دَهرٌ أَو جَفاكَ خَليلُ

وَإِن ضاقَ رِزقُ اليَومِ فَاِصبِر إِلى غَدٍ

عَسى نَكَباتِ الدَهرِ عَنكَ تزولُ

يَعِزُّ غَنِيُّ النَفسِ إِن قَلَّ مالُهُ

ويَغنى غَنِيُّ المالِ وَهوَ ذَليلُ

وَلا خَيرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّونٍ

إِذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ

جَوادٌ إِذا اِستَغنَيتَ عَن أَخذِ مالِهِ

وَعِندَ اِحتِمالِ الفَقرِ عَنكَ بَخيلُ

فَما أَكثَرَ الإِخوان حينَ تَعدّهُم

وَلَكِنَهُم في النائِباتِ قَليلُ

 

إن شعورنا وإيماننا بالمقادير يحتم علينا الصبر والاحتمال والبذل والعطاء، من أجل الخير والاستقرار النفسي، في خضم حياة تتطلب المجاهدة والمثابرة  والتعاون لما فيه الخير والصلاح للأوطان والمواطنين.

 

إنّ المتغيرات في عالمنا المعاصر تتطلب تفهمها، وكيفية التعامل معها، وإذا كانت أجيالنا قد بدأت في اقتحام المجهول بالنسبة لنا، فإننا لابد أن نعيش منسجمين معهم، وهذا يتطلب محو أميتنا الحضارية، والإقبال على التقنيات الحديثة بما يفيد تعاملنا اليومي، ولذلك فإن على مؤسساتنا احتضان جهلنا وبذل الجهد من أجل محو  أميتنا الطارئة، ما يتطلب الصبر وقبول الخطأ والعثرات حتى نتمكن من مجاراة تقنيات العصر،  ومواكبة المتغيرات من أجل صالح مجتمعنا وأوطاننا.

 

وعلى الخير والمحبة نلتقي  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز