عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. منى حمدي تكتب: الخطاب الروحي وقضية الوعي موضع الداء

د. منى حمدي
د. منى حمدي

إن قضية الوعي هي مربط الفرس وسباق الفارس وحواجز الوطن الذي يجب اجتيازها بأجياد العلم والثقافة والفن الهادف الراقي، لقد أصاب الرئيس القائد عندما وضع يده على موضع الداء ورسم بروتوكولات العلاج والدواء وعلى المعنين إتباع الروشتة وتقديم الجرعات.



 

إن قضية الوعي قضيتنا الأساسية والخطاب الروحي أحد بروتوكولات العلاج، فالآثار العملية للنمو الروحي والنفسي وبناء الوعي والقناعة التي سيتمخض عنها الخطاب الروحي الممزوج بجوهر الدين والمصاغ بقوالب فنية راقية هادفة، لديه القدرة على التصدي للمخاطر الآنية والمحتملة المتأتية، فالمجتمع في حاجة لإزالة قشرة التدين الشكلي الظاهري، التي ظلت شرائط وخطب شيوخ الجماعات الدينية المقنعة تبثها في الروح المصرية منذ الثمانينيات، تحت سياسة الترهيب والتخويف والتغييب لا الترغيب والتنوير، سياسة المظهر لا الجوهر، تدين الأداء فقط لا تدين معاملات وأخلاق العباد، رغم أن ديننا دين أخلاق ومعاملات، فعدد الآيات التي تحض على الأخلاق والقيم والمبادئ والمعاملات 1504، بينما الآيات التي تتناول العبادات 130، ولأن العبادات والشعائر هي الجزء الأسهل لأنها أداء جسدي عند المتدين السطحي وجسدي قلبي عند المتدين الصادق، أما التزام الحق والعدل والأخلاق ففيها مجاهدة للنفس والهوى وهو الأمر الأكثر مشقة، لكنه الإيمان الحقيقي والتدين العميق وحب الله الصادق والإنسانية الأصيلة وغاية الله في خلقه وعلى أرضه.

 

تتبلور فكرة الخطاب الروحي في علم النفس في إيقاظ وتوجيه إدراك الإنسان ووجدانه وسلوكياته ليصل لروح وعمق وجوهر ومبادئ وأخلاق الدين لا قشوره وشعائره الأدائية فقط، لتؤدي به في نهاية المطاف للوعي الانتقائي العالي، الذي يمكنه من فرز ما هو حقيقي وديني وعقائدي وما هو مُدعٍ ومزيف ومُقنع، في سيمفونية لإذكاء النفس والعقل وخلق روحانية دينية عقائدية وسمو عقلي فكري، ووعي ونضج سليمي الفطرة والسليقة تتوارثه الأجيال الجديدة في غير إغفال لقيمة ثقافة الفرز والتفنيد، أي تنمية القدرة على التحليل والتفنيد والفرز تحت مظلة قيم روحية عليا تم تنميتها بالخطاب الروحي المستمد من روح الدين وجوهره.

 

ولا فرق بين الخطاب الروحي والخطاب الديني ولكن الروحي إعلاء لجوهر الدين وروحه، فالروح هي النفس والجوهر وقد ذكر الله الروح بالقرآن بمواضع تدل على أنها موضع التأثير الأقوى بالإنسان؛ "يَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ منَ العِلْمِ إِلاَّ قَليلًا"، "وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ"، "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي"، "وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ"، "وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ".

 

ولأن الهياكل الفكرية والمعرفية تمثل أعمدة الوعي وأساسات التقدم والحضارة، ويمثل الخطاب الديني والروحي حوائط الصد، بينما يمثل الخطاب الفني تلك الصياغة الجمالية المؤثرة والنافذة والعابرة وجدان الشعوب، لمخاطبتها حواس الإنسان البصرية والسمعية وإثارة الخيال والأفكار بالتجسيد والحكايات وترسيخ الأفكار، بالتأثير على العواطف ودغدغة المشاعر وإرساء الرؤى والرسالات لتمكنا من اجتياز العالم المادي المحدود لفضاء الفكر والتفكر لنتهيأ لولادة حضارة متجددة تثري من جديد تاريخنا.

 

إن قيمة وتأثير الإدراك والوعي الإنساني في سلوك الأفراد والأمم فارق وحاسم، فتغييب العقول بتعويدها على جرعات مقننة ومطعمة بفكر موجه ومُغرض حد الإدمان يجعل الشعوب مهيأة للعبث بمقدراتها، طالما لم يفطموا من مقننات القشرة وجرعات الاقتفاء دون فرز وانتقاء، إن المزج بين الخطاب الروحي والفني هو استجلاب الوعي بالمعلومات والأفكار الجديدة إلى عقل المرء ودعوة خفية مؤثرة للتأمل وإعادة التفكير وفرز وتفنيد الأفكار القديمة ليكتسب مناعة فردية ويكتسب الوطن مناعة قومية ليستطيع توجيه قراراته وحماية مقدراته من العبث وإعادة إقحامه في لعبة الدين المقنع المكررة القديمة.

 

إن آيات التفكر والتدبر وإعمال العقل في القرآن كثيرة، فهم ليسوا رفاهية فكرية، لكنهم من صحيح الإيمان لأن بدونهم لا يعرف الإنسان الله معرفة حقيقية ولا يصل لتأمل وفهم كتاب الله وأحكامه وحكمته، وما وصل لتزكية النفس والحصانة من العبث بمعتقداته الدينية.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز