عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

منى حمدي تكتب: "الابتزاز الديني حلاوة روح الجماعات الإرهابية"

منى حمدي
منى حمدي

بعد أحداث ٢٠١١ وما بعدها من استفاقة المواطن المصري المخدوع من وهم الجماعات الدينية المتأسلمة، وسقوط القناع عن الإسلام المُسيس، وإعادة إحكام السيطرة على البلاد، بعد أن كادت تنفلت للهاوية والضياع، وما كان من تضييق الخناق على الجماعات الإرهابية المرتدية قناع الدين، باتت تبحث لها عن مخرج جديد لتشب برأسها الشيطانية وأذرعها الأخطبوطية الممزقة في محاولة للسيطرة مرة أخرى، وممارسة الخراب عن طريق الابتزاز الديني وهو وسيلة قديمة، وتم تحديثها وفق لغة العصر لاستقطاب وتجنيد الشباب والمراهقين مرة أخرى للجماعات الإرهابة المتخفية، عن طريق أشهر وأوسع مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، وهو التيك توك.



 

فما هو الابتزاز الديني، وما آليته للتأثير والسيطرة؟ وما التركيبة السيكولوجية لهذا المبتز بالدين؟ وما السبب في تحديد الفئة المستهدفة من المراهقين والشباب؟

 

وما مواصفات المراهق والشباب الذي يتأثر به وينساق له؟ هل كل الشباب والمراهقين معرضين للابتزاز العاطفي؟ ولماذا تيك توك بالذات؟

إن التشريح النفسي لجريمة الابتزاز الديني يُدرجها كنوع من أنواع الابتزاز العاطفي يلعب فيها المبتز على ثلاثة مشاعر أساسية للسيطرة على الإنسان ألا وهي؛ الخوف، والشعور بالذنب وفكرة الإلزام والإجبار في محاولته لفرض فكره ومعاييره ومعتقداته بالتأثير العاطفي أولًا، متأكدًا من أن الضحية تشعر بالخوف من غضب الله  وعقابه، وبإلزامك لسماعه وتصديقه وطاعته بناء على تبني فكرة أنه الأكثر إيماناً وتديناً وصاحب حقوق الملكية لرضا الإله والقرب من الله، والمطلع على شرعه والمحتكر للصواب والخطأ،  والحلال والحرام، ثم بمشاعر الشعور بالذنب وألمها النفسي والوجداني؛ فإن أنت لم تستمع لكلامه الذي يدعي أنه من عند الله والرسول، وإذا لم تهتم له فلأنك غير متدين وغير ملتزم ومسلم مقصر منتقص الدين والإيمان، وجاء هو ليكمله لك ويهديك.

 

هذه الثلاثية الشعورية، التي يلعب عليها المبتز اسمها الضباب (FOG)، كما أطلق عليها عالما النفس  فوروارد وفريزر اختصارًا للخوف (Fear) والإلزام (Obligation) والشعور بالذنب (Guilt) فهو يمارس الضبابية على رؤيتك ومشاعرك فتتبنى رؤيته ومشاعره هو، مستغلاً للميل الفطري لدى الانسان لنيل رضا الله واتباع من يدعو إليه والتصديق  الأعمى لأهل الدين المزعومين، والميل لاستحسان الآخرين لمقدار تديننا، أنها أفيونة الانسان نيل الاستحسان.

 

ووفقا لنظرية الابتزاز العاطفي فعندما يُوجد لَدَيْنا  الإحساس بالخوفُ والترهيب والشعور بالذَّنب؛ فإننا نتجه نحو القوي، ذي الحجة وصاحب الخطاب الديني ونُحَمل أنفسنا كل الذنوب دون الالتفات للنوايا الملتوية والخبيثة لمن يُحاوِلُ ابتزازَنا.

 

ودائما ما يمارس هذا النوع من الترهيب الديني بابتزاز العوطف الدينية أشخاص يعانون من اضطرابات الشخصية في محاولة لتحقيق الذات المهمشة بوهم السيطرة النفسية والفكرية على الآخرين كحيلة من العقل الباطن لمداوة نفسه المجروحة من قساوة الحياة ورواسب التربية غير السوية والوالدية الغائبة عاطفياً ووجدانياً.

 

والمبتز الديني يعلم أن الضحية يرغب في الحب، والدعم، وتأكيد الهويةالدينية والوفاء العقائدي، فيجعله في موضع اتهام يحتاج فيه لإثبات استحقاقه لرضا الله وولائه للدين وإظهار وتأكيد تدينه، وتكمن  قوة الابتزاز الديني في اللعب على ردة فعل الطرف الآخر الفطرية، وهي الخوف من العقاب والتقصير في دينه والاتهام بعدم حب الله والإسلام، وبمجرد أن أصدرت الضحية تلك الاستجابة فقد سقطت في نمط تحكمي يجعل المبتز يسيطر على فكره تدريجيا، ثم على اتجاهاته فقراراته، وأخيرًا سلوكياته من ثغرة العواطف والمشاعر فيصبح "أسيرًا للضباب النفسي"، وعقدة الذنب والخوف من العقاب الإلهى.

 

وفي الغالب يعاني ممارسو الابتزاز الديني من اضطراب الشخصية الحدية مع  ميول نرجسية ويلجئون إلى الابتزاز العاطفي تحت تأثير الإحباط واليأس والاكتئاب، والوحدة النفسية المترسخة منذ الطفولة غير المشبعة عاطفياً للحب والحنان والأمان والانتماء والشعور بالجدارة والاستحقاق.

 

وقد يكون ممارسو الابتزاز الديني تعلموا أحد أنماط الابتزاز في مرحلة الطفولة من أمهاتهم وآبائهم الذين كان حبهم  مشروطًا بتحقيق أوامر وأهداف والديه، وتعوده على نمط علاقات تحكمي يقوم على الإجبار والخضوع بالابتزاز والامتنان، الشعور بالذنب حتى يصبح خبيرًا في الابتزاز العاطفي وهو الخامسة من عمره.

 

ولأن الإنسان عمومًا، ضعيف النفس، جزع، خطاء غارق في ارتكاب الذنوب جليلها وصغيرها، ويتفادى مواجهة الذات، فقد يسهل قيادته بفنون الترهيب والترغيب والابتزاز العاطفي الديني من لدن مكيرٍ لئيم، أو من قبل كاريزمتك حكيم أو إرهابى مريض.

 

ولأن الابتزاز الديني هو ممارسة للضَّغط والاستغلال على قاعِدَةِ التَّهديد والشعور بالذنب والتوعد بالعقاب فيستغل مشاعر الحرص والخوف من الفَقْدِ؛ فقد رضا الله ورضاه عن نفسه وعن مستوى تدينه وتحت شعار "إن لمْ تَفعل ما أقول فسوفَ تعاني وتَتَعذَّب وتَتَألَّم وتُعاقب". 

 

يختار الإرهابي المبتز فئة المراهقين والشباب، حيث مرحلة أزمة الهوية والترنحات العاطفية والفكرية وهشاشة النفس وقابليتها للانجراح والتشتت، وعدم اكتمال النضح العقلي والفكري والعاطفي، والشطحات السلوكية، فسهولة التأثير على هذه الفئة، يجعلها هدفًا دائمًا للجماعات الإرهابية، وممارسة الابتزاز الديني عليهم بفاعلية، خاصة ذوي التركيبة النفسية الخاصة منهم، الذين يعانون اختلالات تجعلهم على استعداد لتنفيذ التعليمات دون مناقشة ومن تلقوا تنشئة أسرية مضطربة، وإذا كان هذا يتم مع الكبار بنسبة ومجهود، فهو يتم مع المراهق والشاب بكل سرعة وسهولة، وبكل انقيادية، ليقدم تفسيرًا لإقدامهم بسهولة على أعمال إرهابية ووحشية، وكذلك  عمليات تفجير النفس فيما يشبه انتحار بعض ضحايا لعبة الحوت الأزرق، التزامًا بتعليمات مجهولة بالموت، مثلما يحدث فى شباب الإرهاب باسم السمع والطاعة، ليتحولوا لأدوات قتل مبرمجة  وعقول مغيبة وقنابل  موقوتة.

 

ولأن الأسر المصرية افتقدت الكثير من مقومات التربية السوية وباتت تبني بيوتاً على الرمال لا ع الصخور، فيأتيها أي موج أو مطر أو ريح تعصف بها، فنحن نحتاج أن نربي أبناءنا على ثقافة الفرز، ومهارة التمييز، وفضيلة الانتقاء، وتفنيد الفكر والسلوك؛ الجيد من الرديء، والصواب من الخطأ، كي لا يقعوا فريسة لغسيل العقول واحتلال الفكر والابتزاز باسم الدين، أضف إلى ذلك ما آلَ إليه التواصل الأسري من غياب تام وعميق، وهو السد المنيع للحماية من أشكال السلوك المنحرف والتطرف والإدمان والإباحية، حيث جاء التيك توك، لفضح الواقع الأخلاقي لمجتمعاتنا وانهيار القيم والوعي والذوق، وفشل الأسر المصرية في التربية والتوعية والتعليم، وليستغل رواجه وتأثيره الجماعات الإرهابية لإعادة بث فكرهم وإحكام قبضتهم على عقول الشباب، ولأنه بات أول التطبيقات من حيث عدد المستخدمين النشطين، أكثر من 800 مليون مستخدم نشط من جميع أنحاء العالم في آن واحد، في أكثر من 154 دولة وبأكثر من 75 لغة مختلفة؛ ليصل وفق الإحصائيات أكثر من 1.9 مليار مستخدم بنسبة أعلى من المراهقين والشباب من مستخدميه، تتراوح أعمارهم ما بين 16 و24.

 

الأسرة وعودة القيم والأخلاق والتعليم الجيد بجانب الثقافة والتوعية ودراسة صحيح الدين والرقابة على تطبيقات الزمن الإلكتروني.  

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز