عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المصري أول ثائر في التاريخ

المصري أول ثائر في التاريخ

تهل علينا ذكرى الثالث والعشرين من يوليو، تلك الثورة التي حررت مصر من الاحتلال البريطاني، وقادت ثورات التحرر في الوطن العربي وإفريقيا.



 

وفي هذه الذكرى العطرة، لا بد أن تعلم أجيالنا، أن المصري أول من ثار في التاريخ، ففي نهاية الدولة القديمة ومع طول مدة حكم الملك ببي الثاني، وتحكي أغنية مشهورة في حينها تعرف بأغنية العازف علي الجنك، عن الظروف التي ألمت بمصر ومدى كفر قطاع كبير من الشعب بالأحوال، وعدم إيمانهم بالعالم الآخر، الذي كان صلب العقيدة المصرية فتقول الأغنية، "اضحك ارقص افعل ما يحلو لك لا تصدق أن هناك جنة أو نعيم، أخبرني إن كان هناك من ذهب وعاد ثانية ابن فلان وفلان...."، كما تتحدث بردية ليدن 48 عن رجل حكيم اسمه إيبوور تحدث مع الملك معنفًا إياه قائلًا: إن أصدقاءك قد كذبوا عليك، لديك الحكمة والبصيرة والعدالة، ولكنك تترك الفساد ينهش في البلاد، الحقيقة أنك أوصلت البلاد لهذا الدمار، والحقيقة أنك تتفوه الكذب.

خرجت مصر من هذه الثورة، وهي قوية، حيث قام منتوحتب نب حبت رع بتوحيد البلاد، ووقف المصريون موقفًا عظيمًا في وصول بلادهم لأعلى مكانتها في الأسرة الثامنة عشرة حتى أن الملك تحتمس الأول قال في لوحته التي جددها حفيده تحتمس الثالث، إن حدودي تمتد من قرن الأرض (الجندل الرابع) حتى المياه المعكوسة (نهر الفرات)

حتى العصر المتأخر، الذي يراه البعض انهيارًا لمصر لم تخبت ثورة ثورتها، فقد ثاروا ضد الأشوريين، حيث ثاروا وتعاونوا مع طاهرقا، وواجهوا أشور بانيبال، الذي فتك بالعديد من أعدائه، ولكن مصر لم تستسلم أو تخضع، وكان الكتاب المقدس شاهدًا على عظمة مصر، حين لعن نينوي عاصمة الأشوريين، حيث يذكر ناحوم (أن نينوي لن تكون أعز عند الرب من نو أمون "طيبة" المستقرة بين الأنهار التي تحميها المياه، البحر حصنها، ويسورها البحر, ويدافع عنها المصريون الذين لا حصر لهم).

ثم كانت ثورات المصريين العظيمة ضد الفرس، التي كسروا من خلالها حاجز الخوف، وكانت نبراسًا لغيرهم من الشعوب، فثاروا ضد الفرس عام 486 قبل الميلاد، وهي الثورة التي أشار هيرودوت إلى أن قوتها دفعت الفرس لأن ينتقموا انتقامًا شديدًا من الثوار.

لكن هذا الانتقام لم يوقف ثورة المصريين، فقاموا بثورة عظيمة أخرى عام 465 قبل الميلاد، فقام إيناروس بن بسماتيك الذي تحالف مع الأثينيين واشترى ودهم بالقمح (الذهب المصري)، ونجح الثوار المصريون في قتل الوالي الفارسي، ولكن خانهم حليف الأمس الإغريقي، ووقع معاهدة تحالف مع الفرس عام 449 قبل الميلاد، ولكن هل ماتت الثورة؟ لا استمرت عام 445 قبل الميلاد؛ حيث قام أميرتيوس بالثورة، وكان من نتيجتها أن خضع الفرس لمطالب المصريين وعينوهم في الوظائف الرئيسية في البلاد.

كان الحليف الرئيسي للفرس هم اليهود، ولذا رأى الثوار المصريون أن الخطوة الأولى للقضاء على الفرس، تكمن في القضاء على اليهود في مصر، فقام الثوار بهدم معبد اليهود في الفنتين.

 

كان لا بد لهذه الثورات أن تنتهي باستقلال مصر، وعودتها إلى أيدي أبنائها، وتولى حكمها الملك آمون حر الثاني، الذي حكم الأسرة الثامنة والعشرين (للمرة الأولي والأخيرة يشير مانيثون إلى أسرة حكمها ملك واحد فقط).

حكمت مصر بيد أبنائها في الأسرتين التاسعة والعشرين والثلاثين، ثم عاد الفرس وخلفهم الإسكندر، الذي سعى بكل ما يملك من عقلية إلى كسب ود المصريين؛ لأنه يعلم ما هي مصر ومن هم المصريون.

 

انتقل الحكم للبطالمة، الذين حاولوا الخروج من الإسكندرية، ولكنهم وهم الحكام خافوا بأس المصريين، حتي جاء بطليموس الثالث وأرضى المصريين بالكثير، بعد أن ثاروا عليه لخروجه لحرب، تاركًا المصريين يواجهون خطر الفيضان، وهو ما جعلهم يمنحونه الثقة ويسمحون له بالبناء في الصعيد، والقيام بالمشروعات العظيمة، ومن ناحيته أعاد للمصريين الآثار المنهوبة من قبل الفرس، لكن حين خرج البطالمة عن جادة الصواب وأساءوا معاملة المصريين، ثاروا مرة ثانية ضدهم، واعتبروا بطليموس الرابع شخصًا غير مسؤول، واستقلوا بالصعيد مع عنخ ماع حور وعنخ ون نفر، بل قاموا بما هو أكبر، فقاموا وللمرة الأولى في التاريخ بمحاكمة الملك، مثل الأشخاص العاديين في المنظر البديع بمعبد دير المدين، ولم يكتفوا بذلك فخرجوا لمعاقبة أجاثوكليس وسوسيبيوس اللذين كانا يمثلان مركزًا قويًا في القصر الملكي.

 

ثم بدأ المصريون في الجرأة أكثر وأكثر على الحاكم الأجنبي، فشكروا بطليموس الخامس إبيفانس في مرسوم كانوب 2 (حجر رشيد) على ما قدمه للبلاد، ولكنهم أضافوا قنبلتين في النهاية:

- الأولى أنه لم يفعل إلا ما يقضي به القانون.

- الثاني أنه لم يفعل إلا ما فعله أبوه وحده من قبل

كانت ثورات المصريين ضد البطالمة، إيذانًا بثورات أخرى عبّرت عن كبريائهم ضد المستعمر.

 

لم تتوقف ثورات المصريين ضد البطالمة، بل وقفوا ضد بطليموس العاشر والحادي عشر، بل هرب من ثورتهم بطليموس الزمار إلى روما مستنجدًا بالرومان.

 

وبعد انهيار أسرة البطالمة، وسيطرة الرومان على البلاد بدأ المصريون المقاومة السلبية والثورة النفسية على المستعمر، فسخروا من كاليجولا الذي ساند اليهود في عام 38 ميلادية، ثم اعتبروا فسبسيانوس فسخاني، حين فرض عليهم ضريبة السمك المملح، وثاروا على الحاكم في عهد ماركوس أوريليوس، وسخروا من كراكلا، حين لم يمنحهم المواطنة الرومانية، ثاروا انتقامًا لدينهم ضد دقلديانوس.

 

في العصر الإسلامي، كانت ثورة البشموريين ضد العباسيين، التي انتهت بترحيل الخليفة المأمون العباسي لنحو 3000 مصري نفيًا إلى العراق، مات معظمهم في الطريق.

 

ثم كانت ثورة المصريين، التي خلعت خورشيد باشا، وجاءت بمحمد علي كاختيار مصري، وكما ذكر الجبرتي، فقد حضر سكان مصر القديمة نساءً ورجالًا إلى الجامع الأزهر يشكون ويستغيثون من الدالاتية، وهم المرتزقة العسكر، الذين جاء بهم خورشيد لحمايته من المصريين.

 

ثم ثار المصريون ضد الإنجليز في أطول ثوراتهم (ثورة 1919)، وحققت الثورة أهم أهدافها وهو كسر حاجز الخوف من الإنجليز، وسماع دوي كلمة الحرية لمصر.

 

ثم كانت ثورة الثالث والعشرين من يوليو، التي نحتفل بذكراها التاسعة والستين، وقد تركت فينا الكثير وكان مكملًا لها انتفاضة المصريين في الخامس والعشرين من يناير عام 2011 وما تبعه من ثورة الشعب في 30 يونيو، لإيقاف فاشية تتحرك باسم الدين.

 

هكذا كان الشعب المصري، منذ أقدم عصوره حتى الآن، محافظًا على بلاده، حاميًا لمقدراتها.

 

عاش المصري ثائرًا.. وتحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز