عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
رضوان السيد وتعرية "الإسلام السياسي"

رضوان السيد وتعرية "الإسلام السياسي"

ما إن طالعت اسمه في قائمة الفائزين بجائزة النيل للمبدعين العرب لهذا العام، حتى قررت إعادة قراءة كتابه بالغ الأهمية: أزمنة التغيير...الدين والدولة والاسلام السياسي"، الصادر عن مكتبة الأسرة عام 2015م.. إنه المفكر اللبناني الكبير د.رضوان السيد..أو "مولانا " كما هو شائع بين أصدقائه ومحبيه وتلاميذه.



جملة أسباب تجعل هذا الكتاب، أفضل نص عربي كتب في الـ10 سنوات الأخيرة، في نقض وتفكيك الأسس التي قام عليها الإسلام السياسي، في العالم العربي والإسلامي.

أبرز هذه الأسباب؛ هو أن مؤلفه خريج جامعة الأزهر من كلية أصول الدين بالقاهرة قسم العقيدة والفلسفة.. هذه الكلية وهذا القسم هما أبرز مراكز الفكر السُني في العالم الإسلامي، ومن ثم جاء الكتاب وثيقة فاضحة لأكاذيب تنظيمات الإسلام السياسي-في مقدمتها تنظيم الإخوان الإرهابي-، على أرضية إسلامية سُنية، أي وفق المنهج ذاته الذي يزعم "الإسلام السياسي" استلهامه والانطلاق منه.

 

على امتداد صفحات الكتاب، تسقط مزاعم "الإرهاب الديني" أمام نصوص لـ"أبوحنيفة"، و"أبوحامد الغزالي"، و"إمام الحرمين"، و"الماوردي"، وغيرهم، ومن ثم فأنت أمام "بيان سُنى معاصر" يُعري هذه التنظيمات، ويجردها من كل سند ديني.

 

على أن المؤلف الذي درس بالأزهر في منتصف ستينات القرن الماضي، قد أكمل دراسته بعد ذلك في أوروبا وحصل على الدكتوراه من جامعة توبنجن بألمانيا عن: ثورة ابن الأشعث والقراء، وهذه ميزة أخرى تظهر سافرة في الكتاب، حيث إن المؤلف المسلح بالمناهج العلمية والنقدية الحديثة، قد كشف أيضا مغالطات هذه التنظيمات، فيما يتعلق بمعاني الدولة والدستور والتشريع والمرجعية، وغيرها من المفاهيم التي يتم التلاعب بها في خطابات "الإسلام السياسي"، يمكن عرض أهم الأفكار الجوهرية للكتاب في النقاط التالية:

 

أولا: يوضح المؤلف أن الإسلام الأصولي- المصطلح المستخدم للتعبير عن تنظيمات الاسلام السياسي- ظهر في عشرينيات القرن الماضي لمواجهة الدولة الوطنية والمؤسسات الدينية التقليدية- كالأزهر والطرق الصوفية- باعتبارهما يتعارضان مع الإسلام –بحسب فهم هذه التنظيمات-، ومن ثم ترتب على هذا أمران: تكوين ميليشيات مسلحة لمواجهة الدولة في لحظة الصدام المرتقبة، ظهر ذلك جليا عام 1965م، عندما اصطدم "تنظيم الإخوان الإرهابي" بثورة يوليو، الأمر الثاني: اختيار حسن البنا لفظة "جماعة" ليطلقها على "التنظيم"، وهذه المفردة بما لها من حمولات دينية وتراثية قديمة، تعني "تمركز" الإسلام داخل التنظيم، ومن ثم لم يعد الفرد المنتمي لهذه التيارات، يعير المجتمع اهتماما، او ينظر بعين التوقير للمؤسسات الدينية حوله؛ لأن الإسلام موجود فقط في "التنظيم".

ثانيًا: ظهرت نزعة تكفير المجتمع والأفراد، عند حسن البنا بوضوح في  رسالة المؤتمر الخامس، حيث يدعو إلى: تكوين الفرد المسلم، ثم الأسرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم، ثم الحكومة المسلمة، فالدولة فالخلافة الإسلامية فأستاذية العالم.

يتم ذلك على ثلاث مراحل: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة، وإيصالها الى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين، وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، وبعد ذلك كله،مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج"...ويمضي المؤلف متسائلًا ومجيبًا: ماذا يعني هذا كله؟ إنه يعني أن أزمة الشرعية فى نظر البنا وصلت لأعماق الأعماق، ماعادت هناك دار إسلام، ولا عادت هناك مرجعية إسلامية بزوال الدولة العثمانية، وما عادت المشكلة تنحل حتى بتنصيب خليفة، أو زعيم فى إحدى البقاع. بل لابد من العودة الى مرحلة "دعوة الاسلام"، وفقا لهذا الاستنتاج يقرر الكاتب أن كتابات سيد قطب التكفيرية ليست خروجًا على نهج حسن البنا، بل هي الأكثر تعبيرًا عن فكر مؤسس التنظيم.

ثالثًا: "تطبيق الشريعة" بهذه العبارة المضللة تلاعب "لصوص الدين" بمشاعر العامة والبسطاء والشباب، ينكشف الوجه التضليلي لهذه العبارة كما وضحه المؤلف بالفكرة التالية: الشريعة لا تعني المشروع السياسي، أو القوانين والتشريعات فقط، بل الشريعة مرادفة لكلمة الإسلام، ومن ثم فهي تشمل العبادات والمعاملات والاخلاق، لذا فتطبيق الشريعة-أى الاسلام- في غالبيته موكل الى الفرد وليس الى جماعة أو تنظيم، أو دولة، أما الجزء المتعلق بالتشريعات والقوانين فهذا أمر مرعي في كل الدساتير العربية، بحسبان الشريعة الاسلامية، هي المصدر الرئيس للتشريع.

رابعًا: الدولة وفق الفهم السُني، ليست دينية بمعنى أنها ليست ذات تصور ديني محدد، بل هدفها بحسب الكتاب: صون وحماية الحريات الدينية عقيدة وعبادة وممارسة لسائر مواطنيها، إن وظيفتها كما قال الامام الماوردي-الشافعي- قبل أكثر من الف عام: حفظ الدين على أصوله وأعرافه المستقرة.. فالسلطة حق للناس، وهي مصلحية تدبيرية واجتهادية، وليست عقائدية أو دينية، وهذا رأي علمائنا القدامي، وهي منوطة بتحقيق مصالح الناس وليس بأي أمر ديني-كما ينقل المؤلف.

خامسًا: بحسب أدبيات وممارسات الإسلام السياسي: الشريعة مقدمة على الأمة، وهذا ما شاهدناه في مصر، عندما وصف اتباع المعزول، محمد مرسي، الرافضين لحكمه، أنهم أعداء الاسلام، لأنه -وفق زعمهم- يمثل الشريعة والشرعية ومن ثم فلا حق للأمة-الشعب- رفضه.

يقف المؤلف عند هذه النقطة، شارحًا إياها بتفصيل وتأصيل قائلًا: أساس الشرعية، ما دامت الإمامة قائمة على الاختيار-الشورى- هو الأمة، وقد انتقد إمام الحرمين، تصورات الماوردي، عندما أرجع أصل السلطة، أو الإمامة، الى العقل والنقل، والحق بحسب إمام الحرمين أن اصلها ما دامت قائمة على الاختيار من الأمة، هو الاتفاق أو الإجماع، كما أن مهامها، مصلحية وتدبيرية واجتهادية، وليست دينية أو اعتقادية.

قد تكون النقاط السابقة هى أهم أفكار الكتاب، فيما يتعلق بفكر الإسلام السياسي، لكن تبقى نقطة لا تخطئها عين القارئ، وهو ذلك الإلمام الواسع، والمعرفة الشاملة، لدى المؤلف بالثقافة المصرية قديمها وحديثها، وهو ما أعلنه الكاتب عقب فوزه بالجائزة فقال: ثقافتي مصرية وأساتذتي مصريون.. وأشكر مصر ومثقفيها على هذا التقدير والتكريم.

لقد جاء فوز رضوان السيد بأعلى جائزة مصرية –جائزة النيل- تتويجًا لجهوده الصادقة، فى الدفاع عن دينه وأمته، ضد تحريف الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتأويل الغالين.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز