عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية مملكة أُوفات في شرق إفريقيا

د. إسماعيل حامد اسماعيل
د. إسماعيل حامد اسماعيل

تعد "مملكة أُوفات" Kingdom of Oufat واحدةٌ من الممالـك الإفريقية لقديمة التي نالت أهمية كبيرة على شتى الأصعدة، وهي مملكةٌ مسلمةٌ كانت تقع أراضيها على سواحل "البحر الأحمر"، وهي البلاد التي يُطلق عليها في المصادر التاريخية الكلاسيكية اسم: مدن أو بلاد (الطراز الإسلامي)، وكذلـك اشتهرت حسب بعض الروايات بأنها واحدة من (بلاد الزيلع). 



وتكتب "مملكة أوفات" أيضًا باسم (وفـات)، وذلك دون ورود حرف الألف في بداية الاسم، وبينما كانت العامة يُطلقون عليها (أوفات)، وتُكتب بسكون حرف "الواو"، وفي بعض الروايات الأخرى وردت هذه المملكة باسم "سلطنة إيفات" Kingom of Ifat، كما اشتهرت باسم بلاد "جبرة" أو "جبرت". 

 

 

ويبلغ طول "مملكة أوفات" الإسلامية حوالي خمسة عشر يومًا، واليوم يقصد به من الناحية الجغرافية المرحلة، وعلى أي حال فمن المعروف أن اليوم أو المرحلة تبلغ مسافتها حوالي 40 كيلومترا، بينما كان عرضهـا يبلغ عشرين يومًا، وكانت أراضيها كلها عامرة، وكانت في هيئة قرى متصلة، وكان بهـا نهرٌ جارٍ، وتُعد تلك المملكة أقرب "ممالـك الطراز الإسلامي" إلى التخوم والسواحل الخاصة بأرض مصر التي تقع في المناطق الجنوبية الشرقية، وهي (أي مملكة أوفات) أقرب كذلـك إلى السواحل التي تطل على "بلاد اليمن". 

 

 

ويشير بعض المؤرخين إلى أن تأسيس "مملكة أوفات" وبروزها على مسرح الأحداث كان في ذات الوقت الذي شهد ضعف مملكة (أو إمارة) شوا الإسلامية التي كانت قد ظهرت قبلها في بلاد الحبشة، ولما ضعفت هذه المملكة الأخيرة (أي: شوا) استولى حكام أوفات على أراضيها، وتوصف "مملكة أوفـات" بأنها أوسع "ممالـك الزيلع" أو بلاد "الطراز الإسلامي" أرضًا، وكان ملكها أقوى ملوك بلاد الزيلع، ومن ثم كان ملك أوفات يحكم في الغالب "بلاد الزيلع"، وميناء مملكة أوفات هو ميناء التجار القادمين إلى مملكة أوفات، وهو ما يُشير إلى قوة هذه المملكة وكذلك أهميتها التجارية. 

 

 

أما فيما يخص السكان المحليين القاطنين في هذه المملكة فإنهم كانوا من أهل الإسلام، وكانوا يدينون بالمذهب الشافعـي، حسب بعض الروايات. وكانت مدينة "زيلع" (أو زالع) من أهم المدن التي تقع ضمن تخوم "مملكة أوفـات"، ومن ثم كانت زيلع عاصمة مملكة أوفات.

 

 

وهذه المدينة (أي: زيلع) تُطل على ساحل "البحر الأحمر" (بحر القلزم)، وفي هذا الشـأن علينا أن نفرق بشكلٍ واضحٍ بين مدينة "الزيلع" (أو زيلع) من ناحية، وبين مصطلح "بلاد الزيلع" من ناحية أخرى، فهذا الاسم الأخير كان يُقصد به في الغالب كل "الممالك السبعة" أو ما تُعرف بـ"ممالـك الطراز الإسلامي" حسب البعض، وليست مدينة "زيلع" وحدهـا التي تقع ضمن أراضي "مملكة أوفات". 

 

 

وتتسم مدينة "زيلع" بأنهـا تقع في مناطق شديدة الحرارة، وهو ما يتوافق بشكل أو بآخر مع شدة الحرارة الموجودة في باقي ممالـك "الطراز الإسلامي" التي أشارت إليها بعض المصادر، ومنها رواية تقي الدين المقريزي الآنفة الذكر. 

 

وكانت مدينة "زيلع" تشتهر بوجود "مغاص اللؤلؤ"، وكانت هذه المغاص تقع بالطبع بالقرب من سواحلهـا الممتدة على طول "البحر الأحمر"، ولهذا كان يكثر التجار الأجانب القدوم إليها، وكانت غايتهم دونما ريب الحصول على "اللؤلؤ".

 

 

وكان من الطبيعي أن تصف بعض المصادر (ومنها رواية ابن بطوطة) مدينة "زيلع" بأنهـا كانت كبيرة، وكان بها سوق عظيمة. 

 

 

ومن جانب آخر كان الملك أو الحاكم في "مملكة أوفـات" يُدعى بلقب يقال له: (فـاط) وكان من عادة ملوك هذه البلاد أنهم كانوا يعتصبون على رؤوسهم بعصابة مصنوعة من خيوط الحرير، بحيث تكون تلك العصابة في وسط الرأس، أما الرأس ذاتها فإنها كانت تبدو مكشوفة. 

 

 

ومن الروايات اللافتة عن مدينة "زيلغ" ما يشير إليه الرحالة المغربي ابن بطوطة (ت: 779هـ)، وهو الـذي اشتد من جانب آخر في وصف تلك المدينة وذمها بنعوت قاسية، حيث يصف مدينة زيلع بأنهـا أقذر مدينة في المعمور وأوحشهـا وأكثرهـا نتنًا. 

 

 

ويرى المؤلفُ أن السبب فيما يبدو في وصف ابن بطوطة للمدينة بذلـك الوصف الحاد، أنه ربما كان بسبب كثرة أسواق الأسماك بها، والتي كان يصطادهـا الصيادون نظرًا لموقع المدينة على سواحل "البحر الأحمر". 

 

 

وقد كان من أسباب نتن المدينة أيضا فيما يذكر الرحالة ابن بطوطـة، أنه كان يُكثر بشوارعها دماء الإبل، والتي كان السكان يقومون بنحرها، خاصة في الأزقة والشوارع الضيقة. 

 

 

ولعل هذا يناقض إلى حد ما وصف ذات الرحالة الآنف لهذه المدينة، حيث كان قد ذكر بأنها مدينة كبيرة، وأنها في ذات الوقت كانت ذات أسواق عظيمة، وهو ما يشير لوجود بعض التناقضات الواضحة فيما يخص وصف بعض المؤرخين والرحالة لبلاد الزيلع (أو مدينة زيلع) بصفة عامة، و"مملكة أوفات" بوجه خاص. 

 

 

ويبدو بشكلٍ جلي في ذات الصدد أن الرحالة (ابن بطوطة) كان قد كره مدينة "زيلع"، وأنه لم يرد الإقامة بها لمدة طويلة، حيث إنه لم يبت ليلته التي وصل فيها في تلك المدينة. 

 

 

ومن المؤكد أن السبب وراء ذلـك الإعراض عن المبيت بها عدم نظافتها، وكذلك كثرة نتنهـا حسب روايته، ولذلك أعرض عن الإقامة بها. 

 

 

وحتى نكون أكثر إنصافًا فإن مدينة "زيلع" ربما بمحض المصادفة كانت شوارعها غير نظيفة في ذات الوقت الذي قدم إليها ابن بطوطة، وهذا لا يعني بالضرورة أنهـا كانت على هذا الحال السيئ على الدوام، لا سيما أنها كانت مدينة تجارية مهمة ذاعت شهرتها من خلال ارتباط دورها في ازدهار الحركة التجارية في البحر الأحمر إبان حقبة العصر الوسيط.

 

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز