عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية بلادُ الزَيلع في شرق إفريقيا

د. إسماعيل حامد اسماعيل
د. إسماعيل حامد اسماعيل

لا يُعرف على وجه اليقين متى تأسست هذه الممالك الإسلامية المعروفة باسم بلاد الزيلع، وهي بلاد تطل على سواحل البحر الأحمر (بحر القلزم)، لكن مما لا ريب فيه أن تلك البلاد كانت امتدادا للوجود الإسلامي على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر، إذ تأسست على يد المهاجرين العرب والمسلمين الذين وفدوا إلى هذه البلاد بعد الإسلام. 



وتشغل بلاد الزيلع حاليا الأراضي التي تأسست عليها دولة "إريتريا"، واشتهرت هذه البلاد باسم بلاد الطراز الإسلامي، وذلك لأنها تقع على ساحل البحر الأحمر، بحيث تبدو وكأنها طراز له. 

 

 

وهذه الممالـك الإفريقية الإسلامية كان يبلغ عددها سبعة ممالك قديمة، هي: (مملكة أوفات، ويكتب اسمها أيضًا وفات، وكذلك: إيفات، ومملكة دوارو، وكذلك مملكة أرابينـي، ومملكة شرحا، ومملكة هدية، ومملكة بالي (وقيل اسمها: بلي)، ومملكة دارة). 

 

 

وتنطق هذه البلاد حسب بعض المصادر الكلاسيكية باسم "زالع"، وليس زيلع كما هو شائع، وقد ورد ذلك الاسم (أي زالع) في العديد من المصادر، مثل: "نزهة المشتاق" للشريف الإدريسي (ت: 548هـ)، وكذلك "الروض المعطار" للحميري (ت: 727هـ)، وغيرهما، وعن هذا الاسم يقول الحميري: "ومن الناس من يقول زيلع بالياء المنقوطة من أسفل بدل الألف..". 

 

 

واشتهرت تلك "الممالك السبعة" أيضًا حسب بعض المصادر التاريخية باسم: بلاد الزيلع، وكذلك اشتهرت باسم: (بلاد الطراز الإسلامي)، وربما يفهم من لفظ "الزيلع" الإشارة فيما يبدو إلى مدينة زيلع وحدها، وهي واحدة من أشهر المدن التي ظهرت في هذه البلاد المعروفة باسم "بلاد الزيلع"، أو "الطراز الإسلامي"، وكانت هذه المدينة أشهر مدن "الزيلع" في العصر الوسيط، وربما يبدو ذلك التشابه على غرار مدينة أو إقليم "التكرور" في غرب إفريقيا، وصار ذات الاسم يُشير إلى كل بلاد "السودان الغربي" Western Sudan، أو بلاد غرب إفريقيا في المصادر الكلاسيكية (القديمة)، لاسيما تلك التي تؤرخ إلى أيام سلاطين دولة المماليك (648-923هـ/1250-1517م). 

 

 

وفي ذات السياق كان يُشار إلى مدينة "زيلع" التي تقع في شرق إفريقيا، جنوب غرب البحر الأحمر، وما يؤكد المعني الذي نرمي إليه قول "الحميري" (ت: 727هـ) في روايته: "زالع": ومن الناس من يقول زيلع.. مدينة على ساحل البحر الحبشي المالح المتصل بالقلزم..". وفي ذات المعنى يقول القلقشندي (ت: 821هـ): "وهي البلاد التي يقال لها بمصر والشام بلاد الزيلع.. والزيلع إنما هي قرية من قراها، وجزيرة من جزائرها غلب عليها اسمها..".

 

 

وتتحدث المصادرُ عن بعض المظاهر الجغرافية في هذه البلاد لا سيما بمدينة زيلع، حيث تتميز الرياح عند مدينة "زيلع"، وعند السواحل البحرية القريبة منها بشدتها، وقوتها، ولهذا يقول الجغرافي الشريف الإدريسي (المتوفى سنة: 548هـ): "ومن مدينة... إلى زالع التي على الساحل من أرض الحبشة نحو من أربع عشرة مرحلة، ومدينة زالع على البحر المالح المتصل بالقلزم.. وربما تجاسرت عليه المراكب الصغار فتتخطفها الرياح، فتنقلها..". 

 

 

ويطلق بعض المؤرخين على هذه الممالك اسم "الإمارات الإسلامية" في بلاد الحبشة، ويحدد موقعها بأنه يمتد من خليج عدن وحتى هضبة شوا. 

 

 

وعن موقع "بلاد الزيلع" يقول تقي الدين المقريزي (ت: 845هـ) عن تلك الممالـك الإسلامية: "أعلم أن بلاد الزيلع جملة من أراضي الحبشة وعرفت بقرية بجزيرة في البحر يقال لها: (زيلع)، وطول "أرض الزيلع" برًا وبحرًا نحو شهرين، وعرضها أكثر من شهرين..". 

 

 

وتوصف مدينة "زيلع" وليس "بلاد الزيلع" كلها بأنها مدينة صغيرة الحجم لكنها كثيرة السكان، ويسافر إليها الكثيرون لا سيما التجار بالطبع نظرًا لأهميتها التجارية. 

 

 

وعن ازدهار الحركة التجارية في مدينة "زيلع" يقول الحميري: "وأكثر مراكب القلزم تصل إلى هذه المدينة (أي زيلع) بأنواع التجارات التي يتصرف بها في بلاد الحبشة، ويخرج منها الرقيق والفضة والذهب بها قليل، وشرب أهلها من الآبار..". 

 

 

وهو ما يُشير لأهمية مدينة "زيلع" في الحركة التجارية القادمة إلى الحبشة عبر موانئ وجزر البحر الأحمر، إذ كانت هذه البلاد تعتبر- بشكل أو بآخر- بمثابة حلقة الوصل بين التجار القادمين عبر سواحل وموانئ البحر الأحمر من جانب، والأسواق التجارية في بلاد الحبشة من جانب آخر. 

 

 

والأراضي الواقعة في بلاد الزيلع كان أكثرهـا قفار وبراري، وكان أكثر هذه البلاد غير مسكون، وكان مقدار العمارة في أقاليم هذه البلاد على مسافة حوالي ثلاثة وأربعين يومًا طولًا، أما عرضها، فكان يبلغ قرابة أربعين يومًا. وعن ممالـك الزيلع، أو الإمارات الإسلامية، يقول العُمري: "وهذه الممالك السبعة بأيدي سبعة ملوك، وهي ضعيفة البناء، قليلة الغناء لضعف تركيب أهلها، وقلة محصول البلاد، وتسلط ملوك الحبشة صاحب أمحرة عليهم..". 

 

 

وقد كان لكل مملكة من هذه "الممالك السبعة" ملك أو حاكم يحكم كل مملكة منها، وكان يتسلط عليهم (حسب المقريزي) حاكم يلقب باسم: (الحطي)، وهو "ملك أمحرة"، ويقصد به ملك بلاد الحبشة. 

 

 

ولعل هذا ما يعني أن هذه الممالك الإسلامية إبان النصف الأول من القرن 8هـ/ 14م كانت تدين بالطاعة لحكام وملوك بلاد الحبشة، وكان الحكام في "بلاد الزيلع" يرسلون في بعض الأحيان الأموال إلى ملك الحبشة، وهو المعروف حسب المصادر آنذاك باسم: "ملك أمحرة"، حيث كان يرسل حكام "بلاد الزيلع" قدرًا معينًا من المال في كل سنة كنوع من الجزية، وكانوا يرسلون أيضًا بعض البضائع من القماش، وغيره من الأصناف الأخرى. 

 

 

ويصف تقي الدين المقريزي (ت: 845هـ) تلك الممالـك (السبعة) بأنها "ممالـك ضعيفة، قليلة المتحصل.." لكن لم يكن هذا حالهم بالطبع على الدوام، ولأن سكان هذه الممالـك كانوا من المسلمين فإن ملوكهم كانوا يكثرون من تشييد المساجد.

 

  ويُشير ذلك على أي حال إلى مدى حرص السكان في تلك البلاد على أداء الشعائر الدينية، لا سيما أداء فريضة الصلاة، وهو ما يظهر أيضًا حسن إسلامهم، وربما لهذا يقول ابن فضل الله العُمري: "وبهذه الممالـك السبع الجوامع والمساجد، وتقام بها الخطب، والجمع والجماعات، وعند أهلها محافظة على الـدين، ولا نعرف عندهم مدرسة، ولا خانقاه، ولا رباط، ولا زاوية، ليست لهم إبل..". 

 

 

ومن جانب آخر تصف بعض المصادر سكان "بلاد الزيلع" بأنهم من السودان، أي أنهم من أصول إفريقية، من ساكني بلاد جنوب الصحراء، ويقول "ابن بطوطة" عن سكان هذه البـلاد: "وأهل زيلع سود الألـوان..". 

 

 

ومن الـلافت في رواية الرحالة ابن بطوطة أنه يذكر أن أكثر سكان هذه البلاد (ولعله يقصد تحديدًا سكان مدينة "زيلع" وحدهـا، وهذه هو القول الراجح في رأي المؤلف)، كانوا من غلاة الشيعة من المهاجرين الفرس الذين كانوا مستقرين هناك في ذلك الوقت، وقد كان ذلك حالهم في زمان ابن بطوطة، وهو الأمر الـذي يخالف، لحد ما، ما ورد في رواية تقي الدين المقريزي الذي أثنى على إسلام السكان في بلاد الزيلع. 

 

 

وربما يرجع السبب في ذلـك التناقض في الروايات إلى اختلاف الحقبة الزمنية التي كان يتحدث فيها كل منهما، إذ إن الرحالة ابن بطوطة كان قد توفي سنة 779هـ/ 1377م، أما المقريزي فإنه كان قد توفي في سنة 845هـ/ 1441م، وربما تبدو رواية ابن بطوطة بشكل أو بآخر غير دقيقة فيما يرى المؤلف لأنه لم يبق كثيرًا في مدينة "زيلع" حسب روايته، ولم يطق الإقامة في هذه المدينة. 

 

 

ومن ثم لم يكن لدى ابن بطوطة مزيدًا من الوقت للحديث بشكل أكثر موضوعية عن هذه البلاد، بل كان رأيه مجرد انطباع وقتي بالنسبة له، ولم يكن رأيًا حقيقيًا بمعنى الكلمة يقوم على المُشاهدة الموضوعية لأحوال هذه المدينة خاصة، ولبلاد الزيلع بصفة عامة. 

 

بينما حسب رواية "ابن فضل العمري" (ت: 749هـ) كان من سكان بلاد الزيلع الأبرار والصالحين، وكان يكثر فيما بينهم الزهـاد وأهل التصوف، وهو ما يدحض رواية ابن بطوطة، خاصة أنه كان معاصرًا لزمان المؤرخ العمري.

 

 ومن المؤكد أن رواية العمري أدق من رواية الرحالة ابن بطوطة، فهو كاتب الإنشاء أيام السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، وكان يطلع على أحوال هذه البلاد من الرواة المحليين الثقات، وتصف المصادر أيضًا "بلاد الزيلع" بأنهـا بلاد شديدة الحرارة، ومن المؤكد أن سبب ارتفاع حرارة هذه البلاد قربهـا من أقاليم خط الاستواء الذي يمر بمنتصف أراضي القارة الإفريقية. 

 

 

وفي ذات الصدد يقول المؤرخ (العُمري) في ثنايا روايته المُهمة عن مناخ هذه البلاد، وشدة الحرارة التي بأرضها: "وهي بلاد حارة، ليست بماثلة إلى الاعتدال، وألوان أهلها إلى الصفـار..". 

 

 

أما فيما يخص بيوت ومنازل السكان في "بلاد الزيلع"، فإن بيوتهم كانت فيما يبدو تتسم بالبساطة، ولم تكن تتميز بالفخامة والترف على غرار المدن والموانئ التجارية الأخرى المعروفة في ذلك الوقت: مثل كلوة، ومقديشو، أو سفالة (سوفالة)، إذ كانت البيوت فيما تذكر المصادر مُشيدة من الطين، وكذلـك استخدموا قطع الأحجار في البنـاء، وكذلـك قطع من الأخشاب، وهذا يعني أن بيوت السكان في "بلاد الزيلع" كانت مشيدة في الغالب من الطين، باعتباره المادة الأساسية في البناء في ذلك الوقت.

 

 

بينما كان أهل "الزيلع" يستخدمون الأحجار والأخشاب في إقامة بعض جوانب البيوت وأطرافها لتقويتها، مثل: السقوف والدعامات، وكذلـك استخدموا الأحجار لبناء الأعمدة في تشييد بيوتهم، ومنازلهم. ولم تكن هذه البلاد- حسب المقريزي (ت: 845ه)- بها أسواق، ولا بها شيءٌ من الفخامة والرفاهية. 

 

 

وعلى أية حال لا يتفق المؤلفُ– البتة- مع ذلك الطرح الوارد في "الشطر الأول" من تلك الرواية الآنفة الذكر، حيث إن "بلاد الزيلع" كانت تقع على ساحل "البحر الأحمر"، ومن ثم كانت لها أهمية تجـارية لا تخفى على أحد لاسيما في حركة السلع والبضائع عبر وموانئ "البحر الأحمر"، وكذلـك دور سواحل هذه البلاد في تزويد السفن والمراكب التجارية القادمة من "المحيط الهندي"، وعبر المراكز التجارية الأخرى، حيث كان يجب على تلك السفن القادمة أن تتوقف في موانئ "بلاد الزيلع" خلال رحلاتها التجارية، ويؤيد هذا الرأي فيما يخص وجود الأسواق في هذه البلاد، وازدهارها ما يذكره الرحالة ابن بطوطة في روايته الذي يقول فيها: "وأهل زيلع سود الألوان.. وهي مدينة كبيرة، لها سوق عظيمة..".  

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز