عاجل
الأربعاء 6 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

فن الأدب.. توفيق الحكيم

 علاقة الأدب بما يحيط بنا وتوظيفه لخدمة المجتمع

غلاف كتاب فن الأدب
غلاف كتاب فن الأدب

"إن الأدب هو الكاشف الحافظ للقيم الثابتة في الإنسان والأمة، الحامل الناقل لمفاتيح الوعي في شخصية الأمة، والإنسان.. تلك الشخصية التي تتصل فيها حلقات الماضي، والحاضر والمستقبل". هكذا يقول الكاتب والأديب الكبير توفيق الحكيم، في كتابه "فن الأدب"، الصادر عن دار مصر للطباعة، والمتكون من اثني عشر بابًا، ويتحدث فيه عن علاقة الفن بالأدب.



 

يصور الحكيم الفن على أنه المطية الحية القوية التي تحمل الأدب خلال الزمان والمكان.. والأدب بغير فن رسول بغير جواد في رحلة الخلود، والفن بغير أدب مطية سائبة بغير حمل ولا هدف.

 

"فن الأدب"

 

يقول الحكيم: "لقد كان همي دائمًا محاولة الجمع بين الرسول وجواده، ولقد رأيت دائمًا الأدب مع الفن، والفن مع الأدب، لذا سميت هذا الكتاب "فن الأدب".  في كتابه "فن الأدب"، يغوص توفيق الحكيم ليبرز للقارئ العلاقة بين الخلق والأدب، ففي الباب الأول وعنوانه "الأدب ويداه"، يطرح سؤالًا مهمًا: ما هو الخلق في الأدب؟ وما هو الابتكار الأدبي؟ وهو سؤال ليس من السهل الجواب عنه في عبارة، فالخلق ليس معناه أن تخرج من العدم وجودًا.  إنما الخلق في الأدب والفن- وربما في كل شيء- هو أن تفتح روحًا في مادة موجودة.. كذلك صنع أعظم الخالقين يوم أوجد آدم عليه السلام، فهو سبحانه لم يمد يده العلوية إلى الفضاء قائلًا "كن" فكان، ولكنه مد يده أولًا إلى الطين- مادة أوجدت قبل آدم- فسوى منه ذلك المخلوق الحي.  لا شيء إذن يخرج من لا شيء.. كل شيء يخرج من كل شيء.. ذلك هو الدرس الأول في الخلق.. أريد لنا أن نتلقاه عن الخالق الأكبر.

 

الابتكار في الأدب والفن

 

 كذلك ليس الابتكار في الأدب والفن أن تطرق موضوعًا لم يسبقك إليه أحد، ولا أن تعثر على فكرة لم تخطر على بال غيرك.. إنما الابتكار الأدبي والفني، هو أن تتناول الفكرة التي قد تكون مألوفة للناس، فتسكب فيها من فنك وأدبك، ما يجعلها تنقلب خلقًا جديدًا يبهر العين ويدهش العقل، أو تعالج الموضوع الذي كاد يبلى بين أصابع السابقين، فإذا هو يضيء بين يديك بروح من عندك.  ومن ذلك يتوصل الحكيم إلى أن الفن ليس في الهيكل، إنه في الثوب.. والفن هو الثوب الجديد الذي يلبسه الفنان للهيكل القديم.. إنه الكسوة المتجددة لكعبة لا تتغير، وأن أعظم معجزة في الكون للخالق الأعظم جل شأنه، هو "شخصية الإنسان"، ملايين البشر تتوالد وتتعاقب، فلا تطابق شخصية منها شخصية أخرى تمام الانطباق، في الأجسام والمشاعر والعقلية والروح والذوق، والطبع.. فالإنسان هو الإنسان، ولكنه في كل مرة يولد، إنما يولد جديدًا.. لا يكرر بالضبط إنسانًا غيره.. يا له من معين لا ينضب من الخلق الإلهي.

 

"الأدب العربي وتجدده"

 

 الباب الثاني بعنوان "الأدب العربي وتجدده"، يُشير فيه الحكيم إلى أن الأدب العربي حافظ لروحه دائمًا على الرغم من تجدد منابع إلهامه وتغير مظاهر أثوابه ومن ينظر إليه بعين جديدة يبصره دائمًا جديدًا. فلو تأملنا الآداب القديمة لوجدنا أنها قد عاصرتها فنون كبرى، فمصر القديمة والهند والإغريق والرومان، كانت المعابد العظيمة، والتماثيل الرائعة، فيها خليقة أن يعاصرها أدب يضارعها في قوة البناء ودقة التركيب، وروعة الفن، ولكن الذي حدث في تاريخ الأدب العربي، كان غير ذلك، فقد نشأت لغة نضرة زاهرة في بيئة قحلة وسط الصحراء، لكن جاء العمران بعد ذلك بظهور الإسلام وتكونت حضارة إسلامية واسعة الأرجاء، فأقيمت المساجد الجميلة على أنقاض الهياكل القديمة، وشيدت القصور، وتقدمت الصناعات، وازدحمت الفنون، وابتلعت الحضارة الإسلامية في جوفها كثيرًا من الحضارات.

 

"التربيع والتدوير"

 

 "فن جديد عند الجاحظ"، هكذا يقول توفيق الحكيم، مؤكدًا أنه "خيل إليّ وأنا أقرأ كتاب "التربيع والتدوير"، للجاحظ، أنه يصنع فنًا طريفًا في زمانه، دون أن يدري، فقد أراد أن يصف رجلًا يعرفه، ويتهكم عليه، فأمسك بالقلم وخط له صورة، لو كانت بالرسم لا بالبيان، لأطلق على عمله الآن، اسم "الكاريكاتير".  

ومن مفاخر الجاحظ أن يكون تصويره بالنثر، بذلك قد يفوز في هذا المضمار بالسبق؛ لأن فن الكاريكاتير في الرسم قديم، عرفه التاريخ منذ عرف فن الرسم والتصوير، فإن مضحكات البشر وعيوبهم، ورغبة البعض في الضحك من البعض، كل هذا قديم قدم البشرية نفسها.. فكما عرف الشعراء منذ القدم كيف يهجون، عرف الرسامون كيف يسخرون.  

 

"الأدب والفن"

 

ويشبه الحكيم- في الباب الثالث الذي عنوانه "الأدب والفن"- الفن والأدب بالخمر والكأس، فإذا كان أحدهما الكأس فالآخر الخمر.. إذا أردت أن تعلم ما هو أروع صوت كان يبهر مشاعرنا ونحن صغار، فاعلم أنه صوت الطبلة، لا طبلة الجيش المظفر، وهو يسير تحت نوافذنا، ولا طبلة حراس المحمل، تدق من فوق الجمال المزوقة، ولا حتى طبلة "المسحراتي"، في ليالي رمضان الساحرة؛ بل طبلة صغيرة متواضعة، هي طبلة الأراجوز إذا اقترب من حينا، مؤكدًا أن كل فنون الأرض اليوم، لتعجز عن أن تجعلني أرى ما كنت أراه في دمي "الأراجوز"، الرخيص، وأن كل فرح الدنيا لا يثير في مشاعري، ما كانت تثيره دقات طبلته المتواضعة، وهو يقترب من حينا.  وتحدث توفيق الحكيم- أيضًا- مع أهل الموسيقى، ومع أهل التصوير، ومع أهل الإنشاد.

 

"الأدب والدين"

 

 وناقش في الباب الرابع "الأدب والدين" العلاقة بين الاثنين، "الدين والأدب.. كلاهما يضيء في مشكاة واحدة.. هناك صلة بين رجل الفن ورجل الدين، ذلك أن الدين والفن كلاهما يضيء من مشكاة واحدة، هي ذلك القبس العلوي، الذي يملأ قلب الإنسان بالراحة والصفاء والإيمان.. وإن مصدر الجمال في الفن هو ذلك الشعور بالسمو الذي يغمر نفس الإنسان عند اتصاله بالأثر الفني.. من أجل هذا لا بد للفن أن يكون مثل الدين، قائمًا على قواعد الأخلاق".

 

الأدب والحضارة

 

 "الأدب والعلم"، هو عنوان الباب الخامس..  فيما يربط في الباب السادس "الأدب والحضارة".. وأنك إذا أبصرت شعاعًا فاعلم أن وراءه كوكبًا.. وإذا رأيت أدبًا، فاعلم أن وراءه حضارة.. وما من خطر يهدد الشعاع إلا انفجار الكواكب.  وفي الباب السابع، "الأدب والمسرح".. يُشير إلى أن المسرح هو أقصر طرق الأدب للوصول إلى الجمهور، لكنه أكثر الطرق امتلاء بالعوائق والصخور.

 

 "الأدب والصحافة"، هو عنوان الباب الثامن، ويشرح الحكيم أن الصحفي يقول: "إني أكتب ليقرأني أهل زماني.. فيقول الأديب وأنا أكتب لتعاد قراءاتي في كل زمان".

 

"الأدب والسينما والإذاعة"

 في الباب التاسع بعنوان "الأدب والسينما والإذاعة".. يعرِّف فيه الحكيم السينمائي الحق بأنه هو ذلك الذي يجعلك تدرك أعمق ما يمكن من اللمحة التي تخطف بصرك فوق الشاشة.. والإذاعي الحق هو ذلك الذي يجعلك تعي أعمق ما يمكن من الأصوات، التي تسمعها من خلال "الميكروفون"، والأدب الحق هو الذي يجعلك تدرك عمقًا جديدًا، كلما أعدت قراءة الكتاب.

 

 ويناقش في الباب العاشر "الأدب ومشكلاته"، "رسالة الأدب، كغيرها من الرسالات الكبرى، التي تبغي السمو بالبشرية، لا تبلغ الأسماع إلا بعد جهد وصراع"، فما من قصة في واقع الحياة، يمكن أن تسلم من عنصر "المصادفة"، ذلك أن الحياة لا يمكن أن تسمى حياة، دون أن يسيطر عليها القدر، فإذا لم يكن هناك قدر فمعنى ذلك أن هناك فقط عقلًا بشريًا.  والعقل البشري وحده، إذا صنع قصة فإنه يخرجها مخلوقًا خياليًا، لا يتصل بالحياة، فلا بد إذن من المصادفة ليوجد القدر، لأنهما زوجان لا ينفصلان، ومهمة الأدب هي إسعاد الناس أو معاونتهم على بلوغ السعادة.  

 

"الأدب وأجياله"، هو عنوان الباب الحادي عشر، الذي يوضح فيه أن الأجيال تتماسك في الأمم، كما تتماسك حلقات السلسلة الفقرية في الأجسام.  وفي الباب الثاني عشر "الأدب والتزاماته" يكشف الحكيم أن الأديب يلتزم ولكن الأدب لا يلتزم. 

 

  توفيق الحكيم في سطور:

 

توفيق الحكيم (9 أكتوبر 1898 الإسكندرية- 26 يوليو 1987 القاهرة)، كاتب وأديب مصري، من رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية، ومن الأسماء البارزة في تاريخ الأدب العربي الحديث، كتب عددًا قليلًا من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح، ومعظمها من النوع الذي كُتب كي يُقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالمًا من الدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة؛ لتسهم في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من العمق والوعي.  

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز