عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تراكمات السياسات الرشيدة .. والصبر الاستراتيجى

تراكمات السياسات الرشيدة .. والصبر الاستراتيجى

للسياسة مُحددات وأطُر. ترسم الدول الكبرَى أطرَ سياساتها على المحيط والإقليم. تختلف منطلقات السياسة وثوابت الدول باختلاف المعايير والمواريث.



للدول مواريث كما للشعوب مواثيق. تتحدد مواريث الدول ومواثيق الشعوب طبقًا للمَكانة.. وحسب التاريخ. 

تنطلق السياسة المصرية الخارجية من مقوّمات تاريخية، ومعايير مكانة على خريطة العالم بحُكم الزمن. 

منطلقات السياسة المصرية أخلاقية فى الأساس. تتلمّس مصرُ معاملاتها طبقًا لمعايير المبادئ.. قبل براجماتية السياسة ومتغيراتها. 

تتحرك مصرُ فى المحيط وفى الإقليم بثوابت أخلاقية قبل أىّ اعتبارات. ترسم مصرُ المصالح وفقًا لمعايير الشرف.. قبل القانون. 

الخمسة عشر يومًا الماضية، بأحداثها، وتفاصيلها، وتحركاتها، ومُلابَساتها، من زيارة ناجحة للرئيس «السيسي» إلى فرنسا، إضافة إلى نجاح الجهود المصرية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية عَيّنة من وعاء سياسة رشيدة تنشد حقوقًا بلا اعتداء.. وتسعى لحلول بلا صخب.. وتنفُذ لبواطن الالتهابات بمشارط الحكمة.. وترياق الاتزان. 

لا تعتمد مصرُ أبدًا سياسة المسكّنات كما يدمن بعضهم. تعتمد مصر عبدالفتاح السيسي مسؤوليات المواجهة، ورجولة الثبات على المواقف مَهما تغيرت الظروف. 

تحوز مصر السيسي إصرار الجنود على تحقيق انتصارات مشروعة، والتوصل لأهداف بنُبْل المقاصد.. وعدالة القضايا.

السياسة ميادين قتال هى الأخرى. ساحات السياسة الدولية رقع حروب مكتومة أحيانًا.. وطاولات نزاع هادئ أحيانًا أخرى.

 فى الشرق الأوسط تتسارع ديناميكيات السياسة، وتتغير المعادلات كل يوم، وتتبدّل المُلابَسات كل ساعة، وتتعالى طموحات من آنٍ لآخر، بعضها فى غَيَّر مَحلها، وبعضها الآخر فى غيّر مكانه.. يحدث هذا كل دقيقة بالمعنى الحَرفى.. وكل ثوانٍ بالمعنى الدقيق للكلمة.

مع التغيرات ورُغْمَ تلاحُق التطورات تظل سياسة مصر رشيدةً تبدأ وتنتهى من منظور يَعتبر الصدق أقرب الطرُق للحلول. الصدق معادلة طبعتها مصرُ بخاتم «عبدالفتاح السيسي» على جدار الإقليم. 

(1) 

للدعوة التي تلقاها الرئيس «السيسي» من الرئيس الفرنسى «ماكرون» أكثرُ من دلالة وكثيرٌ من الإشارات. مصرُ لاعبٌ أساسىٌّ وشريكٌ فى كل قضايا الإقليم. تمتد الخيوط إلى القاهرة ومنها. 

مصرُ الدعم الأول للسودان انتقالًا من مرحلة صعبة إلى آفاق التنمية، بالتطلع إلى الأمام بضمانات وحدة أراضيه.. وحقوق شعبه. 

لعبت القاهرة الدور الأهم فى دعم الخرطوم فى سبيل الاستقرار واستعادة الدولة لمؤسَّساتها. جاءت الدعوة الفرنسية تقديرًا للدور المصري، وإشارة إلى الرقم الكبير الذي تمثله مصر فى دائرة القضايا الإفريقية على العموم. 

دعوة الرئيس «السيسي» لمؤتمر دعم السودان فى باريس، ليست فقط إشادة بأدوار القاهرة تجاه الأشقاء فى الجنوب؛ إنما أيضًا دلالة على تطلع فرنسى لمزيد من شراكة مع مصر فى قضايا إفريقيا.. وقضايا إفريقية كثيرة. ترغب باريس فى مزيد من تدعيم الشراكة مع القاهرة نفاذًا إلى باقى العواصم الإفريقية. تؤمن باريس بقوة الشريك المصري وقدرته على إقرار المعادلات فى شرق المتوسط؛ خصوصًا فى مواجهة أطماع تركية سابقة، بدأت تتهاوَى بعدما انفجرت فى الهواء بالونات العنجهية وتساقطت أمام الواقع هلاوس نظام أنقرة. 

تسعى فرنسا لتوسعة دورها فى المنطقة والإقليم، ومصر السنوات الأخيرة بدت شريكًا أقوى، لا يراهن على الصخب.. كما يدمن آخرون، ولا توجّهه براجماتيات المصالح لو تعارضت مع الثوابت ومقتضيات الحقوق. 

تدرك فرنسا أن لدى مصر مفاتيح عدة فى ليبيا، وتؤمن باريس أيضًا أن معادلات الحلول فى ليبيا ثلاثة أرباعها فى القاهرة، فيما يتناثر الربع الباقى فى دول أخرى بالإقليم. 

الشراكة فى السياسة مصير، لكن مصر تطلب التعاون دائمًا، وفق حرية تقرير المصير.. وفق حرية تحديد التوجُّهات.. ووفق مُطلق الحرية فى تحقيق الرؤى والسير للإمام فى خطوات ترسمها مصر وحدها.. وتبادر بها وحدها وفق ما تراه وحدها. 

تدعم مصرُ الرغبات الفرنسية فى التعاون، وفق سياسات النّد بالنّد.. ووفق خريطة المصالح. مصرُ ثالث متلقى للاستثمارات الفرنسية فى الإقليم. بعيدًا عن ثوابتها، فإن حياد القاهرة الإيجابى حرّر إرادة مصر فى تنويع مصادر السلاح، وعليه عقدت مصر وفرنسا أكبر صفقات سلاح من نوعها على مراحل.. توّجتها دفعة طائرات الرافال الأخيرة.

رسَّخَ الرئيس «السيسي» مزيدًا من سياسات مصرية معلومة للجميع تنشد التعاون وتمد أيادى الرغبة فى البناء والتنمية من فرنسا، لكنه فى الوقت نفسه أكد على خطوط القاهرة الحمراء بإرادة قادرة على إعادة رسم الخرائط.. عندما تقتضى الظروف. 

يؤمن قصر الإليزيه الفرنسى بأن مصر على قائمة دول عريقة لا تخلط أبدًا المصالح بمنطلقات المبادئ وثوابت الأصول. نجاح زيارة الرئيس «السيسي» لفرنسا تدفع فى الطريق لمزيد من حلول ناجزة لأزمات مختلفة، وفقًا لمعايير القانون الدولى، تحقيقًا لمصالح مشروعة لا حياد عنها. 

لا تزال القاهرة تُقر حقوقها بسياسات الصبر الاستراتيچى. فى شرق المتوسط تساقطت الثمار بالصبر الاستراتيچى. دفع الصبر الاستراتيچى مع خطوط حمراء وقت اللزوم بالأوضاع فى ليبيا إلى الطريق للحلول.

فى الجنوب الإفريقى تواصل القاهرة صبرها الاستراتيچى دون أى مساس بحقوقها التاريخية فى مياه النيل. من فرنسا جدّد «عبدالفتاح السيسي» تأكيداته على ثوابت القاهرة فيما يتعلق بالنِّيل كقضية وجود. 

تضيف القاهرة مزيدًا من التراكمات فى رصيد سياسات رشيدة، مع الحفاظ على معاملات القدرة. 

من فرنسا جدّد «عبدالفتاح السيسي» اطلاع العالم على ثوابت مصر عمومًا، وتوجّهاتها بالنسبة للسودان وإفريقيا. أعاد الرئيس التأكيد على حدود مرسومة.. وخطوط لن تسمح القاهرة أبدًا بتخطيها. 

إذا كانت فرنسا أحد أبواب مصر لأوروبا والعالم؛ فإن مصر لفرنسا بابٌ يكاد يكون وحيدًا.. وهو الأكثر اتساعًا لإفريقيا والإقليم.

(2)

ثمّن الرئيس الأمريكى «چو بايدن» الجهود المصرية تجاه القضية الفلسطينية. ثمّن «بايدن» اتزان القاهرة وحكمتها التي أدت إلى التوصل للهدنة فى غزة. 

معلوم.. قضية فلسطين ثوابت سياسة مصرية نابعة من التزامات أخلاقية قبل التزامات التاريخ وقبل مسؤوليات المكان والمكانة.

فى تحليل منشور قالت المونيتور الأمريكية إن نجاح الجهود المصرية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين عكست سياسات مصرية صادقة، فى التعامل مع القضية الفلسطينية، على عكس سياسات أخرى، لدول أخرى، عادة ما تمارس الشجب الدائم، والتعبير المستمر عن الغضب، دون إجراءات ملموسة ولا تحركات حقيقية على أرض الواقع.

مرّة ثانية، انطلقت مصرُ لإقرار الهدنة فى غزة من معايير أخلاقية، قبل اعتبارات القومية.. وقبل مقتضيات المسؤولية. الأزمة فى غزة هذه المرّة لم تكن كسابقاتها، وسط ظروف معقدة، وخيوط شديدة التشابك، بمتغيرات متباينة، وسياق متداخل التفاصيل. 

قول واحد: لولا ثقل القاهرة لما وصلت الأمور للتهدئة.

فى الوقت نفسه لم تكن الهدنة هدفًا وحدها، بقدر ما كانت الهدنة سبيلًا لدعوة جدّدتها مصرُ لتحريك عملية السلام فى الشرق الأوسط، وفق الثوابت وتماشيًا مع المرجعيات الدولية. 

لا تعرف مصرُ حلولًا وسطًا عندما تستدعى الأمور قرارًا. لم يحدث أن سعت مصر لعلاجات قشرية تكملها المسكنات.. وتخدرها الموضعيات. 

جددت مصرُ دعوتها لإحياء عملية السلام فى المنطقة، بمفهوم لا تحيد عنه لسلام قائم على العدل، والشمول ضمانًا لحقوق مشروعة للشعب الفلسطينى على رأسها القدس.

مازالت جهود القاهرة نحو تسوية عادلة للقضية الفلسطينية فى حاجة لمزيد من إرادة دولية لإنهاء معاناة شعب له كل الحق فى الحياة والأرض. 

بينما قدر مصر أن تستمر هادئة رُغم مزايدات بعضهم.. وثابتة رُغم تخرّصات آخرين. تبقى مصرُ سندًا صادقًا شريفًا.. فى عوالم المتغيرات.

 

من مجلة صباح الخير

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز