عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

أحمد إبراهيم يكتب: سميرغانم والحاسوب!

أحمد إبراهيم
أحمد إبراهيم

لا (الحاسوب) أقصده ولا (الآلة الحاسبة) أعنيها، والاثنان جنبي، إذ (الآلة الحاسبة) في يدي اليُمنى، ويُسرايَ على مفتاح الحاسوب (الكمبيوتر) وليسا هما الهدف، وإنّما جسران إلى ثالثٍ ورابعٍ هما الهدفان!



 

رقم (84) هو الثالث، نطرحه بالآلة الحاسبة من الرابع (2021).. فتولَدُ خارطة الطريق إلى البيت القصيد "عرب الأطاولة- أسيوط" مسقط رأسه، و(5 يناير1937) يومَ وُلدَ فيه (سمير غانم) قبل 84 سنة في أسيوط!

 

والتحوّل من أزرار الآلة الحاسبة إلى عناكب الحاسوب، قد يُنجِبُ لنا أرقاما وحروفا، أبرزها (مثالا وليس حصرا):

 -البعض يذهب للمأذون مرتين - أذكياء لكن أغبياء- طبيخ الملائكة- 30 يوم في السجن- والزواج على الطريقة الحديثة.

 

والعنوان الأخير أخفق ذاكرتي فاختفت من قاموس مفرداتي اللغوية العامية والفُصحى، كلمات وجُمل جميلة تُقال بمناسبة الزواج، وظلّ حوار الطرشان بيني وبين شاشة الحاسوب العارضة للجنازة بمراسم التشييع والدفن على الهواء، وشريط الأخبار يفاجئ المشاهدين بآخر الأقدار عن زواج (سمير غانم) أنّه غُسّل وحُنّط وشُيّع ودُفن بمشاركة جميع مُحبّيه إلا زوجته (دلال عبد العزيز) لكونها هي الأخرى في العزل على جهاز الأوكسجين (بمستشفى الصفا) ألا إنه هو القدر الأحمق الخُطى؟!

(اللهم لا اعتراض)!

 

صحيح أن الزّحف النّازي "للحاج كورونا" كان جائرا كالسيل الجارف، وبوحشية المغول والتتار على بغداد وبيروت ودمشق والقاهرة، أخذ الكثير من فنّانينا المُحبًّبِين بين عامي 2020 و2021، ولكنه أيضا ليس من المعقول أن نسلبَ الموتَ المقدًّرَ كلَّ صفاته وننسبها إلى (الحاج كورونا!) أليس هناك موتٌ اسمه الموت؟ وموتٌ اسمه العُمُر 84؟ وموتٌ وصفه (إذا جاء أجلهم فلا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون)!

 

في طفولتي يومًا، حدّثتني جدّتي قصةَ رجلٍ مُعضّلٍ في الميادين، كان يمشي بشقاوة بين الصفوف بالأسواق والسكيك والأرصفة، وقد دنى أجله، وأتى الأمر بالتنفيذ لقبضِ روحه وهو في أوجٍ من شقاوته.. فحاور عزرائيل ربًّه: (إلهى كيف أقبض روح من يجري بكامل قواه، وكأنه في بطولة كأس العالم للسباق؟! لا هو مريض ولا مصاب ولا هو عجوز! ترى ماذا يقول الناس عن هذا الموت المفاجئ؟ وبماذا يبرّرونه اذا قبضتُ روحَ نمرٍ يجري في الغابة وينطّ كما ينطّ الأرانب)؟!

 

فأجابه ملِك السماوات والأرض: (يا ملك الموت، انت نفّذ التعليمات وأقبِض الروح وسترى ما سيقوله الناس).. وفعلا قُبض روح من كان يجري جري الوحوش، فوقع على الرصيف ميتا، ولم يقل أحد أنه (مات) وسقط على الأرض، وإنما الكلُّ قال أنه (سقط) على الأرض (فمات)!

 

وقرأت أيضا عن سمير غانم، أنه عندما بلغ 75 كان يقول (أخاف من الموت)، فتذكّرتُ عمر الشريف وكنتُ التقيت به صدفةً في أحد استوديوهات دبي، وانا خارجٌ منها بعد حوارٍ على الهواء لإحدى الفضائيات عن مستقبل الاقتصاد السياحي، وهو داخلٌ نفس الاستوديو بمساعدة شخصين!

 

ابتسمتُ في وجهه ولم يبادلني بابتسامة، فكررتها ثانية وثالثة وظلّ مُكفهِرًّا عابسًا بنظراتٍ لم أعهدها به، بل وشكّكتني النظرات لعلّه ليس هو ذا الابتسامته العريضة على الشاشات! وفي الرابعة مازحته بطبعي الفضولي المعهود (أستاذ عمر، أين ابتسامتك المعهودة عليها من هوليوود؟ أليست دبي أجمل من هوليوود؟!).. فقال برزانةٍ وثقل ودون ابتسامة (يا هذا، أنا عمري 82، ويعني اي لحظة قد تكون هي آخر لحظة).. قالها ودخل الاستوديو دون أن ينظر نحوي!

 

فإلى الحاسوب وعملياته الحِسبية مرة أخرى: (واحدصفر، أو صفر على يمين وصفر على شمال) بأن عدد الذين مشوا في جنازة سمير غانم باكيا يقلّ بكثير عن عدد الذين أضحكهم سمير غانم طيلة 51 سنة، بل وقد يعجز الحاسوب عدُّ العدد إذا قورن بكلّ معجبيه في الوطن الكبير!

 

وحِسبة حاسوبية أخرى عن سكان العالم العربي وقد تجاوز 430 مليون نسمة من 22 دولة عربية، لكلٍّ منها لغتها العامية الشعبية غير المفهومة حينًا، بل وشبه المصدومة بأغلب الأحيان بين لهجات الحضر والريف والبادية من طرفٍ إلى طرفٍ آخر.. وانا شخصيا التقيت في باريس عام 1994، بشبيبةٍ من الجزائريين تحدّثوا معي ولم افهم من كلامهم جملة واحدة، فطلبت منهم مازحا (رجاء بالفصحى أو بالإنجليزي يا شباب)!

 

ولكن الحاسوب يخالفني الآن بدعابة (إلاّ الّلهجة المصرية يا هذا!) فالعرب كل العرب، يفهم اللهجة المصرية من جيلٍ إلى جيل، ويعود الفضل في ذلك إلى إطلالة مصر على امتداد جغرافيا الوطن الكبير بالفنانين والفنانات على المسرح والسينما، وعلى الشاشتين الفضّية والذّهبية من جيل إلى جيل!

 

 

 

كاتب إماراتي

البريد الإلكتروني: [email protected]  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز