عيسى جاد الكريم
حماة النيل.. والهدنة بين المتهورين
يومًا بعد يوم يتكشف للعالم الخارجي وللمصريين والعرب، قوة مارد الدبلوماسية المصرية، الذي نفض عنه غبار المحن التي ألمت به خلال ١٥ عامًا، وما تم خلالها من عبث بالمنطقة العربية من اشتعال حروب وفوضى، بداية من اليمن مرورًا بالعراق ولبنان والسودان وليبيا وتونس وحتى الجزائر والبحرين، حتى إن هذه الفوضى كانت تريد تغيير المنطقة وجعل مصر نفسها ساحة للفوضى، ولكن هيهات فمصر الصلبة بجيشها المنتصر في ٧٣ ودبلوماسيتها التي تعرف ما يحاك من مؤامرات ومخابراتها التي تجهز كل السيناريوهات وتسبق دائمًا الأعداء بخطوة يستحيل أن تنكسر أو تسقط بفضل الله، وبفضل وعي قادتها ورجالها المخلصين.
وما صنعته مصر، خلال سبع سنوات من ثورة 30 يونيو 2013 التي أفشلت المخطط وحتى الآن هو مثار انبهار وإعجاب من العالم كله، رغم كل محاولات أهل الشر لإيقاف خطط مصر وتنميتها عسكريًا وصناعيًا وزراعيًا، بداية من التشكيك ونشر الشائعات حتى محاولات إثارة الفوضى لإيقاف عجلة العمل، واستطاعت مصر إعداد جيش قوي حافظ على حدودها مواردها النفطية وأرهب أعداءها القريب والبعيد، وبنى مشروعات عملاقة نجدها الآن جزءًا من حل مشكلات دول الجوار العربية.
وفي أزمة حرب غزة الأخيرة التي اندلعت بين طرفين متهورين الاحتلال الإسرائيلى من جهة وفصائل المقاومة في قطاع غزة من جهة، ويجب أن نكون صرحاء فكلا الطرفين يريد استعراض القوة على حساب أرواح المدنيين الأبرياء، الاحتلال بقيادة نتنياهو الذي يريد الاستمرار في السلطة بأي شكل وتحقيق أي انتصار ولو بخلق معركة عبثية يبدأ اشتعال فتيلها بتحرش منتمين لحزبه ومتطرفين دينيين بالمصلين بالقدس وإخراج ١٨ عائلة من حي الشيخ جراح من بيوتهم وهو يضع في حسابته أنه في حال اشتعال المعركة، فإن الملاجئ التي بناها ستحمي سكانه من صواريخ المقاومة، وغزة ستصبح مسرحًا لتجربة الأسلحة والصواريخ الحديثة لقياس تأثيرها وتنفيذ الخطط العسكرية، في حين المقاومة وهو حقها تريد أن تذيق العدو من نيران القوة ما تذيقه للشعب الفلسطيني الأعزل، والذي ليس لديه ملاجئ تقيه الهجمات كما يفعل اليهود، والمقاومة تريد أن تؤكد لشعبها أن لديها القوة لمواجهة الاحتلال بما يعطيها المشروعية للاستمرار في السلطة والحكم لقطاع غزة بدون انتخابات، ولنكن واضحين إذا قلنا أيضًا أن استعراض القوة لأطراف معينة من المقاومة يأتي كشكر لأطراف خارجية معينة أسهمت في صنع سلاح المقاومة الذي تطورت إمكانيته بشكل مبهر للجميع، لتكون جزءًا من الصراع الدولي بين إسرائيل وإيران والأخيرة شكرها إسماعيل هنية في خطابه بعد إقرار الهدنة؛ لأنها أمدت المقاومة بالسلاح لتكون المعركة الأخيرة واضحة وكاشفة للعبة بين الأطراف.
مصر الشريفة القوية، التي تمتلك أوراقًا في اللعبة قررت إيقاف هذا العبث الذي يأتي على حساب الشعب الفلسطيني ونزيف الشهداء، وعلى قضيته الأساسية التي تتلخص في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
من اللحظات الأولى تحركت أجهزة مصر الأمنية رفيعة المستوى ودبلوماسيتها لإيقاف الحرب، بل ووضع حلول تخدم الشعب الفلسطيني في غزة وخلال ساعات كانت الشاحنات المصرية المحملة بالغذاء والدواء والمؤن تعبر أنفاق السويس إلى سيناء، ومنها للحدود مع رفح لغزة، لتكون الأنفاق أحد أهم إنجازات الدولة المصرية ما بعد 30 يونيو، والتي أراد أهل الشر إيقافها هي المنقذ الذي أسهم في سرعة إيصال المؤن لأهلنا في غزة، طابور من الشاحنات محملة بخيرات مصر من مزارعها ومصانعها، وهذا من فضل الله لا نمن به على أشقائنا، ووفرت الأطباء وسيارات الإسعاف لعلاج المصابين ولكي تؤكد مصر أنها أفعال وليست أقوالًا فقط ومسافة السكة فعل وليس قولًا، وخصصت على لسان رئيسها الشريف عبد الفتاح السيسي 500 مليون دولار لإعمار حقيقي لغزة لخدمة شعبها.
مصر استمرت على مدار ١١ يومًا منذ انطلاق المواجهة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في إجراء الاتصالات المكثفة بأكثر من ٥ محاولات حتى توصلت إلى قبول الطرفين للهدنة، دون قيد أو شرط، بما يؤكد قوة مصر وقدرتها، بل إن مصر مستمرة في مراقبة الهدنة بين الأطراف لكبح أي تهور غير محسوب من أي طرف، وشرعت مصر من اللحظة الأولى لبدء الهدنة في صياغة أسس حقيقية للهدنة بما يضمن استمرارها وفق حق الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس، وإجبار إسرائيل المحتلة علي إيقاف بناء المستوطنات وإيقاف الاستفزار للفلسطينيين من الشرطة الإسرائيلية بالقدس، وإجبارها على تسهيل دخول مستلزمات إعمار غزة.
مصر التي أوقفت حالة الحرب على حدودها وطمأنت بعد ارتفاع تكبيرات العيد احتفالا بالهدنة في غزة، ذهبت بكل ثقة لتؤكد على حقها في تأمين حقوقها المائية في النيل مع الأشقاء في السودان، من خلال المناورة العسكرية والتدريب المشترك "حماة النيل"، وللاسم دلالته ولحجم القوات المشاركة من القوات الخاصة والقوات الجوية والبحرية والبرية وسلاح المهندسين دلالته، ولمكان المناورة على حدود إثيوبيا وعلى بُعد عشرات الكيلو مترات من إقليم بنى شنقول الذي يوجد به سد النهضة دلالاته، وقبل أيام من إعلان إثيوبيا البدء في ملء سد النهضة، وذلك بتنسيق وتعاون كامل مع الجيش السوداني الشقيق، وذلك بالتزامن مع تصريحات وزير الخارجية السفير سامح شكري، الذي أكد أن بدء إثيوبيا في ملء سد النهضة دون اتفاق سيزعزع الاستقرار والأمن في إفريقيا وسيجعل إثيوبيا دولة خارجة عن القانون الدولي في رسالة صريحة أن مصر لن تقبل بفرض الأمر الواقع أو البدء في تخزين المياه خلف السد، دون اتفاق ملزم لإثيوبيا مع مصر والسودان.
مصر في 2021 قوية قادرة لديها جيش قوى يفرض كلمته على المسرح الإقليمي ولديها حلول لكل الأزمات، بدايةً من الصراع والخلافات التي كانت بين الليبيين وحتى أزمة لبنان السياسية، وحتى في الأزمات الأخيرة من نقص الأدوية والغذاء والمستلزمات خلال أزمة كورونا كانت مصر سباقه بفضل ما تملكه من إمكانيات فأرسلت للسودان ولبنان وتونس والعراق والصومال وجنوب السودان، وعدة دول، منها الصين والهند وايطاليا ما يحتاجونه من غذاء ودواء بطائرات عسكرية مصرية، للوقوف في وجه الوباء.
عاشت مصر قوية عزيزة.. وحفظ الله شعبها وجيشها ورئيسها.