عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
السرد الدرامي التليفزيوني.. النصوص الداخلية الجديدة!

السرد الدرامي التليفزيوني.. النصوص الداخلية الجديدة!

إن الكثافة الهائلة في المواد الدرامية التليفزيونية وردود الأفعال تجاهها، سواء من الكتاب والنقاد أو الجمهور العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تؤكد أهمية السرد الفني.



واستطاعت الدراما التليفزيونية تأكيد أهمية السرد بالنسبة للإنسان المصري والعربي، فالاحتياج لسرد القصص هو احتياج إنساني أصيل.

ولذلك فالدراما علاج جماعي مهم ووسيلة أساسية من وسائل تحديد هوية الأفراد والمجتمعات.

وبالتالي فأحد أهم أدوارها التي يجب النظر إليها بكل الاهتمام أنها تساهم في تحديد الهوية العامة.

ولقد لامست العديد من الدرامات هذا العام مسألة الهوية المصرية سواء في (الاختيار2) أو (القاهرة كابول) أو (هجمة مرتدة).

إلا أن الأمر يمكن تعميقه من خلال البحث العميق عن النصوص الداخلية للأفراد أصحاب التجارب المشتركة وللمجموعات المهنية والدوائر الاجتماعية المتعددة.

في إطار السعي لأن تصبح الدراما والسرد بمثابة علاج للتوترات الاجتماعية والثقافية.

وليس لصناعة التوترات وتعميقها عبر تأكيد سرديات هامشية وإطلاقها للمتن الاجتماعي.

أما كيف هي داء ودواء؟ فالإجابة تأتي من كون التجربة الدرامية مشتركة بين الجمهور، وهي لا يتم فقدها، وإنما يتم تخزينها في الذاكرة، ثم يتم تنشيطها، بوعي أو بغير وعي، من خلال تجارب مماثلة في وقت لاحق في الممارسات اليومية.

ولذلك فالتجارب الدرامية التي يشاهدها الجمهور تظل حاضرة وتتداخل مع الواقع المعاش، وإذا كانت مشوهة فهي تشوهه، وتساهم في خلق صعوبات في العلاقات الإنسانية، وتحد من الاهتمامات الممكنة والمتاحة، فإذا كانت حياة الفرد تتغير بسهولة إذا صادفته مافيا تجارة المخدرات كما في دراما "ملوك الجدعنة"، فلماذا يكدح من أجل أهداف صغيرة.

كما أن تلك السرديات الدرامية إذا ما تقاطعت مع نصوص داخلية لمجموعات ذات مستوى ثقافي منخفض، فهي قادرة على إحداث حالة من الإحباط النفسي يساهم في تعزيز الإجهاد والإرهاق وتوترات السلوك اليومي.

لاحظ معي إحصائية أخبار الحوادث الموثقة عن مائة وواحد وثلاثين ضحية حوادث القتل الأسري، وفي دوائر الأصدقاء والمعارف في شهر رمضان المعظم 2021.

لا أشير مباشرة إلى السرد الدرامي كسبب لكن صور السرديات التي تعتمد العنف والقتل والحرق وما إلى ذلك، تصنع نصوصًا داخلية جديدة تعزز من حالة المرض النفسي المستتر وتساهم في تفجيره وتحفز الاستجابة السلبية للضغوط الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.

بينما كان من الممكن، وهو ما نتمناه، إعادة كتابة النصوص الداخلية المسكوت عنها بطريقة تسمح بعلاجها عن طريق الفن، وهو قادر على ذلك العلاج بطبيعته الساحرة متعددة الحواس، ومتعددة الوسائط التعبيرية.

ولذلك يجب أن نسعى في السرد الفني القادم لرؤية الناس يعبرون عن أنفسهم، عن أفكارهم ومشاعرهم الصادقة.

إن الرغبة في رؤية الناس لذواتهم في الصور التعبيرية أمر طبيعي وملح، إنه حاجة إنسانية مثل الحاجة إلى التواصل أو الفهم، وغياب هذه الحاجة يضر بحيويتنا الاجتماعية، ويؤدي إلى تهديد لإعادة تشكيل الهوية الجماعية بشكل خاطئ.

ولذلك فعلينا النظر بجدية خارج نطاق النقد الفني، لهذه الصور الدرامية الكثيفة، التي تتسلل دون أن نشعر- وعبر عمليات نفسية تلقائية- لتعيد تحديد الهوية عبر الفن، وتلك السرديات الضاغطة قادرة، لأنها عبر عملية التلقي تقوم بترميز موضوعي جديد للعلامات والأدوار الاجتماعية، وذلك يحدث عبر العرض السردي، خاصة لدى الناشئة وأصحاب الثقافة البسيطة، حيث تؤدي إلى ما يسمى في التأثير بالفن إلى تجربة النمو التحولي وتكامل جديد لمفردات الهوية وموقعها في الأسرة والمجتمع الصغير والكبير معا. 

إنها تساهم عبر التفكيك وإعادة البناء من خلال السرد في تغيير الهوية.

فهكذا تتغير الهوية الثقافية للأفراد والمجتمعات عبر كثافة وإلحاح سرد القصص، وبطريقة متعددة القدرة على مخاطبة الحواس، لتقوم بخلخلة الثقافة الذاتية للمتلقي وتعيد صياغتها عبر السرد الشفهي المجسد بالصوت والصورة وتبني في ذاكرته الحسية صورًا وكلمات وسلوكيات قادمة من قصص جديدة، تعيد صياغة نصوصه الداخلية كما تشاء.

ولذلك فالأمر يحتاج إلى النظر بجدية لهذا السرد الكثيف، لكونه قادرا على التأثير في الممارسات الاجتماعية العامة والهوية.

هذا وقد لا حظت هذا العام، أن عددًا من الساخرين المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، أعادوا تقديم بعضا من المشاهد الدرامية العنيفة أو الغريبة عن الهوية المصرية بطريقة ساخرة، ولعل هذا الأسلوب هو أسلوب مقاومة عبر التقمص السلبي الساخر يعد مؤثرًا للغاية في إسقاط الصور الرمزية الدرامية ذات الطابع العنيف والمخالف للهوية المصرية، كما يحتاج الأمر لمزيد من الشرح والإيضاح، ولكثافة النقد الفني الموضوعي، وربما يصبح الابتعاد عن السرديات المصورة قليلا مع أيام عيد الفطر المبارك والتركيز في ممارسات اجتماعية إيجابية، والنظر للخلف بسخرية من هذه الصور الدرامية السلبية ضرورة جماعية، كي نتذكر أن الهوية المصرية ليست هي مجموع الأشياء المادية، بل هي مجموعة من القيم والأخلاق التي كسبها الإنسان المصري عبر تاريخ طويل. 

وكل عام وأنتم في خير وسعادة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز