عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
علم الأعصاب الثقافي.. وفنون الدراما والإعلان والتسلية

علم الأعصاب الثقافي.. وفنون الدراما والإعلان والتسلية

في إطار التفاعل المعاصر الخلاق بين العلوم والفنون والثقافة، يأتي علم الأعصاب الثقافي كمقترب علمي جديد ليشكك في فهمنا التقليدي لتعريفات الثقافة المستقرة، وليعيد طرح أسئلة جديدة حول هذا الأمر.



 

ليصبح السؤال المهم هو: كيف تستجيب الثقافات وتتغير داخل شبكة معقدة من العوامل المؤثرة في سياق معين؟

 

وهو السؤال الذي يحاول علم الأعصاب الثقافي الإجابة عنه.

 

مما يجعل هذا العلم الوليد ينظر للثقافة في إطار شامل يتطور في التفاعل المتبادل بين الثقافة والفنون والبيئة المتغيرة.

 

أما العنصر الجديد الذي أضافه علم الأعصاب الثقافي فهو التفاعل الإيجابي المرن للبيولوجيا الإنسانية عبر الجين الوراثي والمرونة البيولوجية للدماغ.

 

إذ تؤثر الجينات الوراثية الثقافية وطريقة عمل الدماغ (المخ) في عملية الاستجابة لسلوك ثقافي ما، وتتدخل في الدوافع التي تقف خلف هذا السلوك.

 

وعلاقة علم الأعصاب الثقافي بمجموعة القيم علاقة وطيدة، إذ ينطلق من فهم واقعى لقدرة الظروف الاجتماعية على التأثير وتغيير النظر في القيم الجمالية والأخلاقية.

 

إذ إن الشعور بالجمال الخالص الناتج عن النظام والثقة والجاذبية والانسجام، هو ما يعزز عمل المخ لإفراز المواد العصبية التي تعزز من حالة الثقة والهدوء والاتزان وربما السعادة، وهي ذات الحالة التي ينتجها المخ (الدماغ) البشرى عندما يتعرض لسلوك أخلاقي منضبط ومثالي، ذلك أن الجمال والأخلاق هما مصدران للاتزان الفسيولوجي للفرد والجماعة البشرية. وهذا ما يؤكده علم الأعصاب الثقافي.

 

وفي هذا الإطار ومع نجوم الدراما الرمضانية ونجوم عالم الإعلان والتسلية عبر الشاشات التليفزيونية المتعددة والمنصات الرقمية ذات الصلة، يمكن لعلم الأعصاب الثقافي فهم المكانة التي يحظى بها هؤلاء النجوم من منظور علمي جديد.

 

إذ يؤكد علم الأعصاب الثقافي عبر دراسة العلاقة بين المكانة الاجتماعية والتبدلات الحادثة بها، وبين هيئة وجه النجم، أن جاذبية الوجوه ذات تأثير مباشر على الأحكام الاجتماعية.

 

وهذا هو ما يسميه الجمهور والنقاد إطلالة النجم أي وجه النجم، وهو معيار مهم للحكم عليه وتقديره اجتماعيا ومنحه تلك المكانة الاجتماعية الخاصة.

 

وبالنظر إلى المجتمع المصري والعناصر المستجدة يمكن فهم الجاذبية الجديدة للوجوه، وهي جاذبية متغيرة عن جاذبية نجوم الستينيات والثمانينيات وما إلى ذلك من نجوم القرن العشرين المنقضي، إذ أصبحت تلك الوجوه من زمن الفن الجميل، نستحضرها في إطار الحنين إلى الماضي.

 

وإذ تعزز الدراما الرمضانية في الأعوام السابقة القريبة، ولا زالت تفعل تلك السمات الجديدة للوجوه، حيث يمكن ملاحظة اللحى الكثيفة والشوارب، القسوة واستخدام القوة في حل الصراعات الاجتماعية، بل بعض من التشويه في الوجه مثل: تغيير هيئة الإنسان الطبيعية، واستخدام الأسنان المخيفة المعدنية، وإزالة شعر الرأس، وحضور حالة من حالات الإفراط الكبير في وجوه المغامرين عبر المبالين بأي من المخاطر.

 

إنها وجوه جديدة استثنائية قادرة على حرق البشر، وعلى المخاطرة إلى حد تهون معه حياتهم وحياة الآخرين، وحتى النساء من هؤلاء النجوم، قادرات على ممارسة هذا العنف الاستثنائي.

 

ويمكن بالعودة إلى المجتمع رؤية السيطرة الواضحة لتلك السمات الذكورية في المعادلات الاجتماعية.

 

إذ أصبحت الوجوه الجاذبة المنضبطة المتوازنة نادرة، ويمكن إدراجها اجتماعيا في قيم الأنوثة التي تلجأ لمعادلات أخرى غير معادلات القوة في الحصول على النجاح وحل المشكلات وتحقيق المكانة الاجتماعية.

 

وهكذا تأتي الدراما والإعلان وبرامج التسلية لتقوم بتغيير جمالي في استقبال المخ للصور، واستجابة الدماغ للقيم الأخلاقية لتأكيد استجابات جديدة مع جاذبية وجوه النجوم الجديدة.

 

بالطبع توجد استثناءات واضحة، إلا أن الإطار العام الأغلب والأوضح يأتي وفقا لعلم الأعصاب الثقافي ليرسخ جاذبية جديدة للوجوه العنيفة للنجوم، وللاختيارات الأخلاقية المنحازة لاستخدام القوة البدنية والعنف.

 

وهو ما يؤثر عبر التراكم المتكرر في الجين الوراثي الثقافي للأجيال القادمة، ويشكل طريقة استجابة منح الأجيال الحالية، وهي الاستجابة المتغيرة لمعنى الجمال والأخلاق.

 

ما يؤثر بالتأكيد على شفرة المعاملات الاجتماعية اليومية في الواقع المعاش. وهكذا يصبح الأمر ومن منظور جديد بعيدا عن النقد الفني، وبعيدا عن النقد الثقافي، وبعيدا عن العمليات المعرفية الاجتماعية والتقاليد المعيارية في الحكم على الأمور، ومن منظور علمي بحت هو منظور علم الأعصاب الثقافي، والذي وهو في مهده يمكن أن يثير غضب النقاد وعلماء الاجتماع وعلماء النفس وصناع الدراما والإعلان والتسلية معا، إلا أنه يضعنا أمام حقيقة خطيرة، وهي الحتمية البيولوجية، إذ إن جاذبية تلك الوجوه الجديدة لا تؤثر في الأفكار ونماذج الجمال وسلم القيم فقط، لكنها تؤثر بالتراكم في ما هو هام جدا ويصعب تغييره إلا بتراكم تاريخي مضاد، ألا وهو الجين الوراثي الثقافي وطريقة عمل المخ في عملية الاستقبال والاستجابة لنماذج الجمال والأخلاق من منظور علم الأعصاب الثقافي.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز