عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية مريضتين نفسيتين رفضتا دفن والدهما

بعد زواج وحب استمر أكثر من 30 سنة، ماتت الأم وتركت خلفها طفلتان صغيرتين، كانتا شديدتي التعلق بها، وهما في عمر الزهور، لم تجدا قلبًا حنونًا يعطف عليهما، ويواسي صرخاتهما وآلامهما، سوى والدهما الذي تركت له الأم مهمة تربيتهما.



 

أكمل الأب المسيرة على أحسن ما يكون، فتخرجت الفتاتان في كليتين مرموقتين، من كليات القمة.

حتى إن الأب واصل دوره مع ابنتيه وقام بتجهيزهما وزاجهما، ليتم مهمته مع ابنتيه كأب على أحسن ما يكون.

ولشدة تعلق الفتاتين بوالدها لم تستطيعا الابتعاد عنه كثيرًا، فكثرت المشاكل مع الزوجين والشجار، ما أدى لانتهاء الحياة الزوجية لكلتا البنتين.

عادت البنتان للمعيشة مع أبيهما، كما كانت حياتهما في السابق، لكن الحياة لم تعط كل شيء لهما، وأبت أن يستمر اجتماع شمل الأب مع البنتين، فتوفي الأب وتركهما وحيدتين.

الأب كان السند والعائل والأمان للبنتين، فأصبح لديهما هاجس داخلي بالخوف من الابتعاد عنه، فرفضتا دفنه، وقررتا أن تعيشا مع الجثة داخل شقتهما. 

كما أن الابنتين لم تتركانه وحده إلا في أوقات الصلاة وبعد فترات لم يعد يراه أحد لا من الجيران فظن البعض انه مريض ولا يغادر منزله لظروفه الصحية ولكن لم يكن أحد يعلم انه قد وافته المنية سوى ابنتيه اللتين لم تخبرا أحدا بوفاته.

وجاءتهما حيلة شيطانية لحفظ الجثة من التعفن، فقررتا تكفينها والاحتفاظ بها، وقامتا بلف الجثة في شاش طبي بعد وضع كمية من الكريم المرطب عليها.

وبعد ذلك وضعتا على الجثة “جبنة، ولبن، وبيكنج باودر”، في محاولة لتخفيف تعفنها، لاعتقادهما أن تلك المواد تساعد في ترطيب البشرة، ومنع تعفن الجثة، والرائحة الكريهة.

استمر هذا الوضع استمر لعشرة أيام متواصلة إلى أن قامت طليقته بالذهاب إلى البيت للسؤال عنه لأنه لم يكن يرد على اتصالاتها، لكنهما رفضتا وأخبرتاها بأنه ليس بالمنزل إلى أن جاء أخوه فاخبرتاه بأنه ذهب لأداء واجب العزاء، وعند مغادرته اتصلت به طليقة المتوفى لإخباره برفض ابنتيه رؤية طليقها، فاقتحم المنزل عنوة ليجد أخاه ميتًا وجثته متعفنة فقام بإبلاغ الشرطة.

 

الصدفة كشفت الواقعة

 

"رب صدفة خير من ألف ميعاد"، فالصدفة وحدها، هي الشاهد الوحيد في هذه القضية، التي تعتبر من أغرب الوقائع خلال الأعوام الماضية، والتي لعبت دورا مهما، لكشف ملابسات القصة. 

البداية كانت بورود بلاغ من موظف- عم الفتاتين- يفيد باكتشاف قيام ابنتي شقيقه بإخفاء جثة والدهما داخل الشقة، ورفض دفنه، بعد وفاته، نظرًا لتعلقهما الشديد به.

 

التحريات والفحص

 

على الفور انتقلت الأجهزة الأمنية، لمكان الواقعة، داخل شقة في الطابق الأخير بمنطقة بولاق الدكرور، وتبين وجود جثة لشخص مسن في حالة تعفن، يدعى “محمد” 63 عامًا، موظف على المعاش، ملفوف بشاش أبيض وعليه كريمات ومرطبات للجسم، وبصحبته نجلتاه “نسمة، وجهاد”.

تم اقتيادهما لقسم الشرطة، وتحرير محضر، وأخطرت النيابة لمباشرة التحقيقات.

 

تحقيقات النيابة 

 

قررت النيابة انتداب الطب الشرعي لتشريح الجثة، والتصريح بالدفن، وتحديد أسباب الوفاة، كما طلبت تحريات الأجهزة الأمنية حول الواقعة، واستدعاء عم الفتاتين الذي اكتشف وفاة شقيقه، وعرض الفتاتين على الصحة النفسية للتأكد من سلامة قواهما العقلية.

 

اعتراف

 

اعترفت الفتاتان في التحقيقات، برفضهما دفن والدهما، بعد وفاته، لعدم الافتراق عنه وحزنهما عليه.

 

مرض نفسي والحب الشديد

 

تبين من التحقيقات والتحريات الأولية أن السيدتين مطلقتان وتقيمان برفقة والدهما، الذي كان يمنع خروجهما، وأنهما تعانيان من مرض نفسي لعدم استمرار زواجهما.

وأشارت التحريات والتحقيقات التي أجرتها نيابة جنوب الجيزة الكلية إلى أن الأب تولى رعاية الابنتين منذ سنوات طويلة عقب وفاة والدتهما، وكان يعاملهما برفق فسادت علاقتهم الحب والمودة حتى مرض الأب مرضا شديدا وفارق الحياة، إلا أن الفتاتين رفضتا فكرة دفنه وابتعاده عنهما، فاحتفظا بجثته عدة أيام داخل الشقة، بعد وضع بعض الكريمات عليها، في محاولة لتخفيف آثار تعفن الجثة، ولفتاها بشاش أبيض، ومنعتا أفراد عائلتهما من دخول الشقة لزيارة والدهما.

 

حلق اللحية وأعواد البخور

 

توصلت التحقيقات إلى أن الشقيقتين حلقتا لحية والدهما بعد وفاته، بالإضافة إلى تحميمه بالماء، ولفتا جثته بالكامل بشاش طبي، وتركاها في صالة الشقة، لاعتقادهما أنه نائم، رافضتين حقيقة وفاته، وأنهما كانا يشعلان أعواد البخور، لمنع انبعاث الرائحة الكريهة ووصولها للجيران.

 

تسليم الجثة للدفن

 

على جانب آخر قررت نيابة بولاق الدكرور تسليم الجثمان لشقيقه للدفن، لعدم وجود شبهة جنائية في الوفاة، ومتابعة حالة الفتاتين داخل مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بالعباسية. 

 

استمرار التحقيقات

 

تواصل النيابة العامة بجنوب الجيزة، تحقيقاتها حول قيام شقيقتين بالاحتفاظ بجثة والدهما بعد وفاته رغم تعفنها ورفضهما دفنها بسبب تعلقهم الشديد به، وقد أمرت بتشريح الجثة لبيان السبب الرئيسي وراء وفاته، وتبين من خلال الكشف الطبي المبدئي أن الوفاة طبيعية، كما طالبت النيابة التحريات التكميلية حول الواقعة.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز