عاجل
الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الدراما بين علم الأعصاب وعلم النقد

فــى النقــد المعاصــر ..

الدراما بين علم الأعصاب وعلم النقد

كان أرسطو مبتكرا لنظرية التطهير فى كتابه فن الشعر، وهو يرى أن الدراما تقوم بتطهير المتلقى من الإنفعالات والمشاعر الضارة عبر توحده كمتفرج مع البطل التراجيدى وما يتعرض له من سقوط وهزيمة أمام قوى أكبر منه، من خلال أو عبر إثارة مشاعر الخوف والشفقة، على البطل الذي يصارع الحياة وتصاريفها.



 

وظل هذا المفهوم مسيطرا فى عالم المسرح والدراما بشكل عام.

 

حتى قام العالم النفسى فرويد بطرح نظريته فى التقمص الإيهامى وهى نظرية تستند إلى نظرية أرسطو، وفيها يتقمص المتلقى عبر إستغراقه فى الإيهام الدرامى شخصية البطل ويتوحد معه فى مواجهة الصعوبات والعقبات، ولذلك يتطهر ويتخلص من العديد من الإنفعالات الضارة وتتكشف داخله مناطق نفسية غامضة، يستطيع فهمها عبر فهم المفارقات الدرامية.

 

ما سبق هو الأساس الراسخ لقياس التأثير للدراما على الجمهور.

ثم حدث أن قدمت وزارة الدفاع الأمريكية تمويلا لعلم السرد الناشئ، للبحث عن الأسباب الحقيقية لتأثير الدراما على سلوك الأفراد والجماعات.

 

حسب ما يذكر بول زاك الأستاذ الطبيب المتخصص فى علم الأعصاب فى موقع علمى هو موقع دانا، وهو متاح للمراجعة على الشبكة الدولية للمعلومات Dana Foundation.

 

إن وزارة الدفاع الأمريكية تبحث عن تأثير علمى محدد لفهم تلك القوة الناعمة الساحرة الدراما.

 

وتأتى الإجابة من د. بول زاك بأن مختبره كان أول من أكتشف أن الأوكسيتوسين الكيميائى العصبى يتم تصنيعه فى دماغ الإنسان عندما يتعرص لعلاقة اجتماعية يمكن الوثوق بها والشعور فيها بالإرتياح.

 

 

فما هو الأوكسيتوسين وعلاقته بالإيهام الدرامى؟

 

الإجابة أنه مادة فعالة يفرزها "الدماغ" أو قل المخ، كمنظم رئيسى للسلوكيات العاطفية والاجتماعية فى كل من الإناث والذكور.

 

وقد أمكن قياس الأوكسيتوسين عبر إمكانية قياس نشاط العصب المبهم، وأسمه عصب فويلا.

 

وهرمون الأوكسيتوسين يعزز الشعور بالتعاطف والثقة تجاه الشخص المرغوب فيه، وهو مسؤول عن المشاعر الدافئة والإيجابية.

 

وهو معروف باﻹنجلزية Oxytocin ويتم إستخدامه كعلاج فى العديد من حالات الشعور بالإكتئاب، وهو عندما يتعطل على المستوى الفسيولوجى يسبب إنعزال الفرد عن محيطه اﻹجتماعى. 

 

وهو ما يؤكد أهميته الدراما فى القدرة عىر تحسين المزاج العام الجماعى. 

 

وهو على صعيد العلاقات الاجتماعية حاضر بوضوح، فالفهم العلمى للعلاقات الطيبة يرى أنه إذا عاملتنى جيدا فى معظم الحالات سيقوم عقلى بتصنيع اﻷوكسيتوسين، وهذا سيحفزنى على معاملتك جيدًا، فى المقابل هذه هى الطريقة التي تحافظ بها الكائنات اﻹجتماعية مثل البشر على نفسها، كجزء من المجموعات اﻹجتماعية.  وهذا هو العلم الذي تدرجه اﻵن كلية اﻵداب فى جامعة عين شمس المصرية فى برنامجها للدراسات العليا فى تعاون مع كلية الطب فى الجامعة، وهكذا يتعاون قسم علوم المسرح مع قسم المخ والأعصاب لدراسة عمل جسم الإنسان فى علاقته مع الدراما. 

 

وهو اﻷمر الهام الذي من خلاله يمكن تأمل صناعة الدراما فى مصر والمواد الفنية ذات الصلة باﻹيهام الدرامى وعلاقتها بالمزاج العام المصريين. 

 

ويتحدث د. بول زاك عن تجربته المعملية فيستطرد عن تجربته ليرى أن وزارة الدفاع الأمريكية وهى تبحث عن سر مقدرة الدراما على الإقناع دعمت أبحاثه وأبحاث مختبرات أخرى. 

 

فأمكن قياس اﻹنتباه بسرعة عن طريق تسارع ضربات القلب أو العرق القادم الغدد المفرزة للعرق فى الجلد. وهكذا أمكن العثور على طريقة لقياس اﻷوكسيتوسين فى الدماغ أثناء الإندماج فى مشاهدة المواد الدرامية المتنوعة. 

 

بمعنى أنه قد أصبح ممكنا قياس النشاط المتغير فى المناطق ذات الكثافة العالية لمستقبلات اﻷكسيتوسين. 

 

فقد أمكن ملاحظة أن ذروة الدراما هى تلك اللحظة التي يتدفق فيها إفراز اﻷوكسيتوسين، هى تلك اللحظة التي تبقينا على حافة مقاعدنا العصبية حتى يتم تخفيف التوتر فى النهاية. 

 

كما أن ملاحظة أن القلق والخوف والشفقة على مصير البطل فى الدراما، والتوحد الوجدانى أو التعاطف معه يؤدى إلى تغيير فى إفراز اﻷوكسيتوسين ولهذا السبب تتعرق راحة يدك عندما يستطيع البطل اﻹفلات من طلقات الرصاص. 

 

ولهذا يؤكد د. بول زاك أنه بصفته عالم أعصاب أن الدراما تقوم بتغيير الدماغ بطريقة ما. 

 

وهو التأثير ذاته الذي يحدث للقارئ عندما يغمره السرد الشعرى والبصرى والتشكيلى والروائى.

 

وقد تم إنجاز ذلك عبر مقياس الدم قبل وبعد التعرض لهذا التقمص والتوحد الوجدانى اﻹيهامى مع الدراما.

 

ولذلك فالجمهور لا يعرف حقا ماذا يحب وماذا يكره؟ هل هو باحث عن التسلية؟ التشويق؟ الضحك؟ أم ماذا؟

 

لكن وبكل ثقة فأن الأعمال التي تقدم تلك الذروة الدرامية التي تدفعنا للتعاطف وإفراز هرمون الحب الشهير هى أعمال يقبل عليها الجمهور.

 

ولذلك تبقى صناعة الدراما والإيهام الدرامى مسألة صعبة رغم كل تلك الممارسات الإبداعية عبر آلاف السنين.

 

وها هى المختبرات العلمية تقدم لنا تفسيرا علميا بحتا فى مسألة تلقى الفنون الدرامية وقدرتها على التأثير فى المزاج العام للأفراد والجماعات البشرية.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز