عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عندليبان فى حب مصر

عندليبان فى حب مصر

 فى كواليس المسرحية التاريخية «مدرسة المشاغبين» وهى محل ميلاد «أحمد زكى عبد الرحمن بدوي» ذهب عبد الحليم حافظ مرات عديدة من أجل جرعة بهجة ممتدة المفعول، بينما ذهبت سندريللا الشاشة سعاد حسنى لمشاهدتها.



 

عظمة «مدرسة المشاغبين» أنها كانت المسرحية الأشهر، أنها لم تلق فقط إعجاب الجمهور بمختلف أعماره، بل كانت محطة وصول كل نجوم الفن فى هذا التوقيت.. عندليب الغناء عبد الحليم حافظ شاهد المسرحية أكثر من مرة والمنتجون أيضًا.

سعاد حسنى كانت هى نجمة زكى المفضلة وقتها، ولهذا سارع زكى لالتقاط صورة معها عندما علم أنها تشاهد  المسرحية.. صورة لا توجد سوى فى أرشيف أحمد زكى.

وحتى أصادر مسبقًا على تسلل  الأفكار الخبيثة وفتح ملف (حليم - السندريللا) أقول إن من هناك رَشَّح حليم نجم الكوميديا الواعد عادل إمام للمشاركة معه فى المسلسل الإذاعى «أرجوك لا تفهمنى بسرعة»، بينما ساهمت المسرحية فى تأييد ترشيح السندريللا لأحمد زكى فى فيلم «الكرنك»، هذا الترشيح الذي واجه اعتراض منتج الفيلم رمسيس نجيب بحجة أنه كيف لهذا الأسمر أن يواجه السندريللا، لكنها تعوضه عن «الكرنك» عام 75، وقسوة الاستبعاد برباعية  كانت الأشهر فى كتالوج أحمد زكى السينمائى وهى: شفيقة ومتولي (1978) لعلى بدرخان،  بطولة: أحمد مظهر، محمود عبد العزيز، و«موعد على العشاء» (1981)، لمحمد خان،  بطولة: حسين فهمي، و«الدرجة الثالثة» (1988) لشريف عرفة، ثم «الراعى والنساء»، (91) لعلى بدرخان، وبين هذه الأعوام المسلسل الشهير «هو وهى» الذي لم يُنتج مثله فى البلاد، وبتأمل هذه المحطات نرى أنها الأبرز فى مشواره الفنى، وتحمل خطًا بيانيًا لصعود نجم الفتى الأسمر من بين أحمد مظهر، وحسين فهمى، ومحمود عبد العزيز، حتى الانفراد بعرش البطولة المطلقة مع سعاد حسنى، وغيرها، وبأعمال مهمة فى سينما التسعينيات، والتخلص نهائيًا من عقدة «الكرنك» وتحطيم قوانين الجاذبية السينمائية، وأسطورة الفتى الأول (الچان)، وبأعمال كسرت أيضًا نجومية الشخصية الواحدة.

عبقرية التقمص

 هذه الأعمال لم تكن من دون مقدمات (راجعوا روعة تجسيده دور عميد الأدب طه حسين فى مسلسل «الأيام»، ومتعة التقمص الصادق وروائعه فى «أنا لا أكذب ولكنى أتجمل»، الفيلم التليفزيونى الشهير، ثم أفلام «البرىء»، و«البداية»، و«الحب فوق هضبة الهرم»، و«شادر السمك») وهنا أذكر ما قاله لى المخرج الكبير على عبد الخالق عندما دفع من جيبه الخاص كميات من الأسماك حتى يتحقق الصدق فى الفيلم، وتجاوز مطلب رفض المنتج إضافة أعباء على ميزانية «شادر السمك».

صاحب الـ 61 فيلمًا منها 31 فيلمًا (بطولة مطلقة) القادم من خشبة المسرح مثل ما سبقه من عظماء، والمتخرج من معهد الفنون المسرحية بتقدير جيد جدًا حصل على درجة الامتياز فى سينما التسعينيات بأفلام:

«الامبراطور»، و«البيضة والحجر»، و«امرأة واحدة لا تكفى»، و«كابوريا»، و«الهروب»، و«ضد الحكومة»، و«مستر كاراتيه»، و«الباشا»، و«الرجل الثالث»، و«البطل»، و«أبو الدهب»، وحتى «اضحك الصورة  تطلع حلوة»، و«معالى الوزير»، تناول فيها ثنائية القهر والتمرد، خصوصًا فى الأفلام الخمسة التي جمعته مع رفيق مشروعه السينمائى عاطف الطيب وهى: الحب فوق هضبة الهرم، والبريء،  والهروب،  والتخشيبة، وضد الحكومة، التمرد على المجتمع، والروتين والسلطة، وأيضًا العنف والإرهاب، واستعرض فيها قدراته الفائقة على التقمص والتوحد مع الشخصية التي يقدمها من الأمير، والوزير، والباشا، إلى السجين، والشاب المقهور، والمتمرد، والموظف البسيط، حتى البواب.

أفضل 6 أفلام

كان عندليب الشاشة الأسمر قادرًا على أن يسحر عشاقه  ونقلهم إلى عالمه الذي  عبر الشاشة، فيشعر المشاهد معه أنه «البيه البواب»، ويخاف من وجوده باعتباره «الإمبراطور»، ويهابه لأنه «معالى الوزير»، ومن «ناصر 56» يصحبه إلى «أيام السادات» حتى أيام «حليم».

وتكفى الإشارة لأهميته فى تاريخ السينما أن ضمن قائمة أفضل 100 فيلم فى ذاكرة السينما المصرية، اختيرت 6 أفلام للفنان أحمد زكي، وذلك بحسب استفتاء النقاد عام 1996 بمناسبة الاحتفال بمئوية السينما المصرية وهي:

1 - أبناء الصمت (1974)

شارك الفنان أحمد زكي، فى فيلم «أبناء الصمت»، بطولة محمود مرسي، ونور الشريف، وميرفت أمين، ومديحة كامل، وسيناريو وحوار مجيد طوبيا، وإخراج محمد راضي.

2 - إسكندرية ليه ( 1979)

مع المخرج يوسف شاهين، وشارك أحمد زكى فى فيلم «إسكندرية ليه»، والذي يعد ضمن سلسلة الأفلام التي تطرق فيها المخرج العالمى إلى سيرته الذاتية، مستعينًا بسيناريو وحوار محسن زايد، بطولة نجلاء فتحي، وفريد شوقي، وعزت العلايلي، ومحسن محيى الدين، ومحسنة توفيق، ومحمود المليجي، وليلى فوزي، ويوسف وهبي، ويحيى شاهين.

3 - البريء (1986)

وجسد أحمد زكي، شخصية أحمد سبع الليل، خلال أحداث فيلم «البريء»، إخراج عاطف الطيب، وتأليف وحيد حامد، وبطولة محمود عبدالعزيز، وممدوح عبدالعليم، وصلاح قابيل، وجميل راتب، وإلهام شاهين.

4 - الحب فوق هضبة الهرم (1986)

مع المخرج عاطف الطيب، وسيناريو وحوار مصطفى محرم، عن قصة الأديب نجيب محفوظ، قدم أحمد زكي، فيلم «الحب فوق هضبة الهرم»، مع آثار الحكيم، ونجاح الموجي، وأحمد راتب.

5 - زوجة رجل مهم ( 1988)

قدم أحمد زكى فيلم «زوجة رجل مهم»، مع المخرج محمد خان، والمؤلف رؤوف توفيق، بطولة ميرفت أمين، وحسن حسني، وزيزى مصطفى، وعلى الغندور.

6 - أحلام هند وكاميليا (1988)

مع نجلاء فتحي، وعايدة رياض، قدم أحمد زكى فيلم أحلام هند وكاميليا، للمخرج محمد خان.

وتتعاظم أهمية الإمبراطور أحمد زكى بأنه فى قائمة أبرز نجوم السينما المصرية عبر تاريخها، فى الاستفتاء الذي كتبه الزميل حاتم جمال الدين فى مجلة الكواكب بمناسبة مرور 125 سنة على نشأة السينما المصرية، وشارك فيه نخبة من النقاد وكنت واحدًا منهم.

دى نيرو المصري 

العالمى أحمد زكى، حسب ما أكدته الصحافة البريطانية، وموقع (انسكلوبيديا) البريطانى الذي خصص له صفحة على حسابه الإلكترونى بعد رحيله ووصفته بأنه الممثل المصري الفذ الذي كسر حاجز اللون فى السينما المصرية، ولم يكن متاحًا لأصحاب البشرة السمراء لعب أدوار البطولة، وهو ابن النيل العظيم صاحب البشرة النحاسية، والشعر المجعد الذي كرّس حياته لفنه ولمشروعه الإبداعى - حسب وصف صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية - والتي أطلقت عليه لقب «دى نيرو» العرب، بعد إجراء حوار مطول معه.

زعماء فى قلب أحمد زكي

 كتالوج أحمد زكى السينمائى، أو روبرت دى نيرو العرب - حسب وصف الصحافة الفرنسية - ومشروعه الإبداعى، لم يخل من حلم تجسيد عظماء مصر (أدباء وسياسيون وفنانون)،  ليؤكد قضيته بأن الفنان هو ضمير الأمة، فبعد رائعة طه حسين عاد ليقدم الرئيس جمال عبد الناصر  وثورته  المجيدة، والسادات بطل الحرب والنصر والسلام ببراعة وصدق وإتقان، وحتى العندليب عبد الحليم حافظ، فمن زعماء الشعب الذي يؤمن برسالتهم، وما قدموه للوطن إلى نجوم الشعب «عبدالحليم  حافظ» وحتى آخر أنفاسه السينمائية.

عبد الحليم حافظ تحديدًا والذي كان يرى -كما قال لي- صورة مشابهة لرحلة كفاحه من ريف مصر (محافظة الشرقية) ونفس اليُتم والمعاناة ونفس الإصرار على النجاح من رحم المعاناة،  وأيضًا شهر الرحيل فى مارس ونفس الخلود.

حكاية شعب

أحمد زكى الذي تأتى ذكراه الـ16 اليوم يعد نموذجًا للفنان المنحاز لقضايا وطنه، والمخلص لعطاء زعمائه بالنظر إلى تجسيده الصادق لشخصية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى تجربة مرجعية سينمائية عام 96 عن تاريخ هذا الزعيم الخالد فى فترة هى الأخطر فى تاريخ مصر، والتي شهدت تأميم قناة السويس، وإدارة مصر اقتصاديًا فيها مع هامش إنسانى لعلاقته بزوجته وأولاده، من خلال قراءة واعية ومتزنة للكاتب الراحل محفوظ عبدالرحمن وإخراج محمد فاضل، ثم عاد مرة أخرى لزعماء مصر فى عام 2001 فى تجربة جريئة تحمل تكاليف إنتاجها من حسابه الخاص ليقدم شهادة أخرى لزعيم آخر كتب صفحة من أهم الصفحات فى تاريخ مصر بانتصار أكتوبر العظيم، مُستعرضًا تاريخ الأمة من خلال 40 عامًا، حياة الزعيم الراحل مليئة بالتحديات منذ فترة نشأته الأولى حتى حادث المنصة الغادر، أخرجه محمد خان، وكتب السيناريو والحوار أحمد بهجت، بينما وضع أحمد زكى معالجته السينمائية التي تعتمد على رؤيته الشخصية لهذا الزعيم، وبراعة العسكرية المصرية فى التخطيط وتحقيق النصر الأسطورى، واسترداد الأرض وتداعيات معاهدة السلام.

وكان عندليب الغناء الذي نحيى الذكرى الـ44 على رحيله هو الصوت المعبر عن ثورة يوليو بأغنياته الوطنية الخالدة التي تترجم آمال كل المصريين فى هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الوطن، بعد ثورة يوليو من: إحنا الشعب، وثورتنا المصرية، بالأحضان، وصورة، وحكاية شعب، والله يا بلدنا، وبلدى يا بلدى، واحلف بسماها.. والتي وضعها فريق عمله محمد الموجى وكمال الطويل ومحمد عبدالوهاب وبليغ حمدى والشعراء من صلاح جاهين وحتى عبدالرحمن الأبنودى ومحمد حمزة.. حليم لم يكن صوت مصر النابض بل كان هو ضمير الأمة العربية وصوت العروبة وأغنياته لا تزال باقية ومعبرة عن مشاعر الأمة.

روزا وطن المبدعين 

 إن خطوات النجمين الراحلين بدأت من روزاليوسف، واحتفظ النجمان بصداقات كبيرة وممتدة مع كتاب المؤسسة العريقة عبر تاريخها وحتى رحيلهما، وفى صفحاتها التوثيق الصادق والأمين، وتكفى الإشارة هنا إلى أن عبدالحليم حافظ كان فى مقدمة الحاضرين لوضع حجر الأساس للمبنى الحالى، أما أحمد زكى فكان أقرب أصدقائه من هنا، وكانت آخر ندواته فى مقر مجلة «روزاليوسف» بعد أيام من عرض فيلمه «أيام السادات»، وكنت من استقبل النجم الأسمر بتكليف من الأستاذ كرم جبر رئيس المجلس الأعلى للإعلام وكان وقتها مديرًا لتحرير مجلة روزاليوسف، ولم يجد أحمد زكى من يعبر ويدافع عن أزمته الكبيرة بعد سرقة نسخ فيلم «أيام السادات»، وتداول الفيلم بين الجمهور على سيديهات فى نفس وقت عرضه، الأمر الذي تسبب  فى خسائر فادحة له، فقد تحمل «زكي» ميزانية إنتاجه وباع كل ما يملكه من أجل خروج الفيلم للنور.. وفى الوقت نفسه كانت المجلة صوت ورثة عبدالحليم حافظ وابن شقيقه «محمد شبانة» من أجل استرداد حقه المنهوب وهدر حقوق الوريث الوحيد لمصلحة منتج يتولى إدارة تراث العندليب دون مراعاة لأصحاب الحقوق.

وأخيرًا فإن تراث حليم وزكي ثروة قومية، وليس من حق أحد من دون الورثة التربح منه.

 

من مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز