عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

خليل الذوادي‎ يكتب: بخور السكة

السفير خليل الذوادي
السفير خليل الذوادي

أوصاف يطلقها من خبر الحياة في مجتمعنا، وهي رغم جزالتها واختصارها في كلمات قليلة إلا أن إيحاءها عميق بعمق التجربة الحياتية.



 

هناك من يمكن إطلاق «بخور السكة» على تصرفاتهم، قد تكون هذه التصرفات محمودة وعواقبها أيضًا محمودة، وقد تكون عكس ذلك فتضر الآخرين بقصد أو بغير قصد.

 

المعروف أن البخور في كل أقطارنا العربية هو من مستلزمات الحياة، خصوصًا في زمن كان الأقدمون يتبركون به وكان زينة لهم في المناسبات الطيبة والمفرحة، وكانت تجارة البخور رائجة في بلادنا العربية وما زالت، ولقد تفنن الناس- وبالذات المرأة في مجتمعنا- بالحرص على أطياب البخور وتقديمها في المناسبات كهدايا، وكانت تجارة العود والبخور رائجة في شبه القارة الهندية، وتأثرت أسواقنا في المنامة والمحرق والرفاع والحد وجدحفص، ومدينة عيسى، ومدينة حمد ببضاعة البخور والعود، بالإضافة إلى الجهود الذاتية التي تبذلها الأسر، كصناعة يدوية أسرية بها جهد ينم عن ذوق رفيع.

 

أتذكر أنه في أحد الأعوام شاركت في مؤتمر السياحة العالمي بسنغافورة، وأوصتني أم العيال أن أحضر معي البخور الذي هم مشهورون به، وبالفعل ذهبت إلى أسواق البخور وكان برفقتي السائق من أصول صينية، فأخذ يطوف بي في أسواق البخور هناك، ولكني لم أجد ضالتي؛ فقلت له: «ما هذه هي البضاعة التي أبحث عنها؛ فأنا لا أنوي شراء عود الصندل وغيره؛ فأدرك بغيتي وقال: أعرف ماذا تريد، إن ما تبحث عنه هو في «سوق العرب» بوسط مدينة سنغافورة وبالفعل ذهبت إلى هذا السوق وإذا دكاكين كثيرة متخصصة في العود والبخور يملكها المهاجرون الأوائل من العرب الحضارم من بلاد حضرموت الذين استوطنوا سنغافورة، وكان الفضل لأجدادهم الذين نشروا الإسلام وجلبوا معهم بضاعتهم والتجارة التي تفننوا بها، ومن بينها البخور فعرضوا عليّ أجود أنواع البخور، وكانت فرحة أم العيال به كبيرة.

 

عندما تريد نشر خبر قد يكون صادقًا أو هو فقط لجس النبض، فستجد من هو مستعد لنشر هذا الخبر على أوسع نطاق، ويطلق على هذا الشخص «بخور السكة» أي البخور الذي يشم رائحته كل من يمر حوله، وهو غير البخور الذي هو في مكان محصور على الناس المعدودين في دورهم أو مجالسهم.

إن الأخبار المفرحة والتي ينشدها الناس ويتمنونها ليس من ضير أن تصل إلى من نطلق عليه بخور السكة؛ إن كان مؤتمنا على الأخبار المفرحة وموضع ثقة في إيصالها بكل أمانة وصدق وشفافية لا زيادة ولا نقصان، أما الأخبار المحزنة والتي تسهم في الإحباط وتكدر النفس والخاطر فليس مكانها والائتمان عليها من أولئك الذين يمكن أن نطلق عليهم سلبيًا «بخور السكة» فهؤلاء يتفننون في الإضافات والزيادات ولا يتورعون- كما يقول أهلنا المصريون- في اللطم.

 

كم نحن بحاجة إلى الأخبار المفرحة في زماننا والتي تشحذ الهمم، وتخلق فينا الروح الإيجابية وتسهم في إبداعاتنا نحو النماء والبناء، وتخلق فيما بيننا الألفة والمحبة، وتزيل عن كاهلنا العناء، وتزرع فينا الأمل والرجاء، وكما قال الشاعر الطغرائي مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الدؤلي الكناني المعروف بالطغرائي (455-513هـ /‏ 1061م– 1121م)

أعلل النفس بالآمال أرقبها

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

 

نحن في أمس الحاجة إلى إشاعة الأمن والطمأنينة في نفوسنا وفي مجتمعنا؛ لأن العمل الخير فيه مصلحة للجميع، والبناء يحتاج إلى سواعد متكاتفة تنشد الخير للجميع وتذلل كل العقبات وتزيل كل ما علق في النفوس من طبائع سلبية؛ فالإيجابية مطلوبة فينا مهما تنوعت اختصاصاتنا وأعمالنا، والتعاون فيما بيننا هو طريق النجاح.

 

العود الطيب والبخور المصنوع بذوق رفيع قيمته المادية فيه وقيمته المعنوية أيضًا في محلها، فكان الأقدمون يحرصون على أن يكون ذلك موجودًا في كل البيوت، للمناسبات ولتطيب الضيوف والزوار، ولذلك أحيانًا يطلق هذا القول: «ما عقب العود قعود» أي عندما يقدم رب البيت أو ربة البيت الطيب المتمثل في العود أو البخور فهذا إيذانًا بأن العزومة قد انتهت وهو إيذان بالانصراف، وأحيانًا يفسر بغير ذلك بالقول: «من شم عودنا ما مل قعودنا» وهو تصرف حكيم به ذوق وإحساس بأن الزيارة خفيفة على النفس والخاطر وليتها تدوم.

إن دورنا هو تشجيع الناس والأصدقاء والمعارف على تحري الأخبار المفرحة وتداولها بيننا، ولا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي إن استغلت الاستغلال السليم وفي مكانها فإنها الوسيلة الأسرع للوصول إلى الناس بمختلف أعمارهم واهتمامهم واختصاصهم، كما أن الإضافات الإيجابية مطلوبة لزرع الثقة فيما بيننا.

 

إنه زمن التحديات والفرص، زمن ننام ونصحو قد نعرف طريقنا وربما لا نعرفه لكننا بالتأكيد بحاجة إلى من يأخذ بيدنا نحو النجاح والتفوق، ولسنا ناقصين إحباطًا وتشاؤمًا، ونحتاج إلى «بخور السكة» الإيجابي وليس السلبي.

 

وعلى الخير والمحبة نلتقي

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز