عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. علي موسى يكتب: البكائية والكوميديا

على موسى الموسوي
على موسى الموسوي

تتربع الكوميديا السوداوية المُبهجة على رأسِ أصدق الادوات التعبيريّة في محاكاةِ همومنا ومآزقنا في العالم العربي الممزق روحيًا وسياسيًا، والمُلاحظ ان غالبية البرامج الكوميدية الدرامية التي عرضت مؤخرًا على القنوات التلفزيونية العراقية أو على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت تعبيرًا فنيًا رافضًا لواقعنا المزري ومحاولة جادة لعرض القضايا السياسية والاجتماعية وشرحها إلى الجمهور بطريقة ساخرة وهزلية، ولكن السؤال المؤلم هل يمكن اعتبار أدوات الابتذال الفني والخروج عن المعايير الأخلاقية لدرجة اختراق بيوتنا بشتى السلوكيات والألفاظ البذيئة لفرضِ كوميديا هابطة، هنا لا بد لنا أن نسأل أين الرقابة المختصة بوضعِ الحدود الرصينة ما بين الكوميديا والإسفاف في التعامل مع الجمهور واحترامِ التقاليد والأخلاق والأعراف الاجتماعية، لماذا انسحب صُناع الكوميديا المهذبة التي تعتمد الطرفة والنكتة والنقد والسخرية دون تجريح أو تجاوز على الذائقة العامة، وشتان ما بين العمل المهني الذي يجعل الإنسان جوهرًا له وبين من يضحك على الإنسان وينتقص من قيمه الجمالية الراقية والأخلاقية المهذبة، لماذا غابت ثيمة الكوميديا الهادفة الراقية التي هي بالحقيقة فنا وسلوكًا لا متاجرة رخيصة تسيء للذوق العام وتشترك بانحدار الذوق الفني الذي لا ينم عن الثقافة والأخلاق العامة.



 

ولو عدنّا إلى جذور الكوميديا اليونانية المُعتقة لوجدنا أن هدفها كان معالجة الواقع بطريقة ساخرة وتنسجم مع رؤية فرويد للنكتة إذ نظر الإغريق اليها بوصفها وسيلة للتنفيس لأنها تقدم الواقع بصورة جميلة ومضحكة من خلال الفعل الذي تحمله، خصوصًا في كتابة النكتة وعلاقتها باللاوعيّ باعتبارها نافذة أو وسيلة لتفريغ للشحنات الانفعالية وضغوطات الحياة المكبوتة وايضًا تعتبر النكتة والضحك هما وسيلة لتفريغ الطاقة العصبية المكبوتة عند الفرد والتي عبر عنها "فرويد" بأن الضحك والكوميديا يستندان بطبيعتهما إلى الألم والمعاناة وهو الأمر الذي يجعل الكوميديا وسيلة تنفيس لتنظيم فوضى الحياة المعاصرة، وأيضا بذات السياق فقد وجدت دراسة أن الكوميديين أكثر الناس حزنًا ووجعًا ولديهم قدرة أقل على الشعور بالمتعة الشخصية والاجتماعية ونظرة أكثر قتامة للإنسانية والحياة.

 

أما الكاتب السوري الكبير "محمد الماغوط" فقد أشار إلى جوهر الكوميديا المشبعة بالحزن باعتبار ان الحزن المفرط هو جوهر كل إبداع وتفوق ونبوغ وان الكوميديا الراقية اذا لم يكن منطقها الحزن فسوف تصبح تلفيقًا وتهريجًا لأننا نشعر بتحسن حالتنا النفسية عندما نضحك كثيرًا ولكن المفاجأة تكمن عندما نعلم ان الكثير ممن يقدمون لنا الكوميديا يعانون من فرط الحزن والاكتئاب تلك الجدلية التي ترويها أحد القصص بأن رجل فرنسي ذهب إلى أحد الأطباء النفسيين وهو في حالة من الكرب الشديد وشرح له معاناتهِ من حالة مفزعة من التعاسة والاكتئاب وطلب ان يصف له بعض الأقراص أو اي شيء يمكنه ان يساعده في التغلب على هذه الحالة فأجاب الطبيب بغرابة: "انت لا تحتاج إلى دواء اذهب وشاهد المهرج الشهير جروك، سيُبهجك ويجعلك تشعر بالتحسن" لكن الصدمة كانت حينما علم هذا الطبيب ان مريضه هو جروك بذاته.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز