عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
السيسى يرسم خطوطا حمراء فى إفريقيا من السودان

السيسى يرسم خطوطا حمراء فى إفريقيا من السودان

فى زيارة رئيس الدولة المصرية للسودان أكثر من رسالة.. وأكثر من دلالة. 



أرسل عبدالفتاح السيسي من الخرطوم تطمينات للسودان، فيما قاد توقيت الزيارة وفعالياتها إلى إشارات مختلفة، بمزيد من رسائل عن القدرات المصرية على الردع  وقتما تتطلب الأمور، إضافة إلى تأكيد الزيارة وفعالياتها على خيالية فكرة أن القاهرة يمكن أن تقبل بسياسات الأمر الواقع.. سواء فى قضية النيل الوجودية، أو فى أى مسألة أخرى تخص الأمن القومى وسيادة مصر. 

حملت زيارة رئيس الدولة المصرية للسودان زخمًا كبيرًا لاعتبارات الدلالة والآثار، ولانعكاساتها على قضايا مهمة فى اتجاه السودان الشقيق كبعد استراتيجى جنوبى لمصر، وبالنسبة لإفريقيا عامة، وبالنسبة لشرق إفريقيا بوجه خاص.  

 زخمٌ سياسيٌ كبيرٌ أثارته الزيارة فى المحيط الإقليمى والدولى، ممتدًا إلى كل وسائل الإعلام الأجنبية والمراقبين،  بعضهم وصف الزيارة بالحلقة الأخيرة من دبلوماسية القاهرة لإحكام حصارها على إثيوبيا من كافة الجوانب، ومن جميع الاتجاهات. 

تمد مصر يدها لإفريقيا بالسلام، لكن لدى مصر أيضًا عين حمراء وقت اللزوم،  وفى الوقت الذي تستمر مصر فيه بالتمسك بالتفاوض على حقوق قانونية فى قضية المياه الوجودية، فإن الدولة المصرية لم تدع مسلكًا لضمان الحصول على الحقوق المشروعة فى تلك القضية متروكًا للظروف. 

كل تحليلات وكالات الأنباء العالمية والدولية صحيحة، والصحيح أيضًا أن مصر لم تلجأ لحصار بالمعنى الدارج للكلمة إلا إقرارًا لحق، وإصرارًا على عدم التفريط فى حق مشروع، ورفضًا لسياسة الأمر الواقع التي قد يتصور بعضهم أنه يمكن فرضه على القاهرة. 

على مواقع الإخوان والقنوات المعادية، «لتُّوا وعجنوا» فى موضوع سد النهضة كثيرًا، كلها كانت محاولات لتضليل رأى عام قد لا يعرف الكثير، وكلها كانت محاولات للعب بأدمغة شارع لا يستقى معلوماته إلا  من خلال ما يسمى بمواقع التواصل. 

الكلام الدارج على مواقع التواصل، ربما هو أكثر ما تواجهه الدولة من شرور فى الداخل. وربما أكثر معارك الدولة المصرية مع شائعات، ومع محاولات لعب بالدماغ، ومع محاولات إنكار وتشكيك وصلت إلى حد الضرب الخيالى على وتر خفىّ باحتمالات تخلّى عن قضايا وجودية، وأمن استراتيجى! 

ما علينا من مواقع التواصل، فالغلط مردود، والأقنعة تستمر فى السقوط. 

(1)

توجت زيارة رئيس الدولة المصرية إلى السودان، تحركات القاهرة على أصعدة مختلفة بين شرق القارة، وغربها، وبين  جنوبها وشمالها، وسط سياسة مكتملة الرؤى، وفق استراتيجيات واضحة، وثوابت لا تقبل التأويل. 

خلال سنوات سبع، كانت التحركات المصرية تجاه إفريقيا عامة، وتجاه الجوار الإثيوبى سريعة وجوهرية، بتغيرات غير مسبوقة، بالتوازى مع مسار المفاوضات التي أصرت مصر على الوصول به إلى آخر مدى. 

ضمن حلقة مستمرة، ممنهجة، زار رئيس المخابرات المصرية الوزير عباس كامل دولة جنوب السودان، برفقة وفد رفيع المستوى، صحبته فيه وزيرة الصحة المصرية، بحزمة مساعدات طبية ومستشفى ميدانى مصري، فى إطار سلسلة المساعدات المصرية المتواصلة لجنوب السودان. 

وزار رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى العاصمة السودانية الخرطوم، فى زيارة كانت الأولى من نوعها منذ تقلده رئاسة الوزراء فى مصر. 

سبقت هذه الزيارات أخبار متداولة عن التقاربات الدبلوماسية المصرية الناجحة مع إريتريا، عبرت عن نجاحها زيارة الرئيس الإريترى إلى القاهرة، إضافة إلى زيارات متعددة لوفود مصرية على درجات عالية الأهمية إلى الصومال. 

فى الوقت نفسه، وبالتوازى، كانت العلاقات المصرية التنزانية، قد شهدت هى الأخرى  نشاطًا على أصعدة مختلفة، ما بين سياسى وتنموى، تكللت بتدشين مصر تحويل نهر روفيجى، لبدء إنشاءات سد ومحطة  جوليوس نيريرى  لتوليد الطاقة.. الذي تنفذه شركتان مصريتان. 

ومن الكونغو، أطلقت الإدارة السياسية هناك، بعد تعثر مفاوضات سد النهضة، بتعنت إثيوبى متعمد، أطلقت الإدارة فى الكونغو إعلانًا بدعمها الكامل لمحددات الموقف المصري تجاه التعامل مع قضية السد. 

الآن.. وصلت أزمة سد النهضة إلى مرحلة تتطلب الحسم نحو حلول جذرية، ومع التغيرات فى شرق إفريقيا والاضطرابات فى إثيوبيا نفسها، و بالنظر إلى الخلافات المشتعلة بين إثيوبيا والسودان، تبينت الخرطوم خداعًا إثيوبيًا على مستوى عالٍ فى قضية ملء السد وتشغيله، إضافة إلى متغيرات أخرى،  فى حين أن القاهرة، بثوابتها تجاه القضية، فإنها لن تجعل حقوقها المالية رهينة تعنت من جانب، أو تحت رحمة أزمات داخلية أو إقليمية غير معلومة النتائج ولا المدى.  

زيارة الرئيس السيسي للسودان لم تتعاط فقط مع تداعيات قضية السد الإثيوبى، لكنها كانت مزيدًا من ترسيخ فكرة أن مصر بمكانتها، وقدراتها، ما زالت تسعى، ورغم التعنت من بعضهم، واستمرار التآمر من آخرين، إلى أن تسير فى الطريق حتى آخره، بثقة تامة.. وإيمان بالنتائج. 

لا تحتاج القاهرة إلى أن تعلن أن لها اليد العليا فى الدبلوماسية الرشيدة فى القارة، كما فى الإقليم، تمامًا كما أن لها القدرات الأعلى فى الردع أيضًا فى محيط القارة وفى محيط الإقليم.  

 رغم قدراتها، تتمسك القاهرة، حتى الآن، بالتوصل إلى اتفاقات ملزمة فى قضية السد، سواء من على طاولة المفاوضات، أو بالتوازى مع تحركات دبلوماسية، قائمة على ما لدى مصر من رصيد فى دعم شعوب القارة، ودول حوض النيل، والدول المحيطة بدول حوض النيل. 

 ربما أكثر التوصيفات دلالة لزيارة رئيس الدولة المصرية إلى السودان، ما ذكرته إحدى وكالات الأنباء العالمية، بوصفها زيارة رئيس الدولة المصرية إلى السودان بأنها وضعت  خطوطًا حمراء فى إفريقيا، كما سبق أن وضع رئيس مصر فى ليبيا خطوطًا أخرى.. عندما تعلق الأمر بالأمن القومى. 

لا ترسم القاهرة خطوطًا حمراء إلا بعد اقتراب الأوضاع من التماس مع حدود خطوط الأمن الاستراتيجى المصري، لذلك فإن الشواهد تشير إلى أن مصر كما أن لديها عينًا حمرا، فإن لديها أيادى ممدودة برغبات المساعدة والمساهمة فى دعم القارة، ويدها ممدودة بمشاريع تنموية دعمًا للأخوة الأفارقة، على مختلف الأصعدة.. بدءًا من الأمن مرورًا بمكافحة الإرهاب، وانتهاء بمشاريع البناء. 

يصح اعتبار المساعدات المصرية التنموية لسودان ما بعد البشير، نموذجًا يمكن محاكاته فى سياسة المساعدات المصرية لدول القارة كلها.  

(2)

حملت زيارة الساعات السبع لرئيس الدولة المصرية إلى السودان، دلالات أكبر.. بانعكاسات تخطت قضية سد النهضة الإثيوبى: 

أولًا: أسست الزيارة تدشين عهد جديد، مع الأشقاء فى السودان، على أساس أن سودان ما بعد البشير، شديد الاختلاف عن سودان ما قبل البشير، وباعتبار أن مصر هى الدولة الأكبر دعمًا للسودان لعبور مرحلته الانتقالية، وأن مصر هى أكبر الدول التي  دفعت بكل الجهود فى سبيل مساعدة ودعم الخرطوم فى العمل على استعادة الدولة لمهامها، وقدراتها على الاستمرار بعد قلاقل لصالح المواطن السودانى، انحيازًا لاختياراته.  

 ثانيًا: دعمت زيارة الرئيس السيسي إلى السودان، الرؤية المصرية لسياستها نحو بلدان إفريقيا بوجه عام، وبالنسبة للسودان بوجه خاص، باعتبار أن أمن السودان كما قال الرئيس السيسي جزءٌ لا يتجزأ من أمن مصر.. إضافة إلى البعدين الثقافى والأخوى، الذي يربط الشعبين فى القاهرة والخرطوم. 

ثالثًا: جاءت زيارة الرئيس إلى السودان، تتويجًا لاتفاقات وتفاهمات عسكرية، فى أعقاب زيارة رئيس الأركان المصري الفريق محمد فريد، وبانعكاسات تلك الاتفاقات  على خريطة الإقليم، والجوار، وبما يتعلق بالتطمينات التي أرسلت بها القاهرة إلى السودان، باعتبار أمن السودان القومى أحد أوليات أمن مصر، وبما يضيف إلى ما تراه القاهرة من مساحات لحقها فى ضمان أمنها القومى، شرقًا فى اتجاه البحر الأحمر، وفى شرق إفريقيا.  

(3)

الواقع أن الخلافات بين السودان وإثيوبيا تزيد اشتعالًا على الحدود المشتركة بانعكاسات متزايدة على شرق السودان، حيث وصلت الأمور إلى ما استدعى أن تنظر الخرطوم بعين قلق شديد إلى الاضطرابات الداخلية فى إثيوبيا، ونزوح اللاجئين فى المعارك الدائرة بين أديس أبابا والتيجراى إلى الأراضى السودانية، وما ترتب على ذلك من وصول الأوضاع إلى أزمات إنسانية، إضافة إلى مناوشات بين الجانبين على أراض حدودية تدخل ضمن سيادة الخرطوم على أراضيها، بينما لا تعترف إثيوبيا بهذا. 

يبدو، على خلاف أى منطق سياسى أو واقعى، أن رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد كان يتوقع دعمًا سودانيًا لحربه مع التيجراى.

ويبدو أيضًا، وعلى خلاف أى منطق أو أى فكر سياسى ممكن أن يكون متوازنًا، أن آبى أحمد اعتقد أن السودان لن تبدى أى ردود أفعال غاضبة، عن احتمالات استهداف التيجراى لسد تكيزى داخل الحدود السودانية، بأى عمل قد ينعكس بأضرار على منشآته المائية على نهر عطبرة، فى حين أن إثيوبيا ماضية فى تصرفات أحادية لملء وتشغيل سد النهضة، ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والاتفاقيات والأعراف الدولية، فى تعنت واضح، ووفق تصورات لا أحد يعرف من أين جاءتها بأن لدى أديس أبابا القدرة على فرض الأمر الواقع، خصوصًا على دولة المصب الأعلى مصر. 

وسط القلاقل على الأرض، وعلى خرائط المنطقة، فإن الصحيح هو ما اعتبرته الصحف السودانية أن زيارة رئيس مصر إلى السودان، تأتى كأهم رسالة من القاهرة لتطمين الخرطوم، والتأكيد على أن أمن السودان جزء أساسي من أمن مصر.  

والواقع أيضًا، أن يد مصر الممدودة للسودان، تضمن التزامًا مصريًا ومسؤولية تضطلع بها القاهرة فى ضمان مساعدة الدولة السودانية لحماية أراضيها، وامتلاك مقدراتها. 

يد مصر ممدوة للسودان بمزيد من الجهود والتنسيق المتكامل للانتهاء سريعًا من التوصل إلى اتفاق ملزم وقانونى بخصوص تشغيل السد الإثيوبى، وبمزيد من الدعم الدولى للموقف المصري  الرشيد. 

من جانبه، يشعر السودان كإحدى دول حوض النيل بامتنان كبير لجهود القيادة المصرية المستعدة دائمًا لمزيد من إجراءات دعم السودانيين فى كافة المجالات، بدءًا من الصحة، والتعليم مرورًا بباقى مجالات التنمية والبناء، وصولًا إلى كافة المشاريع التنموية الكبرى.. التي أحاطت بها مصر قارة إفريقيا كلها. 

(4)

قرار القاهرة واحد، وثوابتها تجاه قضية النيل لا لبس فيها ولا تحتمل التأويلات. لن تعود القاهرة، بعد جولات شاقة من التفاوض إلى المربع رقم واحد مرة أخرى تحت أى ظرف. 

تقارب القاهرة والسودان الذي توجته زيارة رئيس الدولة المصرية إلى الخرطوم، رسخت تطابقًا كاملًا فى المواقف تجاه قضية السد خاصة، وتجاه قضايا أخرى مشتركة بين البلدين، خصوصًا بعدما أدرك السودان أنه كاد أن يقع فى فخ عملية مخادعة إثيوبية متكاملة الأركان، تأثرت به أراضى السودان بخسائر كبيرة ومباشرة، فى الملء الإثيوبى الأول لسد النهضة، ثم صرف المياه عشوائيًا وبخطوة أحادية خلال الفيضان الماضى. 

ويدرك السودان الآن أنه إذا ما قامت إثيوبيا بملء المرحلة الثانية لخزان السد، فإن هذا الملء لن يؤثر على مصر تأثيرًا بالغًا، بقدر ما سوف تتأثر السودان كثيرًا فى صور نقص فى ميكانيكية توليد الكهرباء فى سد الروصيرص، وسد سنار، إضافة إلى انخفاض ضرورى فى منسوب مياه النيل الأزرق. 

لدى السودانيون إدراك تام، بأن إثيوبيا تريد الاستمرار فى الخداع والتسويف. ويعرف السودانيون أن مصر صاحبة اليد العليا فى الإقليم هى مثار التطمينات، وهى صاحبة القدرات فى التوصل إلى حلول عادلة لحقوق مشروعة. 

فى زيارة الرئيس السيسي للسودان، رسائل تطمين ورسائل أخرى  فيها إشارات على قدرات الردع الفائق وقت الحاجة..  وحينما تتطلب الظروف. 

هذه خطوط حمراء أخرى رسمتها مصر فى العمق  الإفريقى.. كما سبق ورسمت خطوطًا حمراء فى الغرب.. فى ليبيا.

 

من مجلة صباح الخير

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز