عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
كيف يتم استخدام الإرهاب كأداة لتسوية الصراعات؟

تحذير السيسى وتفجيرات بغداد

كيف يتم استخدام الإرهاب كأداة لتسوية الصراعات؟

الاثنين الماضى وفى كلمته بمناسبة العيد التاسع والستين للشرطة المصرية، قال الرئيس «عبدالفتاح السيسي» عبارات جديرة بالانتباه، تُلخّص اللحظة الإقليمية والدولية الراهنة، وذلك بقوله (إنه مع المتغيرات الإقليمية المحيطة والتي تمضى فى تسارُع محموم وتعصف باستقرار الأوطان ومُقدرات الشعوب وأمنهم واستقرارهم،  بات من الواجب التحذير من تزايُد مَخاطر الإرهاب، والذي أصبح أداة صريحة لإدارة الصراعات وتنفيذ المخططات والمؤامرات).



هذا المقطع تحديدًا من كلمة الرئيس كان له صدى إقليمى واضح؛ لأنه كاشف لأبعاد ما يجرى فى الشرق الأوسط الآن، وفى القلب منه المنطقة العربية.. وتحديدًا ما يجرى فى منطقة المشرق العربى واستهداف أمن منطقة الخليج العربى.

تبدّلت أحوال المنطقة سريعًا.. فى مثل هذه الأيام العام الماضى كان الحديث عن زوال «داعش» فى العراق.. معظم التقارير خرجت تجزم بتغير جغرافية الحركات الإرهابية وتشتتها، واكتمل المشهد بعمليات نوعية أمريكية أنهَت على قاسم سليمانى وأبوبكر البغدادى.. ولكن فى النصف الثانى من يناير 2021 الأمر تبدَّل واختلف، أعلنت «داعش» عن وجودها فى تفجيرات هى الأشرس فى العراق منذ عام 2016، ووفقًا لآخر الإحصائيات؛ فإن عَدد الضحايا بلغ 35 قتيلًا.. ولم تمر أيام إلّا وتم استهداف العمق السعودى والعاصمة السعودية الرياض بصاروخ تصدّت له الدفاعات الجوية السعودية، وبعدها بـ 24 ساعة تم استهداف مدينة سكنية فى اليمن..!

حسنًا ما هو المتغير؟ وما الذي جرَى؟ لكى ينشط الإرهاب بهذه السرعة وهذه البشاعة على هذا النحو.. المتغير الوحيد أن هناك إدارة أمريكية جديدة وقد تم تنصيب «جو بايدن» رئيسًا للولايات المتحدة، وأن هناك من يبعث برسائل لهذه الإدارة الجديدة ويستخدم دماءَ العرب وأمنَ واستقرارَ العرب ومُقدّراتهم باعتبارها كروتًا تفاوضية مبكرة من جهة.. ومن الجهة الأخرى يستمر مَنهج تقويض منظومة الأمن الإقليمى العربى، تلك المنظومة التي عانت الكثيرَ فى السنوات الماضية، مما جعل قوميات أخرَى دخيلة تعلن عن أطماعها وأوهامها فى الأراضى العربية.

تفجيرات الخميس الدامى فى العراق كانت إنذارًا حقيقيّا وتطبيقًا صريحًا لاستخدام الإرهاب كأداة لتسوية الصراعات وتنفيذ المخططات والمؤامرات.. حقيقة يتأكد منها كل مُتابع لجهد رئيس الوزراء العراقى «مصطفى الكاظمى» وعملية البناء المؤسَّسى التي يقوم بها بعيدًا عن النعرات الطائفية التي استنزفت العراق، وأن العراق يمضى لكى ينزع الإرهاب من أرضه، وأن الميليشيات الإرهابية ومَن يُحرّكها لن يكونوا جزءًا من المعادلة، وليس خافيًا الدعم العربى لكى يعودَ العراقُ بفاعليته مرّة أخرَى فى منظومة العمل العربى المشترك، لما فى ذلك من أهمية قصوَى فى إعادة بناء منظومة الأمن الإقليمى العربى.

منظومة الأمن الإقليمى التي أصبحت محاصَرة بحزام ناسف من الميليشيات والحركات الإرهابية فى المشرق العربى وفى مغاربه وبالقرب من باب المندب وفى منطقة جنوب الصحراء.. صورة بانورامية للإرهاب تكشف حجم الخطر الذي يهدد الإقليم، والذي يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك.. أن الحروب باتت لها أشكال أخرَى، وأن الصراع باتت له أدوات صريحة، وأن المؤامرة مستمرة.. ومن لا يرَى ولا يدرك فهو فى غفلة حقيقية.

عودة «داعش» فى العراق.. سبقها سياق سياسى وأعقبتها اتصالات دولية تخدم السياق نفسه، وظهرت معها استنتاجات لمراكز أبحاث دولية.. أمّا السياق فكان فى جلسات استماع أفراد إدارة «بايدن» فى الكونجرس الأمريكى، وتحديدًا وزيرَى الخارجية والدفاع، ورئيس المخابرات الوطنية الأمريكية، فى حديثهم عن الشرق الأوسط، وتحديدًا الملف النووى الإيرانى.. كان السياق واضحًا، وهو منهج مختلف تمامًا عن منهج إدارة «ترامب»، ولكنه مُطابق بقَدر من التطور لمنهج إدارة «أوباما»؛ باعتماد لغة الحوار والعودة مرّة أخرَى إلى الاتفاق النووى بإطار جديد.. فى المقابل كانت إيران تبعث برسائل متعددة تخدم هذا السياق، سواء بالمناورات العسكرية أو بالتصريحات السياسية لأركان النظام الإيرانى، والتي اشترطت إلغاء العقوبات قبل العودة إلى الحوار.

أمّا الاتصالات السياسية فتجسّدت فى الاتصال الذي أعلن عنه الإليزيه بين الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون والرئيس الأمريكى جو بايدن، ومعروف أن باريس كانت قناة دبلوماسية بين طهران وواشنطن قبل أن ينقطع الحوار فى عهد الإدارة السابقة، وهناك رغبة أوروبية فى الدفع مرّة أخرَى بالاتفاق النووى الإيرانى لمصالح سياسية تتعلق بترتيبات الطاقة فى صلبها، وإن تغلفت بالحديث عن استقرار الشرق الأوسط ومنع إيران من امتلاك السلاح النووى.

ليس خافيًا أن التهديدَ الإيرانى لأمن واستقرار دول الخليج العربى من جهة وتقويضه وتلاعُبه بمنطقة المشرق العربى من جهة أخرى؛ كان دافعًا لفتح مسار استراتيجى جديد فى نمَط العلاقة بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، بحسابات أولويات الخطر اللحظى.. هذا المنهج الذي يميل له عددٌ ليس بقليل من الباحثين عَزّزته ردود فعل إقليمية واضحة عند الإعلان عن وجود «ويندى شيرمان» فى تشكيلة الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي تم تعيينها فى منصب نائب وزير الخارجية، ومعروف أن السيدة «شيرمان» هى مهندسة الاتفاق النووى الإيرانى فى عهد إدارة أوباما.

أمّا تحليلات المراكز البحثية، وتحديدًا مجموعة دراسات الإرهاب فى معهد واشنطن؛ فنشرت أكثرَ من ورقة بحثية خلال الأيام الماضية، تناولت عددًا من العناصر، منها ما كتبه الباحث «مايكل نايتس» حول مسار الميليشيات فى العراق بعد عام من اغتيال «قاسم سليمانى»، وخلالها تم سَرد التقسيمات والنزاعات الداخلية لهذه الميليشيات والخطر الذي تمثله الآن على مسار العملية السياسية فى العراق وعلى كل شركاء العراق، سواء الإقليميين أو الدوليين.. أمّا الورقة البحثية الأخرَى فجاءت فى شكل تقدير استراتيجى للسفير «دينيس روس»، طالب من خلاله «بايدن» وإدارته بعدم التسرّع بالعودة إلى الاتفاق النووى الإيرانى قبل نزع فتيل أزمات المنطقة.

إيران ليست المهدّد الوحيد لمنظومة الأمن الإقليمى العربى، ولكن هناك أيضًا «رجب طيب إردوغان» ونظامه فى تركيا، الذي يقف فى موضع سكون وترقُّب منتظرًا فرصة فتح مجال نشط له إقليميّا، ومؤكد أنه سيسعى لاستخدام أوراقه وأداته (الإرهابية) فى إدارة الصراع أيضًا.

عادت تركيا للحوار مرّة أخرَى مع اليونان حول غاز المتوسط بعد ثلاث سنوات من التوقف فى اليوم نفسه الذي أعلنت فيه فرنسا عن بيعها 18 طائرة من طراز رافال إلى اليونان، وهو أمرٌ له دلالته.. ولكن كما كان متوقعًا كانت خطوة تكتيكية ليس أكثر، لم يُسفر الحوار ُالذي جرَى على مستوى كبار المسؤولين عن شىء.

هذه الصورة الإقليمية فى هذا التوقيت تؤكد أن المنطقة العربية فى مواجهة من نوع خاص مع دول الإسلام السياسى، سواء دولة الإسلام السياسى الشيعى (نظام الملالى فى إيران) أو دولة الإسلام السياسى السُّنى (نظام إردوغان فى تركيا)، وهو مصطلح صَكّه الباحث «إيهاب عمر» الذي يُقدّم فى هذا العدد ملفّا شاملًا عن الصعود السياسى لليبراليين الجدُُد فى الولايات المتحدة، وأميل إلى هذه التسمية وهذا التصنيف.. وهذه المواجهة تأتى فى مَرحلة إعادة ترتيب أوراق دولية فى أمريكا التي جاءت إليها إدارة جديدة تواجه تحديات داخلية بالغة الصعوبة، وفى روسيا التي تشهد ظروفًا استثنائية، وفى الصين التي تمضى فى استراتيجيتها الاقتصادية وتنقل مَحاور حركتها إلى عمقها الآسيوى؛ لضمان تفوّقها الاقتصادى على الولايات المتحدة فى سنوات مَعدودة.

هذه الملفات بهذا المشهد بتعقيداته تجعل من القمة العربية المقبلة المقرَّر لها مارس المقبل وحتى الآن يُفترض عَقدها فى الجزائر؛  قمة عربية استثنائية حتى ولو جاءت فى طور انعقادها كدَورة عادية على مستوى القمة.. ويمكن القول إن تفاهمات قمة «العلا» الخليجية هيّأت قدرًا ولو بسيطا من الهدوء فى العلاقات «العربية- العربية» حتى الآن، وهو هدوءٌ يمكن البناءُ عليه لتكون القمة العربية قدر ماتواجهه المنطقة من تحديات.

والآن نستطيع أن ندرك أهمية التحذير الذي أطلقه الرئيس «عبدالفتاح السيسي» فى كلمته بمناسبة العيد التاسع والستين للشرطة المصرية، وسر الصَّدَى الإقليمى لهذا التحذير فى هذا التوقيت فى إقليم مشتعل.

إن مصرَ التي استعادت عنفوانها بعد ثورة 30 يونيو، والتي أنجزت مشروعَها الوطني بتضحيات لا تُقَدَّر بثمَن من دماء شهدائها وصبر وجَلد شعبها العظيم وإخلاص وتفانى وتحمُّل قيادتها السياسية، لم تكن فى مَعزل يومًا عن إقليمها؛ بل هى قلبه النابض، ولهذا كان لثورة يونيو امتداد إقليمى مباشر ومعلن وهو(استعادة الدولة الوطنية)؛ لأنها طوق النجاة الوحيد من الجحيم الذي لحق بغالبية الدول العربية.. وما يجرى الآن باستخدام الإرهاب كأداة لتسوية الصراعات وتنفيذ المؤامرات والمخططات؛ إنما هدفُه الرئيسى هو ضربُ كل محاولات استعادة الدولة الوطنية فى المنطقة العربية وتقويضها ومن ثم استمرار الفوضَى، ومن ثم محاولات تقويض مشروع ثورة 30 يونيو فى المنطقة؛ لأنه وحده هو القادر على دفع وإبعاد مشاريع الإسلام السياسى عن المنطقة العربية.. سواء مشروع الإسلام السياسى الإيرانى أو مشروع الإسلام السياسى التركى الإخوانى.. وللحديث بقية..

 

من مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز