عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
رموز التنوير (٢) نصر حامد أبو زيد.. الرجل الشجرة

رموز التنوير (٢) نصر حامد أبو زيد.. الرجل الشجرة

نحن في عام ١٩٩٣وأنا غاضب جدا.. عمري تسعة عشر عاما.. لست طالبا تماما ولست صحفيا تماما.. أتدرب في الصحف ولا أحضر المحاضرات.. أدخل قسم الصحافة فيعجبني د. فاروق أبو زيد لأنه كان صحفيا قبل أن يتفرغ للتدريس.. أخضر اجتماع جريدة صوت الجامعة التي يصدرها قسم الصحافة فأقول كلاما كثيرا وأنتقد.. تلتقطني عينا فاروق أبو زيد فيفهمني.. ينتحي بي جانبا ويقول بلهجة تتراوح بين النصيحة والتوجيه: كلامك كويس.. بس لازم تقوله بالراحة وبتواضع.. يلفت نظري إلى أن انتقاداتي قد تثير غضب المعيدين وأعضاء هيئة التدريس .. أعود وأحاول أن ألتزم.



 

يقول لي: إذا كانت الأفكار المطروحة لا تعجبك فماذا تقترح؟.. أقول إننا جريدة تصدر عن جامعة القاهرة وإن أحد أساتذة جامعة القاهرة يواجه أزمة كبيرة تتعلق بحريته في التعبير عن رأيه وأقترح أن أجري حوارا معه.. يوافق ولسان حاله يقول دعنا نرى.. أحصل على رقم تليفون د. نصر حامد أبو زيد من طالب صديق في قسم اللغة العربية.. ويلفت نظري أن الرقم يبدأ بكود المحافظات ٠١١ وأعرف أنه يسكن في مدينة ٦اكتوبر  التي سمعت عنها ولم أرها.

 

الآن لدي رقم د. نصر حامد أبو زيد ولدي مشكلة.. تليفون بيتنا في شبرا ليس فيه خاصية الاتصال بالمحافظات.. يتصل بالأرقام في القاهرة فقط.. و٦أكتوبر تعامل كمدينة خارج نطاق القاهرة الكبرى.. في المنطقة التي أسكن فيها لا يوجد سوى تليفون عمومي واحد به خاصية الاتصال بالمحافظات.. كان شائعا وقتها أن تكون هناك تليفونات بالمحلات لأغراض تجارية.

 

لكن هذا التليفون الذي يتصل بالمحافظات كان مشروعا لصاحبه في حد ذاته.. أقف في الشارع وأدير قرص التليفون وأنا أمسك بالورقة والقلم.. يرد الدكتور نصر في الرقم الذي يبدا بـ٠١١ وأسأله.. يتدفق في الكلام وأنا في حيرة من أمري.. السماعة في يد.. والورقة والقلم في اليد الأخرى.. وأنا واقف في الشارع.. أحاول أن أكتب فاكتشف إن الكتابة في هذا الوضع مستحيلة، ولكن د. نصر يتحدث ويتحدث وأنا أفهم كلامه رغم صوت السيارات في الشارع العمومي.. كلامه يشبهه.. كلام واقف على قدميه.. معتز بنفسه.. كلماته تشبه شفاعة المرموقة ونظرته الحادة وتعبيرات وجهه التي تشي بأنه في حالة استعداد دائمة لرد العدوان إذا وقع عليه عدوان.. قال كلاما كثيرا جدا.. حاولت أن أكتبه وراءه فلم أستطع.. فاكتفيت بأن أسمع وأتعلم رغم ضجيج السيارات.. مر سبعة وعشرين عاما على اتصالي به لكن كلمة واحدة سكنت عقلي ولم تخرج من وقتها.

كان يقول وهو يشرح أمراً ما: الدين مثل السكين.. الدولة تستخدمه في قطع الطعام.. والمتطرفون يستخدمونه في القتل.. ونحن من الأساس لا ينبغي أن نحول الدين لسكين لأن هذا لا يليق به.. لم أقدم الحوار للنشر لكنني اقتنعت جدا من وقتها أننا لا يجب أن نحول الدين لسكين نقطع به الطعام أو نستخدمه في القتل.. طبت حيا وميتا يا دكتور نصر.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز