عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مسرح الصورة وتجديد حيوية المسرح المصري

مسرح الصورة وتجديد حيوية المسرح المصري

تظل مسألة ازدهار المسرح المصري وعودته جماليًا وفنيًا وفكريًا لدوره المهم في مصر والوطن العربي مسألة تحضر بين الحين والآخر، في إطار اهتمام الجمهور وأهل الفن معًا.



 

ولعل السؤال عن الكلمة في المسرح بصفتها جوهر المسرح التقليدي، وعن الصورة بصفتها جوهر فن السينما أصبح أمرًا يحتاج لإعادة المناقشة.

 

فمع حضور كل هذه الصور وعبر الوسائط المتعددة وعالم الميديا ومواقع الشبكة الدولية للمعلومات، أصبح العالم مجموعة من الصور بين يديك.

 

ولذا أصبح الحديث عن مسرح الصورة أمرًا يطرح نفسه بقوة.

وهو ليس مسرحًا تجريبيًا، أو نخبويًا، إذن إنه يمكن أن يكون جماهيريًا في إطار سهولة وجدة الصور، وإمكانية مزجها بالحوار والأشعار والأغنيات.

 

في فنون المسرح المعاصرة، يمكننا أن نميز اتجاهين عامين ومرتبطين معًا.

 

"أولهما: أن التعارض الذي انتشر في البداية انتشارًا واسعًا بين المسرح وفن الأداء بدأ يتضاءل تدريجيًا.

 

ثانيهما: أن التركيز الذي كان سائدًا على الجسد في أول الحركة المعاصرة قد حل محله أداء يركز إلى الصورة، وعودة إلى اللغة، وهكذا عاد على المشهد المعاصر المسرحي الجديد الفنان المؤدي الذي هو الشاعر والراوي وقارع الطبول، مع وجود الصورة في خدمة النص".

 

وهنا يأتي السؤال: هل لمسرح الصورة جذور قديمة؟

حقيقة الأمر أنه ظهر لدى مسرح المخرجين في ظاهرة المخرج/ المؤلف، أو المخرج صانع العرض المسرحي، "فهو لم يظهر على السطح فجأة وليس منقطع الجذور، بل كانت رغبة لدى العديد من المخرجين لاستخدام الصور، وربما كانت واضحة عند أنطونين أرتو، فالعارض يجسد صورة الفكرة وليس الفكرة نفسها، كذلك يؤكد أهمية لغة العرض المسرحي البصرية مقابل لغة الحوار الأدبية في مسرح الصورة.

 

إن مسرح الصورة غير منفصل عن الإطار العام المصاحب لمرحلة ما بعد الحداثة، فهو أحد تجليات حضور تداخل الفنون الأدائية مع الفنون التشكيلية والدرامية وغيرها، في إطار توجه عام يستطيع فهم مسرح الصورة على أساس أنه "توجه ينبع من منهج في الحساسية والممارسة يقوم على تداخل المعارف والفنون والعلوم، أضف إلى ذلك أن تعريف الفني ما بعد الحداثي بأنه حدث ما بعد حداثي، يسمح لنا باستكشاف الروابط والعلاقات بين أنواع عديدة من الأعمال التي تختلف عن بعضها البعض بصورة واضحة، لكنها تلتقي في محاولتها جميعًا إبراز الظروف المتقلبة، والاتفاقيات القلقة المؤقتة بين الفنان والجمهور، وهي الظروف والاتفاقيات التي يعتمد عليها العمل الفني في تحقيق وجوده ومعانيه.

 

إنها الصور المتخيلة إذن، وهي تأتي بوفرة واضحة في ظل تنامي ثقافة الحواس البصرية السمعية، والبصرية على وجه الخصوص، في عالم معاصر أصبحت الصورة فيه لغة تواصل حاضرة في كافة المجالات خاصة مع تنامي قدرة استخدام التصوير بلغة الكاميرا المتطورة، الذي تجاوز الصورة كلغة أساسية في فن السينما، إذ أصبحت الصور الفوتوغرافية والمتحركة وسرعة تنفيذها وسهولة ويسر الحصول عليها وإمكانية سفرها وتكاثر نشرها وتداولها تجعل من الصورة لغة تواصل معاصرة، ما ساهم في تعميق الصورة المتخيلة كأثر من أثار انتشار الصور المتعددة المأخوذة من الواقع الحقيقي.

 

الصورة التي نتحرك نحوها في الفن هي صورة متخيلة، يتم وضعها في الخيال، ويعاد تصميمها وتنفيذها بالإمكانيات الفنية الممكنة، "وتعد الصورة المتخيلة شكلًا من أشكال التعبير التي ساهمت في بلورة الخطاب الفكري والجمالي، والتي رافقت المسرح منذ بروز النصوص المسرحية اليونانية، وقد كانت المرجعيات الأسطورية لتلك النصوص عاملًا أساسيًا لإغنائها بالصورة المتخيلة.

 

وقد انتقلت الصورة الدرامية المتخيلة من طابعها الأسطوري إلى طابعها النفسي نتيجة لبروز نظريات علم النفس. وهنا ظهرت الصورة المتخيلة، والتي تعد وسيلة معاصرة من وسائل التعبير المسرحي."

 

ما هو مسرح الصورة إذن؟ وهل يوجد ذلك النوع المسرحي، أو هذا التيار بشكل واضح في المسرح المعاصر، وبهذه التسمية المحددة مسرح الصورة، أو مسرح الصور؟

 

يوجد في المسرح المعاصر هذا النوع المسرحي ولكن ليس نوعًا مسرحيًا نقيًا تمامًا في ظل ظاهرة اختفاء نقاء النوع المسرحي في عالم معاصر تداخلت وتشابكت فيه الحساسيات المختلفة والمتعددة للفنون والمعارف، ولكنه يظهر في اشتباك مع العديد من الاتجاهات المسرحية في عصر مسرحي ما بعد حداثي عرف ظاهرة المخرج/ المؤلف، أو قل المؤلف المخرج صاحب الإنشاء الأصلي للعمل المسرحي الإبداعي، أو القادر على استلهام أصول فنية أخرى يعيد صياغتها ويقدمها في إطار مسرحي مبتكر وجديد.

 

ولهذا يُعرف مسرح الصورة في واحد من تعريفاته العربية المعاصرة "بأنه حزم من الشعر والفلسفة والتشكيل، وبالتالي فهو مسرح سيميائي حركي طقوسي شعائري سحري، يعتمد على توليد مجموعة من المفردات البصرية، والتي تتحول بدورها إلى رموز وإشارات وأيقونات دالة، تساهم في خلق المعنى حسب مقاماتها السياقية، ومستلزماتها التداولية، إنه مفهوم يرفض تثبيت ما يسمى "التمركز المنطقي" كما يقول الناقد البنيوي جاك دريدا، وإنما يقوم بإرسال مجموعة كبيرة من الإشارات والعلامات، والدالات إلى المتلقي، كما أنه يلغي قدر المستطاع أي شكل من أشكال الحوار، ويستعيض عنه بلغة الحركة والتكوين والإيماءة".

 

وربما كان هذا التصور هو الأقرب لتجارب مسرح الصور في مصر، والذي جاء الاهتمام به بدون تسميته بشكل واضح مع وضوح أثر اتصال المسرح المصري المعاصر بالمسرح التجريبي الدولي، وهو الدور الذي لعبه مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بداية من عام 1988 حتى الآن، وكان له تأثيره الواضح على المشهد المسرحي المصري والعربي.

 

هذا وجدير بالذكر أن المشروع التجريبي المسرحي المصري، قد ساهم في إنتاج أعمال مسرحية تراجع فيها دور الحوار الدرامي لصالح المشهدية المسرحية والصورة المتخيلة، وقد أثر هذا المشروع على اللغة الفنية، والنقدية معًا.

 

لتظهر لغة جديدة تعترف بمفاهيم كالسينوغرافيا ولغة الجسد والمسرح الراقص والدراماتورج، ما أدى لتغير النظرة للمشهد المسرحي.

 

وقد أحدثت ما بعد الحداثة في مصر انقلابات جذرية في عالم الفن، فيما يتعلق بالمفاهيم الثقافية للأداء.

 

وهو ما أثر في مصر وعدد من المراكز العربية والإقليمية، بل وفي عدد من بلدان العالم المختلفة في مسألة التجديد والنزاع بين الحداثة وما بعدها.

 

وهو ما أثر على المسرح العالمي، وما وصل منه للمسرح المصري بشكل عام، وهو واضح في تلك الإنتاجات الفنية التي هي نتاج لمجتمع يعيش في لحظة واحدة الحداثة وما قبلها وما بعدها، بتعدد الجماعات والمناطق السكنية وتنوع القوة والنفوذ، ومستوى التعليم والثقافة والتجربة الجمالية، والقدرة على ممارسة فعل الحرية.

 

إنه نزاع قديم بين المؤلف والمخرج، وعودة لتقارب الأدوار وتداخلها، ففي مسرح الصور المعتمد على الصياغات المشهدية يمكن تأمل الفهم التاريخي وتأثيره على الكتابة بالعودة إلى "ستانسلافسكي ونظريته السيكولوجية (الحميمة) إلى ما يرخولد، والمسرح الممسرح إلى أرطو ومسرح القسوة، نجد أنها حروب النظريات، أي حروب المخرجين الكتاب، أو الكتاب– المخرجين".

 

وواحد من هؤلاء المخرجين المؤلفين أصحاب التعدد الإبداعي، صاحب تأثير كبير في نفوذ الصورة في المسرح المعاصر هو "روبرت ويلسون (ROBERT WILSON)، وهو مصمم مسرحي وكاتب ومخرج وممثل في مسرح ما بعد الحداثة، وصاحب رسومات ومطبوعات وصانع رسومات ومطبوعات وصانع أفلام، ومنذ 196 أبدع أشكالًا من الدراما الذاتية (Autistic) وتتميز أعماله بالهدوء والإيقاع البطيء في صنع الصورة، والتناقص القائم على التفكيك، والفعل المسرحي عنده متداخل ومفتت ويتم إعادة تشكيله".

 

ولتيار اللاوعي ولحضور نظرية التحليل النفسي تأثير واضح في حضور الصورة المتخيلة في المسرح المعاصر ويمكن رؤية دراسة فرويد الشاعر والخيال كعمل مثير ومؤثر ومميز "بين المحكيات الشعبية التي يكون بطلها نموذجا، وبين الروايات المسماة (سيكولوجية)، حيث توزع مختلف مظاهر النفس على عدد من الشخوص الركائز، بل والروايات الغرائبية التي لا يكون فيها البطل إلا ساردًا لما يلاحظه في الحياة التي تحيط به".

 

ومن هذا المنظور يمكننا العودة المصرية والعربية لفكرة حضور الصورة ووظيفتها، فهي تعتمد على ما يقدمه لها "ذلك الحس المشترك وقوتنا الثالثة وهي المخيلة، وتتولى هذه القوة استعادة صور المحسوسات المختزنة في الصورة، إلا أن وظيفتها لا تقتصر على الاستعادة فحسب، وإنما تتعدى ذلك إلى وظيفة ابتكارية متميزة".

 

مما يأخذ الأمر ناحية العالم الثري، أو قل الأكثر ثراءً في مسألة الصور المتخيلة إنه عالم اللاوعي وعالم الأحلام، وهو عالم يشبه المسرح المعاصر عندما يقدم لنا تلك الصور المتعددة، "ففي حال الحلم فإن الفكرة تتشكل في صورة متحركة ناطقة، وكأنها تتسلل متحررة من سلطان العقل المنطقي، لتعيش حرة بعيد عن رقابة الإرادة الواعية، ولذا لا نعتقد ونحن نحلم أننا نفكر...

 

بل نعتقد أننا نعيش فعلًا، ولذلك يركبنا الذعر من المخاوف، ويطربنا الفرح للأحداث السعيدة، ولا ندرك أننا لم نكن نعيش حقًا تلك التجارب إلا بعد أن نستيقظ، ونجد أن ما مر بنا في الحلم لا يتسق مع الواقع الذي نعرفه في عالم اليقظة، وعلى هذا الأساس ربما جاز لنا أن نعلل الفارق بين الحلم واليقظة، بأن النشاط النفسي أثناء النوم ناقص متحلل من سلطان الإرادة ورقابة العقل المنطقي، ولذا يأتي الحلم مفككًا حافلًا بالمتناقضات، لا يعرف معنى المستحيل."

 

وهكذا بدت إنتاجات عديدة من فن ما بعد الحداثة تحمل طابع الرؤى والأحلام.

 

يمكن رؤية الصورة ذات المعاني الكثيفة المحملة بالمشاعر والعواطف المتناقضة في الأحلام بطريقة تجعل الحلم يمكن فهمه كمجموعة متوالية من العبارات، فهو نص، هو "جمل مسلسلة تعرض سلسلة متوالية من السلوكيات والإحساسات والأفكار الملموسة (إنها التمثيلات)، هو متتالية مصبوغة باللذة أو بالانزعاج وبنسبة متغيرة منهما معًا (إنه الانفعال).

إن الحلم لا يتكلم ولا يفكر.. إن كلمة الحلم تسع نهائيًا ثلاث ظواهر واضحة: طاقة رغبة تكتسح الخشبة، وسلسلة مفككة من المسرحيات، وتلك التمثيلية الإيمائية التي أُعْيد تنظيمها."

 

هذا ويمكن للصورة في الحلم المزج بين الحقيقة والوهم، واستيهام الصور فيما يشبه أحلام اليقظة، فبفضل الوهم الفني تحدث المتعة والإثارة والإشباع للفنان وللمتلقي معًا.

 

وهنا يمكن للكاتب الذي يحاول مزج الصور مع عالم الأحلام أن يتعامل مع المكون الصوري دورًا مهمًا في تجارب "سترندبرج" المسرحية، ووجوده وسيلة لها من الأهمية في التعبير عن الأشياء التي ليس لها حل من الواقع، وبذلك فقد هدف إلى أن يعرض عالم الحلم المفكك، وإن بدا منطقيًا كل شيء جائز، الزمان والمكان لا وجود لهما، وعلى أرضية واهية من الواقع ينسج الخيال أنماطًا جديدة".

مما يجعلنا نفكر جديًا في استخدام الصورة في المسرح المصري خاصةً مع حضور عدد من التقنيات المتاحة الآن بمزج الصور بالمشهد المسرحي، خاصةً أننا أمام تغير واضح في الذائقة الفنية لدى قطاع عريض من الجمهور المصري والعربي، بات يهتم ويفهم ويتواصل عبر الصور، وهي أي الصورة أداة هامة في التواصل الإنساني المعاصر.

 

مما يجعل التفكير في تقديم أعمال مسرحية لمسرح الصورة أمرًا مقبولًا بل وطريقًا جديدًا لتجديد حيوية المشهد المسرحي.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز