عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
الكتاب الذهبي
البنك الاهلي

فى ندوة الكتاب الذهبي: دولة 30 يونيو جعلت المواطنة واقعاً وحفظت لُحمة الوطن

أدار الندوة: رئيس التحرير أيمن عبدالمجيد



 

حضر الندوة: أيمن فتحى رئيس مجلس إدارة روزاليوسف  

 

  أعدها للنشر: ياسر شوقى والسيد على ومحمد خضير

 

تصوير: سماح زيدان ومحمد السيد

 

مصر مُحَصّنة ضد الفتنة الطائفية منذ آلاف السنين، يشهد تاريخها الممتد والطويل على ذلك، ورغم استهداف أهل الشر والجهلاء نسيجها الوطني الصلب بالأفكار الدينية المتشددة والوعى الزائف بغرض تفتيت وحدتها الوطنية؛ فإنها ظلت على الدوام عصيّة عليهم، وهو ما انتبهت إليه دولة 30 يونيو، التي أخذت على عاتقها تنمية الوعى، وبث الروح فى قيم المُواطَنَة والمساواة بنصوص دستورية واضحة لا لبس فيها، وممارسات على أرض الواقع ترسّخ وتعيد إلى الأذهان تاريخ مصر القومى، ونضالها الطويل ضد الغزاة، دون أن يلتفت أبناؤها لديانتهم أو لونهم أو جنسهم، وكيف كانت مصر على الدوام منارة للفكر السياسى والاقتصادى والثقافى لم تميز بين أبنائها، وكان الكل سواءً أمام قيم "المُواطَنَة" العليا.. ترسيخا لذلك نظمت مجلة «الكتاب الذهبى» ندوتها بعنوان:  "المُواطَنَة حصن الأمة.. كيف نقوى لبناتها"  فى هذا العدد الخاص عن الكنيسة الوطنية والمواطنة لدرء ما يحاك للوطن من مؤامراة خارجية تستهدف النيل من نسيج الوطن.

 

استضافت فيها الأنبا آرميا، الأسقف العام، ورئيس المركز الثقافى  القبطى الأرثوذكسى، والشيخ محمد زكى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية السابق، والدكتور محمد أبو زيد الأمير، نائب رئيس جامعة الأزهر، والمنسق العام لبيت العائلة المصرية، وكمال زاخر، المفكر القبطى، والنائبة مارسيل سمير، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، والنائبة مرثا محروس، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، والشيخ أحمد فتحى، عضو لجنة الفتوى بمحافظة سوهاج .

 

رحب رئيس التحرير: بضيوف الندوة الكرام الذين يُمَثلون كل أطياف النسيج المصري الوطني، المستقبل الذي يُمثله الشبابُ مع الشيوخ والخبرة، للوقوف على دور مؤسسات الدولة الإعلامية والتعليمية الدينية الإسلامية والمسيحية، والمؤسَّسَة التشريعية، وأيضًا دور المؤسَّسَة الإعلامية، والنخبة المثقفة ومفكرى الأمَّة.. نرحب بحضراتكم جميعًا، ونتمنى أن يكون اللقاءُ مثمرًا ومُحققًا لأهدافه، ونتمكن من الخروج برؤية تمثل المجتمعَ المصري عن كيفية تعظيم وتعزيز المُواطَنَة. 

 

أيمن فتحى رئيس مجلس إدارة روزاليوسف: أنا فى منتهى السّعادة؛ لأن بيتنا "روزاليوسف" يجمع اليومَ هذه الكوكبة التي تمثل "المُواطَنَة" بأرقَى صورها، وأتمنى أن يكون شعبُنا بالكامل يدًا واحدة ليوم الدين، وأن يكون لقاءُ اليوم مُثمرًا.

 

رئيس التحرير: يبدأ أى إصلاح فى أى دولة بالإرادة السياسية، ولقد لمسنا خلال  السنوات السّت الأخيرة أن هناك إرادة سياسية حقيقية من دولة 30 يونيو لتعزيز فكرة المُواطَنَة، والعمل على تقوية النسيج الوطني بتعظيم صلابة وحدة الشعب المصري فى مواجهة التحديات، والإصلاح يشمل جميع المَناحى بما فيها الخطاب الدينى، والسؤال هنا للشيخ محمد زكى.. كيف ترى دور الأزهر الشريف، كمؤسَّسَة ضاربة بجذورها فى عمق التاريخ ونموذج للوسطية، فى تعزيز فكرة المُواطَنَة، وتجديد الخطاب الدينى بما يعزز هذا الاتجاه؟

 

الشيخ محمد زكى: السؤال له معانٍ متعددة، الأزهر الشريف كما نعلم جميعًا هو قبلة الإنسانية الروحية التي تتعالى على العصبية البغيضة، والحزبية الممقوتة، "كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، ويعمل الأزهر الشريف على الحفاظ على هوية الأمة، وتراثها ودينها وأخلاقها وقيمها، ويقوم كذلك على ترسيخ وتوثيق وإرساء قواعد تحقيق الأمن الشامل للمجتمع الإنسانى؛ مبادئ الإنسانية الممثلة فى تحقيق كرامة الإنسان، واحترام ذاته وشعائره، كما هو منصوص عليه فى المنهج الأزهرى الوسطى السمح.

 

الأزهر الشريف يعمل دائمًا على تحقيق أمن المجتمع واستقراره وتنميته ورخائه، بكل ما أوتى من إمكانات وقوة، فهو أول من أنشأ فكرة "بيت العائلة المصرية"، ويُسعدنى ويُشرفنى أن أكون واحدًا ضمن أعضاء هذا البيت الكريم الذي يعمل على ترسيخ معنى واحد، وهو ليس هناك أقلية وليس هناك أكثرية، نحن رجُلٌ واحدٌ، قلبٌ واحدٌ، نحن وفاءٌ واحدٌ، نحن عطاءٌ واحدٌ، هذا فى مسجده وهذا فى كنيسته، إن إخواتنا فى الإنسانية فى كل مكان، ولا نقول الأخوة المسيحيين، كلنا مصريون، ومصر للجميع وفوق الجميع، ويعمل لرفعتها الجميع، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، إننا نسيج واحد، ومصريون لا يزايد علينا أحد، نحن مصريون، والله عز وجل يقول للإنسانية كلها على لسان سيدنا يوسف "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".

 

فما جاء الإسلام مصرنا المباركة ليبغى أو ليطرد مَن كان فيها؛ بل جاء ليكون معهم قلبًا واحدًا ويدًا واحدة، نعمل لمصر ولأمنها ولتحقيق السلام لها .

 

رئيس التحرير: نيافة الأنبا آرميا.. كل الأديان توصى بحب الوطن والوفاء له، والقديس مرقس الرسول وهو من تلاميذ سيدنا عيسى عليه السلام، والذي أدخل المسيحية إلى مصر وكانت تحت الاحتلال الرومانى فى ستينيات القرن الأول حدثت خلافات مَذهبية بين الاحتلال والكنيسة الوطنية، كان الوطن هو الأبقَى، وكانت الكنيسة المصرية متمسكة بثوابتها.. حضرتك تعتلى حاليًا منصب الأسقف العام، ورئيس المركز الثقافى القبطى، كيف ترى دور الكنيسة الأرثوذكسية القبطية المصرية، فى دعم فكرة المُواطَنَة، وهل هو مؤدّى على الوجه الأكمل، وما هى المعوقات التي تواجه بناء عقلية مصرية مؤمنة بالتعددية وفكرة المُواطَنَة؟

 

الأنبا أرميا: أشكر رئيس مجلس إدارة المؤسَّسَة العريقة "روزاليوسف"، أيمن فتحى، والكاتب الصحفى أيمن عبدالمجيد، رئيس تحرير الكتاب الذهبى، على هذا الملتقى القيم عن المُواطَنَة، الذي يتزامن مع حلول أعياد الميلاد المجيد.

 

بداية؛ القديس مار مرقس الرسول دخل مصر فى القرن الأول الميلادى، والمسيحية موجودة فى مصر منذ القرن الأول الميلادى، وحصلت مشاكل عقائدية بيننا وبين الكنيسة الرومانية، وهذا بَعد عصر الاستشهاد الذي فرضته الوثنية، واستمر الخلاف حتى دخول الإسلام مصر؛ حيث بدأ عصرٌ جديدٌ لمسيحيى هذا البلد، أو قبط هذا البلد، وعشنا معًا طوال 17 قرنًا فى حب هذا البلد الذي ولدنا جميعًا على أرضه، ونعيش فيه، وتعلمنا فيه، وبمشيئة الله نموت على هذه الأرض، أرض الخيرات للجميع .

 

"المُواطَنَة" بالتعريف مَعنية بالأشخاص الذين يتمتعون بكونهم أبناءَ بلد ما، وبالتالى ما تقدمه لهم تلك العضوية من امتيازات وحقوق، وفى التعبير السياسى هى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها، مقابل ما يطلب من المواطن من واجبات والتزامات تجاه الدولة. 

 

والمُواطَنَة هى أساسُ مشاركة الإنسان فى كل ما يخص بلده من أمور، والأعمال التي تُظهر انتماءَه إليه، ومن هنا فهى تعنى أننا جميعاً أبناء مصر، نتمتع بنفس الحقوق، وعلينا نفس الواجبات والالتزامات. 

 

وتُعَد المُواطَنَة قيمة عُليا فى حياة الشعوب والمجتمعات، وهى تحمل فى جوهرها المساواة بين الجميع، إلى جانب العمل من أجل خير وسلام الوطن، وحينما نتحدث عن "المُواطَنَة" فنحن نتحدث عن الوطن.

 

والحقيقة هذا البلد يتمتع بسحر عجيب، فهو بلد الجَمال الذي يقاس عليه مستوى جمال البلاد الأخرى، كما ذكر الكتاب المقدس: "كجنة الرب، كأرض مصر"، وهو بلد البركات الذي احتمى به الكثير من الأنبياء، جاءه خليل الله إبراهيم، ويعقوب وبنوه، ووُلد فيه موسى وعاش فيه 80 سنة وتهذب بحكمة المصريين، وهذا البلد تزوج منه سليمان الحكيم، والأرض التي باركتها العائلة المقدسة حينما جاءت هربًا من بطش "هيردوس"، وفيها نسب ورحم  مع الرسول محمد فى ماريا القبطية .

 

مصر هى أقدم وأطول وأثبت دولة فى التاريخ، وأدت وحدتها الجغرافية والبشرية إلى الوحدة السياسية وقيام الدولة، ومع فجر التاريخ بدأت الوحدة بين شمالها وجنوبها لتكون أول دولة وطنية، لقد كانت مصر النموذج الكلاسيكى للدولة الثابتة.

 

العلماءُ الذين يدرسون تجانس الشعوب فى الصفات العرقية والجسمانية لمعرفة أوجُه التشابه بين الناس، وجدوا أن شعب مصر من أكثر شعوب العالم تجانسًا، ومن أكثرهم تشابهًا فى الملامح. ويرى العلماءُ أن شعب مصر  بسبب الجغرافيا والتاريخ يختلف عن سكان أى أمّة فى العالم. 

 

ومصر على مَر تاريخها تعرضت لغزو خارجى كثيرًا، وكانت تمتص وتبتلع أى ثقافة وتصهرها، وبدلًا من أن يفرض الغزاة شخصيتهم عليها، كانت هى التي تفرض شخصيتها.

 

رئيس التحرير: نيافة الأنبا هناك وقائع تاريخية تشير إلى الوحدة الوطنية والمواطنة فهل تقدمون ذلك للنشء؟

 

نعم أذكر هنا شعار ثورة 1919 "يحيا الهلال مع الصليب"، التي أظهرت وحدة الشعب المصري فى سبيل حرية بلاده، و"المُواطَنَة" التي عبّرت عنها المساواة بين أبناء الوطن، وهى الفكرة التي عبّر عنها الزعماء والقادة على مَر التاريخ، مثل الشيخ محمد عبده، الذي كتب فى برنامج حزبه فى ديسمبر 1881، فى المادة الخامسة بأن الحزب "مؤلف من رجال مختلفى العقيدة والمذهب، وجميع النصارى واليهود، وكل من يحرث أرض مصر، ويتكلم لغتها منضم إليه؛ لأنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات، ويعلم أن الجميع إخوان، وأن حقوقهم فى السياسة والشرائع متساوية".

 

وعلى هذا النهج قدّم الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى، أحد قادة النهضة العلمية فى مصر صورة عن المساواة حين قال: "ليكن الوطن مَحلًا للسعادة المشتركة بيننا، نبنيه بالحرية والفكر والمصنع"، وهذا هو الفكر الذي أعلنته ثورة 1919 مبدأ "الدين لله والوطن للجميع"، وهذا هو ما نسير عليه حاليًا .

 

بالعودة بالتاريخ قليلًا  سنجد أن مكرم عبيد فى خطاب استقالته كسكرتير للمستشار القضائى الإنجليزى، وكان هو سكرتيرًا فى الحكومة المصرية، قال: "إن اختلاف الدين لا يجوز أبدًا أن يغير شطر الوجهة السياسية فى أمّة اتحدت لديها القومية والجنس واللغة، وعهود التاريخ والعادات، وإنى لأشعر أن الوقت قد قرب أو حان عندما لا نعرف بيننا إلا كلمة مصري".

 

وكلمة "مُواطَنَة" لم ترد فى أى دين، لكن الدين عامّة اهتم بالإنسان وروحه من خلال علاقته مع الله، فالتعاليم الدينية قدمت السلوكيات التي يجب على الإنسان اتباعها حتى يعيش "المُواطَنَة"، ويحفظ سلام ووحدة بلاده، والأديان لم تسعَ يومًا إلا نحو  السلام للبشرية، وترفض جميع صور التعصب والإرهاب.

 

وأذكر أنه فى عهد البابا يؤانس الرابع عام 770م، حدثت مجاعة شديدة نتيجة نقص مياه النيل، فلم يتوانَ عن مساعدة المصريين جميعًا، وفتح جميع ما لديه من مخازن طعام لأبناء الوطن جميعًا مسلمين ومسيحيين، وتولى بنفسه حملة لحث الأغنياء من أجل العطاء للمحتاجين، مقدمًا مثلًا يُحتذَى به فى المُواطَنَة، وأيضًا أيام البابا بطرس الجاولى جاء له قيصر روسيا وعرض عليه حماية المسيحيين فى مصر، إلا أنه رفض وقال كلمته الشهيرة: "أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت أمّا نحن الأقباط فنعيش تحت حماية ملك لا ولن يموت إلى الأبد" ويقصد به الله.

 

 

 

رئيس التحرير: المندوب السامى البريطانى حاول استخدام ورقة الأقباط للنيل من وحدة الوطن، وكان رد البابا كيرلس الخامس قاطعا!

 

الأنبا أرميا: المندوب السامى البريطانى حضر إلى البابا كيرلس الخامس وعرض عليه أمر حماية الأقباط فى مصر، لكن البابا كيرلس الخامس رفض قائلًا: "لن نطلب حماية نحن الأقباط إلا من الله ومن عرش مصر"، وفى فترته حاول الاحتلال تغذية الفتنة بين نسيج الأمّة الواحد، والإيقاع بين المسلمين والمسيحيين، فقد أدرك الاحتلال أن قوة مصر معتمدة على ترابط أبنائها، وفى وحدتها الوطنية، ولذلك حاول  إقناع مسيحيى مصر أنهم أقلية، ويجب عليهم إعلان مخاوفهم، لكن الأقباط رفضوا، وعلى النقيض كانت هناك عائلات فى صعيد مصر معروفة بدورها فى مقاومة الاحتلال، مثل عائلة عبدالنور فى جرجا التي ساعدت أحمد عرابى، والشقيقين ميخائيل وحنا أثناسيوس فى محافظة المنيا، اللذين ساعدا المقاومة المصرية فى جمع التبرعات، كما أسّسَت جريدة قبطية باسم الوطن ترفض الاحتلال البريطانى لمصر، وفيه عبارة اشتهرت فى ذلك الوقت تقول: "إن مصر وطن بجناحين هما الهلال والصليب، ولكن بقلب واحد وهو مصر"، وردد المسيحيون عبارة أخرى فى ذلك الوقت: "إذا كان الإنجليز يتمسكون ببقائهم فى مصر بحجة الدفاع عن المسيحيين، فنحن لا نريدهم ولا نحتاج دفاعهم عنا". وهذا نفس ما أكده الزعيم سعد زغلول، لما قال: "رصاص الاحتلال عند ضرب المصريين لا يفرق بين مسلم ومسيحى".

 

وعندما حاول العدُو الخارجى تفتيت وحدة الأمّة قام فضيلة الإمام حسن مأمون، شيخ الأزهر مع قداسة البابا كيرِلُّس السادس، بإصدار بيان تاريخى مشترك يؤكد تضامن المِصريِّين جميعًا فى القضايا التي يخوضها الوطن، مؤكدَين وحدة الهدف والموقف تجاه جميع ما يخص مِصر والشرق الأوسط، وقد كانت أهم قضايا ذلك البيان هو موقف المِصريِّين من قضية القدس، وكان لذلك البيان أثر مُدَوٍّ فى جميع أرجاء العالم.

 

وكان القمص سرجيوس، خطيب ثورة 19"، وأول من خطب فى الجامع الأزهر، وفى مسجد ابن طولون، كان يرافق الشيخ القاياتى فى إلقاء الخطب من أجل وحدة الشعب، وقد نفى القمص سرجيوس ومعه فضيلة الشيخ القاياتى فى مدينة رفح بسيناء، مدة 80 يومًا.

 

رئيس التحرير: نشكر نيافة الأنبا آرميا، وفضيلة الشيخ محمد زكى بحديثهما عن صحيح الدين والفطرة المصرية الأصيلة.. والسؤال للأستاذ كمال زاخر، أرى شخصيّا أن العقل المصري مستهدف دائمًا، والحرب الآن داخل الجمجمة؛ لماذا؟.. هل هذا يرجع لغياب العقل النقدى أمْ لقدرة المتطرفين أيّا كانوا فى أى اتجاه على التشكيك وكسر جدار الثقة بين الجمهور والمُؤَسَّسَات الدينية، كيف استطاعوا النفاذ إلى هذا العقل، وكيفية بناء العقل النقدى فى وجهة نظرك؟

 

كمال زاخر: أريد التأكيد فى البداية على أن "روزاليوسف" تمثل لى قيمة خاصة؛ لأنها دائمًا تختار  الجلوس على يسار السُّلطة منذ تأسيسها حتى هذه اللحظة، وهذا يمنحها زخمًا فى الشارع، ودائمًا هى تُعَبر عن هموم الناس ومتاعبها وأحلامها، وأيضًا لديها دائمًا كتيبة من الكُتّاب تتوالد بالتلمذةه، وهذا يمنحنا أملًا بأن الغد سيكون أفضل، والشكر موصول لكم؛ لأن الكلامَ عن "المُواطَنَة" من هذه المؤسَّسَة تحديدًا رسالة؛ خصوصًا بعد 6 سنوات كنا نبنى خلالها فى الحَجر، وكان الاقتصاد على وَشَك الإفلاس، وكان من الضرورى إنقاذ هذا الوطن من السقوط المرتَّب له، والحمد لله نجحنا كوطن فى أن نخرج من هذا المخطط ونحن أكثر قوة، ومَن يعتبر أن هذا كلام لا أساس له "ينزل يشوف الشارع شكله إيه"، "يشوف الطرُق شكلها إيه" و"المدن الجديدة"، هذا الكلام يجب ذكره، لأنه حق المؤسَّسَة علينا، وحق البلد.

 

وسأبدأ كلامى بالسؤال: لماذا المُواطَنَة، ولماذا الآن؟.. نحن تحدّثنا كثيرًا  منذ 1952 عن الديمقراطية لكن لم نرَها، وكان ما يُكتب عنها ويروج له مفارقًا للواقع بشكل واضح، وذلك لسبب موضوعى، وهو أن الديمقراطية بنت بيئتها، ونشأتها فى الغرب كانت فى وقت يشهد صراعًا طبقيّا، وصراعًا ما بين الإصلاح الدينى والسُّلطات الحاكمة المستبدة، وبالتالى توجد قوة اجتماعية وقوة اقتصادية تتصارع، وجاءت الديمقراطية لكى  تعطى كل شخص حقه فى ظل هذا المناخ، هذه البيئة أو المناخ ليس موجودًا عندنا، نحن لم نشهد صراعًا طبقيّا، ولم يكن لدينا قوى اجتماعية تستطيع التعبير عن نفسها، لكننا نقلنا التجربة وقمنا بترجمتها عربى ومصري، لكنها لم تجد المناخ المناسب لتظهر .

 

ولهذا أنا أتصور أن فكرة المُواطَنَة تُعَد التمهيد الطبيعى والحقيقى لبناء الديمقراطية كما يتفق مع المجتمع المصري، "المُواطَنَة" كما ذكر نيافة الأنبا آرميا، وكما قال فضيلة الشيخ محمد زكى، هى العلاقة بين المواطن والوطن.

 

أنا لن أتكلم فى هذه الندوة عن ماذا تقول الأديان؛ لأنه لا يُفتَى ومالك فى المدينة، لكننى أتصور أن جزءًا من "المُواطَنَة" يعنى أن تعود المؤسَّسَة الدينية إلى حجمها الطبيعى، وفى الحقيقة لدينا قوى دينية موازية للمؤسَّسَة الرسمية التي تواجه تحديات بشكل مستمر، ودائمًا هناك من يسعى للنيل منها بالقول "أصل دول شيوخ السُّلطة"، "أصل دول كهنة السُّلطة"، وكل مؤسَّسَة عندما تجد هجومًا موجهًا إليها تبدأ فى الدفاع عن نفسها، وتتحصن بالدفاع، وهذا بالضرورة نال جزءًا من اهتمامها، وأثّر على رسالتها .

 

وأنا أرى أن الحل فى ذلك ليس دينيّا؛ إنما المؤسَّسَة الدينية هى مكون من مكونات تشكيل الوجدان أو الذهنية الجمعية للمصريين، ولهذا نحن نحتاج إعادة النظر فى الآليات التي تشكل الفكر الجمعى والذهنية الجمعية، وهما فى وجهة نظرى ثلاثة: "التعليم والثقافة والإعلام"، ولهذا نلاحظ أن أول هجوم علينا حدث من ذهنية مخترقة تتصور أن الإسلام "الصحراوى" هو الإسلام الصحيح، وأن الإسلام المصري مشكوك فيه، رُغْمَ أن فضل مصر على تشكيل الذهنية الإسلامية لا ينكره أحد، وحسب ما قرأت هناك على سبيل المثال مدرستان للإمام الشافعى، الإمام الشافعى فى العراق، والإمام الشافعى فى مصر، وعند عمل مقارنة بينهما نخرج بفروق شاسعة؛ لأن الإمام الشافعى تأثر بالنيل والأرض والطمى والفلاح والطبيعة المصرية، فقدّم إسلامًا يرد إليه فكرة الإسلام الوسطى، لكننا فى حالة ردّة على هذا الإسلام الوسطى.

وفيما يخص الإعلام المصري؛ فهو رائد فى المنطقة، ومؤسَّسَة "روزاليوسف" بالذات لها الفضل على كل الإعلام المصري، أولادها موجودون فى كل الآليات الإعلامية فى مصر، من التليفزيون للدراما ولا نستطيع إنكار وجودهم، والسؤال: ماذا حدث؟ أقول لكم وبشكل صريح وأنا أثق فى وطنية هذه المؤسَّسَة أن سقف الحريات المتاح للإعلام ولظروف موضوعية تغير، نعم كان أمامنا هدف وهو إنقاذ البلد قبل سقوطها، وآن لنا أن نتمتع بما حققناه، وبالتالى أنا أتصور أن علينا أن نتعامل بجدية  مع التشريعات المعنية بحرية التعبير.

 

 وهذه مسؤولية البرلمان، فلا يوجد مصري لا يحب مصر، والذي ينحرف عن هذا الاتجاه لديه ظروفه، وهو استثناء لا يقاس عليه، الأصل أن المصري يحب مصر بلا مواربة.

 

ونشير إلى أن هناك روافد متناقضة فى مخرجات التعليم الدينى والأجنبى، والحكومى والخاص، وهذا يخلق مصريين مختلفين ولا يمكن أن تنجح الثقافة الموجهة فى تشكيل عقل نقدى صحيح، ونحن كان عندنا أسامة أنور عكاشة، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، ويوسف السباعى، وإحسان عبدالقدوس ابن صاحبة هذه المُؤَسَّسَة.

 

كان هناك إبداع، ثم جاء إلينا دعاة "السينما النظيفة"، ماذا تعنى سينما نظيفة. تعنى أن هناك سينما ليست نظيفة، ولن أتكلم عن روعة أفلام الأبيض والأسود، سألفت فقط إلى أن زميلتنا فى الكلية كانت تخرج من بيتها بالأحياء الشعبية العادية بالمينى جيب والميكروجيب، وتركب الأتوبيس دون أن يرفع أحد عينه عليها، لكن الاختراق المتصحر أزاح القيم المصرية وشككنا فى أنفسنا.

 

رئيس التحرير: جميل جدّا، وكما ننتقد فكرة "التصحر" واختصار الدين فى لحية وجلباب قصير، لا بُد أن نشير إلى أن رونق مَخرجات الثقافة والتاريخ المصري ليس المينى جيب، لكن هذا ينقلنى إلى نقطة مهمة جدّا أشرت إليها، وهى شافعى بغداد وشافعى القاهرة، والسؤال هنا للدكتور محمد أبو زيد الأمير، ولكن أريد التأكيد على الفكرة التي أوردها الأستاذ كمال زاخر فى أحد الحوارات التي أجريتها فى 2017 تحت عنوان "مصر إلى أين؟- حوارات فى الحاضر والمستقبل"، وكانت عبارة عن 30 حلقة تغوص فى العقلية المصرية، والسياسة الخارجية والداخلية، وغيرها، وكنت قد التقيت فى أولى الحلقات مع الدكتور عاطف العراقى، وهو فيلسوف قدير، رحمة الله عليه، وتحدثنا عن العقل المصري فقال ما قاله الأستاذ كمال زاخر فيما يخص أن لدينا روافد متناقضة للمنتج التعليمى المصري، تعليم دينى إسلامى ومسيحى، ومدارس وجامعات أجنبية، ومدارس تعليم عام، وطالبَ بأن يكون هناك مشتركات أساسية، وأنه ليس من الضرورى أن تدخل كل الناس الجامعة، ولا بُد من الاهتمام بالتعليم الفنى الذي يراعى دراسات الجدوَى التي توضح احتياجات سوق العمل، ومن هنا أسأل الدكتور محمد أبو زيد الأمير، أين الجامعة من الخطاب الدينى وفقه الواقع، وأين الأزهر من فتاوَى الجهلاء غير المؤهلين وغير المؤسِّسين علميّا، الذين يستغلون ثغرات للنفاذ إلى العقل العام مثل "هؤلاء شيوخ السُّلطان"، هل أقول لهم شافعى هنا غير شافعى هنا، وفقه هنا غير فقه هنا، والفتوَى الفلانية لها ظروف؟

 

الدكتور محمد أبو زيد الأمير : أذكر أننى ذهبت مع نيافة الحبر الجليل الأخ والصديق والحبيب بمعنى الكلمة أرميا إلى الكثير من كنائس مصر، وإلى الكثير من الأديرة، وأتذكر اليوم الذي دخلنا فيه دير القديسة دميانة، ويوم جاء الأنبا بيشوى وكان رئيس الدير وقتها ومكث يشرح لنا أكثر من 3 ساعات ما فى هذا الدير وتاريخه، وهو يُعَد أقدم دير تم إعداده للعبادة للسيدات فى العالم أجمع، والقديسة دميانة استشهدت سنة 310ميلادية، يعنى قبل بعثة النبى- محمد صلى الله عليه وسلم- بـ 250 سنة، وبالتالى هناك حضارة يجب البناء عليها وألا نتجاهلها، وعندما أقول صديقى وحبيبى الأنبا أرميا فهذا تعبير عن نفس شعوره تجاهى. 

 

اليوم نتكلم عن المُواطَنَة، ودعونا نقول إنها المساواة، وقبل الحديث عنها لابُدّ أن نعلم أن مبدأ حب الوطن وترسيخه فى الأذهان بين طوائف الشعب؛ إنما جاء به الإسلام وما تدعو إليه الأديان، وإذا ترسّخ هذا المبدأ استطعنا أن نصل إلى الهدف المرجو.

 

عندما خرج النبى محمد من مكة الى المدينة قال: والله إنى أعلم أنكِ أحب بلاد الله إلى الله، وأحب البلاد إلىّ، ولولا أهلك أخرجونى ما خرجت"، والحدث لم ينته هنا، كان مهاجرًا من مكة ونزل عليه وحى الله جبريل، قائلًا له: أتشتاق إلى وطنك، أتشتاق إلى بلدك"، فقال له النبى "نعم"، وعند ذلك نزل وحى الله جبريل على نبى الله محمد- صلى الله عليه وسلم- بقول الله تعالى"إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد"، ومعاد هى اسم من أسماء مكة، أى سيرجعك الله إلى وطنك الذي تحبه والذي تشتاق إليه، ومن هذا نفهم أن حب الأوطان مبدأ لا بُدّ أن يرسخ فى الأذهان، إذا أردنا أن نتكلم عن المُواطَنَة .

 

والمُواطَنَة كفكرة يكثر الكلام عنها، لكننا نريد أن نتبين واقعنا فى مصر تجاهها، ومعروف أن مصر حرصت على الاهتمام بتعزيز المُواطَنَة وترسيخها بين عموم أبناء الوطن، دون النظر إلى اللون أو الجنس أو الدين، وتبوّأت هذه المكانة فى ضوء توجيهات القيادة السياسية وحرصها على فكرة المُواطَنَة، وعلى رأسها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وإذا أردنا أن نتحول من الإطار النظرى إلى التجسيد العملى، سنجد ان العالم كله شاهد وضع حجر الأساس لبناء مسجد الفتاح العليم جنبًا إلى جنب مع كنيسة ميلاد المسيح- عليه السلام-، فى العاصمة الإدارية الجديدة، وتم افتتاحهما معًا من القيادة السياسية فى آن واحد، وألقى كلمة افتتاح الكنيسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، فيما ألقى الكلمة فى المسجد قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكنيسة المرقسية، هذه الرسالة تعنى للعالم أجمع أن هذه هى مصر بقيادتها وشعبها.

 

ومن هذا الواقع علينا العمل لأن تصل مفاهيم المُواطَنَة للصغير والكبير، فمصر هذه البلد المعلوم والمعروف عبر التاريخ، كتب لها الحفظ والصيانة؛ لأن الله تعالى قال "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".

 

لم يؤمن الله فى بلاد الحرمين إلا بيته الحرام، ألم يقل عنه "ومن دخله كان آمنا" وقال تعالى عن مصر "إدخلوا مصر إن شاء الله آمنين"، إذًا مصر بلد الأمن والأمان، والذي ينبغى علينا أن نعتز بها معًا، والأزهر الشريف يعلم ما قامت به الكنيسة المصرية على مر العصور، ويُقَدّر لها هذا، وأيضًا الكنيسة المصرية تعلم ما يقوم به الأزهر الشريف، وهى أمور تؤدى إلى رأب الصدع، وتؤدى إلى التعايش والوحدة، ومن هذا المنطلق كان هذا موضوع "بيت العائلة المصرية" والهدف الأساسى منه، وهو المحافظة على النسيج الوطني بين أبناء مصر .

 

رئيس التحرير: وفيما يخص التصدى للفتوى؟

 

ما قام به الإمام الشافعى فى مذهبه عندما كان فى مصر ومذهبه فى العراق، فهذا ينبئ عن سعة الشريعة الإسلامية لشتى الآراء، وتأكيدًا على مبدأ التعددية والحوار .

 

الإمام الشافعى عندما جاء إلى مصر وجد أن طبيعتها تختلف عن طبيعة العراق، وهذا يؤدى إلى أن الفتوى تختلف باختلاف المكان والزمان وطبيعة الأشخاص واختلاف الوقائع، واختلاف الأئمة فى فتواهم يُعَد رحمة، وشريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان، واعتناق رأى معين والقول بأنه ما جاءت به الشريعة، منبع التشدد، ولا يكتفى باعتناقه بل يفرضه عليك، وقد يعتنق هذا الرأى عن جهل .

 

مارسيل سمير
مارسيل سمير

 

رئيس التحرير: المُواطَنَة تعنى أن لكل مواطن حقوقًا متساوية، والأديان السماوية مصدرها إله واحد وقيم واحدة، والخَلل هو الفهم المتطرف من كل الأطراف؛ لأنه ناتج عن أشخاص وسلوك بشرى وجزء منه مصطنع نتيجة تدخّل أطراف خارجية، وجماعات إرهابية، ومنظمات فى الخارج، وإذا كنا نتحدث عن أرض الواقع كيف يكون هناك تمييز ايجابى للمرأة والشباب والمصري فى التشريعات البرلمانية، وكيف تستطيع تنسيقية شباب الأحزاب أن تكون نموذجًا قادرًا على النزول إلى الشارع حتى يكون التمثيل النيابى له تمثيلًا فى الشارع؟

 

النائبة مارسيل سمير: أولًا أقدّم كل تحية لحضور الندوة.. ثانيًا المُواطَنَة هى المساواة بين الرجل والمرأة، وعدم التمييز باللون أو الجنس أو العرق، والتساوى بين المواطنين تحت مظلة الدستور واحترامه، وتطبيق القانون على حد سواء، ونحن كشباب أمامنا تحدٍّ كبير جدّا؛ لأننا تجربة تحت العدسة، ولو نجحنا فسوف نكون قادة جيل، ولو فشلنا فسوف يكون فشل جيل، هذا التحدى يجعلنا دومًا تحت ضغط.

 

والمُواطَنَة لها أبعاد كثيرة، منها بُعد سياسى ويعنى المشاركة، ونحن ككيان شبابى حريصون على أن يشارك الجميع فى العمل العام، فكلما شارك الشباب أكثر كان المجتمع أنضج، وأصبح لديه قبول للآخر وارتقى أدبيّا وفكريّا وسياسيّا، ونحن كنموذج يدفع لأن يكون هناك مشاركة للشباب بجميع تنويعاتهم المختلفة دون تمييز، ونعمل كلنا يدًا واحدة، بالإضافة إلى أننا نهتم بالثقافة والعمل على تأكيد قيم الشخصية المصرية، وكيفية العودة للجذور وإعادة الهوية القومية فى التعاملات بين المواطنين، وأنجزنا ورقة عن الهوية موجودة حاليًا على الموقع الإلكترونى للتنسيقية.

 

بالإضافة إلى الحرص على النظر للبُعد الاجتماعى من خلال العمل على مواجهة الفقر؛ لأن الفقر والجهل يخلقان التطرف، ولدينا لجنة تتابع التغيرات على النماذج التي تم نقلها من العشوائيات إلى المدن الجديدة.

 

ياسر شوقي
ياسر شوقي

 

 

رئيس التحرير: كيف تتسع الدائرة لكى تنتقل التجربة إلى الشارع، ورصد ثغرات الواقع وإصلاحه عن طريق رؤية تشريعية.. هل نزلتم إلى أرض الواقع ورصدتم نبضه، وهل يمكن أن يتسع عمل التنسيقية بشكل أكبر؟

 

النائبة مرثا محروس: أنا دائمًا أرى أن موضوع المُواطَنَة متجدد ما بين قديم وحديث، طالما اجتمع أهله على حب هذا الوطن، وبداية أسجل اختلافى فى الرأى مع المفكر كمال زاخر بخصوص اعتراضه على تنوع التعليم، فليس هناك منطق لأن نلزم جميع المواطنين بنوع معين من التعليم، فهناك من يرغب من أولياء الأمور فى تعليم أبنائهم فى مدارس خاصة أو أجنبية، الفيصل هو أن يكون هناك ثبات فى المناهج التي ترسخ للمواطنة واحترام الدستور والقانون والمشتركات بين أبناء الوطن.

 

كما أن فكرة المُواطَنَة هى فكرة مَعنية بكل من يعى مفهوم المواطن المصري؛ سواء كان مسيحيّا أو مسلمًا، له كل الحقوق وعليه نفس الواجبات تجاه الوطن طالما التزم بما نص عليه الدستور، هذا ما يردده دائمًا الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، ولذلك لا بُدّ من العمل على كلمة المُواطَنَة على عدة مسارات، منها المسار التشريعى الذي يعد الدستور أساس الحديث عنه؛ لأن الدستور  نص على آلية وعلى قانون ملزم يكفل للمواطن كل الحقوق والواجبات.

 

أمّا المسار الثانى؛ فالكل على هذه الطاولة يعرف أهمية المشاركة السياسية من أجل بناء مفهوم المُواطَنَة بأسلوب صحيح، ودائمًا ما تحاول القيادة السياسية بذل الجهود، ولا أعنى بالقيادة السياسية الرئيس «عبدالفتاح السيسي» فقط، ولا القيادة التنفيذية، بل أعنى كل القيادات المسؤولة عن المواطنين، فنيافة الأنبا أرميا يمثل قيادة، وفضيلة الشيج محمد زكى يمثل قيادة، و"روزاليوسف" تمثل قيادة، وهذا دعم لفكرة المُواطَنَة دون قصد، وبالتالى فإن ترسيخ مفهومها من قيادات المجتمع هو مسار سياسى وإيمان بالمشاركة.

 

أما المسار الثالث؛ فهو المسار التربوى التعليمى، الذي تمثله هذه الندوة حاليًا لإعلاء مفهوم الوطن فقط لا غير، وهذه النوعية من ندوات المَحَبّة تعى هذا المسار.

 

لدينا ثلاثة مسارات وإذا استطعنا العمل عليها بوعى ونضج وبرسالة واضحة؛ فسوف يكون لدينا مواطنٌ صالحٌ، وقالها أرسطو: "مواطنٌ صالحٌ خيرٌ من فرد صالح"، وشتان بين المواطن والفرد؛ لأنه من السهل أن أكون فردًا فى مجتمع لكن من الصعب جدّا أن أخلق مواطنًا صالحًا يعى دوره وواجباته ويلتزم بها ويسعى لتحقيقها، وبالتالى فإن المُواطَنَة هى المَمَرّ الوحيد الذي يضمن ترسيخ مبدأ الولاء والانتماء، وهذا ما يفتقده الوطن، وأعتقد أننا إذا قمنا بعمل استبيان فى الشارع لمعرفة كم عدد الشباب الذي يريدون الهجرة فسوف نجد نتيجة مزرية؛ لأن الجميع يفتقدون معنى الانتماء، وإذا استطعنا ترسيخ هذا المفهوم بداية من النشء فسوف نحصد نتيجة فى المستقبل؛ خصوصًا أن لدينا شبابًا لا يعلم واجباته ومن ثم لا يعلم حقوقة بسبب نقص الوعى، وتنسيقية شباب الأحزاب نموذج لفكرة المواطنة السياسية بما تحويه من تنوع سياسى على أرضية مشتركة وطنية.

 

رئيس التحرير: درسنا فى علم المنطق عدم تعميم الأحكام والأستناد على إحصاءات ولا يوجد ما يدعم القول بأن الشباب يرغب فى الهجرة،  ولا يمكن أن نقول إن الشعب الذي جمع 63 مليار جنيه خلال أيام معدودة للمساهمة فى تمويل حفر قناة السويس فاقدٌ للانتماء، وعندما تصاب مصر بأى أزمة يتحول الشعبُ إلى صخرة تزداد صلابة كلما كان الطرق عليها أقوى، والتاريخ يثبت ذلك، مثل ما حدث فى 1973، وقتها قيل إن الشعب كفَرَ بالدولة لكنه عاد وانتصر واسترد دولته وتحمّل الأعباءَ ليصل إلى مرحلة البناء، والآن فى أزمة "كورونا" لدينا تنمية اقتصادية ونمو نادر الوجود فى أى دولة عربية، فى حين سقطت دول كانت تصف نفسَها بالعظمَى، ولهذا دعونا نخرج بعلاج وتشخيص دقيق للعرض كى نعالجه، ونسأل هل نالت المرأة المصرية حقوقها فى السنوات القليلة الماضية بتوليها منصب الوزارة، وما هو المعيار؟

 

النائبة مارسيل سمير: نحن كأحزاب نحتاج لتأهيل كوادر نسائية؛ خصوصًا أن البرلمان الجديد به 148 نائبة، والسابق شهد 87 نائبة، بعضهن ظهر وقدّم مَخرجات جيدة بسبب تدربهن فى العمل العام، ولا بُد من العمل على زيادة المشاركة فى سَنّ القوانين والتشريعات، والعمل بمجالات العمل السياسى والمدنى، الذي يقوم بدوره فى رفع الوعى وتثقيف الناس، وهو دور مشروع ومهم، ومنه تخرج الكوادر السياسية والحزبية التي تحتك بالعمل السياسى، وتحقق التكامل بين المجتمع المدنى والأحزاب بما يصب فى مصلحة تأهيل الشباب والمرأة للعمل السياسى.

 

ولذلك ومع حلول انتخابات المحليات يجب أن يكون هناك تمثيل للمرأة؛ حصوصًا أنه لا توجد كوادر نسائية تغطى النسب المطلوبة لخوض الانتخابات المحلية، وهناك أحزاب تحدد نسبًا محدودة لتمثيل المرأة، ولذلك يجب أن يكون العمل على تأهيل الفتيات والسيدات على العمل السياسى أكبر مما يتم حاليًا،  وهو ما يحتاج إلى رفع الوعى بمشاركة جميع المُؤَسَّسَات؛ سواء سياسية أو إعلامية أو ثقافية، وأيضًا الأحزاب.

 

رئيس التحرير: كلمة المُواطَنَة مشتقة من الوطن الذي يعيش فيه الإنسان، بمعنى أن له حقوقًا وعليه واجبات، وعلى نقيضها نجد التطرف والإرهاب، وهناك جيل من النشء إن جاز التعبير، لا يعى قيم المُواطَنَة، وهذا  رُغْمَ دور الأزهر الشريف والكنيسة المصرية فى الحث على قيم المُواطَنَة؛ فإننا لا نرى على أرض الواقع ما يُظهر التسامح، مثل العمل على تنظيم فعاليات وندوات فكرية وثقافية تبثها وسائل الإعلام للمساهمة فى إذابة جليد الفكر، وتكافح التطرف الفكرى والإرهاب، وماذا عن دور الكنيسة فى الاشتباك الفكرى مع الناس فى الشارع، وفى المنتديات الشبابية وقصور الثقافة، ماذا عن دور المركز الثقافى القبطى ومدى تفاعله مع الناس؟

 

الأنبا أرميا: الحقيقة أننا ننزل إلى الناس ولا ننتظر أن يأتوا إلينا، بالإضافة إلى أن المركز الثقافى الموجود بالكاتدرائية ويترأسة البابا تواضروس الثانى، مفتوح للمسيحيين والمسلمين على السواء، ونتعاون مع أكاديميات تتعامل مع الشباب وذوى الهمم، ونعمل مع الأسر المصرية، ونعلمهم كيفية التعامل مع الأطفال من ذوى الهمم، ونتعاون أيضًا مع جامعات داخل القاهرة و خارجها فى كيفية التعامل معهم، وتعليمهم وتثقيفهم، وأيضًا مع الأزهر الشريف، كما نعمل على التثقيف من خلال إتاحة مكتبة لاطلاع لكل الباحثين والدارسين وزوار المركز.

رئيس التحرير: نعطى للزملاء الكلمة للتعقيب والأسئلة.

ياسر شوقي
ياسر شوقي

 

 

ياسر شوقى: الانسجام بين جميع أفراد المجتمع من أهم مقومات المُواطَنَة، وفضيلة الشيخ محمد زكى قال : "كلنا مصريون"، والدكتور كمال زاخر تحدّث عن التعليم والثقافة وأهمية الوعى، ولو حدث الانسجام بين جميع أفراد المجتمع بشكل حقيقى فلن يستطيع أحد من خارج الوطن أن يتدخل بين نسيج المجتمع، فكيف يتم هذا الانسجام، وكيف نحققه؟

 

الأنبا أرميا: هذا الانسجام يحدث من خلال تطبيق الدستور والقانون والتشريعات، وتحدثت عن ذلك النائبة مرثا محروس، وكل ما ذكر  يرسخ لتكوين الدولة المدنية.

 

زين ابراهيم
زين ابراهيم

 

زين إبراهيم: وماذا عن التعليم والثقافة فيما يخص الطفل؛ خصوصًا أن هناك بروتوكول تعاون بين الكنيسة المصرية ووزارة التربية والتعليم فى تنظيم مسابقات ثقافية، وعمل أبحاث تحث الأطفال على حب الوطن، وتعليم الأخلاق التي تدعو إليها جميع الأديان حتى يتربى أطفالنا على علاقات حميد بينهم؛ ليكون لها دورٌ  عندما يكبر، فما هو دور تنسيقية شباب الأحزاب فى مثل هذه الفعاليات والأنشطة؛ للحث على الانتماء وحب الوطن والمشاركة السياسية وعدم الهجرة؟

 

 

 

 

النائبة مرثا محروس: نحن نناقش ونعمل على تفعيل أى مقترح يرفع وعى الشباب والأطفال، وانتبهنا لهذا الدور جيدًا مع النشء؛ خصوصًا أن الأطفال يواجهون حروب الجيل الرابع والتطور التكنولوجى، وبالتالى أرى أن وزارة التربية والتعليم استوعبت هذا الدور جيدًا، وعملت على تصحيح وتنقيح المناهج التعليمية بما يضمن خروج طفل سوى مجتمعيّا، من خلال إضافة مناهج لها علاقة بالسلوكيات والأخلاق، مع الاهتمام بالرياضة التي تعتبر كنزًا كبيرًا جدّا من خلاله نستطيع تشكيل أطفال واعين وأسوياء على المستوى الإنسانى والنفسى، بالإضافة إلى العمل مع الأطفال باعتبارهم النبتة الأساسية لتكون نبتة متينة ومستديمة، وذلك بآليات حكيمة وواعية تضمن وجود شباب فاعل مجتمعيّا، يمكن أن ينضموا إلى أحزاب تضخ على كل المستويات الفكرية، لكن هناك للأسف إشكالية تتمثل فى قلة تنافسية الأحزاب، وهو ما نحاول أن نطمسه فى التنسيقية، فلا يوجد حزبٌ أوحد فى مصر وكل حزب له رؤيته وأيديولوجيته التي كلما كان سريعًا وفاعلًا فى تطبيقها كان حزبًا قويّا. 

 

الشيخ محمد زكى: استفدتُ كثيرًا من هذا الحوار المثمر والبنّاء؛ خصوصًا من الأخ الأكبر الدكتور كمال زاخر بفكره الواسع الذي يرمى إلى مدَى أبعد من واقعنا، ونحن جميعًا كمجتمع مصري نحتاج إلى تكاتف جهود جميع المُؤَسَّسَات المَعنية بالإنسان فكرًا وثقافة ووعيًا، وقد قال رب العالمين على لسان سيد المرسلين "وما كادهم أحد"، وهذا يُطمئنا على أن لمصر حصانة ربّانية، ولا أحد يستطيع تركيعها لغير الله لا محليّا ولا دوليّا؛ بل سيتأثر كل أعدائها بأخلاقها وتاريخها وحضارتها الضاربة فى ضمير التاريخ الإنسانى منذ آلاف السنين، وكما قال قداسة البابا شنودة "مصر وطن يعيش فينا"، ومصر وطن يعيش فى وعينا وقلوبنا وضميرنا وأرواحنا، والبلد الأوحد الذي شاءت العناية الإلهية أن يكون موطنًا للتوحيد، فتجلّى الله على سيدنا موسى فى طور سيناء، ومن هذا الجبل الأعظم بارك الله مصر بكل فئاتها وطوائفها؛ بل وبخيراته التي ادخرها فيها وجعلها خيرات لكل العوالم، وبارك شعبها وجيشها ونيلها وثمارها وزروعها وبساتينها.

 

وبالتالى نحن كمصريين لابد أن نكون جميعًا على قدر هذا التشريف الذي منحنا الله إياه، وجعلنا من هذا البلد الطيب الذي قال فيه عز وجل "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" وأن نكون على قدر ذلك منسجمين عطاءً ووفاءً وعمًلا وقدوة للأجيال، لكن للأسف كلنا مقصرون إلا من رحم ربى.  

محسن عبدالستار
محسن عبدالستار

 

محسن عبدالستار: لقد ذكر الأنبا أرميا واستشهد بنماذج ومواقف وطنية بين الأزهر والكنيسة، فماذا عن تنمية الوعى بمفاهيم المُواطَنَة مع عامة الناس، وكيف يتحقق ذلك الآن من خلال دُور العبادة والأحزاب؟

 

الأنبا أرميا: ما قلته هنا يقال داخل الكنائس والكليات والمعاهد التي تدرّس المسيحية، وعندما نُدعَى فى أماكن عامة للتحدث عن المُواطَنَة أو فى لقاء يخص دور الأزهر والكنيسة نقول الكلام نفسه، وكنت فى لقاء مع منظمة خريجى الأزهر حول العالم بصحبتى الدكتور محمد الأمير، وكنا نقول هذا الكلام؛ لأننى لا بُدّ أن أعطى المَثل بالواقع الذي حصل وكيف نقتدى به.

 

النائبة مرثا محروس: عندما نتحدث عن تجربة حزب حُماة الوطن الذي أنتمى إليه لم تكن هناك لجنة مواطنة، وتقدمت بدراسة لتأسيس أمانة للمواطنة ورفضت فى البداية لأسباب منها أن سنّى صغيرة، وكان الأمر غريبًا، لكنى ثابرت وألححت إلى أن تم إنشاء أمانة للمواطنة بالحزب على مستوى الجمهورية، وبَعدها بــ 3 سنوات أصبح لدينا معايير معينة لاختيار رئيس أمانة المُواطَنَة، ومن يرأسها، وعملنا على تصحيح مفهوم المُواطَنَة فى كل محافظات الجمهورية، واستطعنا من خلال الشباب المتطوع تنظيم دورات تدريبية فى 6 محافظات على مدار يومين على نفقتنا الخاصة، بواسطة خبراء متطوعين أمثال الدكتور كمال زاخر، بغرض تثقيف وتوعية الشعب.

 

النائبة مارسيل سمير: عملنا من خلال شباب حزب التجمع على رفع وعى الشباب بأهمية المُواطَنَة من خلال كتب الدكتور رفعت السعيد والدكتور ميلاد حنا، ولدينا فعاليات تقام كلها على أساس المُواطَنَة، وليس لدينا أحد يعمل على أساس التفرقة بين أحد، ولدينا مهرجان للأفلام القصيرة تعمل على تثقيف الأطفال والشباب، ونناقش قضايا اجتماعية ومدنية.  

عادل عبدالمحسن
عادل عبدالمحسن

 

عادل عبدالمحسن: هل سألنا أنفسَنا لماذا يرغب الشبابُ فى الهجرة، فى حين لم يكن لدينا تفرقة بين مسلم أو مسيحى وكنا نسيجًا واحدًا، ما هو السبب فى البعد عن المُواطَنَة؟ وما هو دَور البيت فى تشكيل وعى الأطفال، وحث الشباب على الانتماء وحب الوطن، ودور القيادة الدينية فى التعامل مع الظواهر التي تشير إلى عدم الانتماء أو الرغبة فى الهجرة، وكيفية التعامل مع الأولاد والشباب؟

 

وهل الخطاب الكنسى وخطاب رجل الدين للرعيّة وللمواطن الذي يدخل ليسمع عظة فى الكنيسة نابع من احتياجات اجتماعية ووطنية، أمْ محفوظ، وهل هم مدربون على تحقيق هدف المُواطَنَة؟ 

 

الأنبا أرميا: هذا الكلام حقيقى، وما قدمته النائبة مرثا محروس حقيقى؛ لأن الجيل القديم غير الجيل الحالى، والأسرة لها دَور مهم فى توعية الأولاد وتنشئتهم، ولم يكن هناك اهتمام كبير بتوعية الأطفال، وفى المقابل توجد حروب تكنولوجية تعمل على تفريغ الأسرة من قيمها مع انشغال الأب فى البحث عن لقمة العيش، لكننا فى الكنيسة نهتم بالأطفال، وهناك عظة الأحد للأطفال والشباب مع خطاب دينى ليس محفوظًا لكن يناسب المجتمع والعصر الحالى، وهو ما نبّه عليه البابا تواضروس أكثر من مرّة، وفى الوقت نفسه ننبّه على الأهالى أن يناقشوا أولادَهم فيما يحصلونه فى العظة لمعرفة مدَى استيعابهم، وحثهم على التركيز.  

محمد هاشم
محمد هاشم

 

محمد هاشم: أين دور الأزهر من تأهيل الداعية القائم بالاتصال ليكون قادرًا على مخاطبة الجمهور باهتماماته وبالقضايا التي تجعلة مرتبطًا بمجتمعه، ويكسب قيمة مضافة من خطب المساجد؟ 

 

الشيخ محمد زكى: الإجابة تحتاج إلى ركنين أساسيين لا ثالث لهما، الركن الأول هو البيت، المكون الأساسى للنشء بَعد فطرة الله التي فطر الناس عليها "لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون"، فهذا الدين الذي جاء به سيدنا نوح وسيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وسيدنا عيسى، وحضرة النبى محمد- صلى الله عليه وسلم-، البيان الإنسانى المُعبر عن الالتزام والوفاء والانضباط لحركة الحياة بقوله: "مثلى ومثل الأنبياء قبلى كمثل رجل بنَى بيتًا فجملة وكمّله إلا موضع لبنة فى زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون إليه ويقولون لولا وُضعَت هذه اللبنة، فيقول أنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين"، فالأصل فى النشء أنهم مكتملون، الخير فيهم من الله عز وجل ذاتى، والشر عارض عليهم، والخير يؤصل من البيت أو يُعدى الولد بالعدوَى السيئة؛ لأن خلائق السفهاء تُعدى، فالأب والأم هما الأساس الأول فى تأسيس الولد، وترسيخ القيم التي أنشأه ربنا عليها وخَلقة بها، يأتى بَعدها المدرسة والمسجد والشارع والجامعة، وما فتح لنا من قنوات فضائية بها الغث والسمين إلا من رحم ربى. أمّا الجانب الثانى؛ فهو الخطاب الدينى، يجب ألا نظلم أنفسنا أو نظلم مجتمعنا بما ندّعيه وهمًا؛ لأن الخطاب الدينى الربانى فيه تطور ذاتى ربانى؛ لأن الذي شرع للأجيال لم ينسَ بقية الأجيال حتى تقوم الساعة، وهو ربٌّ واحدٌ، والمقصد من إرسال الدين والرسل هو مقصد واحد، فالروح التي تبعث فى الحياة والأحياء بعثًا متحققًا يحقق لهم سعادة الدنيا من عدل وأمن وسلام وعطاء متمثل فى الخطاب الدينى الربانى المتجدد للأجيال، لكن الآلية والأسلوب يحتاج إلى تطور يناسب الزمن، والوطن.

 

ولذلك فإن الخطاب يجب أن يعتنى بالناس جميعًا، وأن تعتنى كل المُؤَسَّسَات والوزارات بالمؤسَّسَة الدينية المتمثلة فى الكنيسة المصرية وفى الأزهر الشريف اعتناءً يحقق المراد من الخطاب الدينى؛ لأنه يحتاج إلى تعانق كل المُؤَسَّسَات المَعنية بالتربية والتعليم والثقافة والإعلام والشباب والرياضة، وأن نكون على قلب رجل واحد، لتنشئة الشباب الصاعد، وجعله جيلًا مبدعًا معطاءً لله والوطن.

 

السيد علي
السيد علي

 

السيد على: وماذا عما ذكره الدين فى حقوق المرأة وحقوق الإنسان، وما ذكره الدين الإسلامى من مواقف تحث على المُواطَنَة؟

الشيخ أحمد فتحى: عرفتُ المُواطَنَة منذ نشأتى دون ممارسة أو تعلم من أحد، وجدتها فى أسرتى، وجدت أبى وجدى يعرفان حب الجار المسيحى، وورثت ذلك عنهما إلى يومنا هذا، وأنا دائم الزيارة لدير الأنبا شنودة بسوهاج، واستقبلنا فيه قداسة البابا شنودة، وجلسنا معه طوال الليل حتى أنهى اجتماعاته، وعندما جاء البابا تواضروس جلسنا معه وقتا طويلًا، وكذلك الأب ويصا- رحمه الله- وكان رجلًا طيبًا.

 

أمّا الآيات التي تحث على المُواطَنَة في القرآن الكريم فقد قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، وقوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا"، وقال: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"، والرسول- صلى الله عليه وسلم- حث على المُواطَنَة فى قوله: " خَيرُكُم خَيْرُكُم لأهْلهِ، وَأَنَا خَيْركُم لأهلى"، وقد جاء الإسلام ليؤكد هذه المعانى العظيمة فى حياة الناس جميعًا، وشرائع الإسلام تؤمن بالله وبرسله وباليوم الآخر، ولا نفرّق بين أحد من رسله.

 

من الكتاب الذهبي

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز