عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

علاء حُموده يكتب: البرلمان الأوروبي والمصريون.. توتر «عابر» ولكن!

علاء حموده
علاء حموده

وسط غيوم توتر تلبد سماء العلاقات المصرية– الأوروبية على خلفية تصويت البرلمان الأوروبي، الجمعة، لصالح مشروع قرار ينتقد «أوضاع حقوق الإنسان» في مصر، ومع ما لقيه هذا القرار «الصادم» من ردود فعل رسمية وشعبية غاضبة، إلا أن موجات الاستنكار المتتابعة من الأحزاب والنقابات والبرلمانيين والمجتمع المدني المصري لم تتخل عن ردود فعلها التقليدية في مثل هذه التوترات، وتحولت- على مدار الأيام الثلاثة الماضية- إلى نوبات صراخ جماعي في غرفة مغلقة معزولة الحوائط، تتجه بخطابها السياسي إلى الداخل المصري دون أدنى تأثير خارجي، بل وتسقط- في معظمها- الحقائق الحاكمة لحسابات المصالح في العلاقات بين الجانبين على ضفتي البحر الأبيض المتوسط.



 

قد يكون من المفيد المضي خارج حدود هذه الغرفة المعزولة، وإعادة قراءة المشهد عبر التأكيد أن قرار البرلمان الأوروبي «غير الملزم» قد حمل في أبرز بنوده دعوة إلى «إجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر»، وهي توصية لن تلقى السمع والطاعة من دول الاتحاد مجتمعة، والتي تحكمها تباينات في تقديرات وحسابات المصالح، فيما يجمعها رؤية موحدة لمصر كدولة إقليمية كبرى ذات تأثير على الإقليم والمنطقة ومساحات تحرك فاعل على المسرح الدولي.

 

وعلى نحو أكثر تخصيصا، فإن علاقات مصر بجيران الشاطئ الآخر من المتوسط تدور في فلك مصالح استراتيجية وحيوية لأمن المنطقة والإقليم، واعتماد متبادل رسمي مع الجانب الأوروبي منذ عقدين ونصف العقد، ورغم أن قرار البرلمان الأوروبي هو أحد الانعكاسات السلبية لهذا الاعتماد المتبادل، فإنه يخضع في الغالب لتسويات تدار في غرف التفاوض المغلقة وعبر هواتف الدبلوماسية الساخنة، وفق ثلاثة محددات رئيسية:

 

الأول: على الصعيد السياسي، وعلاوة على دور مصر الإقليمي التقليدي والتاريخي في كافة ملفات المنطقة (فلسطين، العراق، لبنان....)، وما أدركه العالم خلال العقد الأخير من أهمية استقرار مصر لأمن المنطقة، فإن العصب الرئيسي لعلاقة مصر مع الاتحاد الأوروبي هو التعاون البناء في مكافحة الهجرة غير الشرعية واللاجئين والحرب ضد الإرهاب، بما يعني أن أي تغير ولو طفيف في توازن هذا النمط التعاوني للعلاقة سيكون مغامرة غير محسوبة ومحفوفة بالمخاطر.

 

والنقطة الجديرة بالاهتمام، أن أزمة الهجرة غير الشرعية التي تكابدها أوروبا، وتنتهك خلالها حقوق المهاجرين واللاجئين على حدود الدول الأوروبية، كانت في قلب جولات الحوار المؤسسي المصري مع الاتحاد الأوروبي منذ عامين، وكان الترحيب الأوروبي معلنا بعدم خروج أي مركب هجرة غير شرعي من المياه الإقليمية المصرية بين العامين 2016 و2018، بعد أن ساد أوروبا التخوف من تحول مصر إلى دولة انطلاق للهجرة غير الشرعية.

 

وقتذاك، انعكس هذا التقدير على ردود الفعل التي واكبت مباحثات قادة الاتحاد الأوروبي بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية في سبتمبر من العام 2018، بل وأقر المستشار النمساوي سيباستيان كورتس حينذاك بأن «أوروبا في حاجة إلى شريك قوي وصارم كمصر»، ووصف تقرير لقناة «دويتشة فيله» الألمانية الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنه «طوق نجاة للأوروبيين في أزمة اللاجئين».

 

وفي ملف مكافحة الإرهاب، معلوم حجم التنسيق الأمني والاستخباراتي في هذا الملف بين القاهرة وبروكسل والذي يرتبط بأمن شمال إفريقيا، واتخذ زخما خاصا بعد الثلاثين من يونيو العام 2013 مع التحديات التي فرضتها الموجات الإرهابية التي ضربت مصر وأوروبا، والمفارقة أن يصدر قرار البرلمان الأوروبي بعد أيام قليلة من ترؤس مصر والاتحاد الأوروبي الاجتماع الثالث لمجموعة عمل بناء قدرات دول شرق إفريقيا، المنبثقة عن المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب. حول «إدارة أمن الحدود».

 

المحور الثاني: على الصعيد الاقتصادي، لن يضحي الاتحاد الأوروبي بمليارات الدولارات من التبادل التجاري المرتبط بربع قرن من الشراكة الاقتصادية تحت لواء «الأورومتوسطية» أو «الاتحاد من أجل المتوسط»، وما قادت إليه من توقيع اتفاق المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي في 25 يونيو 2001، وصادق عليها البرلمان الأوروبي.

 

منذ ذلك الحين تزايد زخم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين، وأصبح الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لمصر، وارتفع حجم التبادل التجاري مع دوله الـ(28) خلال النصف الأول من عام 2019 بنسبة 13% إلى 14.2 مليار يورو مقابل 12.5 مليار للفترة المماثلة من 2018، بحسب تقرير صادر عن وزارة التجارة والصناعة، كما أن حجم الاستثمارات الأوروبية في مصر يقدر بـ15.1 مليار دولار، وفق تقديرات رسمية.

 

لكن، وفي ظل هذه الحقائق، لم تتغير لغة الخطاب التقليدي في الداخل، إذ وعلى سبيل المثال اكتفى بيان نقابة تجاريي القاهرة الذي عبر عن التحفظ والرفض لقرار البرلمان الأوروبي، واعتباره «تدخلًا سافرًا غير مقبول في الشؤون الداخلية لمصر» دون كلمة واحدة أو حتى إشارة عابرة إلى الشق الاقتصادي والتجاري في العلاقة بين القاهرة والاتحاد الأوروبي، وهي زاوية تتداخل مع صميم اهتمام النقابة، ويجعل رسالة البيان مجرد كلام مرسل لتسجيل موقف.

 

الثالث: على الصعيد الثقافي، ومع الاعتراف بالحقائق التاريخية والارتباط الحضاري بين مصر والجانب الأوروبي منذ دخول الإسكندر الأكبر مصر في العام 332 ق.م، فإن التواصل بين مصر والاتحاد الأوروبي على هذا الصعيد لا يزال قائما، ويكفي أن نذكر حجم التنسيق بين السفير كريستيان برجر رئيس وفد الاتحاد الأوروبي ومؤسسات الثقافة المصرية والراسخة، ومباحثاته مع رئيس مكتبه الإسكندرية الدكتور مصطفى الفقي والدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وحسبنا أن ننقل إشادة برجر باستئناف مصر تنظيم أنشطتها الثقافية والفنية بنجاح وفق إجراءات احترازية مشددة في الوقت الذي توقفت فيه مسارح العالم، كما أن مصر ستكون منصة رئيسية في برنامج إقليمي سيطلقه الاتحاد الأوروبي يحمل عنوان «داير ما يدور».

 

وسط هذه المحددات الحاكمة للعلاقة، وفي مركز مثلث المصالح بين الجانبين المصري والأوروبي، يبقي ملف حقوق الإنسان هو الأكثر حساسية، باعتباره جوهر التوتر القائم، وهي مسألة ربما تجرى مناقشتها في غرف الدبلوماسية المغلقة، خصوصا أن تداول هذه المسائل في الخطوط الساخنة للدبلوماسية يكون على نطاق أوسع ووفق فهم أشمل، ويطرح مواءمات بين مفهوم السيادة الوطنية وقضايا الأمن القومي والمصالح الاقتصادية، ويكفي الإشارة إلى تقرير (الكتاب الأسود) الذي رفعته منظمة مراقبة العنف على الحدود (BVMN) إلى البرلمان الأوروبي مؤخرا، مستندا إلى نحو 892 شهادة عن العنف والإعادة القسرية غير القانونية للمهاجرين على حدود الاتحاد الأوروبي الذين تعرضوا للضرب أو السرقة أو إتلاف متعلقاتهم الشخصية وتمت مهاجمتهم بالكلاب.

 

ومع محورية العلاقات المصرية– الأوروبية، فإن القدر المتيقن من الصواب أن التصويت الأوروبي هو «رسالة سياسية خشنة» أكثر منها تحركا عنيفا مناهضا للقاهرة، وبقدر محدودية تأثيرها المتوقع على جوهر علاقات وتفاعلات يحكمها اعتماد متبادل منذ 25 عاما، إلا أنها تحتاج فقط إلى جهد منظم ومساند للدبلوماسية الرسمية، وتحركات من البرلمانيين والأحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدني المصري لتنقية الأجواء، عبر لقاءات مع الفاعلين الرئيسيين في دول الاتحاد الأوروبي ووسائل الإعلام الغربية، تهدف إلى عزل هذا التوتر وتفتيت الجبهة المناهضة لمصر برسائل متزنة ومنطقية يفهمها الغرب، وتركز هذه الرسائل على محددات العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، ولا بأس من تغيير السلوك المستقبلي لهذه الجبهة المضادة لمصر بتقديم بعض الحوافز الرسمية على صعيد حقوق الإنسان بما يعزز الموقف المصري، والأخير هو ما أتوقعه بقوة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز