ابن البواب
بقلم: ياسمين منصور
دقات جرس مطولة.. هذه التي تدق بيتي يومًا بعد يوم.
- الزبالة.
- حاضر.
- أتفضل..
بعد إذنك.
لم يكن هناك دموع ولا أفئدة مقتلعة، وبالرغم من ذلك أفكاري باتت شجرة ألتفت حوله.
ابن جديد.. بواب جديد.. وطفولة مهدرة تبلغ من العمر تسعة قطوف
ما ذنب طفولته الفانية على أكياس القمامة ورؤية واستنشاق ما لا يَسُر!
طفولة مقتصرة على اللعب مع أبناء بوابين آخرين، أو من هم دون المستوى الاجتماعي
طفولة مشتتة بين تفاصيل بيتهم وتفاصيل بيوت رُبُوب الزبالة!
ألعابه وألعابهم.. حلواه وحلواهم.
مدرسته ومدرستهم.. هكذا سقط بدون شفقة في بئر شفقتي.
على أعتاب الذاكرة بين الطفولة والمراهقة تلك اليافعة تنتقل من مرحلة عمرية إلى أخرى، وكذلك بيت آخر.
محل إقامة جديد بإحدى القرى.
سكن بالإيجار مؤقت حتى ينتهوا من بناء بيت لهم.
ذلك البيت الذي يقتل ميلاده قطعة أرض زراعية جديدة، كعادة هذه البلدة التي تُرسل الموت لحقولها.
شُيدت حوائط بيت الحقل، واكتمل عمر المخالفة العقارية.
هم يتركونك حتى تُنهي البناء، ومن ثم يأتون بالمخالفة لهدمه..
تلك المخالفة التي تجعلك من البداية تستكمل البناء جالبًا لها.
موظفو الحي اليوم يؤدون الواجب المهني.. جعل بيتك أرضًا مرة أخرى.
من تحايلات الأهالي على القانون وجودهم داخل البيت قبل الهدم، لكي تدون بأنه يقطنه أسرة، ومن ثم يجب أن تنتقل الأسرة إلى البيت والعيش بالفعل فيه كدليل لعدم تملكهم لأي منزل آخر، ليتمكنوا من عمل المصالحة وبناء البيت من جديد.. بناءه وهم بداخله.
عام دراسي جديد، وخمسة أشهر كل ما تمتلكه الصغيرة من ذكريات بهذه البلدة شغف، حماس، اجتهاد دراسي.. هم ملامح وجهها.
منزل جديد تحت الإنشاء وحياة دراسية غامضة.
تألق من الحصة الأولى واسم يصدح في أرجاء المدرسة.
تساعدها والدتها في ارتداء ملابسها.
بينما تعتلي أفكارها لتقود السحاب.
أنا مجتهدة.. أنا أصبحت مجتهدة في الدراسة أكثر مما كنت عليه في مدرسة القاهرة.
أنا جميلة ومختلفة.. الجميع يردد هذا وأنا أشعر به.
معجبة بولد يبادلني الشعور ذاته.. أحب أمي وأبي.
وهذا المكان الجديد لا أحتقن من وجودي به مثل أختي..
أشعر بأنه تميمة حظي.
شعور بالتألق يجعلها ليست فقط تركب السحاب بل تقود حركته في العالم.
أيام وأيام..
وهواية حل مسائل رياضية بين الحصص..
- هو انتو صحيح بيتكم مفيهوش سقف؟
ترد غصة الحلق بدلًا منها.
- إزاي يعني مفيهوش سقف.. أمال عايشين إزاي!
- لا أقصد سقف زي ده كده "مِسلح".. أنا سمعت أن بيتكم سقفه خشب
تضاءل المال.. تأخر السقف كثيرًا.
هذه البناية لها سقف جيد.
هذا البيت يتكون من خمسة طوابق.. يعني خمسة أسقف.
بيت جدي كبير وسقفه كبير جدًا.
لم يتوقف ذهنها الصغير، منذ ذلك اليوم عن اقتلاع كل الأسقف، وحملهم معها للبيت.
البيت ذو السقف الخشبي.
الإنسان.. الإنسان الذي يفسد على غيره كل شيء.
ابن البواب سوف يكون محمد، أحمد، مينا أو لا شيء.. لا يهم
وابن البواب لفظ لا يدل على أي شيء.
طفل كباقي الأطفال "صغير"، وشاب كباقي الشباب، كبير وكهل كباقي الكهول.
حياته لها جوانب أخرى تسعده وليس بالضرورة أن يكون متضررًا مما عند غيره، ولا يملكه أو واعٍ من الأساس بأن هناك فروقًا طبقية.
سوف تمضي حياته على هذا المنوال حتى يتدخل الإنسان يجعله واعيًا بما لدى الآخرين، وليس لديه.
يوجه رقبته لما بعد حوائط بيته.. ما تحتويه حوائط أخرى.
يظل متساويًا مع غيره.. سعيدًا وراضًيا إلى أن يبتلعه جهل الشفقة من الأكرم.
أو يُصنف يُظلم يُذل يُهان من الأخبث.
ابن البواب ليس عنوان كتاب أحداثه مجدولة.
هو - أيضًا- لديه أشياؤه البسيطة السعيدة.
الجميع رُزق من الحياة جانبيها.. الجميع لديه الحزن والسعادة خاصته.
ابن البواب لا تجوز عليه الشفقة.. يجوز عليه – فقط - أن ندعه وشأنه.
جوجل نيوز
