عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الصحافة الورقية قضيتي .. لماذا؟  "6"

المدفع والمطبعة مسيرة وطن

الصحافة الورقية قضيتي .. لماذا؟ "6"

قبل أن أبدأ فى الدخول إلى مُعترك مَقالى لزم التنويه بأن تعبير (المدفع والمطبعة) استعرته من موسوعة تاريخية لتأصيل مسيرة الصحافة الورقية من 1798 حتى 1999 قام بدأب وتفانٍ فى تعقبها  والبحث فى أغوارها الشاب الصحفى الواعد بحق «محمد توفيق» فى ثلاثية مُجزّأة لمراحل تاريخية مهمة فى  مهنة المتاعب والبحث والتقصى.



 

استخدم الصحفى الباحث  محمد توفيق (المدفع والمطبعة) واصفًا مجىء نابليون بونابرت على رأس حملته  لغزو مصر عسكريًا وثقافيًا بَعد أن أخذ من الإسكندرية مَقرًا أرسَى على شواطئها بوارجَه الحربية للاستيلاء على مصر كاملة وصَوَّرَ له عقله النابليونى بأنه بالمعدات العسكرية الحديثة سيخيف الشعب والآلة الثقافية سيجهز عقول المصريين  بما يريد أن يضعه من معلومات يستخدمها لصالح غزوته التي باءت بالفشل، حتى بعد أن اتبع أساليب الأنثروبولوجيين الأوائل التي كانت تستخدمهم الحكومات الاستعمارية فى معرفة العادات والتقاليد وقبلهم الدين، الذي هو محور الشعوب، حتى يمكنهم التحكم والاستيلاء على أراضيهم ومواردهم وثرواتهم من باب أنهم مثلهم يتبعون ما يُحبون وما يؤمنون به.

 

لكن شعب مصر الذكى الفطن كان دومًا طاردًا للغزاة محتضنًا لكل ما يمكنه الاستفادة به من هذا الغازى الذي جاء أرضَه طامعًا فخرج يجر أذيال الخزى والانكسار، فى اصطحاب  (المدفع والمطبعة) الذي كان المراد به غزو الأرض والعقل المصري صار معناه عند المصريين له فلسفة مختلفة تمامًا، فرأى الواجب أن يكون لديه (مدفع) آلة الحرب الحديثة آنذاك ليدافع عن الوطن، وأيضًا آلة الدفاع عن الموروثات الثقافية للشعب وتناقلها لأنها ستعد العقل لاستخدام المدفع وتأتى له بكل جديد من المعارف عن حضارته وعن ثقافات الآخرين من الشعوب ليمكنه التعامل معهم وفهم نواياهم.

 

الجيش والصحافة

عندما نقرأ تاريخ الصحافة الورقية نجد التحديات لاتزال مستمرة مستخدمة تطورهما فى الأداء، ولكن المعنى باقٍ (المدفع والمطبعة) هما (الجيش والصحافة) بكل ما تعنى الكلمة، وعندما غضب الشعب المصري من الجيش نتيجة (نكسة يونيو 67) غضب أيضًا من الصحافة التي لم تقل مانشيتاتها له الأمر بوضوح من البداية، وقبل ذلك عندما دخل العرب معركة 48 مع إسرائيل من أجل فلسطين كشفت الصحافة المصرية التي كانت الرائدة فى المنطقة العربية طرُق الخيانة العالمية وتراجع الحكومات فى تسليح الجيوش العربية، والأكثر الأسلحة الفاسدة التي قتلت ضباطًا وجنودًا مصريين بدَل أن تقتل الأعداء، وفى حرب 56 كانت الصحافة قد أعدت الشعب قبلها بمانشيتات نارية مهمة فى تاريخ أول جمهورية أنه (التأميم) للشريان الحيوى الاستراتيجى المهم الذي هو المطمع حتى الآن (قناة السويس)، وأعقبها تأميم لحق الشعب فى الحصول على حصته من الأموال الرأسمالية المستغلة لهم دون مقابل، ولذلك تطوَّع الشباب المصري مُدافعًا عن حقوقه مُتضامنًا مع الجيش لصَدّ العُدوان الغاشم بالبارود والكلمة معًا، وفى عام  73 حيث النصر المُبين فى أكتوبر العظيم تتحدث صُحُفنا ناقلة الخبر من على خط النار بكل شفافية؛ ليفرح الشعب (بقوة المدفع وصدق المطبعة)، تلك المسيرة المتلازمة لم تكن أبدًا تكاملية، بل متوازية فى خَطين جنبًا إلى جنب لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر.

 

المطبعة التي تمثل العقل الواعى الثقافى تريد من المدفع أن يقف بجواره يحميه لينشر رسالته ويقوم بواجبه فى الوعى والاسترشاد، والمدفع يريد من المطبعة أن توضّح دوره وتُظهر أهميته وأعماله ليلتف حوله الشعب فى ثقة واطمئنان، يا لها  من ثنائية بينها تناغُم وانسجام، ولكن تناسَى البعض أن أصحاب هاتين المهنتين يربطهم عامل أساسى مشترك يجب توفيره لهما على السواء، إنه (الروح المعنوية) التي تشجعهم وتشد من أزرهم ليكونوا الصف الأول المُدافع عن الأرض والعرض والحضارة، يحتاجون لمن يقول لهم (أحسنتوا) وأزيدوا من عملكم وتضحياتكم وأعطوا الوطن أرواحكم بنَفْس راضية لأنها مهمتكم التي كلفناكم بها ووضعناها على كاهلكم.

 

الجيش والصحافة احترافية قتالية الأدوات فيها مختلفة، لكن الهدف واحد (صيانة الدولة الوطنية) وتذكير الأجيال الشبابية من الشعب بها والتأكيد على معناها واجب حتمى وضرورى للحفاظ على الوطن، ولكن هل يجوز أن يكون هناك عطاءٌ دون عرفان بالواجب الذي تقوم به، هذا ما نطلق عليه حق الاحترافيين فى هذه المهن العسكرية والصحفية بإعلاء حقهم فى العطاء ليبذلوا مزيدًا من التفانى، يجب على الشعب والحكومات أن تعظم فى أدوارهم، وفى الوقت نفسه يؤاخذهم إذا أخطأوا، وألا تنال من أحدهما لأن ذلك سينتج عنه خلل جسيم سيرمى معناه إلى هدم وليس بناء وإلى انسداد فى مسيرة التطوّر والحَداثة..

 

الألفية الثالثة وخطة تفكيك المدفع والمطبعة

كما أوضحتُ فى الحلقات السابقة لقضيتى عن الصحافة الورقية أن الخطة التي أعدت للإجهاز على الصحف القومية حتى تصير (كسيحة) بدأت من عام 2002، وبشائرها  كانت على عدة مراحل منظمة، أولها ضخ أموال للقيام بأول بوابة إلكترونية تغزو هذا العالم فى مصر عبر أموال خاصة جعل منها صحافة خاصة، وعن طريق  النشر السريع اخترقت كالصاروخ الصحافة الورقية، ولكن لم يكن حليفها التحقق من الخبر، وبعدها تعددت الصحف الورقية الخاصة بأموال أغلبها تمويل خارجى وأطلقوا على أنفسهم «صحف مستقلة» ونعتوا القومية بأنها مقيدة تابعة للدولة لا تعمل لمصلحة الشعب بل نظام، وبالنظر للمخطط نجد أنه رُغم أن السائد وقتها هو اندثار الصحف الورقية؛ فإن كل ما صَدر  كان ورقيًا وليس إلكترونيًا فيما عدا البوابة الأولى (اليوم السابع) والتي تداركت المؤسَّسات القومية هذا الإلكترونى بعد وقت قصير، فكانت بوابة الأهرام لتساير هذا الاختراق الخاص، ثم توالت البوابات القومية، ولكن بشكل متباطئ وغير حديث.

 

المهم؛ وكما أوضحت سابقًا؛ أن أصحاب رءوس الأموال المتوحشة والمُحتكرة وقتذاك أوحت للدولة بأن الورقى إلى زوال فى الوقت الذي كانوا يعدون العدة للاستيلاء على المؤسَّسات القومية الصغرى بتراب الفلوس ليمتلكوها بمطابعها ليقيموا عليها صحافتهم الخاصة لمناطحة الدولة بعد أن أوحوا لها بأن لديها ثلاث صحف كبرى تكفى للتعبير عنها وأن تستعوض المؤسّسات الصغرى الذين سيستولون عليها ببوابات ومواقع إلكترونية؛ لأنها لغة العصر وليس الورقى، هؤلاء الذين روّجوا لاندثار الصحف الورقية  هم الذين أمسكوا  بتلابيبها وامتلاكها ليتوسّعوا فى صناعتها واستحداثها لخدمة أغراضهم الاقتصادية والإجهاز على المجتمع لتحطيمه ويصير تابعًا لهم يقتات من فتاتهم.

 

وفى الوقت الذي كان العويل الأسود يجهر بـ(يسقط يسقط حكم العسكر) كان أيضًا يولول على الصحافة القومية ويردد: (تسقط تسقط الصحافة القومية وإعلام الدولة)، ومثلما ذهبوا يقفون بغباء القطيع أمام مبنى وزارة الدفاع، جروا أيضًا وبيدهم الشوم والأحذية يقذفون الصحف القومية ويريدون الإجهاز على كل ما فيها من مطابع وصحفيين على السواء، ومثلما وقف الضابط والجندى يدافع عن عرينه العسكرى، وقف الصحفيون ممسكين بأقلامهم يحمون مطابعهم بأجسادهم حتى لا تنال مؤسَّساتهم من غدر الخائنين والأوغاد، ولم يكتفوا بهذا، بل استدعت  المطبعة المدفع ليحميها فلبّى النداء وجاء منذرًا ومتوعدًا لأى من كان للاقتراب من عرين أصحاب الأقلام ودرع الشعب لحمايته من الزور والبهتان.

 

هكذا بدأت الألفية الثالثة بمخطط كيف نفكك المدفع ونقضى على المطبعة لتصل إلى صورتها البشعة فيما حدث2011  معتقدين أنهم لو تمكنوا من فعل هذا سيكون الأمر سهلاً للإجهاز على الدولة والشعب..

(يتبع)

 

من مجلة روزاليوسف

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز