طارق الشناوى
(وحيد حامد).. أحب الله فحبب فيه خلق الله
(أمشى فخورًا أنك أبى) هكذا لخصها المخرج الشاب مروان وحيد حامد فى كلمتين، اختصرها يحيى الفخرانى بكلمة واحدة (الأفضل)، بينما قالت لى الإعلامية منى الشاذلى: (إنه أكبر من أن نُطلق عليه صفة كاتب كبير أو سيناريست كبير أو مفكر كبير، أو مناضل كبير، أو حتى إنسان كبير).
الحقيقة أن كل هذه الصفات وغيرها تجسّدت فى وحيد حامد، أصبح يكفينا وزيادة أن نقول وحيد حامد حتى نكتشف حضور قيم الحق والخير والجمال، أحب السينما فأحبته السينما، أحب الناس فأحبه الناس، أحب الله فحبب الله فيه خلق الله.
هل مسموح لوحيد بما هو ليس متاحًا لغيره، هل الدولة تسمح له بهامش مقنن من الحرية فى الانتقاد، مقابل أنه سوف يمرر بين السطور أفكارها؟، هل هو مع الدولة قلبًا وقالبًا أم أنه معارض شرس كما يبدو فى العديد من أفلامه ومقالاته وأحاديثه؟ المتربصون يعتبرونه صوتاً للسلطة، تضمن أن أفكارها عن طريقه تصل إلى وجدان الناس لتتبنى قضاياها، فهو يتلقى منهم المطلوب ويعرف بالضبط ما هى الرسالة المعلنة وأيضًا المضمرة، لكى يمنحها بفكره وقلمه دائرة جماهيرية أوسع؟ إلا أنك تكتشف مثلاً أن العديد من الوقائع التي كنا شهودًا عليها، تكذب تلك الادعاءات، مسلسل (العائلة) مثلاً الذي واجه مبكرًا فى منتصف التسعينيات، التطرف الدينى وعنف الجماعات وغسيل المخ لاقى من الدولة فى البداية عنتًا ورفضاً رقابياً قبل أن تسمح بتداوله.
وحيد يستشرف فى (طيور الظلام) الصراع القادم بين المجتمع المدنى الذي نحلم به والحكم الدينى، الذي كان متربصًا بنا فى زمن مبارك، ليعتلى الإخوان الحكم بعد ثورة 25 يناير 2011 قبل أن تسقطهم، الإرادة الجماهيرية الشعبية فى 30 يونيو 2013، أراد الإخوان الانتقام من وحيد وقرروا إقامة دعوى قضائية ضده فى العام الأسود الذي امتلكوا فيه زمام السلطة فى أيديهم، فأشهر فى وجههم الجزء الثانى من (طيور الظلام)! ولم يكن فى الواقع لديه مشروع، لجزء ثانٍ، هو أساسًا ضد مبدأ استثمار النجاح للجزء الأول، ولكنه فقط أراد أن يرد عليهم بطريقته، فهو لم يتراجع عن موقفه مع تغير السلطة، شاهدنا البعض وهو يهادن، بينما وحيد واجه سلطة غاشمة، حدث ذلك فى عز سيطرتهم على مقدرات الوطن.
«وحيد» قرر خوض المعركة حتى النهاية، فهو لم يكتب فقط أفلامًا استثنائية، صار قسط وافر منها أيقونات فى تاريخنا السينمائى، ولكنه صاحب فكر قبل أن يكون صاحب فيلم، لو كان هو صوت السلطة، ألم يكن من الأضمن له، حتى يتمتع بحماية السلطة أن يردد أفكارهم، لم يكن أحد يدرى حقًا متى ينتهى الكابوس، بينما وحيد ظل فى موقعه مدافعًا عن مصر المدنية، ولا يزال يرصد كل التفاصيل ويواجه كل السلبيات التي تتربص بنا، لم تستطع أى سلطة تدجينه، نعم منحوه على مدى أربعة عقود من الزمان، أرفع الجوائز فى الدولة، إلا أنه كان قبلها قد رصّع صدره بأعز وأنقى وأطهر جائزة وهى الاحترام الذي يحظى به من رجل الشارع البسيط.
نعم نختلف معه أحيانًا، وكاتب هذه السطور وقف على الشاطئ الآخر بين الحين والآخر أكثر من مرة مع عدد من أفلام وأفكار وحيد، ولكن وعلى غير عادة من يطلقون على أنفسهم مثقفين، يستقبل وحيد كل الآراء بقدر من المرونة، ونلتقى بعدها على مائدته الدائمة فى الفندق المطل على النيل، وبرغم (الكابيتشينو) الممتع الذي أحتسيه، وأصر أنا فى نهاية النقاش على موقفى، بينما هو يصر على دفع الحساب.
(أمشى فخورا أنك أبى) مروان وحيد حامد، (وحيد الأفضل) يحيى الفخرانى، (أحب الله فحبب فيه خلق الله) تلك هى الحكاية!
من مجلة روزاليوسف