عاجل
الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

لواء عبدالرحمن محروس يكتب: واحد شاي وصلحه

لواء عبدالرحمن محروس
لواء عبدالرحمن محروس

في إحدى  ليالي الشتاء الدافئة بلسعة برد تقشعر لها الابدان ٠٠ جلست وصديقي العزيز على أحد الكافيهات في وسط البلد لنتناول ما لذ وطاب من مأكولات بحرية وحلو شرقي بالمكسرات ونحتسي المشروبات الباردة والساخنة ، ثم تنتهي الجلسة  بألم شديد في الجيب الخلفي للبنطال الذي ارتديه، ويختبئ فيه تحت حراسة مشددة المحفظة الموقرة ، والتي دائما ترفع الراية البيضاء قبل نهاية الشهر بعشرين يوما ٠٠



وفى تلك الاثناء وتبادل اطراف الحديث مع صديقى، دخلت علينا سيدة طويلة القامة عريضة المنكبين ، عليها وقار واحترام ملابسها ما بين ملابس الغني والفقير، ثم طلبت في صوت خافت مبلغ عشرة جنيهات ، لكي تستكمل ما معها من النقود  لتشتري لطفلتها قطعة جاتوه كرغبة ملحة من الطفلة ، وواضح تماما عليها الصدق والأمانة  والخجل الشديد ، وعلى الفور قام صديقي بإعطائها المبلغ المطلوب ، فأخذته وهي سعيدة جدا وكأنها امتلكت الدنيا ، وذهبت للمحل المجاور للكافية لتحقيق حلم نجلتها ، في ذلك الوقت شعرت بمرارة الحرمان وكسرة النفس وإخفاق في القلب ، ثم توجهت لهذا المحل ، ووجدت السيدة تهب لشراء قطعة الجاتوه ، وتقابلت مع الكاشير وسددت الثمن المطلوب ووضعت مبلغا من المال في العلبة التي سلمها إليها البائع، وأخذتها والسعادة لا تفارق وجهها وكأنها استلمت عقد شقه في مدينتي او ارض في الساحل ،بينما نحن نلهث ونلعب في النوادى و الكافيهات ونصرف ببذخ شديد دون حساب رغم احتياجنا وصعوبة الحياة لزوم المنظرة والفشخرة  ٠٠ ولكن دار في خلدي اشياء كثيرة جدا وانا أنظر الي تلك السيدة دون أن تلاحظني ، أن كثيرا من الآباء والأمهات بل معظمهم يعتقدون ان إسكات وإرضاء أطفالهم دائما تكون بتقديم الشوكولاتة والحلو َوما سُكر ، دون أن يدروا انهم يقدمون السم لفلذات أكبادهم ٠٠

 

فتذكرت مذكرات رئيسة الحكومة الإسرائيلية "جولدا مائير" حينما قالت لجماعتها إنها مطمئنة على بقاء إسرائيل في فلسطين ما دام السكر بين أيدي العرب وأكبر نجاح لنا هو إدخال السكر في كل استعمالاتهم ، فقالوا لها لقد فضحتي سرنا ، فكان ردها للأسف "لا تخافوا العرب لا يقرأون" وكما قال موشيه دايان إن العرب لا يقرأون ، وإذا قرأوا لا يفهمون ، وإذا فهموا لا يستوعبون ، وإذا استوعبوا لا يطبقون ، وإذا طبقوا لا يأخذون حذرهم . 

 

إدخال السكر الأبيض إلى الشعوب العربية فهو بمثابة المخدر ومعطل العقول ويجعل الشخص تابعا ومدمنا له. وكما هو معروف أن السكر الأبيض له إدمان أقوى من إدمان المخدرات،  وهو الطعام المفضل لكل البكتيريا الضارة والطفيليات والديدان المعوية وحتى الحشرات ، ولجميع الامراض السرطانية .

 

 وأكدت الأبحاث العلمية أنه يستحيل على الشخص الذي يتناول السكر أن يكون سعيدا !! بفعل تعطيل عمل هرمون السيروتونين المسؤول عن السعادة وتأثيره السلبي على توازن كل المعادن في الجسم خاصة المغنيزيوم الضروري لكل الأعضاء والدماغ بشكل خاص ، فالسكر حلو ولكن مميت .. فهو القاتل الصامت .

 

ومن هنا أصبحت إسرائيل تحارب العرب بأسلوب سحري دون أن تحرك عسكري او دبابة أو طائرة او تنفق دولارا واحدا ٠٠ فكانت إسرائيل اول مستعمرة أبدعت وخلقت فكرة حروب الجيل الرابع وامتداده للجيل الخامس منذ الستينات قبل أن يعرف العالم بأسره كلمة جيل الحروب ،  وقد أشار اليها الجنرال الصيني "صن تزو" في كتابه "فن الحرب"، إذ يقول: "أن تخضع عدوّك من دون قتال، تلك قمّة المهارة.. فحرب الجيل الرابع: هي الحرب غير المتماثلة ، التي لا تكون بين جيش وآخر، أو صدام مباشر بين دولة وأُخرى ، تَستخدم فيها الدولة كل الوسائل والأدوات المتاحة ضد الدولة العدو لإضعافها وإنهاكها وإجبارها على تنفيذ إرادتها دون تحريك جندي واحد، حيث تستخدم فيها الإعلام والاقتصاد والرأي العام وكل الادوات المادية والمعنوية وحتى تستخدم مواطني الدولة المستهدفة ضدها .

 

أما حروب الجيل الخامس كما جاء في كتاب( التفكيك الساخن) للكاتب الكبير إبراهيم الشهابي .. هي حرب يتم فيها احتلال عقلك لا احتلال ارضك .. وبعد ان يتم احتلالك ستتكفل أنت بالباقي.. ستجد نفسك في ميدان معركة لا تعرف فيها خصمك الحقيقي ... انها حرب ستطلق فيها النار في كل اتجاه ... لكن يصعب عليك ان تصيب عدوك الحقيقي اقرأ مقالي( فصل أولى خامس) ، وبعد أن ننتهي من خطورة حروب الجيل الرابع وامتداده للجيل الخامس ٠٠ ماذا نحن كعرب فاعلون ٠٠ فإن أية خلافات أو اختلافات بين الدول العربية في وجهات النظر فهي مؤقتة وسرعان ما تختفى ، ولا يمكن لمصر أن تقبل بأية مضايقات لدول المنطقة ، ولا تقبل أيضا بوجود جماعات ”إرهابية“ من حروب الجيل الرابع والخامس سواء على ارضها والوطن العربي بأكمله  تنفذ مخططات إقليمية أو تهديدات عسكرية ضد دول المنطقة ودول الخليج ، وأن أحد أهم المعادلات المصرية الرئيسية في إدارة التوازنات الإقليمية تتمثل في الحفاظ على أوضاع المنطقة  وقواها، دون أي إخلال بها .

 

إن أمن مصر يمتدّ من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب وكما قال الرئيس السيسي هدية السماء لمصر "مسافة السكة"، ليست بالعبارة المستهلكة ، وستظل حاضرة في التعامل مع المنطقة العربية (اقرأ مقالي مفهوم الامن القومي وعلاقته  بأمن الخليج) ٠٠ ثم وجدت السيدة تنصرف بكل هدوء وسعادة من محل الجاتوهات وهي مجبورة الخاطر ٠٠ ثم تذكرت كيفية جبر الخواطر ، وتبادر الى ذهني أن التقرب الى الله ماهي إلا العبادة فقط بالصلاة والصيام وبر الوالدين وصلة الأرحام وغيرها من العبادات ، ورغم عظم شأن هذه العبادات وكبير فضلها إلا أن هناك عبادات أصبحت خفية  .. ربما لزهد الناس بها وغفلتهم عنها ، وأجر هذه العبادات في وقتها المناسب يفوق كثيراً أجور العبادات والطاعات ، ومن هذه العبادات عبادة "جبر الخواطر" .

 

وجبر الخواطر خلق دينى عظيم ، يجبر الانسان فيه نفوساً كسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت وأرواح أشخاص أحبابهم أزهقت ، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها ٠٠ ثم عدت الي صديقي العزيز ووجدت ان الكاشير وضع الشيت على المنضدة ، ونظرت إلي المبلغ المطلوب فأخفق قلبي وتعثر لساني فجلست حتى أهدأ ونظرت الي صديقي العزيز وجدته وكأنه من بنها ، وينظر الي السماء يعد النجوم ويتحلى في جمال القمر ، وتأبي عيناه أن تنظر أبدا إلى الشيت ، وكأنه محرم دوليا مثل غاز السارين ، وغاز الطابون ، وغاز سومان ، وغاز الأعصاب والفسفور الأبيض الذي استخدمته إسرائيل في حربها ضد غزة ،"حيث يحظر القانون الدولي استخدام الفوسفور الأبيض ضد المدنيين في مناطق مكتظة وآهلة بالسكان" .. ثم دفعت ثمن الشيت للكاشير ، وشاورت لأحد السرفيسات المكسرة والتي لاتحمل لوحات معدنية ،واستقللته  وذهبت توا لمنزلي بمنطقة العشوائيات ،والتي خلق من رحمها الإرهاب والمتطرفون وأعتى عتاة المجرمين ، فالعشوائيات بطالة ، هجرة ريفية ، اختناقات مرورية مواصلات مزدحمة ، قمامة منتشرة في الشوارع ، شباب غير واع لا يعرفون من الحداثة وما بعدها سوي المقاهي وقاعات البلياردو والبلاي ستيشن ، طوابير مزدحمة أمام المخابز، ولحوم معلقة أمام محال الجزارة يتسابق اليها الذباب والحشرات وتكاثرت ، لا تجد من يلتفت إليها بسبب أسعارها الباهظة ، الآلاف من الباعة الجائلين في كل شارع يفترشون الطرق بكل غباء ولا يبالون .. فتلك المناطق «العشوائية» عبارة عن بؤر شديدة التخلف على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية ، لارتفاع معدلات البطالة والأمية والكثافة السكانية بشكل لا يمكن تخيله ، ويقيمون مساكنهم من العشش سواء كانت من الصفيح او الخشب ، واذا اقاموا مباني خرسانية تتم بدون ترخيص وتبني بطرق ومواد غير صالحه ومخالفه لشروط الترخيص ، لم يراع فيها بطبيعة الحال شروط الصحة العامة كمياه الشرب والصرف الصحي فعادة ما تكون البنية الأساسية والمرافق والخدمات فيها غير سوية لحياة كريمة لأنهم يعيشون حالة من الحرمان الشديد من أبسط مقومات الحياة العادية ، يعانون من المياه الجوفية والقمامة والظلام وتسرب مياه المطر للمنازل وانتشار الحشرات والقوارض والأمراض والحرائق والبطالة والإجرام والأمية ، فتحولت العشوائيات إلي مأوي رئيسي للأعمال غير المشروعة مثل تجارة المخدرات والسرقات وحيازة الأسلحة غير المرخصة والدعارة ، فأصبح هذا الفساد المنتشر في تلك المناطق حاضنا للإرهاب ،وتشير الحوادث الإرهابية والتطرف والفتن الطائفية الى خروجها من تلك المناطق ، بدءا من أحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء أواخر حكم السادات، وتبعتها أحداث مماثلة في منطقة الوايلي ، وأحداث أسيوط عام 1981 عقب اغتيال السادات ، وتبعتها أحداث الفتنة بالمرج ، وبعدد من القرى والريف المصري مثل أحداث الكشح ودار السلام بسوهاج .. إلا أنه كان يبدو من الصعب القضاء على ظاهرة العشوائيات»، حتى جاء الرئيس السيسي رجل المخابرات من الطراز الأول، الذي يعرف بكل وضوح وشفافية حجم تلك الظاهرة ومدى خطورتها وتأثيرها على الامن القومي المصري ، فعمل بكل احترافية ومهنيه في سبيل القضاء على العشوائيات والمناطق الشعبية.

 

وتعددت المشاهد والمواقف التي أثبتت اهتمام الرئيس السيسي بالفقراء والمطحونين والمهمشين ، وأنهم شغله الشاغل ، ووضح هدفه الأسمى في توفير حياة كريمة لهم ، وبناء مساكن جديدة آمنة في بيئة نظيفة وانتشالهم من وباء العشوائيات ، إلى القضاء على الأمراض التي تواجههم ، ليكون «السيسي» منقذ المصريين ومحقق الآمال والطموحات في القضاء على العشوائيات بشكل نهائي ، ويتبنى فلسفة ومنهجا جديدا في ملف تطوير العشوائيات ، حيث اطلق الرئيس ثورة للقضاء على العشوائيات بعدما كانت ملفا مغلقا، وهو شيء تاريخي لم يسبق لأحد أن قام به ، فالدولة انفقت مليارات الجنيهات في هذا الصدد ، حيث انتهت من تطوير العديد من المناطق العشوائية ومازالت مستمرة بشكل  منقطع النظير.

 

لذلك كان الرئيس متابعا ومقتنعا بأنه لن تقوم مصر إلا بتطوير المناطق العشوائية لقطع دابر الإرهاب وتجفيف منابعه .. اقرأ مقالي (الإرهاب – والعشوائيات – زواج كاثوليكي ).. وأخيرا نسيت أودع صديقي العزيز الي الابد ، وحدثت نفسى وقلت ليتنى كنت جلست على مقهى بدل الكافيه ووضعت رجلا على رجل وناديت على الأسطى وطلبت منه .. واحد شاى وصلحه .. ودفعت جنيها مصريا فقط لاغير.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز