عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
مبادرة لا للتعصب
البنك الاهلي
التعصب والعنف المعاصر وفنون التسلية

التعصب والعنف المعاصر وفنون التسلية

كلما لاحظت مظاهر العنف والقسوة في عالمنا المعاصر، وفي مشاهد الحياة اليومية، خاصة المشاهد الأخيرة ذات الطابع العنيف في فرنسا والنمسا.



وملاحظات الإقبال المذهل على شراء الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل تأمين الذات والدفاع عن النفس.

 

وخطابات التطرف ذات الطابع المفاجئ، اشتعال لموجات غضب، إعادة صنع مئات الأقنعة السياسية والدينية وخطابات المثل العليا للحرية، وهى أقنعة كثيرة تخفي ثوابت المجتمع الإنساني المعاصر، والمشتركات الثقافية الأساسية والتي جاهد المجتمع الإنساني لسنوات طويلة للتوافق عليها، مما يؤثر بوضوح على حدة مظاهر التطرف وبروزها واضحة ذات أهداف قريبة وبعيدة، تهدد السلام الشخصي في مدن عديدة عبر العالم.

 

وكلما لاحظت هذه المشاهد العنيفة، تذكرت فنون العنف والتسلية ذات الانتشار المعاصر اللانهائي.

 

ويعود في تقديري هذا الأمر لتوتر ما في المشتركات الإنسانية والروحية، أزمة روحية ذات طابع وجودي، في ظل غياب التأثير الثقافي الفعال، عبر تراجع القراءة العميقة للكتب، وعبر تراجع الإعلام التقليدي المكتوب والمسموع والمرئي في نشر الثقافة الرفيعة، وانتشار تداول الكتابات والرؤى المبسطة سبه القاطعة ذات الرأي الواحد المتسلط والمكتفي بذاته وغير المعرفي في معظم وسائل التواصل الاجتماعي، وتفهم الدوافع الجديدة للأفراد وللجماعات التي تنزع نحو عدم التواصل مع الآخرين وغياب قبول الآخر.

 

مظاهر تأتي مضادة لثقافة التعدد، وهى جوهر المدن الناجحة في كل أرجاء المعمورة التي باتت قرية واحدة.

 

تعاظمت فيها بوضوح سيطرة فنون التسلية القائمة على العنف والجنس والضحك الخشن، ندرة واضحة في المسرح والسينما والدراما التليفزيونية في الأعمال ذات الطابع الإنساني المخاطب للروح، إيقاعات الموسيقى الصاخبة العنيفة، صور العنف المتوالي، مساحات الاستقطاب الإعلامي، غياب المسرح المعنى بروح الإنسان، غياب شبه تام للرقة والمحبة في الصناعات الإبداعية، غياب الفن الجماهيري عن شرح القيم الإنسانية المشتركة، علامات صعود فنون التسلية تتواكب وتؤثر في الروح الإنساني القلق الذي يعاني ألمًا وجوديًا بعد أن غاب في التفاصيل والصور العنيفة، ولذلك فالعلاقة بين العنف والتطرف ذات صلة وثيقة بسيطرة فنون التسلية التجارية الكبرى، هذا ما أراه فرضًا صحيحًا ممكنًا.

خاصة مع حضور واحدة من أخطر المعادلات التاريخية في عالمنا المعاصر، وعلى وجه التخصيص يمكن ملاحظتها مع بدايات إنشاء الدول الحديثة في محيطنا الإقليمي، ألا وهي وضع الفن والثقافة في مواجهة الدين، وهي جزء مغلوط وملتبس وغامض تاريخيًا في علاقتنا بالحداثة بشكل عام.

 

وقد تمت إعادة إنتاجه بشكل واضح في فترات قريبة ليصبح صراعًا حادًا عالمي الطبع.

كما أن الصراع المفتعل الأشهر وهو الأكثر غموضًا، هو المقابلة المفتعلة بين الفنون بمعناها الجمالي والمعرفي والفنون بمعناها الجماهيري، بينما الأعمال الإبداعية الخالدة تجمع الصفتين معًا بمعنى أنها جمالية معرفية وجماهيرية معًا.

إن وليم شكسبير المؤلف المسرحي الأشهر يحمل صفة الكاتب الشعبي، رغم أن أعماله هي أكثر المصادر حضورًا في الدراسات الأكاديمية الدراسية ليس في بريطانيا فقط بل في العالم كله. مما يؤكد فساد هذا التضاد المفتعل.

كما أن النظر العابر لتاريخ الحضارات الإنسانية، يؤكد أن الفنون ولدت من رحم الديانات الأولى وعرفهما الإنسان الأول في إطار البحث عن تفسير للحياة، ثم حملت الديانات السماوية فكرة الاحتفاء بالحق والخير والجمال، وهى الأفكار الأساسية في عالم الفنون إلى أن ظهرت في أوروبا مع بداية العصور الوسطى مظاهر التعصب الديني المستند بفساد فنون التسلية واللهو في نهاية عصر الإمبراطورية الرومانية، فكان أن منعت كنيسة العصور الوسطى الأوربية الفنون.

ثم عادت الفنون وفي المقدمة منها المسرح من داخل الكنيسة ذاتها تدريجيًا لحين ظهورها الواضح مرة أخرى مع بدايات عصر النهضة.

 

وتكاد درجة الانفصال بين الفنون الجماهيرية وفنون النخبة وازدياد مساحات الفنون التجارية القائمة على العنف والجنس واللهو الخشن، الآن، في عالمنا المعاصر تحتل مساحات كبيرة يمكن أن تسمح للأفكار المتعصبة بالتمدد، بل ولإعادة إنتاج الصراع القديم والنفي المصطنع لتلك الفنون.

في تجربة الاتحاد السوفيتي الذي تم تفكيكه، وملحقاته في أوروبا الشرقية، تم آنذاك استبدال قسري للفنون الرفيعة محل انتظام العبادات الدينية، ولكن هذا أيضًا أثبتت التجربة التاريخية أنه مضاد للطبيعة البشرية، وقد عادت الكنيسة والمسجد في كل الدول المستقلة بما فيها روسيا الاتحادية مرة أخرى، وانهيار التجربة السوفيتية.

 

إذن لا يمكن استبدال الفن بالدين أو حرمان البشر من الفنون لصالح الممارسات الدينية.

ومع الرأسمالية المتوحشة وموجات صناعة الصور والأصوات اللانهائية حول العالم للاتجار باللهو والعمل على تعزيز غرائز الإنسان من الجنس والعدوان وبشكل تراكمي، يتم الآن استعادة تلك المعادلة المغلوطة القائمة على التضاد بين الدين والفن، بينما هما في مصدر واحد مرتبط مباشرة بالمبدع الأول الحي القيوم، خالق الكونن وهما مصدران لصناعة القيم والوجدان.

ولذلك فتلك الممارسات اليومية العنيفة حول العالم الآن هي انعكاس لوحشة الروح الإنساني واحتياجه لمبادئ الحق والخير والجمال.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز