مفتي الجمهورية: العالم الآن بأمسِّ الحاجة ليتعرف على تعاليم ديننا الحنيف وشرعه الشريف
السيد علي
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: "لا بد أن نعلم أن العالم الآن وهو في حيرته الفكرية وتعطشه الروحي بحاجة ماسة إلى أن يتعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم برحمته وبأنواره وبأخلاقه، فهو صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق رحمة وهداية للعالمين".
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها فضيلته خلال مشاركته في المؤتمر العالمي الافتراضي للاحتفال بالمولد النبوي الشريف بكالكوتا بالهند، بدعوة العالم الجليل الشيخ أحمد أبي بكر المليباري، الأمين العام لجمعية أهل السنة والجماعة بالهند.
وأضاف فضيلته في كلمته أننا نجتمع في أواخر شهر ربيع الأنور في حب رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وفي أنوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاحب الوجه الأقمر والجبين الأزهر والنور الأغر، ها هي القلوب تتآلف وتتحاب وتتقارب على بعد ما بينها من مسافات، وعلى اختلاف ما بينها من لغات، وعلى كثرة ما بينها من فروق، إلا أن حب الحبيب صلى الله عليه وسلم يجمعنا ويوحدنا حتى يرتقي بنا نحو سماء أخلاقه صلى الله عليه وسلم، ويسمو بنا في معارج شمائله الشريفة صلى الله عليه وسلم، وحتى تشملنا أنواره الشريفة فنحمل إلى العالمين رسالة الإسلام السمحة غضة طرية ومحجة بيضاء نقية، كما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمةَ عليها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وأشار إلى أن العالم الآن بأمس الحاجة إلى أن يتعرف على تعاليم ديننا الحنيف دينِ الإسلام الخالد وشرعه الشريف كما أنزله الله تعالى على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمحًا سهلًا مبرأً من تلك الصورة القاتمة الشائهة التي صدرتها للعالم كله جماعاتُ التطرفِ والعنف والإرهاب، حتى أضرت بالمسلمين وشوهت صورة الإسلام.
وأوضح أنه ونحن نحتفل بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، علينا أن نعتقد أن مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون مناسبة طيبة للبشرية كلها وليس للمسلمين وحدهم، لأننا إذا علمنا حقيقة هذا الدين وجوهر الرسالة المحمدية الخالدة، لأدركنا أنها رسالة خير ورحمة وسلام للبشرية كلها كما قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ولأدركنا أن الإسلام رسالة لا تحمل إلا الحب والخير والأمن والسلام والطمأنينة للبشرية كلها، ولسعينا بأقصى ما نملك من حب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبكل وسيلة وبكل لسان إلى أن نوصل للعالم كله تلك الصورة المشرقة الناصعة الجميلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأضاف أن مولده صلى الله عليه وسلم كان بدايةَ سطوع نور بدد ظلمات الشرك والظلم والجهل والقهر كما قال الله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام* يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)، وكان مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاصًا للبشرية من أغلال القهر والظلم التي كبلتهم بها يد الجهل والعدوان، وقيدتهم بها أوهام التحريف التي عبثت بالكتب المقدسة قبل مبعث النور المبين صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: (الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون).
وقال مفتي الجمهورية: "إن رسالة الحب والخير والنور التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنقاذ العالم من هذه الظلمات، كانت معالمهما واضحة من أول وهلة عندما أراد أهل مكة إثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواصلة دعوته إلى دين الإسلام فساوموه بالمال وأغروه بالملك والجاه، فقال كلمته الخالدة التي سطرها التاريخ بحروف من نور: (والله يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه)".
وأضاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سلك بالدعوة إلى الإسلام كل مسلك لين يجمع بين مخاطبة العقل والقلب معًا، فكان صلى الله عليه وسلم يتودد إلى أهل مكة بالكلام السهل الليِّن الذي يوقظ العقول ويحرك الأفئدة ويسطع بالأنوار والبراهين القاطعة وبالأدلة الدامغة وبالحجج البالغة، ولم يجد من صناديد مكة إلا الصد والتعذيب والأذى والمقاطعة والحصار الاقتصادي والإخراج من الأوطان ومصادرة الأموال والممتلكات، وقبل ذلك كله مصادرة حق الناس أحرارًا وعبيدًا في أن يعبدوا إلهًا واحدًا لا شريك له، وأن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن يتركوا عبادة الأصنام والأوثان من دون الله. ومع كل هذا فإن الله تعالى لم يعذبهم عذاب الدنيا ولم يخسف بهم الأرض بعدما سخروا من رسول الله واستهانوا بعذاب الله، وقالوا كما قال الله تعالى على لسانهم: (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم)، فجاء جواب الله تعالى في القرآن الكريم: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون). فشملت رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى من عانده ولم يؤمن به وسخر من رسالته ومن وعيد الله تعالى.
ولفت فضيلته إلى أن رحلة رسول الله في الدعوة إلى الله لم تخلُ يومًا واحدًا من تحمل الأذى والعنت، فهي رحلة طويلة شاقة جدًّا لأنه سيد أولي العزم من الرسل، وهم أشد الأنبياء ابتلاء في سبيل الله تبارك وتعالى، مؤكدًا أن قلب رسول الله صلى الله عليه لم يكن يحمل لكل من آذاه بقول أو فعل ولو للحظة واحدة إلا إرادة الخير وطلب الهداية، والسبب في ذلك أن الله تعالى نزع من قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم كل الأمراض التي تكون في قلوب البشر من ضغينة أو حب انتقام، لذلك ما قابل الأذى إلا بالعفو وبالصفح الجميل، كما روى ابن إسحاق وأصحاب السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا : خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء)، وما موقفه صلى الله عليه وسلم من رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول من ذاكرة التاريخ ببعيد ولا منسي، فقد كفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصه وصلى على قبره، رجاء أن يكون ذلك سببًا في نجاته من النار، على شدة إيذائه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشتى ألوان الإيذاء.
وقال مفتي الجمهورية: "لو ذهبنا نستعرض المواقف التي تدلل على جميل تسامح رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من آذاه من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين، لطال بنا المقام جدًّا، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن منشغلًا بالدفاع عن نفسه، لأن الله تعالى تكفل بذلك كما قال تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين) ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا على حراسة نفسه؛ لأن الله تعالى كفاه ذلك بقوله: (والله يعصمك من الناس)...لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغولًا مهمومًا إلا بإيصال رسالة الله إلى العالمين كما أرادها الله تبارك وتعالى".
وأضاف أننا نريد الآن أن نتحقق بقول الله تعالى فينا: (واعلموا أن فيكم رسولَ الله)، ونريد أن نحقق معية رسول الله فينا بإحياء دينه واتباع سنته، وبأن ننشر دعوته وأخلاقه في العالمين بالقدوة الحسنة والفعال الطيبة وبالأخلاق المحمدية الحميدة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، فاحترام العَالَمِ من حولنا لديننا ولنبينا صلى الله عليه وسلم نابع في أصله من حبنا واحترامنا واتباعنا لجنابه الشريف صلى الله عليه وسلم.
وعلق فضيلة المفتي في كلمته على أن بعضًا ممن ينتسبون إلى الإسلام قد أساؤوا فهمه وأساؤوا تطبيقه فأساؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسببوا في إلحاق الأذى به وتطاول بعض السفهاء والجهلاء على مقامه الشريف صلى الله عليه وسلم، لكن ذلك لن ينال شيئًا من مقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو صاحبُ الحوض المورود واللواء المعقود والمقام المحمود، وإن هذه الحملات المغرضة الناتجة عن الجهل بحقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تزيدنا إلى حبًّا وعشقًا وفناءً في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأكد أن هذه الحملات المغرضة لن تثنينا عن مواصلة نشر رسالته وإبلاغ دينه إلى العالمين متحققين بالحكمة وبالموعظة الحسنة، كمال قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، وقال تعالى: (إن عليك إلا البلاغ)، وقال تعالى: (وإذ خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا)؛ لأننا علي يقين أن مقابلة هذه الحملات المغرضة بالعنف لن يزيد الأمر إلا سوءًا، ولن يزيد النار إلا اشتعالًا ، وإن اتباع هَدي رسول الله صلى الله عليه والامتثال لسنته الشريفة والتحقق بأخلاقه المنيفة لهو أولى وأجدر بالاتباع مهما تقوَّل المتقولون وادعى المدعون.
وفي ختام كلمته توجه فضيلة المفتي إلى الله سبحانه وتعالى بخالص الدعاء أن يحققنا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وألا يحرمنا من رؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة ومنامًا، وأن يعطر حياتنا بالصلاة والسلام على حضرته الشريفة، وأن ينير قلوبنا بمحبة ذاته المنيفة، فاللهم صلِّ صلاة كاملة وسلم سلامًا تامًّا على نبي تنحل به العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به الحوائج وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم ويستسقى الغمام بوجهه الكريم وعلى آله.