
هالة العايدي تكتب: الماء يعني الحياة

بداية أقول إن حق الانتفاع بالماء مكفول للجميع دون إسراف ولا إفساد ولا احتكار ولا تعطيل، ولا شك أن تصرفات البشر من سوء إستخدام المياه العذبة والاسراف فيها وتلويثها قد يكون سببا لندرة المياه وإهدار هذه النعمة الربانية وحدوث الفقر الماءي في بعض المناطق.
وحكم الإسراف في المياه وتلويثها وسوء إستخدامها قضايا عالجها الإسلام منذ 14قرنا من الزمان بما قرره من قواعد وآداب وأحكام للمحافظة على الماء وترشيد إستهلاكه فالماء هو مصدر الحياة والمحافظة عليه تعني المحافظة على الحياة بأشكالها المختلفة.
يَقُولُ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} اى وَأَنْزَلْنَا الْمَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَخْرَجْنَا النَّبَاتَ مِنَ الْأَرْضِ، وَأَحْيَيْنَا بِالْمَاءِ النَّازِلِ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّابِعِ مِنَ الْأَرْضِ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ.
وَقَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}
فالنَّاظِرُ الْمُتَأَمِّلُ يرى تَجَدُّدٍ الْأَرْضَ يَابِسَةً مَيِّتَةً لَا نَبَاتَ فِيهَا، فَإِذَا أَنْزَلْ الله عَلَيْهَا الْمَطَرَ؛ تَحَرَّكَ تُرَابُهَا لِأَجْلِ خُرُوجِ النَّبَاتِ، وَانْتَفَخَتْ بِسَبَبِ نُمُوِّ النَّبَاتِ وَتَدَاخُلِ الْمَاءِ، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ حَسَنٍ جَمِيلِ الْمَنْظَرِ.
لَقَدْ عُنِيَ الْإِسْلَامُ بِنِعْمَةِ الْمَاءِ عِنَايَةً كُبْرَى، وَأَمَرَنَا بِحُسْنِ التَّعَامُلِ مَعَهَا، وَحَثَّنَا عَلَى تَرْشِيدِ اسْتِخْدَامِهَا، وَجَعَلَ الْإِسْرَافَ فِي اسْتِخْدَامِهَا صُورَةً مِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى حُقُوقِ الْآخَرِينَ.
وجعل تَلْوِيثَ الْمِيَاهَ، أَوْ إِهْدَارَهَا، أَوْ عَدَمَ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا؛ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْفَسَادِ الَّتِي نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}
أن نِعْمَةُ الْمَاءِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِهَا عَلَيْنَا؛ نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ.
وَلقد وصَفَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا أَعْدَى أَعْدَائِهِ مِنْ خَلْقِهِ مِنَ الْبَشَرِ فَقَالَ: {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ} وَهُوَ فِرْعَوْنُ اللَّعِينُ, وَصَفَهُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا بِالْإِسْرَافِ.
إن والحديث عن المياه يعني في معظم الدول الأمن الغذائي، وهو ما يرادف الأمن القومي، ولقد تحولت المياه في ظل تزايد النمو السكاني ومعدلات الاستهلاك والندرة الملحوظة في مصادرها إلى محور من أهم محاور الصراع الدولي في الربع الأخير من القرن الماضي، وزاد الأمر حدة مع مطلع القرن الجديد حتى أن البعض تنبأ بنشوب حروب بين الدول بسبب المياه خلال القرن الحالي، خاصة في ظل صدور العديد من التقارير الدولية للبنك الدولي والمجلس العالمي للمياه والتي تحذر من "شح" المياه وندرتها، وتبنيها لسياسات جديدة لترشد استهلاك المياه، والمحافظة على مصادرها المختلفة من التلوث.
ولقد اهتمَّت معظم المنظمات الدولية بقضايا ندرة المياه واحتمالات تعرُّض العالم لأزمة مياه في المستقبل، ولذلك عقدت العديد من المؤتمرات الدولية والإقليمية تحت رعاية هذه المنظمات لتدارس هذه القضية، وحدّدت الأمم المتحدة يوم 22 مارس من كل عام يومًا عالميًّا للمياه لتلفت أنظار العالم إلى أهمية هذه المشكلة المتوقَّع حدوثها
ولا غرابة في أن تمثل قضية المياه هذه الأهمية الكبيرة على المستوى الدولي، فالماء أساس كل حي، قال - تعالى -: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وقد نشأت الحياة منذ البداية وستبقى إلى يوم الساعة مرتبطة بالماء عصب الحياة، وأهم مكون من مكوناتها ..
فيجب علينا الآن أخذ قضية ترشيد استهلاك المياه بعين الاعتبار والجد لاسيما هذا الايام فالماء يعنى الحياة.