عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مصباح المعرفة.. حامي حمى الصحافة

مصباح المعرفة.. حامي حمى الصحافة

 



في هذا الزمن الأحول، الذي صار لكل من يجّر قلما على الورق، و هو تفه مهذار، أن يُدلي بدلوِه في كل مقام من مقامات الأدب، و الفكر، و الرأي... نفتقده، و نتحسر على زمنه، فهو آخر حبة في عنقود الكبار الذين مرّوا في دنيانا، و يتمتعون بصحوة ذهنية، و برحابة أفق، و ثقافة واسعة لا تبرج فيها، و عمق رؤى.
و كان من فلتات مصر، حكاية بهاء، يكره الطلاء، و لا يقبل إلا بالمعتق، محكه في عينيه و عقله، و هو أصدق محك.
و كان وحده من هو : في الإدارة عدالة و حزم، في الصحافة جرأة، في الكتابة، تولد الكلمة من صرير قلمه ناصعة يعرف كيف يختار اللفظة فيُحمّلها من المعاني الكثير، في الفكر " دائرة معارف متنقلة"  Encyclopédie Ambulante " كما وصفه أحد الكُتّاب الفرنسيين الذين أرّخوا له. لا يحكم بظاهر الأشياء، إنما يتحرى ما وراء الظاهر، و يعمد الى جوهر الحقيقة نفسها، و في نقابة الصحافة، تمثيل لا حياد فيه عن الغاية، و هي صونها من جور و غضب السلطان، و رفعة الذين يتنكبون متاعبها، و في المجتمع، بادىء المروءة، غني النفس عفيفا، وفيًا ذاكرًا.  
إذا وقع نظرك على رجل على أديمه سمات الجلال، يتكلم برصانة و أناة، و إذا قيل لك أن هناك رجلا يتلقى حملات خصومه بصدر مفتوح غير هيّاب، لا يصارحها  إلا بابتسامة يُحّملها طيبته و عنفوانه، شأن الرجل الواثق، فلا يلوي لسانه بأحد من مناوئيه، فقل على الفور : هذا كامل زهيري.
 

 

بِكرُ أبيه، محمد علي زهيري، المعروف للقاصي و الداني في محافظة « الدقهلية ». صهرت يد الموت أمه و هو لما يزل يافعًا، فعرف اليُتم من طرف واحد، و لم يكن زواج والده ثانية، لينغص عليه و على إخوته، فشب في بيئة صالحة مُحِبة.
توّسم والده  فيه خيرًا، و قد أدرك منه نباهته، و إنكبابه على التحصيل العلمي، فحاول توجيهه الى دراسة الحقوق في جامعة الملك فؤاد الأول، فمن رَحِم تلك الكلية، كانت تولد الصفوة المختارة لتنكب و توّلي المسؤوليات الإدارية و السياسية في الدولة العليّة!
و إنصاع كامل لرغبة أبيه، درس الحقوق، نال إجازة فيه سنة ١٩٤٧، كان سنتها في الحادية و العشرين من العمر.
في ١٥أغسطس سنة ١٩٤٧ ، أنزل اللورد لويس مونباتن العلم البريطاني عن السارية في مقر الحاكمية، بحضور جواهر لآل نهرو، أول رئيس حكومة للهند المستقلة، و رفع مكانه العلم الهندي. 
و صار للدولة الوليدة سفارة لدى القاهرة.
و حدث أن التقى كامل بأول ملحق ثقافي هندي في مصر، فلمس إهتمام الشاب المصري (الذي يتكلم باللسانين الإنجليزي و الفرنسي بطلاقة، و يعرف الهندية بأطراف منها) بتاريخ  الهند، و إستبحاره في سيرة ماهاتما غاندي، فعرض عليه السفر الى نيودلهي، و العمل في القسم العربي للإذاعة الهندية.
و لم يتردد ، حمل كامل حقائب السفر، فكان أول مصري، خارج السلك الديبلوماسي، يعيش في الهند. في الإذاعة، ترجم عن الفرنسية  و الإنجليزية، أعّد برامج، و أذاع أخرى بصوته، وكان أيضا أول مراسل لجريدة « الأهرام » في الهند المستقلة، فحقق على أعمدتها أكثر من سَبق صحافي، بعدما أصبح ملء النظر و السمع عند عدد من المسؤولين المتنفذين، في حكومة جواهر لآل نهرو.

 

 

في الهند، أشبع نهمه بحضارة تلك البلاد الضاربة في التاريخ، و بالخوارق الهندوكية، و الطب السنسكريتي القديم، و وقف، كما قال لي ذات مرة في جلسة صفاء، على فلسفة « التأمل الفوقي »، التي كان أطلقها مهاريشي يوغي Maharishi Yogi، و هي فلسفة صوفية، تقوم على اتخاذ الجزء بالكل، و إدراك الحقيقة بتخطي المعقول و المحسوس.
كما حكى لي ، بغبطة ظاهرة، إنه زار « كيريلا » بجنوب الهند، حيث منزل « الغورو» (المعلم) كريشنا مينون،  الذي يحتوي على كتب سنسيكريتية، يعود تاريخها الى آلاف السنين، و هذا المنزل محجّة للباحثة حول العالم.
 و كان يتولاه الزهو، عندما يتحدث و يستفيض، عن رابندرانات طاغور، الذي عَرَفه، و ترجم بعض شعره.
 بعد سنة على مكثه في نيودلهي و عمله في الإذاعة الهندية، عاد كامل الي مصر.
فاجأه والده بأن وضع في يده ٧٠٠ جنيه لتأسيس مكتب محاماة، فرد المبلغ، مصارحا والده بأنه يرغب في السفر الى باريس لدراسة الآداب.
مانع والده، عانده، بدءًا، ثم لان، و قال لإبنه، بعدما لمس مدى شغفه بالسفر الى باريس:
« لو تركت لك عمارة، فقد تخدعك إحداهن، و تأخذها منك، لكن مايدخل رأسك من علم و ثقافة، لا يمكن لأحد ان يأخذه ، فقيمة الإنسان بعلمه، و ليس بماله و ما يملك… فسافر، يا بني، على بركة الله ».
و… سافر كامل زهيري الى باريس على بركة الله و والده .

 

 

 
                  * مهاريشي يوغي               منزل كريشنا مينون                   كريشنا مينون علي غلاف "التايم"            

 

 
قاد ولع كامل زهيري بالأدب، الى تجمعات السيريالية في مصر، فَتقرّب من جورج حنين، و أنور كامل. 
فبعد البيانات الثلاثة (١٩٤٢،١٩٢٩،١٩٢٤) التي نشرها أندريه بروتون، و شَكّلت الوثائق الرئيسية و الأساسية لمعرفة مباديء و أهداف   « الحركة السيريالية »، راحت تلك الحركة، الضاربة جذورها في « الدادائية »، التي إنطلقت من إيطاليا سنة ١٩٠٩، تتمدد، متجاوزة فرنسا الى الأوروبيتين، و آسيا، و إفريقيا، و العالم العربي، و تحولت التظاهرة فنية ، فكرية، و اجتماعية.
و الحقيقة، أن كامل زهيري لم يكن بعيدا أو غريبًا عن تلك الحركة، فهو كان قرأ أندريه بروتون، و لوي أراجون، و بول إيلويار، و إستوقفه شعر ونثر روبير ديسنوس، الذي سار في إتجاه استغلال التجارب اللغوية، و الهذيان اللفظي، في محاولة إفلات اللغة من أي عائق ذهني.
و ما لبث أن إنضوى كامل زهيري في « جماعة الخبز والحرية »، فأسهم فيها، و إنطوى على شعلة تمردها ضد المألوف و التقليدي، وعَرّف الحركة المصرية السريالية على بيار  ريفردي، و جول سوبرفيال، و رينه شار… و هم  شعراء على هامش السريالية. و إكتسب كامل من تلك الجمعية الرافضة، المتمردة، حب الرسم التشكيلي.
و شدّ الرحال الى باريس، حاملا حقائبه ، و أحلامه، و مشى على الدرب التي كان مشاها عبدالرحمن الشرقاوي قبله.
 

 

عشق «الحي اللاتيني » Quartier Latin، أصبح دنياه، كتب في كتابه « الغاضبون» :
« عندي هي باريس، و باريس هي الحي اللاتيني » .
عشقه، لا يقوى على فراقه، كما المعشوق الميتم، لا يستطيع فراق معشوقته.
 
و الحي اللاتيني، أقدم أحياء الدائرة الخامسة، يثرثر « نهر السين »، على شماله، و فيه تربض « السوربون »، أقدم جامعات أوروبا،      و Collège de France، و المكتبات القديمة، و متحف لوكسمبورغ، و نافورة سان ميشال، و قصر « بانثيون » Panthéon ، حيث رفات فوليت، و مدام ماري كوري، و ثاني أهم حديقة نبات في العالم، بعد حديقة « كيو جاردن » البريطانية.
في الحي اللاتيني، عرف كامل زهيري عِشق الجمال الفني، و سحر فن المعمار.
 

 

 

 

كانت باريس، التي وَصَلها كامل زهيري، بعد سنوات ثلاث على نهاية الحرب الكونية، و تخلصها من الإحتلال الألماني، تلعق جراحها،   و كانت بدأت تتمخض في الشعر و الفنون التشكيلية، حالة رفض و تدمير لكل القيم السائدة، فالعقل الإنساني، الذي حاول تغيير العالم، وجد نفسه عاجزًا عن تغيير الإنسان، و بقي هذا الأخير، رهين إختراعاته، التي صنعت منه وحشا عاقلًا!
أما في الفكر و الأدب و الفلسفة، فكان جان- بول سارتر، المتأثر أصلًا بالفيلسوف مارتن هايدغر، يُطلق الفلسفة الوجودية، فناقض فيها الوجودية المسيحية، التي كان أرساها الفيلسوف غابريال مارسيل، فدخل الاثنان في حوارات و مناقشات حادة.
 
وتحول منزل جان- بول سارتر في ٤٢ شارع بونابرت في Saint-Germain-des Près ، الذي زاره كامل زهيري مرارا عديدة، الي معقل للوجودية، و فيه إلتقى سيمون دو بوفوار، رفيقة عُمر و درب سارتر، التي إستكملت معه البحث عن طريق آخر، هو الرفض الثنائي للرأسمالية و الستالينية.
وكان يحلو لكامل زهيري، أن يطيل الكلام حول الخلاف الذي إستحكم، بين سارتر وصديقه ألبير كامو، الذي عايشه كامل و وقف على تبعاته، بحكم معرفته الوثقي بالفيلسوف العبثي.
فقد كان كامو يعيب على سارتر إنخراطه التام في الحزب الشيوعي، على الرغم من مساوىء  ما يدور في الاتحاد السوفياتي، و كان يرى إنه لا يجب أن تنتصر الأيديولوجيا الشيوعية على الجرائم الستالينية.
و نزل كثير من آراء سارتر في مجلة « الازمنة المعاصرة » Les Temps Modernes، التي أسسها مع رفقة درب النضال ريمون آرون، سيمون دو بوفوار، و أدار تحريرها موريس ميرلو  - بونتي ، أستاذ كامل زهيري في « جامعة السوربون »، الذي تأثر به أيما تأثر، و كتب عنه مطولا، مستذكرا، و عارضا لفلسفته و أفكاره.
و أخبرنا كامل زهيري، فيما كتب، كيف إنشق أستاذه عن سارتر و دو بوفوار  و ترك «الأزمنة المعاصرة»، ليدخل معهما في نزاع و عراك فكري فلسفي، حول الماركسية و الستالينية ، كان له طنطنة و دوّي، و تناقله كل من بين فكيه لسان.
و هذا النقد الذاتي و المراجعة للماركسية التقليدية، التي بدأها موريس ميرلو - بونتي، أدت الى نوع جديد من التروتسكية، أرساه روجيه غارودي.
إمتلأ كامل زهيري بهذه الأفكار، و إكتمل نضوجه الفكري، و لم ينسخ ما تعلمه من موريس ميرلو - بونتي أو من غيره، إنما بدأ حيث إنتهى الذين علموه، و دلوه على الدرب، و راح يضيف على ما تعلمه و يجيد.
         
 

 

و يجمع حقائب السفر من جديد، ويعود الى القاهرة المحروسة.
 
وجد والده بانتظاره، وفي يده مفتاح مكتب المحاماة، يخبر كامل زهيري:
« حققت، أخيرا، رغبة والدي، زاولت المحاماة، و كنت مثل روبين هود، في التراث الأدبي البريطاني، أجني الفلوس من المقتدرين الميسورين، و أنفقها على المعوّزين و الفقراء و الغلابة ».
و لم يدم الحال على هذا المنوال، خلع روب المحاماة ، إمتشق القلم، حملة أدواته، و مشى.
و من المحاماة، التي كان يعتبرها إنها « العدل الأصغر »، أي عدل الأفراد، الى الصحافة، التي كانت عنده، « العدل الاكبر »، أي حقوق الشعب، و الوطن، و القضايا التي تستحق التضحية.
*
 
بعد تجربته مع « الأهرام »، التي راسلها من الهند، إستمرأ الكتابة الصحافية. وجد في « روز اليوسف » موئلًا، يحتضن أفكاره العائد بها من باريس، فلم يتردد في الانضمام الى  الصفوة من أبناء جيله، الذين كانت فتحت لهم المجلة صدرها و قلبها و صفحاتها. تلك الصفوة المختارة إحتفظت بالتيار الليبرالي، و طعّمته باليسارية الحديثة و المذاهب الفلسفية، التي كانت تمور في أوروبا، و فتحت لعبد الرحمن الشرقاوي، و كامل زهيري، وغيرهما بعدهما، نافذة واسعة، أطلوا منها على العالم الذي كان وُلِد من رحم جحيم و عذابات الحرب الكونية الثانية.
و مشى قلم كامل زهيري على الورق، قلم مثقف، إنشغل بالقراءة و التفكير، و التأمل و هموم التعبير، مُنير مستنير، طاف  زوايا خزائن الكتب، الخاصة و العامة، ينهل منها و يجمع المعلومات، قارئًا متمهلا، واسع الاطلاع، يقرأ و يُقرىء، فيعود يتبادل مع الصفوة فيما قرأ أو أُقريء، و هو الى ذلك كله شديد الوعي بوحدة المعرفة الإنسانية.
و كان كامل زهيري فنانا، يجمع بين عشق الخطوط والألوان، و بين الورق و الحبر و الأحرف، فيتنقل بينهما في ذوق رهيف، و إدراك صحيح.
 
 
 
 
في « روز اليوسف » توّلى فيما توّلاه، عرض كتاب كل أسبوع، فأجاد و أمتع، و كان صاحب ميسم خاص في الكتابة، بأسلوبه الرصين الهادىء، و تفكيره المنطقي المنظم، و حِسه الأدبي المرهف، بجدية العرض و النقد، فكان أشبه بالشاعر في جمال تعبيره، فقد إنطوت روحه على الشِعر، الذي تجلى في مساهماته الشعرية مع جماعة السرياليين المصريين، « جماعة الخبز و الحرية ».
و بعدما ترك « روز اليوسف » الى « الهلال »، أكمل صلاح عبد الصبور المهمة، و لم يكن أقل من كمال زهيري عشقا للقراءة و الكتب.
في السياسة، كان قلم كامل زهيري مسنونا، غير هيّاب، مستقيم الرأي مستقلا، يضع الكلام تحت مجهر التدبر و التفكير. هزّ قلمه في وجوه كثيرة، في السلطة و خارجها، ناقمًا، منافحا، معترضًا، صُلب الرأي، شجاعًا فيه، صريحًا في أقواله و أفعاله، فقد قضى حياته في الدفاع عن الحق و المجاهدة به، فكانت له صيحات داويات ذهبت طول البلاد و عرضها.
و يحمل أوراقه و دواة حبره الى « الهلال »، و يجلس على كرسي رئيس التحرير، طوال سنوات خمس، فشهدت « الهلال » على زمانه طفرة ما عرفتها قبله، و ما عادت عرفتها بعده.
على صفحات « الهلال »، أدرج عادة إصدار أعدادا خاصة عن أدباء العصر و مفكريه، بدءا من طه حسين، ثم توفيق الحكيم بعده، و عباس محمود العقاد، و أكمل دائرة النشر بأحمد شوقي، و ترك مهمة إصدار عدد خاص عن نجيب محفوظ للناقد رجاء النقاش، فقد كان إستحوذ عليه حنين العودة الى « روز اليوسف »، رئيسا لإدارتها.

 

 

لم أشعر يوما في التعاطي مع كامل زهيري، لمّا عاد الى « روز اليوسف »، إنني أتعامل مع رئيس تحرير، لجوج، يطلب، و يلح، أو رئيس مجلس إدارة، يأمر و ينهي … إنما أتعاطى مع صديق إصطفاني، و تعّلقت به.
جمعني به حب الفن التشكيلي، و حببني به تقديره للخَلق و الإبداع، فما قدمت له تصميمًا، إلا مَسَحه بعينيه بعناية و تمهل و إهتمام، مدققًا، مقدرًا الجهد المنصرف في إنتاج ما يمر عليه نَظَره. و إن كانت له ملاحظات، فقد كان يُمرِرها برفق، يُقنعك بصحتها.
و كان يحرص أن أطوف معه المعارض، و المتاحف، و المراسم. كان الرسم دنياه، خلوته الى نفسه، فهو كما كان يُعبّر عن أفكاره بالأحرف، يرسمها على الورق، كان يعبر عن تفاعله و ما يعتمر في دواخله، على القماش، بالخطوط و الريشة و الألوان . فتكاثرت لوحاته التي عرضها له أحد المعارض.
قال لي مرة، و نحن أمام إحدى اللوحات: 
« تعرف… متعة الرسام أن يبدأ لوحته بنقطة، و تصبح النقطة في خياله خطا، و يصبح الخط أرضا، سماء، منازل، و بشرا ».
في منزله في الدور الأرضي من المبنى رقم ٤٩ شارع « أبو الفدا » بالزمالك، كانت لنا جلسات، في مناخ من الألفة و الود، و الموسيقى الكلاسيكية الهادئة، وفّرته له زوجته الصحافية خديجة قاسم، التي كانت تطل علينا بابتسامة حانية، و ملامح آسيوية (فقد ولدت في مدينة كاشغر بولاية سيكياج الصينية) و أتت الي القاهرة ساعية للدراسة بالأزهر، تترك فناجين الشاي المعطرة بالقرنفل على المنضدة، و تتركنا مع الكتب، و الورق و الرسومات.
 
 
و إذا جلست الى كامل زهيري، تسمع حديثا يملأ الأذن، في صوته غنوة عذبة، تشد أوتار حنجرته حينا بعد آخر، فيستحيل الى نبرات صارمة، و يرّوعك منه، وعيه الزمن بكل لحظاته، و إستيعابه الأمور بكل دقائقها، و قدرته على إستقراء أعماق القلوب، و قراءة صفحات وجود الذين يتحدث اليه و يحكي، و هو حكاء من الطراز الأول و من ألطف الناس خروجًا، الى حديث، تطربك فيه ملح من النوادر، لا تخرج واحدة منها عن طبع الجدّة و المعلومة المعرفية.
قبل الرشفة الأخيرة من فنجان الشاي، حتى يخرج ملفا سميكا، يستأنس برأيك، يستطيل السكوت، يتركك تُفرغ ما عندك حول ما تراه،و يستطبيء الكلام في تصحيح أمرًا و تعليقا على ملحوظة.

 

ولم يكن  عشق كامل زهيري، للرسم يوازيه سوى عشقه لفن العمارة:
« عشقت فن الرسم و العمارة في المساجد والأسبلة و الأسواق القديمة ، و بين القاهرة الفاطمية و الأيوبية و المملوكية و العثمانية . أحسست أن القاهرة سبع مدن في مدينة و إنها متحف للعمارة في الهواء الطلق . و بين مقام السيدة و مقام الحسين تنوعت القباب و المأذن و كل فن و ذوق ، و كلما مررت على أثر قديم هجم علي ذاكرتي ما قرأته عنه في التاريخ القديم و إكتشفت ما يقوله المعماريون : إن العمارة ليست مباني عالية و أحجارا مرصوصة ».
 
و في طفرة الكلام، في دورانه على شؤون العمارة، شرح لي مرة معاني اللون المعماري:
" اللون له معنى و مغزى و رمز و هو يشف و يهفهف أو يعمق و يَرسَخ . و لهذا كتب إبن سينا دراسة عميقة عن الألوان و كذلك فعل الصوفي الشفاف إبن عربي ، و الرسام الإيطالي ليوناردو دافنشي ، ثم الشاعر الألماني غوتة ، و بعده العالم نيوتن . و قبل هؤلاء قالت الأساطير القديمة إن حجر الزمرد يفقأ عين الأفعى لأنه أخضر، و تلعب هذه الخضرة بأنغامها المتنوعة و ألحانها الكثيرة دوراً خطيراً و تاريخيا و من هنا كانت الهجرة من الأصفر إلي الأخضر أو من الصحراء إلي منابع الأنهار نحو الرافدين و نهر النيل العظيم " . 
من يُصدق أن مؤسس علم التاريخ عبد الرحمن بن خلدون، بحسب زهيري ، عاش بالقرب من جامع إبن طولون حين كان يدرُس في الأزهر الشريف { خلال دراستي في مدرسة اللغات الشرقية فى شارع ليل في باريس، وجدت لدى الأستاذ بلاشير، الذي شَغَف بكتاب " البخلاء " للجاحظ، رسالة الدكتور طه حسين عن ابن خلدون ، و عنوانها " دراسة نقدية للفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون " و قد ترجمها محمد عبد الله عنان عام 1933، و عرفت آنذاك أن جورج دافي عميد كلية الآداب في جامعة السوربون كانت رسالته لنيل الدكتوراه عن ابن خلدون.
 
               
 

 

ولم يكن  عشق كامل زهيري، للرسم يوازيه سوى عشقه لفن العمارة:
« عشقت فن الرسم و العمارة في المساجد والأسبلة و الأسواق القديمة ، و بين القاهرة الفاطمية و الأيوبية و المملوكية و العثمانية . أحسست أن القاهرة سبع مدن في مدينة و إنها متحف للعمارة في الهواء الطلق . و بين مقام السيدة و مقام الحسين تنوعت القباب و المأذن و كل فن و ذوق ، و كلما مررت على أثر قديم هجم علي ذاكرتي ما قرأته عنه في التاريخ القديم و إكتشفت ما يقوله المعماريون : إن العمارة ليست مباني عالية و أحجارا مرصوصة ».
 
و في طفرة الكلام، في دورانه على شؤون العمارة، شرح لي مرة معاني اللون المعماري:
" اللون له معنى و مغزى و رمز و هو يشف و يهفهف أو يعمق و يَرسَخ . و لهذا كتب إبن سينا دراسة عميقة عن الألوان و كذلك فعل الصوفي الشفاف إبن عربي ، و الرسام الإيطالي ليوناردو دافنشي ، ثم الشاعر الألماني غوتة ، و بعده العالم نيوتن . و قبل هؤلاء قالت الأساطير القديمة إن حجر الزمرد يفقأ عين الأفعى لأنه أخضر، و تلعب هذه الخضرة بأنغامها المتنوعة و ألحانها الكثيرة دوراً خطيراً و تاريخيا و من هنا كانت الهجرة من الأصفر إلي الأخضر أو من الصحراء إلي منابع الأنهار نحو الرافدين و نهر النيل العظيم " . 
من يُصدق أن مؤسس علم التاريخ عبد الرحمن بن خلدون، بحسب زهيري ، عاش بالقرب من جامع إبن طولون حين كان يدرُس في الأزهر الشريف { خلال دراستي في مدرسة اللغات الشرقية فى شارع ليل في باريس، وجدت لدى الأستاذ بلاشير، الذي شَغَف بكتاب " البخلاء " للجاحظ، رسالة الدكتور طه حسين عن ابن خلدون ، و عنوانها " دراسة نقدية للفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون " و قد ترجمها محمد عبد الله عنان عام 1933، و عرفت آنذاك أن جورج دافي عميد كلية الآداب في جامعة السوربون كانت رسالته لنيل الدكتوراه عن ابن خلدون.

 

 

مُتيم بالقاهرة المحروسة، تنعكس على قسماته رقة نفس عذبة، عندما يبدأ بوصف « حي السيدة زينب»، و يتباهى بما يعرفه و لا يذكره الآخرون: {سكن  " السيّدة زينب "حشد من الأدباء والعلماء و الزعماء، و قد كتب فيه شيخنا توفيق الحكيم رائعته {عودة الروح}، و كتب يحيى حقي قنديله الشهير. و شهدت شوارع {السيدة} مصطفى لطفي المنفلوطي و علي الجارم و عبد القادر المازني و عبد العزيز البشري  و فتحي رضوان و أحمد حسين و محمد السباعي - والد يوسف السباعي - ثم يوسف السباعي الإبن {في جنينة ناميش}، و كتب الأخير {السقا مات} لأنه عاش و تعرّف الى السقايين و كانت رائعته الشهيرة التي أصبحت فيلماً سينمائياً. و عاش في {السيدة} أيضاً عبد الرحمن
 
 
الرافعي المؤرخ الوطني و فيها نشأ مصطفى كامل الزعيم الوطني في شارع الصليبة. و في هذه المنطقة و هذا المربع عاش أيضاً مصطفى باشا بهجت زميل الدراسة مع علي مبارك في بعثة الأنجال}.
و يغلف نبرة صوته بالحسرة ، و يتوشح كلامه بالحزن:
 {هذا الثراء التاريخي كله هجمت عليه الزوابع و الأعاصير، فمن الذي يصدق أن أسماء لافتات الشوارع سقطت و لم يحفل أحد بإعادتها إلى مكانها، و أن أكبر إعلان يُطِل على ميدان {السيدة} يحمل إسم مشروب كُتِب بالحروف الإنجليزية؟! و من يصدق أن أمام {دار الهلال} سقطت أيضاً لافتة الشارع الذي كان يسكن فيه الزعيم أحمد عرابي بعد عودته من المنفى في عمارات البابلي، و هكذا يمر عابر الطريق من دون أن يعرف مكان بيت مصطفى كامل أو بيت أحمد عرابي. و قد يشتد الغيظ لو إتجهت أمام مسجد الست الطاهرة لتبحث عن شارع {مونغ}، و هو شارع ضيق ملتوٍ من الميدان إلى شارع {خيرت}، و فيه كان بيت السناري الذي عاش فيه بعض رسامي الحملة الفرنسية    و ظلّ هذا الشارع يحمل إسم {غاسبار مونغ} كبير مهندسي الحملة و صديق بونابرت و صاحبه الذي سافر معه بعد 17 شهراً من الحملة}.
و تتغير نبرات صوته تبعاً لحدّة الكلام : {المشكلة الكبرى أننا نتعامل مع أحياء القاهرة تعاملاً بوليسياً، فلا شأن لقسم السيدة مع قسم الخليفة و لا علاقة لأي قسم بالآخر، على رغم أن أحياء القاهرة تطورت و إتسعت في إطار علاقتها بالنهر و الجبل، و لهذا كان نمو القاهرة في إتجاه الشمال مع مجرى النهر، و لم يكن ذلك صدفة لأن هذا النمو يتفق مع مسيرة النهر إلى الشمال نحو البحر}.
*
 
عشقه للمحروسة، و تجاربه الواسعة في الإطلاع علي الثقافات المختلفة، جعله يقتني العديد من الكتب التي تعني بتاريخ مصر ، و إقترح علي وزير الثقافة حينئذ الفنان فاروق حسني إنشاء مكتبة بالقاهرة الكبري في حي الزمالك ، الذي كان سكناه فيه الي جوار قصر الأميرة سميحة وهي إبنة السلطان حسين كامل، و كانت تسكن القصر حتي رحيلها عام 1985، و أوصت بأن يكون القصر منبراً ثقافياً، و تمت إجراءات نقل الملكية لوزارة الثقافة في 1989، بعدها بدأ تجهيز القصر حسب إقتراح زهيري ليكون مكتبة علي غرار المكتبة الوطنية في باريس، ليضم نحو 80 ألف عنوان من الكتب و العديد من الوثائق و الخرائط من العصور القديمة. و من أبرز هذه الوثائق ، وثائق الحملة الفرنسية، التي تعود لأكثر من قرنين، و قد أهداها كامل زهيري للمكتبة بعد أن حصل عليها من فرنسا ، عندما ترأس مجلس إدارة المكتبة منذ إنشائها حتي رحيله في 2008 .
 
 

 

مكتبة القاهرة الكبرى   *

و يحمل الصحافيون كامل زهيري، على راحاتهم الى نقابة الصحافة، و يُعيدون إنتخابه لفترتين، كل منها سنوات أربع (1968-1979)، كما نُصِّب رئيسا لاتحاد الصحافيين العرب، لسنوات ثمان. كافح طوال حياته جاهداً لإلغاء عقوبة الحبس الاحتياطي للصحافيين في قضايا النشر. و ساهم خلال رئاسته اتحاد الصحافيين في إنشاء نقابات للصحافيين في تسعة بلاد عربية و تحرير قوانين الصحافة بهم .     كافح  التطبيع في عهده كنقيب، و كانت أهم المعارك الوطنية لنقابة الصحافيين في عهده ، التي بدأت عندما قرر الرئيس السادات الذهاب إلى إسرائيل و إلقاء خطابه في الكنيست، ثم توقيعه إتفاقية كامب ديفيد، و بدأ الصحافيين المصريين في الداخل و الخارج إنتقاد نهج      و سياسة السادات. أثار موقفهم غضب السادات الذي سَخَر من لقاءاتهم و مناقشاتهم التي إمتلأت بها حديقة النقابة في مبناها القديم، و وصفهم بأنهم أعضاء حزب الحديقة ، و عبّر عن غضبه باعلان قرار مفاجئ بتحويل النقابة إلى نادِ للصحافيين فقاد النقيب كامل زهيري حملة معارضة لقرار السادات، و كانت أول نقابة مهنية تُصدّق في جمعيتها العمومية علي رفض التطبيع. و حتى رحيله عنا، إستمر كامل زهيري، يشّد من أزر الصحافيين، يساندهم، و يتكاتف معهم ضد جور السلطان، و عسف القوانين التي بعضها كان يُقوّض الحرية، فهو أُغرَم بالحرية، فدعا اليها بجدارة، و رعاها بشوق، فكان بذلك من كبار كهنتها، في كتاباته و أفعاله.

 

و كان كامل زهيري دائما في مقدمة صفوف الصحافيين، فشارك سنة 2006 ، على الرغم من أن السن علت به، في الوقفة الإحتجاجية أمام مجلس الشورى للمطالبة بإلغاء الحبس في قضايا النشر بمشاركة مجلس نقابة الصحافيين و عدد من رموز المهنة ، فكان بحق حارس الصحافة الأمين ، و لقبه شباب الصحافيين " نقيب النُقباء ". * أغضى و تغافل، مرارا، عن غضب أولي الأمر، و في النهاية ما عاد طاق. إحمرت العين عليه، بدءًا، في مقدمات حرب ١٩٧٣، و كشّر بعضهم عن أنيابه بعدما كتب كامل زهيري، بجرأة، محذرا من التداعيات السلبية لزيارة « الريس» الى القدس سنة ١٩٧٧، ثم رفضه الذي نادى به على الملأ، لمعاهدة السلم مع الدولة العبرية سنة ١٩٧٩… فسعوا للنيل منه، و كادوا له، و أوغلوا في النهش و الأذى، و تمادوا…  و لأنه يجيد قراءة اللحظة، أدرك أن الإبتعاد، أجدى و أسلم من البقاء، فترك القاهرة، و مصر كلها، و أعطى وجهه لبيروت.   كنت أطوي سنتي الثانية، من غربتي الأولى الى لبنان، عندما، عُرِض عليه أن يكون مستشارا صحافيا في « بيروت المساء »،التي كنت أتولى فيها الإدارة الفنية. و إلتقينا، و في العشايا، كان الكلام يدور دورانه على الماضي و الذكريات. و في بيروت، أسهم كامل زهيري مع الدكتور عبد الوهاب الكيالي، الذي كان يملك و يدير « المؤسسة العربية للدراسات »، في إصدار       " الموسوعة السياسية " التي صدرت في سبعة أجزاء لشرح و تبسيط المفاهيم السياسية ، و ساهمت أنا معهما في تصميم الغلاف و صفحات الموسوعة التي تشمل 5000 بند موزعة بين أهم الشخصيات السياسية و الفكرية في التاريخ و العالم العريي، و المفاهيم، و الأفكار و المصطلحات، و ما يُحيط السياسة من علوم كالتاريخ ، و الاقتصاد ، و القانون و الاجتماع في معالجة علمية موضوعية.  

* إذا كانت زرقاء اليمامة ترى على بعد أميال و أميال، فإن كامل زهيري، صونها في إستقراء الحوادث و تتبعها، و هذا الإستقراء الإستشرافي، دَفَعَه للتكهن بما قد يحدث مستقبلا. عندها علت الصرخة « النيل في خطر». و السؤال المكتوم الذي يفتش عن جواب هو: هل هناك علاقة بين هذا الكتاب الذي نشره كامل زهيري في خواتيم سبعينات القرن الماضي، بما تضمنه من أسانيد و مستندات و وثائق، و بين ما يحدث الآن؟ لقد واصلت إثيوبيا إستكمال بناء «سد النهضة "،  ثم أعلنت مؤخراً عن حظر المجال الجوي فوقه سعياً لإستجداء المجتمع الدولي عبر إختلاق مزاعم تفيد إنها بصدد تهديد عسكري من الجانب المصري، و إنطلقت مفاوضات بدأت عام 2011 في محاولة توّصُل الدول الثلاث: إثيوبيا و دولتي المصب مصر و السودان الي إتفاق يرضي جميع الاطراف بما لا يخل بالأمن المائي لتلك البلدان

 و في كتاب كامل زهيري " النيل في خطر" ، ينشر يوميات " تيودور هرتزل " عن أطماع إسرائيل في النيل بتوقيع " إتفاق المبادئ " مع إثيوبيا، فنَقَل النص الكامل الذي صدر في نيويورك 1960، و فيه تفاصيل المحاولة الصهيونية المبكرة للإستيلاء علي مياه النيل التي قادها " هرتزل " بنفسه حين جاء إلي مصر في مارس " أذار " 1903 مدعوماً من وزير المستعمرات البريطانية.  و يحرص كامل زهيري في كتابه علي الإشارة إلي أن " هرتزل " أعّد قَسَماً ردّده كل مرافقيه بعدم إفشاء تفاصيل هذه المفاوضات و لو بالإشارة .

و في مقدمته للطبعة الثالثة من الكتاب:  " إذا كانت كارثة الجفاف قد خرّبت أثيوبيا و السودان و الصومال بالمجاعات المفزعة، فإن هذه الكارثة كانت المحامي البليغ الذي دافع عن السد الذي بسببه نال ما نال عبد الناصر من حملات و إفتراءات. و الكارثة كَشَفت ما كنا نُحذّر منه من تحويل مياه النيل لإسرائيل عامي 1979 و 1980 لأن مصر لا تملك و لا تستطيع الإستغناء عن قطرة واحدة. لم يكن الكتاب مجرد معارضة "شخصية " للسادات ، فالكتاب لم يكن سياسياً و لا أدبياً ، و لكنه صرخة للتحذير من أن يتحقق وعد السادات لإسرائيل بتحويل مياه النيل لصحراء النقب عبر سيناء .  

 

و كانت قد راجت في الصحف الرسمية في أواخر 1979 واوائل 1980 أن مياه النيل تفيض عن حاجة مصر ، و أن النيل الكريم يُلقي بالمياه في البحر، بل قال السادات بنفسه في إحتفال لنقابة المهن الزراعية في 6 نوفمبر 1980 " أننا نقذف الي البحر الأبيض المتوسط بأكثر من 6 مليارات متر مكعب من المياه العذبة " .

 

و كان السادات أيامها سريع الأحاديث و كثير الخطابة.    غضب كامل زهيري من الرئيس السادات، فعكف علي تأليف كتابه المهم " النيل في خطر " بعد أن أعلن السادات عن البدء في حفر ترعة السلام لتوصيل المياه للقدس، لتكون في متناول المؤمنين المترددين علي المسجد الأقصي و مسجد قبة الصخرة و كنيسة القيامة و حائط المبكي. و في خطاب للسادات للملك الحسن الثاني قال" عرضت إمداد إسرائيل بجزء من حصة مصر في مياه النيل".

  *في « الجمهورية » شق مشي القلم، و من « ثقب الباب»، كان يُطِل على الناس، دقيق المعاني، غوّاص على ما يستصعب و يعسُر تناوله على غيره، و هو أمر لا يجلي به سواه، و لم يبلغ أحدا مداه. و لقد أثبت كامل زهيري في جل ما كتب، إنه موسوعي المعرفة، و بَرهن، سواء في كتابة المقالة أو في سرده السيّر الذاتية لكبار الفنانين التشكيليين، أم في أدب الموسوعات الذي إمتاز به و جَوّد وأجاد…  عن إمتلاكه حِسِا مرهفا، و دقة في الوصف، و براعة في التفكير، كل ذلك بإسلوب ناصع البيان، له عافية تراكيب العرب.

و يبقى كامل زهيري أوسع أبناء عصره أثرا، إذا ما نظرنا اليه من خلال ما خَلّف من نتاج في حقول الأدب الرفيع، و الشعر، و المقالة الأدبية و السياسية، و البحث الموسوعي الذي يحتاج الى جَلَد في التدقيق و التمحيص، و التقّصي في معميات الأمور، لتوضيح ما إنغلق منها، بسلاسة، و من دون تكلف، و ادعاء، و تعالِ، أو في التجديد في النقد، و النهج و الأسلوب.   و لا أحلي من كلام الإبن البار مؤنس زهيرى الحامل تراث والده الفكري و الأدبي و الفني و هو يخاطبه:   " أحييك يا صديقي الذي أفتقده .. أرسل لك كلمة أكتبها بقلم من علبة ألوانك .. أقدم لك حبي و عرفاني أسطره علي ورق الدشت الذي كنت تعشقه .. أراك تطل من السماء على تلميذك و إبنك الذي إستمتع بك الأقل ليستفيد منك أخوته الأكثر .. أتراني إستطعت أن أكون إبناً لعظيم مثلك .. لا أعتقد فالعظماء مثلك لا يتكررون .."

 هيهات… أن يأتي الى دنيانا كامل زهيري آخر.

 مودي حكيم

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز