عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عاشق الشاشة الصغيرة.. وصانع كتب الصغار "2-2"

عاشق الشاشة الصغيرة.. وصانع كتب الصغار "2-2"

ولد محيي الدين اللباد في كنف عائلة ريفية، محافظة، تأتزر عباءة الأزهر، و عاش في منزل يجاور مسجد السلطان حسن، في “المغربلين”، محوطا بعبق التراث.



والده، الذي كان أستاذا محاضرًا في الفقه في جامعة الأزهر، تنمى عليه، و ألح، في دخول كلية طب الأسنان. رضخ محي الدين صاغرا، جلس على مقاعد تلك الكلية و عينه على كليّة الفنون الجميلة.

وفي غفلة من العائلة، ترك الطب والأسنان، وحمل الريشة  و الفرشاة… قامت قيامة الأب و لم تقعد، أرعد وأزبد، ولم تنفع سطوة الأب في ثني و إقناع الإبن الذي ظل ممسكًا بالريشة و الفرشاة، ليصبح من أبرز رسامي جيله.     حكاية ولع محي الدين اللباد، بفن الرسم، تبدأ مع مجلة “السندباد”، حكاها، كما جرت وقائعها، في كتابه “كشكول الرسام “، كتب:

“ … كنا ليلة صدورها (السندباد) ننام نومًا قلقًا، ونستعجل الصباح، كان أختي تنتظر في أكثر الأحيان  في الشرفة، و تسألني بلهفة عما في العدد الجديد”.

كان محيي الدين في الثانية عشرة من سنيه. و ”السندباد”، (التي كانت فكرة محمد سعيد العريان، أصبحت حقيقة ورأت النور بريشة حسين أمين بيكار، “المايسترو” المتفرد)، غيرت مجرى حياته، كان ينظر مبهوتا برسومات بيكار، يلتقط القلم، يحاول أن يقلد الخطوط، و مساحات الرسم على الورق، يمزج الألوان يرّكب المناسب منها، يلوّن الخطوط والأشكال.

وفهم محيي الدين أكثر إبداع و حرفية بيكار، لما درس فن الرسم و أجاده، و كان أان أرسل رسوماته الاولى إلى “نادي الرسامين” في “صباح الخير “، و طار بزهوه، عندما نشرت رسوماته في غير عدد.

وما أن تخرج محيي الدين من قسم التصوير، حتى دق باب “الصبوحة”، ففتحت له بابها و صفحاتها، فراح يرسم ويبدع.

الإنكسار في حرب ١٩٦٧ هزّه، مال الى اليسار، أصبح أكثر راديكالية عن ذي قبل، و إنتفض خارجا من عباءة معلمه صلاح جاهين، فكونه نظرة جديدة لفن الكاريكاتور في مصر و العالم العربي.

و كره الرسم للكبار ، و عن الكبار، عاد إلى شغفه الأول، إلى صحافة الأطفال.   كانت لمحيي الدين اللباد نظرة خاصة لصحافة الأطفال، شنّ حملة ضد “تغريب” فكر ومُخيّلة الأطفال ، من خلال شخصيات “سوبرمان” و ”باتمان” و “سبايدرمان “ و…غيرها من الشخصيات التي  أطلقتها و رّوجت لها في العالم مؤسسة “مارفيل” الأميركية، و كان أن تحول القسم الكبير منها الى أشرطة سينمائية، و مسلسلات لفن الرسوم المتحركة.

عاد اللباد الى التراث، و السير الشعبية، التي راجت على ألسنة “الحكواتية”، و إستنبط منها كلها شخصيات تراثية قريبة من ذهن الطفل : أبو زيد الهلالي، الملك الظاهر و…غيرها. و تفنّن في رسمها و إعطاء كل شخصية مميزاتها التي تدل عليها.

كانت مجلة “سمير”، رد دار الهلال على دار المعارف و”السندباد “، فأعطى  اللباد ريشته و أفكاره لتلك المجلة، وطرّز صفحاتها برسوم مبهرة، مميزة، شديدة البساطة، بقيت في ذاكرة الذين عاصروا “سمير”، وشبّوا عليها.

في بيروت، التي كانت سنة ١٩٧٤، (قبل أن تدمرها الحرب في سنة ١٩٧٥)، مركز النشر  العربي، ولدت فكرة إنشاء “دار الفتى العربي”، لتأليف و نشر وطباعة كتب الأطفال و الفتية. أطلق الفكرة، وقتها، الدكتور نبيل شعث، وكان معه الدكتور محجوب عمر، ثم تبلورت الفكرة، فانضم “مركز التخطيط الفلسطيني” إلى العاملين على إنجاز وتنفيذ المشروع .

بعد أبحاث جماعية قام بها فريق من الخبراء و الممارسين في حقل ثقافة الطفل، كلف الكاتب زكريا تامر بالإدارة الفنية و الفنان كمال بلاطة باعداد التصور الفني العام لسلاسل الدار المختلفة، وإنضم محي اللّباد لإستكمال الخطة الفنية منضماً لهم عدد من الفنانين الكبار أمثال حلمي التوني، يوسف عبدلكي، نذير نبعة، عدلي رزق الله، نبيل تاج و بهجت عثمان، وكبار الكتاب أمثال غسان كنفاني، صنع الله ابراهيم و محجوب عمر وغيرهم. و أدار المنظومة إدارياً إسماعيل عبد الحكم بخبرته الواسعة في دار الأهرام. 

صمم اللّباد و رسم العديد من إصدارات الدار: 187 إصداراً للأطفال من سن ما قبل المدرسة حتي 18 عاماً من حكايات علمية لحكايات عن الوطن، و سلسلة الأفق الجديد لأجمل القصص الخيإلية، سلسلة الشعر و الشعراء ، و القصص العربية القصيرة ، سلسلة ما قبل المدرسة، سلسلة حكايات شعبية و عربية و المكتبة العلمية المبسطة وغيرها الكثير . 

في كتابه عن الكاريكتير والأغاني والأذاعة، شبه الدكتور علي الراعي نظرة محي اللّباد الثورية لفن الكاريكتير بنظرة الأديب برنارد شو لفن الكوميديا علي خشبة المسرح .. حيث رأي اللّباد أننا نميل إلي تصوير الحمق والحمقي، و نسعي إلي عرض نوادرهم علي الأنظار في مختلف أشكال التعبير: الرسم، والحكاية والكرتون، ويلاحظ أننا بهذا الاهتمام نرفع عن أنفسنا الإتهام بأننا قد نكون - بدورنا - حمقي، ولكننا لا نريد أن نعترف بهذا ..الواقع أننا كلنا حمقي و لامجال للتفضيل بيننا و بين غيرنا في هذا المجال.

قدم اللّباد رسوماً في الطبعة العربية من " لوموند ديبلوماتيك " كانت الأكثر تعبيراً  عن نظرته " العولمية " لهموم الانسان المعاصر، وأشار إلي ذلك عن جدارة الصحافي اللبناني الشهيد سمير قصير في تقديمه للرسوم، لافتاً النظر إلي غلبة روح الرسام الصحافي علي منجز اللّباد في هذا المجال، كما شدد قصير علي سمة أخري لا ترتبط فقط بقدرة اللّباد الفائقة علي التعامل علي " مراكز الأرشيف البصري "،  و إنما أيضاً في تجويد النماذج الغربية ورموز الذاكرة الأمريكية و" إستملاكها " في فعل، كما يمنحه " لذة المضاعفة " . 

إنتبه اللّباد مبكراً إلي سمة " المعاصرة " عبر سعية للتعامل مع آلة الكمبيوتر، فهو لم يكن عدواً للتجديد التكنولوجي، كما لفت قصير إلي ذلك، و إنما سعي أيضاً إلي ترويض الآلة ، و ربما كان أول رسام تناول رموز لغة الكمبيوتر في الرسوم الساخرة العربية. 

ألّف عددا من الكتب للأطفال و الكبار منها " كشكول الرسام " ، "ملاحظات " ، " مائة رسم و أكثر "، و سلسلة كتب عنوانها " نظر " مستلهماً فيه بيت الشهر الذي كتبه بشارة الخوري " أن عشقنا فعذرنا أن في وجهنا نظر ".

فاز محيي اللّباد بالكرة الذهبية عن كتابه البديع " كشكول الرسام " في بينالي يوغسلافيا لرسوم الأطفال، و أطلقت عليه فرنسا " صانع الكتب ". كان يطمع في أن تصدر مجلة  "ياسين و ياسمين " الذي صدر منها عددا تجريبيا يتيما قام باخراجها وإشترك في رسمها، كان سيصدرها المركز القومي لثقافة الطفل بالتعاون مع الورشة التجريبية العربية لكتب الاطفال بالقاهرة و تستهدف الأطفال من سن الرابعة حتي السابعة.

رسم اللّباد، ألف للكبار و الصغار، ترجم، رسم الكاريكتير، صمم الكتب و الجرائد و المجلات، خلق حروف طباعة حديثة، بحث و ناقش ، عمل و إرتاح ، حزن و فرح ، و كان الشئ الوحيد الذي يخافه هو الموت، رغم شجاعته، ولكن سقطت الشجرة العملاقة، و أصبح حقل الفن موحشاً، ترك العديد من الرسوم و ولدين يواصلان مسيرته: د.مصطفي اللّباد الكاتب و الباحث في الشؤون التركية و الإيرانية و لكن غيبه الموت العام الماضي، و فنان الجرافيك أحمد اللّباد الذي يسير علي درب أبيه. 

ومع رحيل محيي اللّباد، رحل آخر " أسطوات " الرسم الصحافي في مصر.  

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز