عاجل
الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
جائحة كورونا فى إفريقيا (عوامل الانتشار وسبل الوقاية)

جائحة كورونا فى إفريقيا (عوامل الانتشار وسبل الوقاية)

جائحة كورونا فى إفريقيا (عوامل الانتشار وسبل الوقاية) أ.د. عطيه محمود الطنطاوى أستاذ الجغرافيا الطبيعية، وكيل كلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة أكد انتشار فيروس كورونا المستجد (COVID-19) على أن الأمن الإنسانى بأبعاده المختلفة لايمكن أن يتجزء ولايمكن تفضيل بعد عن آخر. حيث أكد انتشار هذا الوباء عالمياً على أهمية الأمن الصحي كبعد من أبعاد الأمن الإنسانى. وطبقاً لبيانات جامعة جونز هوبكنز، والمؤسسات الصحية العالمية وصل أعداد المصابين عالمياً فى 10 يونيه 2020 إلى 7239341 توفى منهم 412239. ولم يفرق الوباء بين دول غنية وفقيرة بل كان انتشاره أشد شراسة فى المجتمعات المتقدمة والدليل على ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تأتى فى المرتبة الأولى من حيث أعداد المصابين وأعداد الوفيات، بحوالى 2 مليون مصاب و111 الف متوفى، تليها البرازيل ثم روسيا وانجلترا وفرنسا وايطاليا واسبانيا والصين وغيرها. ورغم ما تنفقه هذه الدول على التفوق فى مجال التسليح الذي شهد نمواَ كبيراً فى العقود الأخيرة، إلا أن السلاح بكافة أنواعه لم يجدى نفعاً للتصدى لفيروس كورونا المستجد والحفاظ على حياة الإنسان. كما برهن هذا الوباء على أن الضعف فى أحد أبعاد الأمن الإنسانى يؤثر بلا شك على الأبعاد الأخرى. فانتشار الوباء فى ظل ضعف البنية التحتية الصحية وعدم توافر الرعاية الصحية الكاملة له تأثير واضح على اقتصاديات الدول من حيث توقف عدد كبير من القطاعات عن العمل كالسياحة والصناعة، وما ترتب عليه من زيادة فى عدد العاطلين، بل أدى فى بعض الأحيان إلى انعدام الأمن الاقتصادى، وقد يمتد الأثر إلى تهديد استقرار المجتمعات خاصة الزراعية.  وتعانى القارة الإفريقية كغيرها من جائحة كورونا حيث أنها ليست فى معزل عن القارات الأخرى وإن تأخر أو تباطئ الانتشار بها قليلاً خاصة فى الدول التي تقع إلى الجنوب من الصحراء الكبرى نظراً لقلة أعداد المسافرين إليها وقلة الرعاية الصحية وانتشار الأمية كما أن انتشار الأمراض الأخرى كالملاريا والإيبولا جعل هذه الدول لاتأبه فى بداية انتشار الجائحة. إذ أن إجمالي عدد حالات الإصابة يعد ضئيلا مقارنة بمناطق أخرى في أنحاء العالم، كما أن أول حالة إصابة في القارة ظهرت في وقت متأخر مقارنة بمواقع أخرى، وقد سارعت أغلب الحكومات في إفريقيا إلى فرض تدابير مشددة في مواجهة الفيروس. وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية  فى 11 يونيه 2020 أن عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا في إفريقيا تجاوزت 200 ألف حالة، في حين تجاوزت حالات الوفاة بالفيروس 5600. وجاءت ج.جنوب افريقيا في المرتبة الأولى إذ يوجد بها 25% من الإصابات، ونوهت المنظمة إلى أن أكثر من 70% من حالات الوفاة تنتشر في خمس دول فقط، وهي الجزائر ومصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا والسودان. ويتزايد القلق حيال كيفية تعامل الدول الافريقية مع الزيادة المتسارعة الآن في الإصابات بهذا الوباء. ويخشى من الآثار المحتملة مستقبلاً على القارة الإفريقية نظرا لضعف الأنظمة الصحية في العديد من هذه الدول، كما أن تدابير الإغلاق الصارمة أدت إلى تداعيات اقتصادية هائلة. وبالفعل اتخذت بعض الدول في مرحلة مبكرة اجراءات للحد من انتشار الجائحة مثل مصر وكينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا كفرض حظر على السفر، وإغلاق المدارس، ومنع التجمعات الكبيرة، وإنشاء مراكز للفحص والاختبار. وتتباين نسبة الانتشار بين دولة وأخرى فى القارة الإفريقية لعدد من العوامل الطبيعية والبشرية.



وكما يصف الجغرافيون القارة الإفريقية بأنها قارة المتناقضات، فإن عوامل انتشار الجائحة تختلف من دولة إلى أخرى. ومن العوامل ماهى فى صالح القارة الإفريقية إذ تعمل على الحد من انتشار الجائحة مثل الظروف المناخية للقارة حيث يقع ثلثى مساحتها بين المدارين أى إنها توصف بالقارة الحارة، وتوجد آراء طبية تقول أن الحرارة العالية تحد من انتشار الكثير من الفيروسات. كما ان انتشار الأوبئة والأمراض جعل لدى الأفارقة قدر من المناعة ضد الأمراض الفيروسية مثل الملاريا والايبولا وغيرها.

 

أما العامل الثالث فهو أن حوالى 40% من إجمالى السكان البالغ حوالى 1.3 مليار نسمة من الشباب أى أنها قارة فتية ومعروف أن للشباب القدرة على مقاومة الأمراض عكس الأطفال والشيوخ. ويكمن العامل الرابع فى قلة الحركة بين الأفارقة وبقية دول العالم إذا ماقورنت بقارات العالم الأخرى حيث أصيبت الحالات الأولى من فيروس كورونا من الخارج وكانت الدول التي لها صلات دولية متعددة جراء السياحة والعلاج والعمل مثل مصر وجنوب إفريقيا من أولى الدول الإفريقية إصابة بالجائحة.

 

والعامل الخامس هو نمط الاقتصاد السائد فى القارة وهو الاقتصاد المعيشى القائم بالأساس على حرفتى الزراعة والرعى وهى أقل الحرف تضرراً من الإغلاق العالمى. 

 

وعلى الجانب الآخر تتعدد العوامل التي تساعد على انتشار جائحة كورونا فى القارة الإفريقية وأهمها انعدام الأمن الإنسانى ومنه الأمن الصحي نتيجة للفقر السائد فى معظم الدول وعدم القدرة على مواجهة هذا الوباء.

 

والعامل الثانى هو الأمية وما تعكسه من جهل وعدم إدراك بالمخاطر الصحية التي تنتج عن هذه الجائحة وعدم متابعة الأحداث داخلياً وخارجياً. كما يوجد عامل مهم وهو ضعف الرعاية الصحية فى كثير من الدول الإفريقية حيث أن الخدمات المقدمة لاتتناسب مع أعداد السكان، وتواجه أنظمة الصحة الضعيفة فى القارة انتشار الفيروس دون إجراء الاختبارات المناسبة وتتبع مصدر انتشار المرض، وهذا يؤدي إلى تسارع انتشاره كالنار فى الهشيم. وباستثناء دول الشمال الإفريقى تعانى معظم دول القارة خاصة فى منطقة الساحل وحوض الكونغوا من ضعف تام فى الرعاية الصحية.

 

ورغم أن عدد السكان يعد أحد العوامل التي تؤثر فى مدى انتشار الجائجة إلا أن التوزيع والكثافة السكانية هما الأهم فى هذا السياق، فربما توجد مناطق شاسعة تخلو من السكان كما فى مصر حيث أن حوالى 95% من مساحتها صحراء خالية ومع ذلك يعانى وادى النيل ودلتاه من كثافة سكانية عالية تساعد على انتشار الوباء. والعامل الذي له دور حاسم فى انتشار الجائحة فى القارة هو زيادة سكان الحضر وانتشار المدن المليونية وما بها من عشوائيات ومدن صفيح وماينتج عنها من ازدحام وعدم التباعد اللازم للوقاية من العدوى. وأهم هذه المدن لاجوس وكانو والقاهرة ونيروبى وجوهانسبرج وغيرها حيث يهاجر إليها الكثير من أهل الريف سعياً وراء الرزق دون تخطيط. وقد ذكر تقرير صادر عن مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية بواشنطن أن المناطق المكتظة بالسكان في معظم أنحاء القارة تتصف بكثافة سكانية أعلى من تلك الموجودة في أوروبا والولايات المتحدة. وهذه الكثافة تساعد على انتشار الأوبئة الفيروسية حيث اكتشف أن معدلات انتشار الإنفلونزا في الهند ترتفع إذا زادت الكثافة السكانية عن ٢٨٢ شخصًا لكل كيلومتر مربع. وتبلغ الكثافة في العديد من المناطق المكتظة في إفريقيا أكثر من خمسة أضعاف هذه النسبة. هذا بالاضافة إلى عوامل أخرى لاتقل خطورة فى انتشار الجائحة تتعلق بالعادات والتقاليد فى كل قبيلة فى الأمور التي تتطلب تجمع السكان كالزواج والموالد والأعياد وأيضاً فى دور العبادة.

 

كما أن الصراعات والنزاعات القبلية التي لاتراعى مرضاً أو جائحة يمكن أن تفاقم المشكلة فى بعض البلدان مثل جمهورية الكنغو الديموقراطية والصومال وجنوب السودان وينتج عن الصراعات نزوح أعداد كبيرة من السكان ولجوئهم إلى مناطق أمنه حيث يتجمعون في مخيمات كبيرة ينعدم فيها الأمن الصحي، وغالبًا ما تكون الخدمات الصحية فوق طاقتهم ويصعب الوصول إليها.

 

وبالإضافة إلى العوامل السابقة توجد عوامل أخرى لابد وأن تأخذ بعين الاعتبار وهى سياسة كل دولة، وقدرتها على المجابهة، وكيفية إدارة الأزمة، وقوة علاقاتها بالدول والمنظمات الدولية المعنية بانتشار الجائحة.

 

وتعانى كثير من الدول الإفريقية من تهديدات بيئية لادخل للإنسان فيها مثل الفيضانات وموجات الجفاف والإنهيالات الأرضية والتلوث بأنواعه وغيرها، هذه التهديدات من شأنها أن تفاقم المشكلة فى بعض المناطق.

 

بالإضافة إلى العوامل التي ترتبط بالبنية التحتية فى بعض الدول كضعف شبكة الطرق وصعوبة الوصول إلى الوحدات الصحية وعدم وجود شبكات جيدة  للصرف الصحي وقلة موارد المياه الصالحة للاستخدام الآدمى وغيرها.

وللوقاية من انتشار الجائحة أو الحد من خطورتها فى إفريقيا يجب ما يلى: 1. تحديد المخاطر التي تواجهها كل دولة والعمل على زيادة الإنفاق الحكومى على القطاع الصحي، وتدريب العاملين فيه على كيفية التصدى للأوبئة والأمراض الفيروسية.  2. العناية بالتأمين الصحي لكافة المواطبين وأن يكون بيد الدول والحكومات وليس بيد القطاع الخاص. 3. توفير الخدمات الأساسية بكل السبل وأهمها المياه النظيفة والغذاء الآمن والدواء. 4. زيادة برامج التوعية بخطورة الوباء وكيفية الوقاية منه عن طريق الإعلام المرئى والمقروء والمسموع. 5. اتباع توصيات منظمة الصحة العالمية وتشمل غسل اليدين بانتظام ولمدة كافية، وتغطية الفم والأنف عند السعال أوالعطس، بالإضافة إلى تجنب مخالطة أي شخص تبدو عليه أعراض الإصابة بمرض تنفسي. 6. العمل على الاستعانة بشيوخ القبائل فى تبصير السكان بمدى خطورة الجائحة وأهمية الوقاية منها.  7. عدم السماح باستخدام الأفارقة كحقل تجارب لشركات الأدوية العالمية حتى نتجنب ماحدث سابقاً فى انتشار مرض الإيدز بالقارة. 8. التواصل مع الدول التي لها تجارب ولديها الخبرات الكافية فى مكافحة مثل هذه الأوبئة. 9. العمل من خلال الاتحاد الإفريقى ومنظماته وبشكل جماعى لمساعدة الدول الفقيرة والتي ليس لديها القدرة على المقاومة والحد من انتشار الفيروس. 10. العمل مع منظمة الصحة العالمية وكل المعنيين بالشأن الصحي عالميا أو إقليمياً للخروج من هذه الكارثة. 11. تبادل المعلومات بين الدول واتاحتها على مستوى القارة وعلى المستوى العالمى واطلاق العنان للبحث العلمى وزيادة الميزانية المخصصه له فى كل الدول الإفريقية. 12. لإفريقيا تجارب سابقة مع أمراض مشابهة كالايبولا والملاريا على الدول استغلالها. 13. نبذ الصراعات والحروب والعمل على عودة اللاجئين إلى ديارهم ومنع التكدس. 14. التوسع فى مجال التعليم من بعد للحد من اختلاط التلاميذ والطلاب ومن ثم الحد من انتشار الفيروس.

وخلاصة القول أن جائحة كورونا التي فاجأت العالم، ورغم مايملك من تقنيات وتكنولوجيات ومعامل لم يستطع حتى الآن أن يسيطر عليها. وأوجبت هذه الجائحة العمل على تحقيق الأمن الإنسانى عالمياً بكافة أبعاده،ً وأن العالم أجمع (صغيره وكبيره، غنيه وفقيره، أوله وثالثه) وحدة واحدة فبدلاً من التنافس بين الدول يكون التكامل بينها، وبدلاً من الصراعات يكون السلام وأن يراعى الأغنياء الفقراء فالجميع له الحق فى الحياه. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز